شيعة العراق بين متطلبات الدين واستحقاقات السياسة

عراقيون يعزفون عن السياسة وينتخبون الإمام الحسين (ع)

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: " إنشاء الله لن نتأخر، سوف نذهب لننتخب الحسين… ننتخب الحسين". كلمات يرددها احمد الشاب العشريني وهو في طريقه الى كربلاء قاطعاً مئات الكيلومترات من الجنوب العراقي، تاركاً خلفه صناديق الاقتراع.

ووجدَ آلاف من الشيعة في جنوب العراق أنفسهم في حيرة الاختيار بين متطلبات الدين واستحقاقات السياسة وهم يستعدون للاحتفال بأربعينية الامام الحسين (ع)، فقد خرجَ الزوار الشيعة في مدينة البصرة بجنوب العراق في مسيرة شاقة يقطعون خلالها مئات الكيلومترات للوصول الى مدينة كربلاء المقدسة للاحتفال بأربعينية الامام الحسين (ع) حفيد النبي محمد (ص)، الامر الذي أبعدهم عن مراكز الاقتراع التي سجّلوا فيها اسماءهم للمشاركة في الانتخالات التي جرت السبت الماضي.

وقال محمد علي وكان من بين مجموعة من الزوار القاصدين الى كربلاء يستريحون في خيمة على الطريق "كربلاء أهم من التصويت وحتى الآن لم أر مرشحا واحدا يستحق ثقتي. مازلت بلا عمل منذ الانتخابات الماضية."

وانتشرت خيام الزوار المسافرين الى كربلاء التي تتردد فيها شعارات دينية قوية وترفع عليها الاعلام في جنوب العراق الذي تقطنه غالبية شيعية لتقديم الطعام والمأوى للمسافرين.

وقال البعض انهم عازمون على المشاركة في الانتخابات وسيعودون قبل ان يقوموا بزيارة كاملة او ان يعودوا بالسيارة الى النقطة التي انطلقوا منها حتى يتمكنوا من الذهاب للتصويت.

هذا الجدل الذي وضع التصويت في الانتخابات في كفة والطقوس الدينية في كفة أخرى تطلب مداخلة من المرجعية الشيعية في العراق آية الله العظمى علي السيستاني.

وقال محمد ابراهيم وهو يجلس داخل الخيمة في رحلته الى كربلاء "سنسير الى أبعد ما نستطيع ثم نعود.. المرجعية قال ان علينا ان نصوت ولذلك سنصوت."بحسب رويترز.

أخذ متطوع يدعك ركبة أحد المسافرين بمرهم طبي وانبعثت رائحة الطعام من قدر كبيرة في مؤخرة الخيمة. وقال رياض علي وهو من المسافرين الى كربلاء "الامر يستحق العودة حتى نغير الاوضاع في العراق."

وتولت الاغلبية الشيعية في العراق السلطة منذ ان انهى الغزو الامريكي للعراق عام 2003 حكم الاقلية السنية بزعامة صدام حسين.

لكن يشعر كثيرون من الشيعة بخيبة أمل مما يعتبرونه تحسنا قليلا في حياتهم منذ الانتخابات السابقة التي جرت عام 2005.

أيهما أقصر.. الطريق إلى كربلاء أم إلى صناديق الاقتراع

بيارق ملونة تطفو على نهر من السواد، لترسم أفقا جديدا لمنطقة سيد دخيل (15 كم شرق الناصرية)،  جموع زاحفة تتوافد دون كلل أو انقطاع من المدن والقرى الجنوبية فتجعل حركة السيارات مستحيلة فيها.

محمد عبد 33 عاما، يندفع بعكازه غير المشذب بحماس في محاولة للانتصار على عرَجه، لكن نعاله يخذله أحيانا بسبب انزلاق رجله منه لكبر مقاسه وكثرة تعرقه، قال محدثا زميله في المسير وهو يكتم لهاثه  “بدأت مسيرتي من قضاء المدينة قبل أصدقائي وسأنتظرهم في السماوة لنكمل الطريق معا”.

وأضاف بصوت عال “نذرت نفسي في العام الماضي لأذهب إلى كربلاء مشيا على الأقدام رغم إعاقتي، دون أن يكون لي علم الانتخابات”.

وانطلق (المشّاية) الذين يذهبون من قراهم أو مدنهم في أقصى الجنوب إلى كربلاء لزيارة الإمام الحسين(ع)، في ذكرى اربعينيته مشيا على الأقدام، منذ أكثر من أسبوع.

أم محمد كانت تسير ضمن الحشد الذي يسير فيه الرجل ذو العكازة عقبت على كلامه قائلة “هذه (المشيه) حاربها النظام السابق وفشل فشلا ذريعاً”. وتساءلت بقوة كأنها تكتشف شيئا لأول مرة “ليش الجدد ما يحترمونها”. ؟ همّه شنو كالوا؟.. مو كالوا أحنا أجينا حتى الناس تأخذ حريتها بالمشي واللطم.؟  ليش يحصرون الناس مابين الحسين والانتخابات”..

المتسربلون بالسواد يزحفون إلى أمام وهم يثرثرون، الغبطة والتعب يتصارعان في وجوههم، كل يحمل رايته وبعضهم يحمل صورا للأئمة، وآخرين آيات قرآنية خطت بأحرف بارزة.

فاضل الجنابي مرشح للانتخابات قال”في كل انتخابات هنالك نسبة من الذين يشاركون والذين يترددون والذين يرفضون”. مبينا ” لكن للمشاية نظامهم المعروف وقراراتهم الملزمة، فهم يقررون قبل عام هل سنمشي العام القادم أم لا”.

