
شبكة النبأ: أعرب الرئيس الامريكي
أوباما عن رغبته في إحداث تغيير في العلاقات المتوترة منذ حوالي 30
عاما بين إيران والولايات المتحدة. ففي مقابلة أجرتها معه قناة العربية
الفضائية قال الرئيس الأميركي "إذا كانت هناك دول مثل إيران راغبة في
إرخاء قبضتها، فإنها ستجد يداً ممتدة من جانبنا." في إشارة يقرأها
المحللون على انها مقدمات صفقة كبرى لتسوية الاوضاع في المنطقة، قد
تُرضي ايران مقابل بعض التنازلات من قِبَلها..
وكانت الولايات المتحدة قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في
العام 1980 في أعقاب استيلاء جماعات مسلحة مدعومة من الحكومة الثورية
الإيرانية على السفارة الأميركية في طهران واحتجزت دبلوماسييها كرهائن
لمدة 444 يوما. ومنذ ذلك الحين أخذت العلاقات تزداد توترا بسبب دعم
إيران للمنظمات الإرهابية الدولية التي أشاعت عدم الاستقرار في الشرق
الأوسط مثل حزب الله وحماس؛ وكذلك بسبب أن سجل إيران في مجال حقوق
الإنسان حافل بالانتهاكات ضد مواطنيها؛ وأيضا بسبب البرنامج النووي
الإيراني المثير للجدل على المستوى العالمي ، الذي يدعى قادتها أنه
يهدف إلى تطوير أو تصنيع طاقة نووية ، لكن عددا متزايدا من الدول – من
بينها الولايات المتحدة- يشكون في أنه برنامج سري لتطوير أسلحة نووية.
وفي إعرابه عن الاعتراف بكل تلك التحديات تعهد أوباما بأن حكومته
ستعمل على وضع إطار عمل خلال الأشهر القادمة لتحديد كيفية تعاطي
الولايات المتحدة مع إيران. وقال "إن الشعب الإيراني شعب عظيم ، وإن
الحضارة الإيرانية حضارة عظيمة. ومن الممكن أن تكون بيننا خلافات
مشروعة، ومع ذلك يظل بيننا احترام متبادل."
وفي حين أن الحكومتين السويسرية والباكستانية عملت كل منهما منذ
فترة طويلة كوسيط رسمي بين البلديْن، فإن المندوبين الأميركيين
والإيرانيين حققوا تعاونا في الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار في
أفغانستان، وفي الآونة الأخيرة جرت بينهما مناقشات حول مستقبل العراق،
المجاور لإيران وخصمها الإقليمي حينما كان خاضعا لحكم الدكتاتور صدام
حسين. لكن الخبراء اتفقوا على أن تعزيز تلك الاتصالات المحدودة بين
البلدين، إضافة إلى البرامج الثقافية و برامج التبادل مع إيران التي
ترعاها الولايات المتحدة سيتأكد أنها تمثل تحديا لا يُستهان به بالنسبة
للحكومة الجديدة. بحسب موقع أميركا دوت غوف.
وخلال السنوات الأخيرة، دعا العديد من المسؤولين الأميركيين
السابقين والخبراء الأكاديميين إلى إعادة تقييم الأسلوب الدبلوماسي
الذي تنتهجه الولايات المتحدة مع إيران. وكانت لجنة دراسات العراق –
وهي لجنة خبراء شارك فيها أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي،
ويشارك في رئاستها وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر وعضو الكونغرس
السابق لي هاميلتون – قد أصدرت تقريرا في العام 2006 حثت فيه الولايات
المتحدة على الدخول في مفاوضات مباشرة مع إيران وحليفتها في المنطقة
سوريا حول تحقيق الاستقرار في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط برمتها.
وقد أيد أوباما حينما كان عضوا في مجلس الشيوخ النتائج التي توصلت
إليها اللجنة آنذاك، وحاليا انضم اثنان من أعضاء اللجنة إلى حكومته،
وهما مدير الاستخبارات المركزية ليون بانيتا، ووزير الدفاع روبرت غيتس،
اللذان انضما إلى اللجنة لفترة قصيرة قبل عودتهما إلى الحكومة.
ومن جانبه قال روبرت غيتس أمام لجنة تابعة لمجلس الشيوخ يوم 27
كانون الثاني/يناير "إن الطموحات الإقليمية والنووية لإيران ما زالت
تمثل تحديا كبيرا بالنسبة للولايات المتحدة." وأكد على وجود عامليْن
غير عسكرييْن قد يكون لهما تأثير على اتجاهات إيران في المستقبل وهما:
الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار البترول، والعلاقات مع
العراق الديمقراطي الجديد الذي يتزايد اكتفاؤه الذاتي.
