في سوق الحويش بالنجف.. الكتُب تتحول الى التنوع بعد أن كانت دينية محضة

 

شبكة النبأ: داخل سوق الحويش التي لا يتجاوز عرض ممرها الرئيس الثلاثة أمتار، وعلى مقربة من ضريح الإمام علي، وسط النجف، وقف جاسم محمد، صاحب مكتبة في أشهر شارع للكتب في المحافظة وهو يشير إلى الكتب التي عرضها على أمام الممر محاولا جذب الزبائن عبر ترديده بعض العناوين المعروضة.

ويقول محمد "في زمن النظام السابق، كانت الكتب الدينية تشكل 98 % من عدد الكتب المعروضة في مكتبتي، أما الآن فأستطيع القول إن نسبة الكتب غير الدينية تجاوزت الـ 80%"، ويشير إلى إن "هناك إقبالا كبيرا من الشباب والمثقفين، على الكتاب الثقافي والعلمي والسياسي والفكري".

وبالرغم من أن مدينة النجف تشتهر، ومنذ مئات السنين، بمكتباتها الخاصة أو العامة، بما تحتويه من مخطوطات وكتب نادرة، إلا أن سوق الحويش للكتب باتت تحتل، في السنوات الأخيرة، مكان الصدارة بين أشهر وأضخم المكتبات النجفية ذائعة الصيت، من حيث عدد الكتب والمكتبات التي تضمها.

وأخذت سوق الحويش تسميتها من المحلة التي تقع فيها، في مدينة النجف القديمة، ولم يمنع ضيق مساحتها الشديد، من أن تتسع لكم هائل من العناوين والموضوعات والمصادر العلمية والثقافية والفنية والروائية والحداثية، إلى جانب الكتاب الديني الذي ظل متفردا بالصدارة منذ سنين طويلة.

ومثلما هبت رياح التغيير على مختلف جوانب الحياة العراقية، فإنها مرت بشكل واضح على هذه السوق، "بعد أن كان روادها من المعممين وطلاب الحوزة العلمية فقط، أصبح يرتادها طلاب الجامعات، والسائحين العرب والأجانب الذين تستقبلهم المدينة كل يوم، وكذلك من النساء بشكل بسيط" حسب قول محمد، صاحب المكتبة عند أول الممر. بحسب تقرير لـ نيوزماتيك.

سقوط النظام السابق أسهم في تغيير اتجاهات القراء

ويشير محمد إلى أن "من أشهر رواد السوق من المشاهير والأدباء القدماء كان الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، ومصطفى جمال الدين، والخليلي، أما من الجيل اللاحق، فمن أشهرهم الشعراء عبد الرزاق عبد الواحد، وعريان السيد خلف، والناقد عناد غزوان، إضافة إلى أغلب رجال الدين ووجوه الحوزة العلمية وأساتذتها".

يلفت محمد بعد أن يأخذ نظرة سريعة على رفوف مكتبته إلى أن "الكتب الأدبية والمترجمة من مختلف الثقافات العالمية، أصبحت تلقى رواجا كبيرا، وها أنتم ترون الكثير منها في مكتبتي الآن"، ويبين أن "سقوط النظام السابق وقيوده، أسهم في تغيير اتجاهات القراء، وأنماط القراءة، وهو ما أثر على العرض والطلب".

ويذكر بائع الكتب أن "رواد سوق الحويش، ليسوا محددين بعمر أو جنس معين، إذ تجد فيهم من يرتدي العمامة ومن يلبس العقال إلى جانب الشباب بأزيائهم الحديثة، ولهذا تجد فيها الجميع رجالا ونساء، كبارا وحتى صغار".

ويشير محمد إلى أن "رواد السوق لا يقتصرون على أهالي النجف فقط، بل يرتادها زبائن من جميع المدن العراقية، ومن خارج العراق"، ويبن أن" السياحة الدينية ساهمت في إنعاش السوق التي تعد من أهم معالم المدينة، إلى جانب المراقد المقدسة".

لدينا كتب للعلم والتاريخ.. وكذلك للحب والغزل!

