الانسان بين خسائر التردد وأرباح الحسم

عند كبار الناجحين يأتي الحسم من الصفات الرئيسية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يؤكد علماء النفس إن احدى العلل التي تحد من تطور الانسان وتقدمه هي حالة التردد التي قد تطبع شخصية الانسان لدرجة انها تجعل منه عالة على نفسه وعلى المجتمع في آن واحد.

وليس هناك ترابط من قريب أو بعيد بين حالتي التردد والتأني، فما بين الخصلتين فرق شاسع يتأتى من العقل الراجح وطريقة تعامله مع الاحداث مهما تعددت أو تنوعت، إذ أن صاحب العقل الراجح هو غير صاحب العقل البليد المتردد، لكن يمكن أن نقول في هذا الصدد أن هناك حدّا ضئيلا يفصل بين حالتي التأني والتردد، تماما كما هو الحال بين سمتيّ الشجاعة والتهور اللتين تفصل بينهما شعرة ضئيلة لا أكثر.

يقول السيد هادي المدرسي في كتابه الموسوم بـ (واجه عوامل السقوط)، إن (التردد قاتل القرارات الصائبة قبل أن تُتخذ، كما هو قاتلها بعد ذلك) بمعنى أن التردد اذا ما لازم الانسان في حياته الاجتماعية أو العملية وسواهما، سيشكل عبئا قاسيا عليه وعاملا كبيرا لفشله في الحياة، حيث لايمكن تفادي أضرار التردد التي قد تضر الانسان في أي مرحلة من مراحل اتخاذ القرار.

فلو تصورنا أن رجلا من المصابين بحالة التردد قد ضغط على نفسه وشحذ همته إلى أقصاها واتخذ قرارا مهما بعد أن تجاهل حالة التردد ووضعها جانبا، هنا قد يظن الآخرون إن الانسان المتردد قد نجح باتخاذه هذا القرار الذي يحتاج إلى ارادة فاعلة، وقد يكون نجح فعلا في ذلك، غير أن المشكلة لا تكمن في هذا الامر فقط، بل في أهمية أن يقضي الانسان على حالة التردد تماما، فهو كما يشير السيد المدرسي، وإنْ تمكن من تجاوز التردد واتخذ قراره، غير أن حالة التردد نفسها قد تظهر له ثانية في مرحلة التنفيذ، حيث أن اتخاذ القرارات لا يكفي وحده بل ستتبعه اجراءات التنفيذ، فإذا برز التردد ثانية سيكون الفشل مصير جميع قرارات الرجل المتردد، وسوف يعجز عن تنفيذها وبالتالي فإن تجاوز حالة التردد في صنع القرار لا تكفي وحدها.

ويربط السيد المؤلف في كتابه بين اهمية تجاوز حالة التردد وبين قوة ارادة الانسان، فيقول في هذا الصدد (لا يدخل التردد قلبا، إلاّ ويطلب من الارادة أن ترحل عنه) إذن ثمة صراع بين الارادة والتردد، فالارادة الصلبة الفاعلة لا تسمح للتردد بمشاركتها في صنع القرارات وتنفيذها ايضا، وعكس ذلك اذا ما رحلت الارادة أو انطفأت في ذات الانسان، فإنها ستفسح المجال واسعا امام الضعف والتردد كي يمنع الانسان من اتخاذ القرارات الصائبة.

وقد تشمل حالة التردد مجموعة من الناس وليس فردا فحسب، وبذلك ستضيع فرصة اتخاذ القرار المناسب بين تعدد الآراء وغياب الحسم، بمعنى أن التردد والحسم قد يتواجدان بصورة مستقلة لدى الانسان بمفرده أو المجموعات ايضا، وهناك مثل ينطبق على هذه الحالة يقول (اذا كثر الملاحون غرقت السفينة).

ويورد المؤلف حوارية واقعية عن الصراع بين التردد والارادات في الصفحات الأوَل من كتابه هذا، وقد جاء في هذه الحوارية:

حدث هذا الامر لواحد من معارفي...

فقد وقع طريح الفراش في حالة شديدة من مرض ألمّ به فجأة.. وكان الزمن يعمل لغير صالحه، فكل ساعة تمر عليه كانت حالته تزداد سوءاً.

لم يخضع للعلاج، لأن أقرباءه كانوا مترددين في شأنه. فلم يأخذوه إلى طبيب، ولا اتفقوا على نوعية العلاج.

وعندما دخل في الغيبوبة، اجتمعوا حول فراشه، وأخذ كل واحد منهم يعطي رأيا بخلاف رأي الآخر.

قال أحدهم: لا يجوز التردد بشأن مريض في حالة خطرة، من دون أن نأخذه إلى طبيب، أو نعالجه بدواء.

وقال الآخر: من أين علمت انه في حالة خطرة؟ إن بواطن الامور في المرض ليست كظواهرها، فلربما تظن أن صاحبك شديد المرض بينما هو في حالة جيدة. ثم ألا تعرف أن الدواء هو ايضا داء؟ وأن له آثارا جانبية؟.

صاح أحدهم: ماذا نخسر لو أخذناه إلى الطبيب؟.

فأجاب غيره: دعوه يستريح، ولنقرر الأمر غدا فالنهار أفضل للمريض من الليل.

قال آخر: لنعطه بعض الأدوية الشعبية.

فأجاب غيره: لا أرى ذلك مناسبا. أن الجسم يطوّر العلاج لنفسه بشكل أفضل من أي دواء.

قال أحدهم: الغيبوبة حالة خطيرة، ولا بدّ من أن نعمل شيئا.

أجاب غيره: ومن قال لك إنه في حالة الغيبوبة لعله يغط في نوم عميق. لندعه يستريح.

قال آخر: لكي نعلم هل هو نائم أم في حالة غيبوبة، أقترح أن نرش على وجهه بعض الماء.

أجابه صاحبه: هذا لا يجوز، فلعله مصاب بنزلة برد، والماء البارد يضره في هذه الحالة.

قال آخر: إنه يموت، لنفعل له شيئا.

فأجاب أحدهم: لا تتفاءل عليه بالشر، فكم من أناس عاشوا سنينا طويلة بعد مرض عضال.

ظلوا حول فراشه هكذا منذ بدايات الليل، حتى اذان الفجر، وكانوا يتجادلون بشأنه، فهذا يجر يمينا وآخر شمالا من غير أن يحسموا أمرهم، أو يتفقوا بشأن علاجه..

ومع بدايات الصباح: مات الرجل!

وبقوا يتجادلون حول نعشه.. فقام بعضهم عنه وهو يقول: لقد ترددتم في علاجه، حتى مات. فهل تترددون في دفنه حتى يخيس؟.

من هنا يمكن أن نؤكد ما ذهب اليه المختصون في علم النفس والاجتماع وغيرهما بخصوص الاضرار والخسائر التي تنتج عن حالة التردد، في مقابل ذلك، ما ينتجه الحسم من فوائد ونجاحات في حياة الفرد او الجماعة على حد سواء، وهذا ما يقودنا الى تدريب الذات على الحسم في الوقت المناسب ونبذ التردد في جميع الاوقات.

شبكة النبأ المعلوماتية- االسبت 7/شباط/2009 - 11/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م