ويقول الخبراء إن كسر العقدة الدبلوماسية المتعلقة بالطموحات
النووية لإيران قد يمثل انفتاحا. ففي العام 2006، منعت إيران الفريق
التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية من إجراء تفتيشه على منشآتها
النووية، كما رفضت الإجابة على أسئلة حول العناصر المتعلقة بالأسلحة
فيما تجريه من أبحاث.
ومنذ ذلك الحين فرض مجلس الأمن الدولي ثلاث مجموعات من العقوبات على
الوكالات التابعة للحكومة الإيرانية والمسؤولين الإيرانيين والبنوك
ومؤسسات أخرى لها علاقة بالبرنامج النووي الإيراني. وانضمت الدول الخمس
الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي - وهي الصين وفرنسا وروسيا
والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – إلى ألمانيا لتكون مجموعة واحدة
عُرفت باسم خمسة زائد واحد من أجل العمل على إقناع إيران بوقف عمليات
التخصيب والانضمام إلى طاولة المفاوضات.
وأعربت سوزان رايس المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة عن
موقف بلادها تجاه إيران بقولها: "إننا ما زلنا نشعر بقلق عميق بشأن
التهديد الذي يمثله البرنامج النووي لإيران بالنسبة للمنطقة، وفي
الواقع بالنسبة للولايات المتحدة وللعالم كله." وكررت التأكيد على
التزام الولايات المتحدة باتباع "دبلوماسية مباشرة" مع طهران. وقالت
"إننا نبحث عما يمكن أن يكون ضروريا ومناسبا من أجل إبقاء الضغوط
مستمرة بهدف إنهاء البرنامج النووي لإيران."
ومن المقرر أن يجتمع أعضاء مجموعة الخمسة زائد واحد في ألمانيا يوم
4 شباط/فبراير. وفي الفترة القريبة القادمة قد توفر الحوارات الدولية
الدائرة حول البرنامج النووي لإيران معلومات مفيدة بشأن الأسلوب الذي
يمكن أن ينتهجه صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة بهدف تحقيق
التعامل الدبلوماسي مع إيران.
ومما قالته سوزان رايس أيضا: "إن الحوار والدبلوماسية يجب أن يسيرا
جنبا إلى جنب مع الرسالة الحاسمة جدا من الولايات المتحدة والمجتمع
الدولي التي تفيد بأنه لابد من وفاء إيران بالتزاماتها الدولية كما
حددها مجلس الأمن الدولي، وأن استمرار رفضها الاستجابة لذلك لن يؤدي
إلا إلى زيادة الضغوط عليها."
من ناحية أخرى صرحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون
للمراسلين الصحفيين يوم 28 كانون الثاني/يناير بأنه "توجد فرصة سانحة
أمام الإيرانيين لإظهار شيء من الرغبة في التعامل مع المجتمع الدولي
بأسلوب له مغزى، مثلما عبر عن ذلك الرئيس في مقابلته. والقدر الذي
سترخي به إيران قبضتها أمر سيكون تحديده متروكا لهم في واقع الأمر."
انفتاح الإدارة الأمريكية يضع زعماء طهران في
موقف حرج
كاترين بينهولد، كتبت في صحيفة هيرالد تريبيون مقالاً هاماً جاء فيه:
إعراب الرئيس باراك أوباما عن استعداده لبدء محادثات مع إيران وضعَ
القيادة الإيرانية على مايبدو في موقف حرج.
فقد رحب وزير خارجية إيران منو شهر متقي من منتدى دافوس بحذر باللغة
الجديدة الصادرة عن واشنطن قبل ان يسارع للتأكيد انها ليست كافية حيث
قال من خلال مترجم اثناء مقابلة معه على هامش المنتدى الاقتصادي
العالمي في دافوس: اننا بحاجة لرؤية خطوات عملية قبل ان نقرر ما اذا
كان علينا ان نبدأ الحوار، وانا هنا لا أريد ان اضع شروطا فنحن لا نسعى
لفرض افكار معينة بل نريد ان يقول الرئيس باراك أوباما ما الذي سيفعله
بالضبط.
من الملاحظ ان تعليقاته هذه جاءت بعد ثلاثة أيام من قول اوباما
لشبكة تلفزيون العربية ان الولايات المتحدة على استعداد لمد يدها
لإيران مما دفع الرئيس الايراني محمد أحمدي نجاد للرد بعد يوم واحد من
ذلك بان على الولايات المتحدة الاعتذار لإيران عن الاعمال المسيئة التي
اتخذتها ضد إيران منذ اكثر من ستين سنة.
وفي غضون ذلك دخل الرئيس الايراني السابق علي اكبر رفسنجاني حلبة
هذا التراشق الكلامي من طهران، وانتقد الادارة الامريكية الراهنة
لابقائها كل الخيارات مفتوحة لكي تضغط على إيران في موضوع برنامجها
النووي المثير للجدل.