ورأى الجنابي أن المشاية “يرفضون المشاركة في الانتخابات بسبب قصر النظر السياسي لأعضاء البرلمان الذين أخروا موعدها إلى هذا الوقت”. بحسب تقرير لـ اصوات العراق.

 ويصادف بعد نحو أسبوعين ذكرى زيارة أربعينية الحسين (ع) وتسمى عند العامة (مرد الروس) أي رجوع رأس الحسين وآل بيته وأصحابه من الشام، لتدفن مع الجثث التي دفنت في أرض الطف عام 61 هجرية.

بسام الجابري من منظمة البيت العراقي كشف أن قسما كبيرا من “المترددين في اختيار مرشحهم وجدوا (حجة شرعية) بالمشي وترك الانتخابات خلف ظهورهم”. ورجح  أن نسبة كبيرة من الأصوات “ستهدر في هذه العملية”

من جهته قال تحسين الناصري (إمام جماعة) ”المشي ليس واجبا دينيا وكذلك التصويت لكن من المصلحة العامة هي في الذهاب للانتخابات والمشاركة فيها  باختيار المخلصين”

أنور محسن 43 سنة ذكر أن في السنوات السابقة كان (المشّاية)  “يبيتون في المضايف الخارجية لكن السنة لم تكفهم مع أن أعدادها تضاعفت، ففتحت لهم بيوت المدينة”. لافتا أنهم  لم يبدوا أي اهتمام بالانتخابات.

احمد 11 عاما يرافق أخوته الكبار بالمشي حاملا راية خضراء صغيرة يقول “هذه السنة الأولى التي يوافقون على اصطحابي معهم، وأنا أسرع منهم بالمشي”. وأضاف وهو يضحك بسخرية “ابن عمنا أراد أن يتعطل ليوم الانتخابات ضحكنا علية لان طريقنا طويل.. وملحكين على السياسة”.

هجرة الآلاف من أصوات الجنوبيين إلى كربلاء بعيدا عن صناديق الاقتراع

جماعات وفرادى يتسابقون بإيقاع يضج بالنشاط على الطرق الصاعدة والتي “تؤدي كلها في النهاية إلى كربلاء المقدسة” كما يقول العم أبو حيدر الموسوي صاحب “موكب الزهراء” الذي بنى سرادقا على الطريق العام لتضييف الزوار الصاعدين إلى كربلاء “مشيا على الأقدام طلبا للثواب”.

الموسوي قال “كل سنة نقدم هذه الأشياء البسيطة  لزوار الحسين طلبا للثواب… ورثنا هذا عن آبائنا”. “نقدم المشروبات الشاي والحليب والكعك وفي الظهر أو العشاء نقدم التمن والقيمة” يقول الرجل.

وتنتشر على طول الطرق الصاعدة من المدن الجنوبية إلى كربلاء سرادقات أو ما يسمى بـ”المضايف” التي تقدم الشراب والطعام والمأوى ليلا ونهارا دون مقابل حتى عودة الزوار أو “المشّاية” كما تسمى باللهجة العراقية.

اعتبر مرتضى جاسم الشاب في الثانية والعشرين من العمر الذي بدأ رحلته اليوم من داره الواقعة في أبي الخصيب (20 كم جنوب البصرة)، أن “تأدية الانتخابات لن يضيف شيئاً جديداً ..وهو شيء لا يستحق تأخير الزيارة من أجله”. وقال” نحن متوجهون إلى أبي عبد الله الحسين  وسنقضي في الطريق نحو 13 يوما أو أكثر”.. سنذهب إلى الزيارة وليس لنا علاقة بالانتخابات لان الزيارة أحسن من الانتخابات” مشيرا الى أن الانتخابات الماضية “لم تقدم ولم تأخر وكل الشباب عطّالة بطّالة”.

الشاب احمد جاسم يتفق مع شقيقه مرتضى في التقليل من أهمية الانتخابات إزاء أهمية الزيارة قائلا “ذاهبون إلى كربلاء المقدسة من البصرة الفيحاء، نقضي في الطريق نحو 15 يوما أو حسب الهمة”.

حيدر محمد شاب في العشرينيات من عمره، ألقى باللائمة على مفوضية الانتخابات في الإرباك الذي سيحصل نتيجة تطابق موعدي الزيارة والانتخابات.. مشددا أن ما يمكن تأجيله أو تقديمه هو موعد الانتخابات وليس الزيارة… قال “تعودنا في كل عام أن نذهب إلى تأدية مراسم الزيارة في كربلاء، وإذا تقاطع موعد الانتخابات مع موعد الزيارة فليس لنا أي علاقة بالانتخابات وليست مشكلتنا أن تأتي الزيارة بالتوافق معها”.

وأضاف أنها “مشكلة المفوضية وكان عليها أن تكون على دراية بهذا الموعد، فتقدم أو تأخر فليس هناك إمكانية لتقديم أو تأخير مراسم الزيارة”.

ويبدو أن تزامن موعد الانتخابات المحلية لم يثن المتوجهين لزيارة مراقد الأئمة في كربلاء عن مرامهم حيث آثروا المشي وقطع مئات الأميال في الظروف الجوية القاسية بدلاً من الذهاب إلى صناديق الاقتراع التي لا تكلفهم سوى المسير لعشرات أو مئات الأمتار للإدلاء بأصواتهم.

 “إنشاء الله لن نتأخر، سوف نذهب لننتخب الحسين… ننتخب الحسين” كلمات يرددها احمد وهو في طريقه الى كربلاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/شباط/2009 - 7/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م