لم استغرب أبداً_ وانا اراقب مجريات أعلان نتائج انتخابات مجالس
المحافظات_ بالنتيجة التي خرجت بها وما آلت اليها حيثيات الامور
ومجريات الاحداث , فعلى الرغم من الحملات الاعلامية الضخمة لبعض
الاحزاب ودعاياتها التي اصبحت تلاحقنا حتى في بيوتنا , الا ان
المعطيات الحقيقية البعيدة عن اوهام الفاشلين وهوامات الحالمين , كانت
تشير الى ان الانتخابات سوف تفرز واقعا جديدا متمثلا بقوى وكيانات
وشخصيات سوف تعمل على تغيير الخارطة السياسية لمحافظات العراق.
الا ان ما ادهشني فعلاً واثار استغرابي واقعاً هو عدم اعتراف البعض
بالنتيجة ومغالطتهم لها وهروبهم من مواجهة المشكلة الحقيقية التي ادت
الى عدم حصولهم على ماكانوا يتوقعونه، وهؤلاء السياسيون والاحزاب الذين
راهنوا على قوائمهم كانوا على صنفين :
1.صنف امتلك منهم تصورا خاطئا مبالغ فيه عن نفسه وامكانياته .
2. صنف قرأ الجمهور والواقع بصورة بعيدة عن الحقيقة.
فالنتائج والاراء التي تتشكل عند الصنف الاول والثاني لا تقوم على
الموضوعية والحياد وانما ترتبط الى حد كبير وواضح بمواقف سياسية تؤثر
تأثيراً كبيراً في النتائج التي يقررها ويتوصل لها هؤلاء. فتحليل اي
موقف او منظور سياسي يُطرح من قبلهم يجب ان يقوم على التمييز الحاسم
بين النزعة الايديولوجية التي ينطوي عليها هذا الموقف (عن وعي او عن
لاوعي) وبين النظرية والاسلوب الذي ينطلق منهما كما قرر ذلك المفكر
هشام شرابي!
وقد اثبتت نتائج الانتخابات _ بما لايدع مجالاً للشك والريبة_ ان
هذه الأحزاب على جانب كبير من الخطأ في تقديرهم لشعبيتهم وفي تصورهم
للنتيجة التي ستخرج بها ولذلك فهم في هذه النتيجة منهزمون بسبب سوء
التقدير الذي رافق حكمهم على أحداث الانتخابات بحيث اصبح بينهم وبين
الحقيقة بوناً كبيراً وفجوة يتعذر ردمها ,وهذا ليس فيه عيب فالسياسة فن
الممكن ومن الممكن ان تنجح اليوم وتخسر غداً....ولكن الامر لا يقتصر
على هذه الهزيمة التي هي سهلة ومن الممكن تلافيها , فهنالك جبهة اخرى
قد أنهزم فيها هؤلاء بامتياز !!
يقول المفكر اللبناني علي حرب في كتابه " الممنوع والممتنع "
((ليست الهزيمة أن يندحر جيش او يسقط نظام بل الهزيمة ان لايصدق
المرء انه هُزم أو انه لا يدري كيف هُزم ولم هُزم...
الهزيمة ان تتوالى على السياسي النكبات والنكسات ويبقى متمسكاً
بموقفه متشبثاً بقناعاته وشعاراته...
الهزيمة ان يعود الواحد القهقرى دون ان يدفعه ذلك الى مراجعة
مسلماته او تغيير طريقة تفكيره او تبديل نهجه في التعاطي مع الذات او
الغير...
تلك هي هزيمة الهزيمة...))
وهذه هي الجبهة الثانية التي هُزموا فيها!
فالمشكلة عند بعض الاحزاب انها تعاني من عقدة هزيمة الهزيمة التي
تجعلهم لا يحسنون قراءة الاحداث واستبصار الوقائع ولا يجيدون التعاطي
معها , وبالتالي يكون تحليلهم أحادي الجانب بعيد كل البعد عن الواقع
الذي يحصل, والحدث الذي يجري, ولكنهم لايعترفون بذلك ولايقرون بان
رأيهم كان خاطئاً وقصّي عن الحقيقة فينهزمون لذلك مرة ثانية, ويكونون
فريسة لهزيمة الهزيمة.
فمرة انهزموا حينما قالوا وتوقعوا وتنبؤا ولم يحدث ذلك, ومرة ثانية
قد وقعوا تحت وطأة الهزيمة أيضاً حينما لم يعترفوا امام انفسهم
والاخرين بانهم كانوا على خطأ وانهم كانوا يغردون خارج سرب الحقيقة
التي اذهلتهم.
على السياسي والحزب الذي لم يحصل على ماكان يتوقعه من الانتخابات ان
يعترف اولا بانه قد انهزم من اجل ان يتلافى ذلك في المرات القادمة
ويصحح اخطائه ويعيد ترتيب صفوفه بدلا من رمي الاتهامات والشتائم
والبقاء في حلم اليقظة الذي عاش فيه في الفترة السابقة.
[email protected] |