أهوار العراق: الاهمال وعودة الجفاف يهددان السلام

 

شبكة النبأ: كيلومترات من سيقان القصب والطين الجاف هي كل ما يمكن رؤيته في معظم أنحاء أهوار العراق القديمة هذا العام حيث يهدد نقص المياه بتحويل واحدة من أهم المستنقعات في العالم الى أرض بور.

وظلت اهوار العراق التي يُعتقد أنها موقع جنة عدن، كما ورد في الكتاب المقدس، مشهورة محليا لسنوات بأنها جنة المهربين وقطاع الطرق والخاطفين. وتقول الشرطة ان المكاسب الامنية التي تحققت في الاونة الاخيرة يمكن أن تضيع اذا لم يحصل سكانها على المساعدة.

وتقبع الزوارق المتربة مهجورة على أرض جافة حيث كانت المياه زاخرة بالاسماك ذات يوم وكانت غابات القصب الطويل توفر مأوى للطيور المهاجرة. وتمتد سيقان القصب الان في الافق ويتكدس حيوان جاموس الماء في المستنقعات الصغيرة المتبقية.

وقال زهير الحيدري من عرب الاهوار "المياه ذهبت والان انظر الينا... وضعنا مريع. نحن من هذه المياه والاسماك والطيور والقصب والجاموس. والان جفت الاهوار. أين المساعدة.."

وأدت توليفة من قلة سقوط الامطار العام الماضي واقامة سدود على نهري دجلة والفرات وزيادة الزراعة مع ازدياد البلاد هدوءا عقب سنوات من الحرب الى تنامي الطلب على موارد المياه الشحيحة بالعراق.

وفي حين قام صدام حسين الذي اتهم عرب الاهوار بالخيانة خلال الحرب مع ايران التي امتدت من 1980 الى 1988 باقامة السدود وتجفيف الاهوار لاكتشاف المتمردين المختبئين في القصب تثور الان مخاوف من أن الدول المجاورة ربما تخنق الامدادات. بحسب رويترز.

وذكر تقرير لبرنامج الامم المتحدة للبيئة أن نحو 70 في المئة من المياه التي تدخل العراق تأتي من تدفق نهري تتحكم فيه تركيا وايران وسوريا. وتبدأ تركيا برنامجا لبناء السدود كما تقيم ايران ايضا سدا جديدا.

ويقول مسؤول عراقي يعمل في ترميم الاهوار ان تغطية المياه انخفضت الى نحو 43 في المئة بحلول منتصف يناير كانون الثاني بعد أن كانت نحو 71 في المئة قبل عام لكن عرب الاهوار يقولون ان المشكلة اكثر حدة مما تشير له الارقام.

وجلست ابنة الحيدري وهي في سن المدرسة بالقرب منه تغسل الملابس في جدول من المياه لا يتجاوز عمقه بضع بوصات تحت سماء غائمة لكنها لا تمطر. كانت بشرة والدها جافة ومشققة من الملح الذي أصبح مركزا الان في الماء.

وكثير من الناس الذين يعيشون في الاهوار الان عادوا لتوهم. فبعد سقوط صدام عام 2003 حطم السكان المحليون الكثير من السدود حتى تعود المياه للتدفق مجددا وقد تدخلت وكالات بيئية اجنبية للمساعدة في بث الحياة مرة أخرى في الاهوار.

وقال عرب من هور الحمار ان كل شيء كان يسير على ما يرام حتى عام مضى حين انحسرت المياه مجددا. وهور الحمار واحد من ثلاث مناطق رئيسية للاهوار في العراق.

وقال موثق شباب امام منزله المصنوع من القصب "هذه هي حياتنا كما تراها. ليس لدينا مياه ولا مصدر رزق."

وتتناثر الاكواخ التقليدية التي كانت ذات يوم مبنية على جزر في الاهوار في السهول الجافة.