ويستعيد صاحب مكتبة أخرى هو حسين العباسي معلوماته ويقول إن "السوق تأسست قبل أكثر من 750 عاما، وتضم مكتباتها آلاف العناوين من مختلف الكتب، منها الدينية والعلمية، وكتب التاريخ والروايات، ومنها الكتب التي تتحدث عن الحياة الجنسية والنساء والحب والغزل".

ويذكر العباسي أن "الملاحقة والمراقبة التي كانت يتعرض لها أصحاب المكتبات، في زمن النظام السابق، جعلت أصحاب المكتبات يركزون على الكتب الدينية والتاريخية والأكاديمية".

ويوضح أن "رجال الأمن كانوا يحذروننا من بيع بعض الكتب، حتى وصل عدد الكتب الممنوعة إلى أكثر من 850 كتابا"، وبين أن "من بين الممنوعات كانت مؤلفات ألتيجاني، والشيخ باقر القريشي، وهادي المدرس، وكتابي ضياء الصالحين، ومفاتيح الجنان، وجميع الكتب المطبوعة في إيران، وكتب الحزب الشيوعي ودواوين أحمد مطر، ومظفر النواب، وكتب محمد باقر الصدر، والكتب السياسية لمعارضي النظام المقيمين في الخارج".

ويشير العباسي إلى أن "بعض أصحاب المكتبات الخاصة، قاموا بدفن الكتب في المقابر أو في سراديب تحت الأرض، هربا من أعين رجال الأمن، وأن الكثير من الكتب أما تلفت، أو ضاعت في مدافنها القسرية".

كتب قديمة ومكتبات متخصصة

ويشير حسين السباك، صاحب إحدى المكتبات القديمة في سوق الحويش، في حديث لـ"نيوزماتيك"، إلى أن "مكتبات النجف العامة والخاصة، تحوي آلاف الكتب المنوعة، والنادرة، والتي يعود عمر البعض منها إلى مئات السنين، إلى جانب الكثير من المخطوطات النادرة".

ويوضح السباك أن "بعض مكتبات سوق الحويش تخصصت بنوع واحد من الكتب، فمنها المتخصص بالكتب الأجنبية والقواميس، ومنها المختص بالكتب التعليمية، أو الروايات والشعر والأدب"، ويبين أن "بعض الكتب يطبع في النجف، والبعض الآخر نستورده من سوريا ومصر ولبنان وإيران".

ويبين السباك أن "طلاب الجامعات هم أهم رواد السوق، خاصة طلبة الدراسات العليا، الذين يعدون بحوثا في اللغة والأدب والتاريخ"، ويشير إلى أن "النساء قليلا ما يتجولن في السوق نظرا لطبيعة المدينة المحافظة، وأعتقد أن أغلبهن يتواصلن مع السوق عبر أزواجهن أو أقاربهن".

المكتبات الخاصة..لا غنى عنها

ويقول أحد طلبة الحوزة العلمية وهو الشيخ علي الساعدي، إن "مكتبات سوق الحويش تشكل مصدرا مهما لنا في كتابة البحوث العلمية والتاريخية"، ويستدرك "لكن المكتبات الخاصة، مع هذا تبقى مصدرا آخر لا غنى عنه، حيث تتوفر فيها كتب ومخطوطات نادرة قد لا نعثر عليها في أي مكتبة عامة".

يذكر أن سوق الكتب في الحويش، تضم أهم المكتبات الأهلية وأكثرها عرضا للكتب على اختلافها في محافظة النجف، 170 كم جنوب بغداد، ولعل أبرزها مكتبة الروضة الحيدرية، ومكتبة الحكيم، ومكتبة الحسن، ومكتبة أمير المؤمنين، ومكتبة كاشف الغطاء.

وتعتبر السوق أيضا من أهم من معالم النجف التي يقصدها ملايين الزوار سنويا لوجود مرقد الإمام علي بن أبي طالب فيها، كما تشتهر المدينة بالإضافة إلى الأسواق التجارية المتخصصة، كسوق الأقمشة، وسوق العطارين، والتي تجتذب مئات الآلاف من الزائرين سنويا من داخل وخارج العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- االثلاثاء 10/شباط/2009 - 14/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م