المشهد العراقي بعد الانتخابات: الأمن ألغى الطائفية

الأفق مفتوح في الصراع بين المركز والحكومات المحلية

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: رغم ان الانتخابات المحلية التي جرت السبت الماضي تعدُّ اختباراً حقيقياً لما وصلت اليه مفاهيم الديمقراطية في العراق، ومفصلاً مهماً لرسم خريطة التقسيمات الطائفية، ومحكّاً للصراع بين الحكومة المركزية والمحافظات التي لم تتضرر من احداث الصراع الطائفي. إلأ ان العديد من الجهات الداخلية والخارجية رأت بأن السياق العام للأجواء التي جرت فيها الانتخابات يفيد بأن المجتمع العراقي يبتعد عن الطائفية والتحزّب والتأثُّر بالايديولوجيات، وأبرزت تلك الانتخابات خمود الاحتقان الطائفي في البلاد الى حد كبير..

فقد رأت صحيفة لوس انجلس تايمز الامريكية في تقرير لها، أن الأمن ألغى الطائفية في عملية التصويت بانتخابات مجالس المحافظات والاقضية والنواحي، متوقعة تحقيق ائتلاف المالكي نتائج جيدة بسبب الشعبية التي حصل عليها.

وابتدأ التقرير بمشهد شاب سنّي يمشي على ضفة نهر دجلة تردد عند سؤاله عن الذي صوّت لصالحه في الانتخابات المحلية التي جرت، ثم أعطى الجواب قائلا رئيس وزرائنا، الأمر الذي اعتبرته الصحيفة غير معقول لو كان في خضم الحرب الأهلية.

ورأت الصحيفة أن الطائفية ما زالت باقية في أذهان بعض المصوتين، لكن ذلك لم يعد له قيمة بسبب التحسن الأمني الذي يعود فضله… للمالكي الذي حققه في مناطق من العراق كانت خارجة عن القانون.

وأضافت أن “ما يؤكد الإنجازات الأمنية هو أحدث تقرير إحصائي عن العنف المتصل بالحرب، نشر الجمعة الماضية، وذكر أن 189 من المدنيين والعسكريين العراقيين قتلوا في كانون الثاني يناير، وهي أدنى نسبة منذ نيسان ابريل 2003 عند انتهاء المعارك البرية الأساسية بقيادة الولايات المتحدة”.

ونقلت الصحيفة عن وسام حسن، الذي يعمل ناقلا بين ضفتي نهر دجلة، قوله إن المالكي ضرب المتمردين من كل الطوائف”، مضيفا “كنت في البداية على أسس طائفية لا أثق بالمالكي لكني أصبحت من معجبيه”.

وذكرت الصحيفة أن من المتوقع أن تظهر نتائج التصويت الابتدائية الأسبوع الجاري، أما النتائج النهائية التي يدققها مراقبون دوليون فلن تعرف إلا في خلال شهر تقريبا.

وأشارت الصحيفة إلى عدم ورود تقارير من مسؤولين في الانتخابات وشرطة تفيد بأحداث عنف كبيرة، مقارنة بانتخابات 30 كانون الثاني يناير 2005، حيث قتل ما يزيد عن 40 شخصا.

ولاحظت الصحيفة أن حظر حركة السيارات حوّل شوارع بغداد إلى ملاعب كرة قدم للأولاد ، فيما توجه بعض الناخبين للتصويت مع أطفالهم، وهي إشارة على أن “المخاوف الأمنية التي كانت موجودة في الماضي قد ولّت”.

وقالت الصحيفة إن في احد مراكز الاقتراع في مدينة الصدر “زيّن العاملون المتطوعون في الانتخابات غرف المركز بأشرطة وخيوط لماعة وزهور وبالونات ملونة كتب عليها “I love you” و”Happy Birshday”، وعلى الرغم من الأخطاء الإملائية في هذه العبارات، إلا أن الفكرة كانت واضحة”.

وعن هذه الزينة قال مدير مركز الاقتراع للصحيفة “عندما يأتي الناس إلى التصويت، ربما يشعرون بالسعادة في هذه الأجواء”.

وتابعت الصحيفة القول “مع ذلك كانت هناك بعض الإشكالات، إذ أن بعض الناخبين يقولون إن أسمائهم لم تظهر في مركز الاقتراع ما حرمهم من فرصة الإدلاء بأصواتهم، وفي بعض الحالات توجه ناخبون إلى مراكز الاقتراع الخطأ”.

وبينت أن “في الكوفة بمحافظة النجف قال ناخبون إنهم لا يجدون سببا في عدم ظهور أسمائهم، على الرغم من أنهم كانوا قد صوتوا في المركز نفسه في الانتخابات الماضية، وقد توجهوا إلى مراكز أخرى لكنهم لم يجدوا أسمائهم أيضا”.

