إدارة صرف الأموال وتدقيقها داخل العتبة الحسينية المقدسة

تحقيق: علي فضيلة الشمري

 

شبكة النبأ: يؤكد علماء الاقتصاد في العالم المتحضر ان المفهوم العام للتدقيق هو فحص الحسابات والبيانات للتاكد من صحتها او هو فحص كامل للانظمة الرقابية الداخلية والبيانات والمستندات بشكل يعطي الصورة الصحيحة والهادفة للمؤسسة او المنشأة الخدمية، ويؤكد اختصاصيون آخرون ان التدقيق عبارة عن مجموعة نظريات تنظم فحص البيانات المحاسبية ومدى تطابقها مع الواقع، ومن كلا المفهومين فإن الجميع يؤكدون ان عملية التدقيق تبدأ بعد ان ينتهي المحاسب اعماله.

 ولمعرفة كيفية ادارة صرف الأموال وتدقيقها داخل العتبة الحسينية المقدسة باعتبارها واحدة من أوسع المؤسسات الدينية الخدمية، إن لم تكن الأكبر، والتي تأسست بعد سقوط النظام البائد وتوسعت في خدماتها للصالح العام، التقينا بالاستاذ (حسن رشيد جواد) عضو مجلس إدارة العتبة الحسينية المطهرة والمشرف على قسم الشؤون المالية وقسم التدقيق والرقابة الداخلية في العتبة الحسينية، وعضو نقابة المحاسبين والمدققين العراقيين لنستفسر منه كيفية ادارة عملية جمع الاموال وتدقيقها داخل العتبة المطهرة:

س: ماطبيعة عملكم كجهة حسابية داخل العتبة الحسينية المطهرة؟

بتوجيه شرعي من أصحاب السماحة والفضيلة السيد (احمد الصافي) والشيخ (عبد المهدي الكربلائي) ( دام عزهم) كلفت بتدقيق حسابات العتبة الحسينية المقدسة بعد سقوط النظام البائد وقد استقبلت هذا التكليف بفرح غامر ومشاعر حسينية لاتوصف حيث كانت تعيش في مخيلتي منذ فترة طويلة وقد تمت المباشرة بتدقيق حسابات العتبة بالتعاون مع اللجنة المشرفة والمكلفة بإدارة شؤون العتبة شرعا بتاريخ 15/10/2004، وعلى ضوء نتائج التدقيق شرعنا بإجراء مسح شامل لعمليات الحسابات بكل حلقاتها لغرض تصميم نظام محاسبي يتلائم وينسجم مع طبيعة وخصوصية هذا المكان المقدس، وتم وضع خطة لتنفيذ برنامج نظام الحسابات يدوياً وآليا بالتعاون مع الإخوة المسئولين عن الحسابات وخلال فترة وجيزة تم تنفيذ هذا البرنامج وتدريب الكوادر العاملة في الحسابات عليه. وكانت هناك استجابة ودعم كبير وغير محدود من لدن أصحاب السماحة والفضيلة واللجنة المشرفة للوصول إلى نظام محاسبي مثالي يستجيب لمتطلبات العمل الشرعي والديني.

 وفي مقدمة أسس وقواعد النظام والتي تعتبر صمام الأمان هي إجراءات الضبط الداخلي والرقابة الداخلية بما يؤمن تدفق الأموال النقدية والعينية بشكل دقيق وواضح وفي إطار إجراءات مشددة بما فيها المعالجة المحاسبية للمعادن كالذهب والفضة سواء كانت مخشلات او سبائك معززة بوثائق وأدلة موضوعية.

 و منذ الفتحة الأولى للشباك المقدس والتي كانت موضع فخر واعتزاز لي شخصيا كمهني وبأمانة وحيادية بعد أن ظهرت نتائج التدقيق والفحص مطابقة بالرغم من الإمكانات البسيطة التي كانت مستخدمة في تنظيم الحسابات قبل أجراء التدقيق وقد كانت هذه النتائج دليلا قاطعا على وجود أيدي أمينة ونزيهة حرصت في الحفاظ على الأموال واستخدامها في موقعها الشرعي والديني ووفقا لتوجيهات المرجعية الشريفة.

س: كيف تعتمدون النظام الحسابي داخل العتبة الحسينية المقدسة؟

يعتمد نظام الحسابات على موارد الشباك المقدس ومرقد الشهداء والصحابي الجليل حبيب بن مظاهر والسيد إبراهيم المجاب والتل الزينبي، وبتكليف شرعي تشكلت لجنة تسمى (لجنة لفتحة الشباك) مهمتها جمع الأموال من المصادر أعلاه وتعبأ في أكياس خاصة وبحضور أصحاب السماحة والفضيلة والسادة المسئولين من السيد نائب الامين العام وأعضاء مجلس الادارة المشكل بموجب قانون إدارة العتبات المقدسة ورؤساء الأقسام ويتم توجيه الدعوات إلى شخصيات رسمية وغير رسمية والمراجع الدينية ورؤساء العشائر والوجهاء للتشرف بحضور الفتحة.

