تعيش محافظات العراق اليوم في ظل هوس ((تنافسي)) من اجل حيازة مقعد
أو مقاعد في مجالس المحافظات ضمن الدورة الانتخابية الحالية، وفي الوقت
الذي لا يمكننا إطلاق صفة ((النفعية)) على كل الأسماء والعناوين
والقوائم الانتخابية ولكن ربما تسري هذه الصفة على اغلبها المتزاحمة
للحصول على هذا المغنم الكبير والمال الوفير خصوصا بعد ما أفسدت هذه
المراكز والمواقع بالرواتب الضخمة والأبهة غير المعهودة والمنح والسلف
والامتيازات الكبيرة.
فبدل إن تكون مواقع بذل وعطاء وتضحية من اجل خدمة سكنة المحافظة
وبالتالي خدمة كل أبناء العراق أصبحت وسيلة للكسب والإثراء والجاه وفي
ظل حسابات بسيطة يجريها ((المرشح)) بين ما يبذله من أموال قد تصل إلى
عشرات ومئات الملايين من الدنانير وببين ما يكسبه من وراء هذا المقعد
يخرج بنتيجة إن مقدار الربح سوف يكون كبيرا لابل كبيرا جدا قد لا يحلم
به عند مزاولته لأي عمل تجاري آخر.
وما يهمنا هنا هو أصحاب المهن والمهارات المختلة المستفيدة في هذا
الهوس الانتخابي والعناصر الهامشية والهوام التي استفادت وستستفيد من
هذا السياق المارثوني نحو مقاعد مجالس المحافظات.
فقد ازدحمت مكاتب الخطاطين والمصورين ومصممي الشعارات والمطابع
بقوائم الطلبات لمئات الآلاف من الكارتات والبوسترات واللافتات والصور
لآلاف الأسماء والأرقام الذي غصت بها الشوارع والجدران في مراكز المدن
والإحياء والأزقة والطرق وامتلأت الجيوب با لكارتات الملونة للمرشحين
اللذين قد لم يراهم الناخب إلا في الصورة واخذوا يتبارون في كسب ثقتك
ومودتك للحصول على صوتك ومن هم في معيتك ومسؤوليتك كالعائلة والأصدقاء
والمعارف والأقارب.
لاشك إن الكسب والنفع قد شمل باعة الأقمشة والورق وفئات أخرى.. ولكن
اقل المستفيدين إن لم يكونوا في الحبان في هذا الهوس هم أخصائي علم
النفس وعلم الاجتماع اللذين المفترض إن تتم استشارتهم وتوصياتهم والأخذ
بها بالنية للقوى المرشحة للانتخابات،كذلك يجب الاستنارة باستطلاعات
الرأي الموضوعية لتكون البوصلة الموجه للمرشح في اختيار ببرنامجه
الانتخابي وشعاراته المنسجمة مع طموح وتطلعات الطبقة أو الفئة
الاجتماعية التي يروم خدمتها ويسعى لكسب أصواتها الانتخابية.
ولا يفوتنا هنا إن نشير إلى وجود فئة من الناس على هامش الظاهر
والأحداث وتسعى لتوظيفها لحسابها بغض النظر عن مجريات الحدث ونتائجه
المرتقبة ومدى أهميته ومن هذه الفئات هي فئة الهتافين بالأجرة وبعض
الكتاب والشعراء اللذين يوظفون أقلامهم في خدمة من يدفع.
كذلك هناك فئة تدع((اللكامه)) وهؤلاء يمتلكون خبرة وحنكة كبيرة في
معرفة موقع وزمن الولائم والعزائم التي تقيمها الأحزاب والتكتلات
والأفراد كعربون مودة وتعارف دسمة لكسب الناخبين، فتراهم يلبسون وجوه
الحماس والترحيب والانبهار بالكتلة والحزب والفرد المرشح صاحب الوليمة
وإنهم سيكونون أول المصوتين والداعين بالتصويت لصالحه بعد إن (دهن
زراديمهم) كما يقول العراقيون وما إن تنفض هذه الوليمة حتى ينتقلوا إلى
وليمة منافسة أخرى ليعلنوا مبايعتهم وحماسهم لاسمه ورقمه وشعاره
ومرشحيه وهكذا تعيش هذه الفئة ربيعا دسما يمتد طيلة الفترة الدعائية
للانتخابات لتنعم بلذيذ الطعام ناهيك عن الحقائب والملابس والأقلام وهي
تحمل مختلف الأرقام والصور والشعارات. سيتم استعراض الفائز منها عند
ذهابهم المؤكد لمباركته على الفوز الذي ما كان ليتحقق لولا جهودهم
وتعبئة الأصوات لصالح الفائز وليبينوا مقدار الجهد والمال والحنكة
والمشقة والمضايقة التي تعرضوا لها من اجل ضمان فوزه واعتلاءه كرسي
المجلس وألان الدور عليه ليوفي ويسدد لهم إتعابهم ومعاناتهم وتعويض
خسائرهم وجعلهم محل اهتمامه الأول في حصولهم على المكاسب والمناصب وفي
أولها التمتع بوليمة الفوز والانتصار وهم يطلعون ويراجعون معه خسائره
والأموال التي صرفها من اجل الفوز ومساعدته بآرائهم ومشورتهم في كيفية
تعويضها أضعافا مضاعفة كمن سبقه وكم سيلحقهم من الأرباح. |