حزب شيعي عراقي يقول انه لا يزال قويا بعد الانتخابات

وقال المجلس الاسلامي الاعلى في العراق أكبر حزب شيعي انه احتل اما المركز الاول أو الثاني في انتخابات مجالس المحافظات العراقية على الرغم من وجود مؤشرات تفيد بأنه خسر تأييد الناخبين لصالح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

وأضاف الحزب الذي يسيطر على غالبية المحافظات في منطقة جنوب العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 أنه راض عن نتائج الانتخابات التي أجريت يوم السبت لكنه لم يشر بشكل مباشر الى تقارير أفادت بأن حلفاء المالكي ألحقوا به هزائم كبيرة.

وقال الحزب في بيان ان مرشحيه احتلوا اما المركز الاول أو الثاني في 11 من بين المحافظات العراقية البالغ عددها 14 محافظة والتي أجريت الانتخابات على مجالسها المحلية وان من المتوقع أن يسيطر على ما بين 20 و25 في المئة من مقاعد مجالس المحافظات. بحسب رويترز.

وأضاف أنه يبحث عن شركاء محتملين في ائتلاف اقليمي وقال "وفي كل الاحوال بقي المجلس الاعلى لاعبا اساسيا وأوليا في الساحة العراقية."

وكانت انتخابات السبت الاكثر سلمية في البلاد منذ الغزو واعتبرت فرصة لمنح تمثيل أكبر للجماعات التي كانت محرومة في وقت ما مثل العرب السنة الذين قاطعوا الانتخابات الاخيرة عام 2005. وأجج استياء السنة من حركة تمرد في العراق يقودها تنظيم القاعدة.

وعلى الرغم من أن النتائج الرسمية للانتخابات لن تعلن قبل أيام فان المؤشرات المبكرة تقول ان مرشحين موالين لحزب الدعوة الذي ينتمي اليه المالكي حققوا انتصارات على حساب المجلس الاسلامي الاعلى الذي تأسس في ايران عندما كان صدام حسين رئيسا للعراق.

ومدينة البصرة المركز النفطي الواقع جنوب العراق من بين المناطق التي بدا أن ائتلاف دولة القانون الذي يقوده المالكي يتجه فيها نحو الفوز وربما اكتساح الاصوات وتمثل نصرا كبيرا. وبدا أيضا أن مرشحي ائتلاف دولة القانون أبلوا بلاء حسنا في المناطق الشيعية في بغداد ومن بينها مدينة الصدر.

واذا تأكدت هذه النتائج فانها قد ترقى الى هزيمة منكرة للاحزاب الدينية وخاصة المجلس الاسلامي الاعلى الذي يجاهر باستخدام الرموز والشعارات الدينية الشيعية في حملته الانتخابية.

ويقول محللون ان النتائج قد تعكس رفضا للسياسات الطائفية والدينية بعد سنوات من اراقة الدماء بين الاغلبية الشيعية في العراق والاقلية السنية.

وقد تعني النتائج أيضا أن العراقيين يريدون مجرد مكافأة المالكي الزعيم الذي نجح في تحقيق تراجع كبير في أعمال العنف على مدى العام المنصرم.

وحقق المالكي الذي كان ينظر اليه يوما على أنه ضعيف مكانة كبيرة بعدما أرسل قوات عراقية تدعمها الولايات المتحدة للقضاء على عصابات الشوارع والميليشيات في البصرة ومدينة الصدر العام الماضي. وتأسس حزب الدعوة حاملا رسالة للقانون والنظام قبل انتخابات يوم السبت.

واذا تأكد فوز حلفاء المالكي فانه سيحظى بزخم كبير قبل الانتخابات البرلمانية المقررة نهاية العام الحالي والتي سيحاول فيها تجديد تفويضه في رئاسة الوزراء العراقية.

الأوبزرفر: العراقيون يخرجون لانتخابات حاسمة

وترى صحيفة الأوبزرفر انها ستكون اختبارا حقيقيا، ومفصلا مهما لرسم خريطة التقسيمات الطائفية، ومحكا للصراع بين الحكومة المركزية والمحافظات العراقية التي لم تتضرر من تلك احداث الصراع الطائفي.

وتقول الصحيفة ان اعداد المقترعين فاقت التوقعات في المحافظات التي جرت فيها الانتخابات، وعددها 14 من مجموع اجمالي محافظات العراق البالغة 18 محافظة.

ونقلت عن مراقبي الانتخابات قولهم انها لم تشهد احداث عنف تذكر، او وجود تدخلات للتأثير على الناخبين او اجبارهم او قسرهم في طريقة التصويت.

وتوضح الصحيفة ان هناك مخاوف وتحذيرات سبقت تلك الانتخابات من احتمال قيام التنظيمات المسلحة في العراق، المناهضة للعملية السياسية والوجود الاجنبي في البلاد، بموجة من الهجمات لعرقلة عملية الانتخابات والتأثير عليها سلبيا.

لكن هذا لم يحدث الا على نطاق ضيق جغرافيا ومحدود التأثير، وكانت في محافظة تكريت مسقط رأس  صدام حسين.

وتشير الصحيفة الى خروج اعداد كبيرة من العرب السنّة في محافظاتهم، بعد مقاطعتهم للانتخابات العامة التي جرت في مطلع عام 2005.