 وتسلم هذه الأموال إلى لجنة أخرى مكلفه بالفرز والعد ويتم اختيار عدد من المنتسبين للقيام بهذه المهمة بإشراف السادة المسئولين وفقا لإجراءات مشددة، وبعد الفرز والعد يتم إصدار محضر وتشكل لجنة أخرى لتصريف العملات الأجنبية إلى الدينار العراقي بأجراء مزايدة علنية من خلال دعوة مكاتب الصيارفة أو يتم البحث عن أفضل الأسعار في السوق.

 ومن واقع هذه الدورة يتم ترجمة الوثائق إلى قيود يومية في سجلات العتبة المقررة لهذا لتطبيق النظام الجديد وتسجل كافة العمليات المالية وفقا لنظرية ( القيد المزدوج ) حيث لايترك هذه النظام شاردة أو واردة صغيرة او كبيرة إلا أحصاها ووثقها وفقا للأعراف والقواعد والمعايير المحاسبية المتعارف عليها والمقبولة قبولا عاما من عموم المحاسبين. وقد جمع هذا النظام بين هذه المعايير والفتاوى الشرعية.

 وفيما يتعلق بالمعادن والعملات الأجنبية يتم ترجمتها بالقيم الرمزية لحين استخدامها شكلت لجنة لمتابعة صهر وتحويل المعادن إلى سبائك من خلال الاستعانة بخبرات من ذوي الاختصاص ويتم ترجمة كل مرحلة من مراحل تحويل هذه المعادن محاسبيا وبالقيم الرمزية، ومن باب الفخر والاعتزاز كانت نتائج أرصدة هذه المعادن مطابقة (100% ) مع الأوزان الفعلية، مما يدلل على صحة ودقة وكفاءة النظام المحاسبي المصمم وإجراءات المراجعة والتدقيق والفحص ومستوى نزاهة وكفاءة وإخلاص العاملين عليها، والاهم من ذلك تم تنفيذ مشروع تذهيب المنارتين الشرقية والغربية من هذه السبائك بالكامل دون الحاجة إلى مصادر أخرى وتم تحويل القيم الرمزية إلى قيم حقيقية لتكاليف انجاز هاتين المنارتين.

وهناك الهدايا والنذور العينية كالمواد الإنشائية والأثاث والسجاد والأجهزة الكهربائية والمنشات وقد تم تصميم نموذج تقرير وتقييم يوثق ويترجم هذه الهدايا والنذور إلى أرقام مالية حقيقية تدخل ضمن التدفقات المالية للعتبة وتحت قيود ورقابة مشددة.

وفي قسم الهدايا والنذور صمم نظام محاسبي ودورة مستنديه نقدية باستخدام الحاسوب ووفقا لنظرية (القيد المفرد) المتعارف عليها للسيطرة على التدفقات المالية النقدية والعينية من العملات الوطنية والأجنبية والذهب والفضة مخشلات وسبائك بما يتلاءم وحركة نشاط هذا القسم حيث أن هذه الأموال ذات تخصيصات شرعية محدده يجب أن تصرف في مواردها الشرعية ويصدر هذا القسم شهريا ميزان مراجعه بهذه الأموال بعد المراجعة والتدقيق ويحال إلى قسم الشؤون المالية للتسجيل وتدخل ضمن العمليات المالية الإجمالية للعتبة.

ومن حلقات النظام المحاسبي الأخرى الدورة المستندية المخزنية حيث تجد المواد والأجهزة والأثاث والسجاد مصنفه بأرقام ودليل محاسبي دقيق يسهل حركة التخزين والصرف باستخدام وتسخير الحاسوب بقدرات هندسية ذاتية في مجال البرمجة على الحاسبات و في قسم الشؤون المالية بما يحقق ويوفر الجهد والوقت والدقة وتوفير البيانات المطلوبة في الوقت المناسب.

