يلاحظ أنّ الاهتمام البالغ الّذي يبذله غالبية المجتمع بالجوانب
السياسيّة المحاطة بهذه الانتخابات هو ممّا ساهم في جعل المباحث
القانونية المرتبطة بهذا الموضوع والّتي تتّسم بموضوعيّة و رزانة
ورصانة أكثر ممّا يوجد في المباحث السياسيّة ممّا ساهم في جعلها في
زاوية يقلّ الالتفات والاهتمام إليها فينبغي أن لاتهمل المسائل
والجوانب القانونيّة في هذا المضمار.وذلك لأنّ هذه الانتخابات تجري في
ظروف تختلف في مواضع عديدة عن مثيلاتها الّتي اجريت في السنوات الماضية
ومن أهمّها هي المواضع القانونيّة .
لايخفى أنّ الجانب القانوني لهذه الانتخابات هو من أهم ّ المباحث
الّذي يجب الإلتفات إليه ودراسته عن كثب وبشكل جدّي وموضوعي وذلك يعود
لعدّة أسباب أهمّها :
اولا : القانون هو الأساس والمعيار الّذي يوضع على أساسه بناء كلّ
مشروع من الإنتخابات كانت أم من غيرها ويقيّم على أساسه مسار هذا
المشروع ومدى إنحراف من عدمه عن جادّة الصواب والصلاح .
ثانيا : بما أنّ الإقتراع هو عبارة عن آليّة يمارس فيها الناخب
حرّيته في الإختيار وهي من أبرز سبل ممارسة العمليّة الديمقراطيّة
ومشاركة المجتمع في تحديد مصيرهم فالقانون هنا يكون بدوره راسما
ومخطّطا لآليّات هذه العملّية وإجراءاتها وتعيين مدى رسم خارطة هذه
الممارسة الديمقراطيّة في نطاق دائرة حريّة الناخب في إنتخابه .
ثالثا :المسألة المهمّة والاخرى هنا -وكما اشرنا إليها آنفا - أنّ
بعض الإجرائات القانونيّة الّتي يعتمد عليها في هذه الانتخابات تختلف
عمّا اتخذت في الانتخابات السابقة من عدّة جوانب لاسيّما بالنسبة إلى
موضوع تحديد نطاق دائرة حريّة الناخب الّتي تمّ الإشارة إليها في
النقطة السابقة .
صحيح أنّ قانون الانتخابات في العراق كان ولازال يعتمد على نظام
التمثيل النسبي وهو يعني (إعطاء كلّ حزب أو تجمّع يمثّل رأيا أو إتجاها
معيّنا عددا من المقاعد بحيث تتناسب مع قوّته العددّية )(1) خلافا
لنظام الاغلبيّة الّذي يؤخذ به في بعض البلدان كبريطانيا وتونس والّذي
يعتمد على أغلبيّة الأصوات فحسب ولو إنفرد بها كيان أو حزب واحد فقط
.(2) ولكن الاختلاف الّذي حصل في قانون انتخابات مجالس المحافظات
الجديد الرقم 36 الصادر في تشرين الاول عام 2008 هو في آليّة تطبيق هذا
النظام حيث أنّ القوانين الّتي طبّقت على الانتخابات الّتي أجريت في
السنوات الماضية كإنتخاب الجمعيّة الوطنيّة ومجالس المحافظات عام 2004
وإنتخاب مجلس النوّاب عام 2005 كانت تأخذ بآليّة القوائم المغلقة ولكن
القانون الجديد وحسب التمحيص والتدقيق في نصوصه نهج طريقة ((التصويت
التفضيلي )) وهذا ممّا يحتاج إلى شيء من التوضيح والبيان .
إنّ آليّة القوائم المغلقة كانت تكبّل يد الناخب وتجعله مقيّدا
بإنتخاب قائمة ما فحسب من دون أن يكون له دور مباشر في إنتخاب أعضائها
فكان صوته يذهب إلى القائمة خاصّة، ومن ثم يحتسب هذا الصوت لاعضائها
حسب تسلسلهم الذي رتبتهم القائمة فيه (3).والنتيجة تكون ان يفوز بعض
المرشحين مما قد لايعرفهم الناخب او عدم انتخابهم لعدم قناعته بهم .