اذ تنقل بعض التقديرات خروج ما لا يقل عن 60 في المئة من سكان محافظة الانبار، معقل العرب السنة وثقلهم السكاني الرئيسي في العراق، مقابل مشاركة لم تزد على اثنين في المئة في انتخابات 2005.

اما في صحيفة التايمز فنقرأ تغطية اخرى عن انتخابات العراق تحت عنوان: المسلحون العراقيون يستبدلون الرصاص باوراق التصويت.

وتورد الصحيفة مثلا هو احد هؤلاء المسلحين، وهو حميد الجميلي، الذي كان يقود وحدة من المسلحين تخصصت في تفجير عربات الجنود الامريكيين، وطائراتهم في مدينة الفلوجة، التي تعد احد اقوى معاقل المسلحين السنة، وكانت مسرحا لواحدة من اعنف المعارك في الحرب على العراق.

وتقول التايمز ان حميد (37 عاما) كان في مقدمة قائمة من المرشحين ضمن قائمة الجبهة الوطنية لتحرير العراق، في انتخابات جذبت الملايين من الناخبين من طرفي المشهد الطائفي، السني والشيعي، الذي مر بحرب اهلية كادت ان تمزق البلاد عقب الغزو الامريكي للعراق في عام 2003.

واعتبرت الصحيفة ان هذا الحدث يعتبر اقوى صورة من صور الدعم الاجتماعي شهدتها العملية الديموقراطية في العراق، كما انه اقوى محك لمصداقية وقوة قوى الامن العراقية التي تشكلت خلال السنوات الخمس الماضية.

وكانت النتيجة انتخابات سلمية نسبيا، واعتبرها المراقبون الغربيون مؤشرا على امكانية تقليص القوات الامريكية والبريطانية من حجم تواجدها في العراق من دون المخاطرة بخشية وقوع اعمال عنف طائفية.

وتقول الصحيفة انه لا احد يمكن ان يجسد هذا التحول من الرصاص الى اوراق الاقتراع اكثر من حميد الجميلي.

اذ قال انه لم يتخلى عن الذي مازالوا يقاتلون القوات الامريكية، لكنه اختار ان يتخذ الاسلوب السلمي في المقاومة. وفي هذا قال: "انا ما زلت اعتقد ان المقاومة حق مشروع، وانها لم تنتهي، الا انني شخصيا سأستمر بانتهاج الاسلوب السياسي".

الانتخابات أبرزت خمود الاحتقان الطائفي

وعدَّ المحلل السياسي صادق الموسوي، أن نسبة المشاركة بانتخابات مجالس المحافظات “طبيعية”، مبينا أنها أبرزت خمود الاحتقان الطائفي في البلاد و”عزوف” الناس عن الكيانات الكبيرة التي دخلت المعركة بنفس الوجوه القديمة التي لم تحقق للشعب ما كان يصبو إليه.

وقال الموسوي لوكالة أصوات العراق إن نسبة المشاركة الجماهيرية في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت يوم (31/1) كانت “طبيعية مقارنة بما هو عليه الحال مع نسب المشاركة بالانتخابات في الدول الديمقراطية”، مشيرا إلى أن نسبة المشاركة بانتخابات تلك الدول كأمريكا وبريطانيا ” لا تتجاوز 55 أو 65% ولم تصل يوما ما أبدا إلى 100% أو 90% بل وحتى إلى 70%.

وأضاف أن الانتخابات الأخيرة دللت على أن الاحتقان الطائفي قد خمد في العراق، منوها إلى أن بعض الكيانات الكبيرة دخلت المعركة الانتخابية بالوجوه القديمة نفسها على الرغم من اخفاقها بتحقيق ما كان يصبو إليه الشعب من خدمات وأمور أخرى عديدة.

وأفاد الموسوي أن الاختيار كان صعبا على الناس بين القوائم الانتخابية لكثرتها وتشابه برامجها، مبينا أن “دور الشباب سيكون مهما في احداث التغيير المرتقب في البلاد مقارنة مع كبار السن الذين ينتخبون بتبعية المرجعية.

مستدركا أن الشيوخ “لم يعد لديهم الحافز نفسه للمشاركة بالانتخابات لاسيما بعد انسحاب المرجعية عن تأييد أي قائمة أو كيان”، وتابع بمعنى أن المسالة لم تعد واجبا شرعيا إذ أن الذهاب إلى صندوق الاقتراع ليس ملزما لدى مقلد المرجعية في الانتخابات الاخيرة.

وكان رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أعلن في وقت سابق قد اعلن أن نسبة المشاركين في انتخابات مجالس المحافظات في عموم العراق بلغت 51% وأن عدد الناخبين الذين أدلوا بصوتهم في عموم العراق بلغ سبعة ملايين ونصف المليون من مجموع 14 مليونا و900 ألف وتشمل 14 محافظة في عموم العراق عدا محافظات إقليم كردستان الثلاث (أربيل ودهوك والسليمانية) وكركوك.

شبكة النبأ المعلوماتية- االسبت 7/شباط/2009 - 11/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م