الصحة والفراغ نعمتان مجهولتان

علي حسين عبيد

- تؤكد الوصايا النبوية على اهمية إفادة الانسان من صحته قبل ان يداهمه العمر او السقم فيقعده عن النشاط والعمل الفكري والتطبيقي في آن واحد

- المرجع الشيرازي.. معرفة النِعم هي الشرط الأول لتحقيق الاستفادة الصحيحة منها

- الراحة وطمأنينة النفس أفضل مقياس لتحقّق السعادة لأنّ جميع مصاديق السعادة تعود في نهاية المطاف إلى راحة النفس واستقرارها

 

شبكة النبأ: يمر الانسان بمراحل عمرية متعددة ومختلفة في طبيعتها الشعورية والسلوكية في آن واحد، فالطفولة التي تعتبر بوابة الانسان الاولى لدخول الحياة تتسم بالحاجة المتواصلة الى التوجيه والتعليم والتربية في الاقوال والسلوك معا، كما انها تمثل مرحلة بحث وتمحيص دائمة في الوقائع التي تكوّن المحيط الانساني الذي يحتضن الطفل، وفي مرحلة الشباب يتغير الحال، حيث يصبح الانسان اكثر قوة وصحة وحيوية وربما تأخذ به هذه المواصفات الى الغرور والتعالي وعدم الافادة من سمات الشباب في الوقت والمكان المناسبين، ومع ان الصحة على سبيل المثال ليست حكرا على الشباب وحدهم إلا انها تمثل الذروة في هذا المرحلة وكذلك الحال بالنسبة للحيوية والنشاط، في مقابل ذلك سيكون الفراغ شاخصا ونقيضا واضحا للصحة والحيوية، إذ ما فائدة الشاب الذي يتمتع بصحة وحيوية كبيرتين في الوقت الذي لا يضع صحته وحيويته في خدمة نفسه والمجتمع؟!!.

يقول النبي الأكرم في وصيته لأبي ذر في هذا المجال:

(يا أبا ذر! احفظ ما أُوصيك به تكن سعيداً في الدنيا والآخرة.

يا أبا ذر! نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.)..

نلاحظ في هذه الوصية النبوية العظيمة، حرص النبي الأكرم (ص) على وجوب اغتنام الصحة لا سيما في مرحلة الشباب بما يصب في صالح الانسان والأمة وهذا دليل قاطع على اهمية هذه الشريحة بالنسبة للمجتمع من جانب وأهمية هذه المرحلة العمرية بالنسبة للانسان من جانب آخر.

ثم تؤكد الوصية النبوية على اهمية افادة الانسان من صحته قبل ان يداهمه السقم فيقعده عن النشاط والعمل الفكري والتطبيقي في آن واحد، ولعل الصحة تأخذ في جانب كبير منها منحىً نفسيا إذ غالبا ما تكون الراحة النفسية هي مصدر الاستقرار ومن ثم الابداع في العمل والفكر وفي غيرهما، وهذا ما يحقق الشرط الانساني الذي يُشبَع من خلال تحقيق الذات الانسانية عبر الانتاج النوعي، ثم الشعور الغامر بالسعادة نتيجة لدور الانسان الايجابي في الحياة.

وفي هذا الصدد يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في كتابه الموسوم (يا أبا ذر):

(إنّ الراحة وطمأنينة النفس الإنسانية أفضل مقياس لتحقّق السعادة، لأنّ جميع مصاديق السعادة الأخرى تعود في نهاية المطاف إلى راحة النفس واستقرارها واطمئنانها؛ فإنّ الثروة والشباب، وتناول الطعام اللذيذ والتمتع بكل اللذائذ الأخرى، تتحوّل جميعها إلى مرارة وتفاهة، ما لم تكن مقترنة براحة الروح وطمأنينة النفس.

فلو أنّ شخصاً ما قُدّم له في بيته ألذّ الطعام، ولكنه في الوقت ذاته كان مديناً بمبلغ كبير من المال يُثقل كاهله، وكان يتوقّع أن يطرق الدائن بابه في أيّ لحظة، فهو يحذر ويخاف من أن يذهب بماء وجهه، فيا ترى هل يشعر بلذّة حين يتناول ذلك الطعام؟

بينما إذا أُخبر في تلك الأثناء أنّ شخصاً ما قد سدّد عنه دينه، وأن لا مبرر للقلق والخوف، ثم إنّه بعد ذلك انشغل بتناول مجرد الخبز اليابس والماء، ثم سئل عن نوعي الطعام؛ أيّهما ألذ: الطعام الأوّل مع القلق، أم الخبز اليابس مع راحة البال؟!

إنّ من المؤكّد أنّ اللذّة التي يستشعرها أثناء تناول الخبز اليابس أعلى بكثير من أيّ طعام لذيذ آخر، إذ لا لذّة تُستشعر مع الخوف والقلق والاضطراب).

ولعل نشاط الانسان وصحته ستقودنا الى قضية الفراغ وما سيتمخض عنه من نتائج، ثم سنصل الى حالتي الفقر والغنى، حيث من الطبيعي أن يحصل الانسان على نتائج مادية طيبة وملموسه لنشاطه العملي الصالح المتأتي من صحته الجيدة وذكائه وفكره الصافي، وهنا نلاحظ تأكيد الوصية النبوية لأبي ذر ومن خلاله الى الانسان أينما كان، على أهمية أن يستغل الانسان غناه المتأتي من استغلاله للفراغ في المواقع والمواقف الصحيحة قبل أن يحل به الفقر، وهو أمر متوقع في الحياة، فالغِنى قد لا يكون دائما حيث الايام (يوم لك ويوم عليك).

كما ان هناك جانب آخر يتعلق بانشغال الانسان وامتلاء وقته بالعمل والفراغ الذي قد يمر به لسبب ما، وهنا عليه أن يستثمر اوقات فراغه بأفضل ما يستطيع، لأنه لايمكن أن يبقى فارغا الى الأبد، حيث الفراغ الدائم يعني (الموت في الحياة) ولهذا فإن تحويل الفراغ الى عمل واستغلاله وفق طرائق مدروسة بما يصب في صالح الانسان أفضل بكثير من هدره وتحويله الى مضيعة للوقت، لأن الانشغال الدائم، وعدم توفر الفراغ قادم في أي حال من الأحوال.

ويرى سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب: (أنّ معرفة النعم، هي الشرط الأوّل لتحقيق الاستفادة الصحيحة منها).

بمعنى ان الانسان يجب ان يعي ما يشتمل عليه واقعه من نعم عديدة ومتنوعة،  وعليه ان يستثمر هذا التنوع في النعم أفضل استثمار، ومن ذلك توظيف أوقات فراغ الانسان بما يحقق له ومعيته أفضل المردودات وأكثرها فائدة، لأن الفراغ كما قلنا سابقا لن يتحقق للانسان متى ما شاء ذلك، حيث طبيعة الحياة تتطلب العمل والمثابرة والجد والانتاج المتواصل، ونقيض ذلك هو حالة الفراغ التي لن تستمر لأنها لا تتوافق مع مسيرة الحياة العملية للانسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/كانون الثاني/2009 - 2/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م