وهذا يعني ان الحزب والكيان السياسي كان يتمتع بدور اكبر من الناخب
نفسه في ايصال من يريد من مرشحيه الى مقاعد مجلس النواب او المحافظات
وهذه هي من اهم الثغرات والمؤاخذات التي كانت تؤخذ على نظام القوائم
المغلقة .
وتداركا لهذه الاشكاليات يلاحظ ان الانظمة السياسية طرحت آليتين
بديلتين, احدهما ما يسمى بطريقة القوائم المفتوحة وهو النظام الذي يسمح
للناخب بان ينتخب عدد من المرشحين ولو من عدة قوائم مختلفة على ان
لايتجاوز العدد المقرر لتمثيل منطقته الانتخابية .وبعبارة اخرى للناخب
ان يشكل قائمة جديدة لنفسه وان يجعل فيها ما يشاء من المرشحين من هذه
القائمة وتلك القائمة وهكذا(4) .والآلية الثانية هي ماتسمى بطريقة
(التصويت التفضيلي) وهي تعد حلقة وسطى بين آلية القوائم المغلقة وآليّة
القوائم المفتوحة.
وتعني هذه الطريقة (التصويت التفضيلي)(انّ الناخب له أن ينتخب ضمن
القائمة الواحدة فحسب عدة من المرشحين او واحد منهم.)(5)
فهذه الآليّة تاخذ بأوسط الامور فلا تضيّق الخناق على الناخب كما في
القوائم المغلقة حيث تحتّم عليه أن يتقيّد بإنتخاب رقم وعنوان القائمة
فحسب ولاتمنح له الحريّة التامّة كما في آلية القوائم المفتوحة في
إختيار من يشاء من هذا الكيان وذاك الكيان و...
لايخفى أنّ طريقة القوائم المفتوحة هي أفضل وأسمى وسيلة للممارسة
الديمقراطيّة وإيصال صوت ورأي المواطن حيث تزيل كلّ العقبات الّتي
توضعها الكيانات السياسيّة أمامه وتمنح له نطاقا واسعا من الحريّة
لإختيار من يريدهم من المرشّحين .
فكان يؤمل من واضعي قانون الإنتخابات الجديد في العراق وهو في
طريقه نحو تجسيد قيم الديمقراطيّة شيئا فشيئا وقد قطع منها شوطا كبيرا،
أن يأخذوا في المرحلة الراهنة بهذه ألآليّة ولكن لأسباب عديدة (نطوي
عنها هنا صفحا لضيق المجال) لم يتم تطبيق نظام القوائم المفتوحة بل تمّ
إتّباع نظام (التصويت التفضيلي) (وهو بحدّ ذاته يعدّ خطوة إيجابيّة إلى
ألأمام ومبادرة جيّدة تستحق الثناء والتمجيد حيث يعدّ هذا النظام أفضل
من نظام القوائم المغلقة المعمول به سابقا) فلقد ورد في البند الثالث
من المدّة (12) من قانون إنتخابات مجالس المحافظات رقم 36 الصادر في
تشرين ألأوّل عام 2008مايلي :
(يسمح للناخب بالتصويت للقائمة ألمفتوحة أو لأحد المرشّحين من
القوائم المفتوحة المطروحة ضمن دائرته ألإنتخابيّة )(6) ولكن مع ذلك
يمكن أن يورد إشكال مهمّ على المشرّع حيث أنّه أعطى للناخب الحقّ في
إنتخاب مرشّح واحد ضمن القائمة الواحدة فحسب وكان بإمكانه ووفقا لآليّة
التصويت التفضيلي نفسها الّتي تسمح للناخب إنتخاب حتّى عدّة مرشّحين من
القائمة الواحدة كان بإمكانه أن يمنح هذا الحقّ للمواطن شريطة أن
لايتجاوز الأشخاص الذين ينتخبهم العدد المقرّر لمنطقته الانتخابية إذ
أنّ تحديد حقّ الناخب بشخص واحد فحسب هو أيضا ممّا يكبّل يداه ويحرمه
من إنتخاب عدّة أشخاص (وإن كانوا من نفس القائمة ) يرى فيهم الكفاءة
والنزاهة والجدارة بالمسئوليّة .