س: ماهي الإجراءات المتبعة في مراقبة وتدقيق العمليات المالية؟

بما أن الولاء المطلق وحب أهل البيت (ع) هو الهدف الأسمى للعمل في العتبة من قبل المنتسبين فأن بعض الإجراءات المستخدمة في توثيق العمليات المالية تتخطى بعض الروتين الذي يعرقل في بعض الأحيان مراحل التنفيذ في الجوانب الخدمية والإعلامية والفكرية والأمنية والهندسية لغرض تسريع وتائر العمل بالوقت المناسب لتلبية متطلبات واحتياجات الزائر الكريم وتلبية نداء سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) في ضيافة ورعاية زواره وتثقيفهم وإرشادهم وحل مشاكلهم وفقا للاحكام الشرعية، إلا انها وبصورة عامة تؤدي الغرض المطلوب في الرقابة والتدقيق التي تختلف في بعض الأحيان عن الإجراءات المتبعة في نشاطات الدوائر الرسمية وقد كان لذلك دور كبير في تحقيق الأهداف المرسومة من قبل مجلس الاداره من خلال تقديم خدمات نوعية ومتميزة يشهد لها القريب والبعيد ومن كافة شرائح المجتمع.

وفي أطار تنظيم وأعداد ومراقبة الحسابات يصدر قسم الشؤون المالية سنويا ميزان المراجعة والذي يعبر عن خلاصة نشاط العتبة الحسينية المقدسة وتشكل لجان سنوية للجرد السنوي ولكافة الأموال المنقولة وغير المنقولة ويتم أجراء المطابقة من قبل قسم التدقيق والرقابة الداخلية للتحقق والتأكد من صحة الارصده الظاهرة في هذا الميزان.

س: مَن هي الجهة التي تقوم بتدقيق وفحص العمليات المالية والمصادقة عليها؟

بموجب الصلاحيات التي نص عليها قانون إدارة العتبات المقدسة باعتبار العتبات كيان مستقل ولها شخصية اعتبارية دينية وشرعية ووفقا للنظام الداخلي للعتبة المقدسة فقد كلف مجلس إدارة العتبة المقدسة احد مكاتب مراقبي الحسابات للقيام بمراقبة وتدقيق هذه الحسابات كمرحلة نهائية وبالتنسيق والتشاور مع الجهة المسؤولة ماليا وقد تم مراجعة وتدقيق حسابات العتبة وصدرت أول ميزانية عامة للعتبة او (المركز المالي) في التاريخ المعاصر.

س: كيف تجمعون بين معايير المحاسبة والخصوصية الشرعية في عرض البيانات المالية للعتبة؟

نحن نجمع بين نظام المحاسبة التجارية المتعارف عليها والاستحقاق النقدي المعمول في القطاع العام وبمصطلحات محاسبية شرعية عند عرض هذه البيانات بعيدا عن نتائج الربح والخسارة المعروفة في الإعمال والنشاطات الأخرى بسبب طبيعة النشاطات في هذا الصرح المقدس وقد صادق مجلس مهنة مراقبي الحسابات في نقابة المحاسبين والمدققين على تقرير مراقب الحسابات كما صادق مجلس الادارة على ذلك.

ومن أهم المتغيرات والمستجدات في عرض هذه البيانات:

• استبعاد مبدأ الاستحقاق في تسجيل الموجودات الثابتة او تسجيل اندثاراتها كما هو معروف.

• تسجل قيم الموجودات الثابتة (كالأثاث والسيارات والآليات والأبنية والنفائس) بحسابات متقابلة ملحقة بالميزانية العامة لإغراض رقابية وإحصائية فقط ويتم تسوية واستبعاد الموجودات التي تصبح عديمة الفائدة من قبل لجنة وتشطب من السجلات.

• تسجيل العملات الأجنبية والسبائك والمخشلات الذهبية والفضية والنفائس بالقيم الرمزية وبحسابات متقابلة أيضا ملحقة بالميزانية العامة أو المركز المالي للعتبة المقدسة لأغراض المتابعة والرقابة لحين تحويلها واستخدامها وحسب مواردها الشرعية.

• عرض قائمة الدخل بطريقة الاستحقاق النقدي بدلاً من حساب (النتيجة) او الارباح والخسائر لغرض الوقوف على التدفقات النقدية والعينية من الهدايا والنذور حيث تظهر هذه الموارد النقدية والعينية مخصوما منها ماتم إنفاقه على نشاطات العتبة الشرعية خلال السنة والفائض من هذه الأموال يرحل إلى حقوق الأمام الحسين (ع) والذي يعبر عنها في النشاطات الأخرى بحساب (رأس المال).

• عرض الميزانية العامة للعتبة المقدسة (قائمة المركز المالي) وفقا للتاريخ الهجري الإسلامي تيمناً وتخليداً لهجرة الرسول الكريم محمد (ص).

شبكة النبأ المعلوماتية- االسبت 7/شباط/2009 - 11/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م