وكانت الاهوار تغطي تسعة الاف كيلومتر مربع في السبعينات لكنها تقلصت الى 760 كيلومترا مربعا بحلول عام 2002. وبحلول سبتمبر ايلول 2005 استعيد نحو 40 في المئة من المنطقة الاصلية ويهدف العراق الى استعادة ستة الاف كيلومتر مربع في المجمل.

الاهوار الشاسعة النائية والمتاخمة لايران طريق ممتاز لتهريب المخدرات والسلاح واستلام السلع المسروقة واحتجاز المختطفين مقابل الحصول على فدية.

وأصبحت المنطقة اكثر امانا الان بعد أن أصدر رئيس الوزراء نوري المالكي اوامره بشن حملة عسكرية العام الماضي مما اكسبه دعما هائلا في الانتخابات المحلية التي جرت مؤخرا بالعراق. غير أنه لم تظهر اي علامات للحملة الانتخابية المكثفة في الاهوار.

وصرح مسؤول امني اقليمي بأنه اذا كان للمكاسب الامنية أن تصمد فيجب الا يتم تجاهل الاهوار اكثر من هذا.

وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه "اذا لم توجه السلطات المعنية اهتمامها الى الاهوار... فمن المؤكد أن اي احد لا يملك طعاما ولا عملا سيتحول الى وسائل أخرى لكسب رزقه."

وكان معدل سقوط الامطار بمنطقة الجذب بالعراق العام الماضي أقل من ثلث معدله في الاعوام السابقة وقد سقطت أمطار قليلة حتى الان هذا العام ولم يتبق سوى بضعة اشهر حتى يحل فصل الصيف.

وقال لطيف رشيد وزير الموارد المائية العراقي لرويترز ان تحليله أن السبب وراء هذا هو الاحتباس الحراري وأضاف أنه على علم بأن بعض الخبراء يقولون ان هذا جزء من دورة الطقس.

وقال عبد الكاظم ياسر من مركز ترميم الاهوار العراقية ان البلاد تدافع عن نفسها.

وفي ديسمبر كانون الاول بدأ العراق بناء سدود حول الاهوار لكن هذه المرة للاحتفاظ بالمياه داخلها وليس خارجها.

وقال ياسر انه يأمل خلال عامي 2009 و2010 تحقيق أقصى حد من تغطية المياه بأقل قدر من الموارد. وأضاف أنهم في الاعوام المطيرة يحصلون على الكثير من المياه لكن لا يتم استغلالها بطريقة ملائمة.

وعاش عرب الاهوار هناك لالاف السنين لكن على هامش المجتمع العراقي.

وتقول الامم المتحدة ان دراسة قدرت عدد عرب الاهوار بنحو 400 الف في الخمسينيات من القرن الماضي لكن مئات الالاف فروا منذ ذلك الحين من قمع صدام او هاجروا لاسباب اقتصادية.

وتتباين التقديرات بشأن عدد الذين عادوا بشدة. وكثير من عرب الاهوار أميون ولم يصادفهم الكثير من الحظ في العثور على عمل خارج الاهوار حيث ينظر اليهم على أنهم متأخرون.

وقال صغير اياد الذي يسكن في الاهوار "الى أين نذهب الان اذا استمر هذا الوضع.. قبل ذلك كنا نذهب الى المحافظات لكنهم الان بعد أن شهدوا البؤس الذي نجلبه لن يسمحوا لنا بالقدوم. لدينا حيواناتنا. كيف نستطيع أن نأخذها.."

وهو يريد بناء مدارس ومستوصفات للاطفال كما يرغب في أن تساعد الحكومة في اعادة المياه الى الاهوار. وأخذ الاطفال الذين غطاهم الطين والتراب يركضون حول مجموعة من الاكواخ بينما كانت طفلة لاتزال تتعلم المشي تلعب الى جوار احد حيوانات جاموس الماء الذي كان راقدا على الارض وبدت صغيرة للغاية بجانب هذا الحيوان الضخم.

شبكة النبأ المعلوماتية- االخميس 5/شباط/2009 - 9/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م