هنا ينبغي التنويه على مسألة مهمّة جدّا وهي أنّها عند قراءة
نصوص قانون الانتخابات الجديد وملاحظة عبارة (القوائم المفتوحة)
الواردة فيه قد يتوهّم أنّ القانون أخذ بآليّة القوائم المفتوحة ولكن
الصحيح كماتبيّن أنّه أخذ بطريقة (التصويت التفضيلي) ليس إلّا.
فعند ملاحظة نصّ البند الثالث من المادّة 12 من هذا القانون والّتي
مرّ ألإشارة عليها نجد أنّ المشرّع حدّد حقّ المواطن بإنتخاب شخص واحد
فحسب ضمن إحدى القوائم .(يسمح للناخب بالتصويت للقائمة المفتوحة أولأحد
المرشّحين من القوائم المفتوحة المطروحة ضمن دائرته ألانتخابية )(7) أي
أنّ المشرّع لايسمح بإنتخاب مرشّح إلّا بعد التأشير على رقم قائمته
ولهذا تعدّ الورقة ألانتخابية الّتي أنتخب فيها على رقم أحد المرشّحين
من دون أن يؤشّر فيها أيضا على رقم إحدى القوائم تعدّ هذه الورقة باطلة
وهذاليس هو إلّا طريقة (التصويت ألتفضيلي) آنفة الذكر .
هنا قد يطرح هذا السؤال ,إذن ماالمقصود من عبارة (القوائم المفتوحة
) الواردة في نصّ نفس المادّة 12؟
والجواب على ذلك أنّ هذه العبارة هي من الكلمات المشتركة الّتي تحمل
أكثر من معنى والمقصود منها في هذا القانون هي تلك القوائم الّتي تحتوي
على عدّة مرشّحين وتكون في مقابل القوائم المنفردة الّتي تتكوّن من
مرشّح واحد فحسب وليست بالمعنى الّتي مرّ شرحها(والتي تكون في مقابل
القوائم المغلقة) وبعبارة أخرى أنّ هذه الكلمة تشير إلى آليّة تكوين
القوائم لا إلى ذلك النظام الّذي يسمح للناخب بإنتخاب مايشاء من
المرشّحين من عدّة قوائم وإلّا لما كانت المادّة 12 من القانون نفسه
تحدّد حقّ المواطن بانتخاب مرشّح واحد ضمن قائمة واحدة فحسب !!!هذا من
جهة ومن جهة أخرى يلاحظ أنّه وردفي المادّة ألاولى من القانون نفسه
مايدفع هذا التوهّم حيث جاء فيها:
(-القائمة المفتوحة: وهي القائمة الّتي تحوي على أسماء المرشّحين
المعلنة على أن لاتتجاوز عدد المقاعد المخصّصة للدائرة .
-القائمة المنفردة :وهي القائمة الّتي يحقّ لفرد واحد أن يرشّح
بها للإنتخابات على أن يكون مسجّلا لدى المفوّضيّة )(8)
M_jawad_1982@hotmail.com
................................
المصادر :
د.جواد كاظم,صالح ود.العاني ,علي غالب,الانظمة
السياسيّة ,جامعة بغداد 1991ص47-1
2- نفس المصدرص44
3- نفس المصدرص56
4- نفس المصدرص55
5-نفس المصدرص56
6- الوقائع العراقيّةالعدد4091,الصفحة 4,تشرين الاول
2008
7-نفس المصدر ص 4
8-نفس المصدرص1وص2 |