والواقع ان رد فعل متقي زاد الشعور لدى الدبلوماسيين ومراقبي
السياسة الخارجية بان من الصعب على المسؤولين الايرانيين في الوقت
الراهن الدخول في اتصالات مع الولايات المتحدة قبل الانتخابات
الايرانية التي ستأتي بعد خمسة اشهر.
وهذا ما دعا مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية جون تشيبمان
للتعليق على هذه النفطة بالقول: يبدو ان أوباما كان يعرف ان الايرانيين
لن يستطيعوا الرد على عرضه، ولذلك تقدم به.
وتضيف كاتبة المقال كاترين بينهولد، لعل من المفيد ان نلاحظ هنا ان
متقي، المعروف باسلوبه الدبلوماسي اللطيف، لم يتقدم باية مطالب ملموسة
من واشنطن واكتفى بالتعبير عن رغبة ايران في التعاون مع الولايات
المتحدة حول القضايا الاقليمية كالعراق وافغانستان، لكن لما كان
الاقتصاد الايراني يعاني من تأثير العقوبات الاقتصادية الدولية،
وانخفاض اسعار النفط وتداعيات ازمة الائتمان العالمية، المح متقي الى
ان طهران تحبذ ان ترفع الولايات المتحدة شيئا من العقوبات المفروضة على
ايران وقال: ثمة تاريخ طويل لبعض الاجراءات التي اتخذتها الولايات
المتحدة ضد ايران، ولذا نود ان نرى نوع التغييرات التي سيجريها الرئيس،
أوباما في هذه المجالات.
لكن من الواضح ان الضغط الذي تواجهه طهران لمقابلة اوباما بانفتاح
مماثل اخذ يزداد.. فقد دعا وزير خارجية المانيا فرانك ولتر شتاينماير
ايران قبل بضعة ايام للرد على الانفتاح الامريكي قائلا: من المفيد ان
مد اوباما يده واظهر استعدادا للدخول بمحادثات مباشرة مع ايران، واعتقد
ان الوقت قد حان بالنسبة لنا ايضا لكي نطالب ايران والقيادة الايرانية
بألا ترفض هذه اليد.
وبدوره، ذكر محمد البرادعي، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية
التي تراقب برنامج ايران النووي عن كثب، انه لم يستغرب عدم استجابة
ايران فورا وبشكل ملائم على العرض الامريكي وقال: انهم (الايرانيون)
يريدون ان يعرفوا شكليات الحوار وجوهر العرض، ومن سيشارك في المحادثات،
وهناك بالطبع سيناريوهات كثيرة في هذا المجال. الا ان البرادعي اشار
ايضا ان تلكؤ ايران ينطوي على خطر لا ضرورة له قائلا: لقد ابلغت
الايرانيين انه ليس بوسعكم الجلوس والانتظار فقط، فهناك يد ممدودة
نحوكم وعليكم ان تبينوا انتم ايضا انكم تستطيعون مد يدكم كذلك.
وتضيف كاتبة المقال، لكن بالرغم من كل مشاعر عدم الثقة التي لا تزال
كامنة، تشير التعليقات الصادرة عن كلا الجانبين ان الادارة الجديدة في
واشنطن قد نثرت بالفعل بذور تحول حقيقي في العلاقة بين البلدين، وفتحت
الباب امام ما يصفه البرادعي بـ «صفقة كبرى» تغطي ليس فقط الازمة
النووية مع ايران بل وايضا الامن الاقليمي والمسائل التجارية.
الا ان من غير الواضح ما اذا كانت هذه الصفقة تتضمن السماح لإيران
بالمضي قدما في تخصيب اليورانيوم. يقول البرادعي: ان الرد على هذه
المسألة يعود للطرفين اللذين يتعين عليهما التفاوض لاتخاذ قرار بشأنها
لكنها يجب ان تبقى على الطاولة.
وختمت الكاتبة بالقول، جدير بالذكر هنا ان اوباما امتنع عن الاشارة
الى هذه المسألة، واختلف بهذا عن سابقه بوش الذي اعتبر تخصيب
اليورانيوم خطا احمر يتعين عدم تجاوزه، وفي هذا الاطار، يقول خبير
امريكي كبير في شؤون السياسة الخارجية يقدم النصح عادة لوزارة الخارجية
الامريكية: لم يعد تخصيب اليورانيوم عملية محرمة كما كان عليه الامر
خلال السنوات الثماني الماضية، لذا، اذا سمح الايرانيون باجراء عمليات
تفتيش غير متوقعة يمكن ان يصبح التخصيب جزءا من الصفقة الكبرى. |