اردوغان البطولة والتداعيات

علي ال غراش

موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في منتدى دافوس في سويسرا، بتوجيه كلام قاسي إلى رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي شمعون بيريز اعتراضا على كلمته، قبل الانسحاب غاضبا من المنتدى، سيسجل في التاريخ، وستتذكره وتخلده الشعوب المؤيدة للقضية الفلسطينية، وعلى رأسها الشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم التي وقفت مع الشعب الفلسطيني أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة.

وهذا الموقف ستكون له تداعيات كثيرة ايجابية وسلبية لا تخلو من الصعوبة، ومنها عودة تركيا إلى الحضن العربي، وزيادة شعبيتها في الوسط العربي والإسلامي، يقابل ذلك تراجع حاد في شعبية الأنظمة العربية وزيادة الفجوة بينها وبين شعوبها الغاضبة.

وسيدفع اردوغان ضريبة ذلك الموقف من قبل الإدارة الأميركية وإسرائيل، وستخسر تركيا صفة الوسيط.

والمثير في موقف اردوغان والذي يستحق التوقف عنده طويلا، انه لم ينسحب لمجرد الانسحاب، وإنما سجل موقفا تاريخيا من خلال الكلمات القاسية التي وجهها إلى رئيس الاحتلال الإسرائيلي. ولو تأملنا تلك الكلمات لوجدناها تمثل فكرا جديدا لمرحلة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي الذي يتجدد، وتتصدر بالتالي القضية الفلسطينية الملفات الساخنة على مستوى العالم، فاردوغان أراد أن يفضح بيريز أمام العالم ويحول حالة التبرير والاستعطاف التي يدعيها الرئيس الإسرائيلي لاستخدام القوة المفرطة، إلى حالة معاكسة بأنه (اي بيريز) رئيس دولة مجرمة معتدية قاتلة، وان كلامه الحاد يعبر عن الشعور بالذنب.

 ولم ينس رئيس الوزراء التركي من التأكيد على مسألة الآداب والاحترام للكبير في السن، ولكن هذا الاحترام لم يمنعه من قول الحق والحقيقة وكشف زيف الاحتلال الإسرائيلي، كما انه حاول إيصال رسالة قوية للجمهور الموجود في المنتدى ـ وملايين المتابعين ـ الذي يصفق للرئيس الإسرائيلي انه بمثابة تشجيع على الإجرام. إذ قال: "اعتقد انك تشعر ببعض الذنب، لذا تكلمت بهذه الحدة،.. وحين يتعلق الأمر بالقتل أنتم تعرفون جيدا كيف تقتلون، لقد قتلتم أناسا..، أعتقد ما فعلتموه في غزة خطأ كبير غير إنساني، وأنا أتذكر أطفالا قتلوا على الشواطئ" في إشارة إلى مقتل مئات المدنيين والأطفال من بين 1330 فلسطينيا في قطاع غزة. وخاطب الجمهور قائلا "أرى انه من المحزن جدا أن يصفق أشخاص لموت الكثيرين واعتقد أنهم مخطئون بالتصفيق لأعمال قتلت أناسا". وختم حديثه "أنا لم ارفع صوتي عليك لأنك اكبر مني سنا وأنا احترم سنك".

موقف اردوغان كانت له أصداء قوية مؤيدة على مستوى شعوب العالم العربي والإسلامي والعالمي الداعم للحرية والسلام والحق الفلسطيني، حيث تمنت الشعوب العربية الساخطة على أنظمتها التي تغرق في الهوان والتشتت اردوغان عربي، أما في تركيا فقد استقبل اردوغان من قبل الشعب التركي استقبال الأبطال القوميين، بعد التفاعل الكبير في فترة الاعتداء الصهيوني الإسرائيلي على القطاع.

من جهة أخرى فان موقف اردوغان سيكون مكلفا جدا وسيكلف تركيا الكثير وكذلك شخص اردوغان، فالغرب وأميركا وبالخصوص دولة الاحتلال الإسرائيلي لن تسامح اردوغان على ذلك الموقف ولن يمر مرور الكرام، وستكون هناك محاسبة. وستستغل التيارات العلمانية الليبرالية المتشددة هذا الموقف في تصفية الحسابات مع اردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية، كما أن المؤسسة العسكرية التركية ذات التوجهات العلمانية المتشددة والتي لها علاقات وتعاون وثيق مع دولة الاحتلال الإسرائيلي لن تصمت كثيرا.               

مأزق جديد للأنظمة العربية

الأنظمة العربية التي تدعي انها المدافع الأول عن قضيتها الأولى قضية فلسطين والتي تعيش مرحلة صعبة جدا، يكفي ما لديها من أزمات خانقة، لكي يأتي اردوغان ليصب الزيت على النار، عبر موقفه في دافوس، ويضع هذه الأنظمة في حرج شديد، ويزيد من الفجوة بينها وبين شعوبها،.. وبينما هناك العديد من رؤساء العالم أثنوا على موقف رئيس الوزراء التركي، فأغلبية الأنظمة العربية لم تفعل ذلك.

كما ان موقف اردوغان تسبب في حرج كبير للامين العام للجامعة العربية الذي قام مصافحا وشاكرا ومؤيدا لموقف الزعيم التركي، بدون أن ينسحب أو يتحدث في تلك اللحظة لدعم موقف اردوغان، واستغلال المناسبة للدفاع عن قضيته وفضح دولة إسرائيل العدوانية.

استطاع اردوغان بما لاشك فيه أن يكسب ود وتعاطف شعوب العالم ومنها العربية التي تفاعلت وتظاهرات مؤيدة له، وان يجعل القضية الفلسطينية ومظلومية شعبها في المقدمة، وان يفضح دولة الاعتداء الإسرائيلي وما ترتكبه من قتل وجرائم ضد الإنسانية، وأن يحرج الأنظمة العربية ذات الدور السلبي. ولكن هل سيحافظ اردوغان على منصبه أم تكفيه شهادة التاريخ له بموقفه الشجاع؟

شبكة النبأ المعلوماتية- االخميس 5/شباط/2009 - 9/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م