لقد بقت آثار الرسول (ص) والرسالة الإسلامية صامدة(..) بفضل عناية
واهتمام ورعاية المسلمين المحبين المتسامحين، وحرص الدول التي حكمت
المنطقة بالتعامل معها بأنها أمانة لا تقدر بثمن، يجب المحافظة مهما
كانت مرجعيتها الدينية..، إذن لماذا في هذه الفترة يدعو بعض رجال الدين
لإزالة وتدمير ما بقي منها بعدما طال التدمير الكثير، هل هذه الآثار
تشكل خطرا؟
هل آثار الرسول (ص) سبب في انتشار التشدد الديني والأعمال الإرهابية
باسم الدين، وهل آثار الرسول سبب في غياب الحرية والعدالة والتسامح
والتعددية، وهل هي سبب فيما نعيش فيه من تخلف وتشرذم وضعف وضياع، وهل
هي سبب في الكفر والفساد..، أم العكس صحيح فالآثار النبوية تزيد من
ارتباط محبي الرسول بالرسالة الحقيقية، والدليل على ذلك الحرص الشديد
من قبل المسلمين في العالم بالتوجه إلى مكة والمدينة لزيارة الرسول (ص)
والاطلاع على آثاره رغم التشدد والمنع والمضايقة؟
النبي رحمة وتسامح للعالمين
النبي محمد (ص) بعث رحمة للعالمين، ورسالته المقدسة رسالة تسامح
ومحبة واحترام لجميع البشر، وآثاره ليست ملك لدولة أو جماعة أو مذهب أو
دين أو عرق بل هي ملك للعالمين، وما آثاره الطيبة الطاهرة إلا أمانة
يجب الاهتمام بها.
لماذا ثقافة التسامح غريبة عن واقع مجتمعنا، ونعيش في أجواء مليئة
بالتشدد والاصطدام، تحت سلطة دينية متشددة لا تعترف بالتسامح والتعددية،
سلطة لم ترحم آثار الرسول ورسالته؛ وترى في الآثار المحمدية (المحترمة
من قبل أغلبية المدارس الإسلامية) خطرا على حركتها (..)، وخير شاهد على
ذلك، ما نشرته الصحف المحلية السعودية مؤخرا، الدعوة من قبل رجال الدين
(..) لإزالة عدد من الأماكن التاريخية المرتبطة بسيرة النبي(ص) في مكة
المكرمة والمدينة المنورة وجدة, وتغيير مسمياتها، بمبرر تصحيح
المخالفات الشرعية، ليتم القضاء على ما تبقى من آثار إسلامية ـ تم
تدمير معظمها سابقا نتيجة ذلك المبررـ ، لاسيما إن هذه المواقع تاريخها
من تاريخ بزوغ فجر الرسالة..، ولم يتجرأ أي احد طوال ذلك التاريخ
الطويل والحكومات التي سيطرت على الحجاز من المساس بها، وإنما التعامل
معها بأنها أمانة ينبغي الاهتمام والعناية بها؟!
هل حان الوقت لإصدار قرارات صارمة من قيادة الوطن لترسيخ ثقافة
التسامح والتعددية في المجتمع، وقرارات تمنع من التطاول على آثار النبي
الكريم، ومعاقبة كل من تسول له نفسه بذلك، والعمل على الاهتمام
والعناية بتلك المواقع، وتحويل مدينة الرسول المدينة المنورة إلى منارة
عالمية للتسامح؟
النبي ومدينة التسامح
مدينة الرسول الأعظم (ص) مدينة التسامح والسلام، لقبت بـ (المنورة)
بدلا عن يثرب الاسم القديم، لأنها تنورت وتشرفت بنور النبي محمد (ص)
عندما هجر إليها، واتخذها سكنا وعاصمة للرسالة الإسلامية، وازدادت شرفا
ومكانة وبركة وطهارة باحتضان جسد خاتم الأنبياء والمرسلين حبيبنا
الكريم محمد (ص).
فالتسامح والتعددية الدينية هي من الصفات التي يتميز بها المجتمع
المدني ـ نسبة للمدينة المنورة ـ، على مر التاريخ مما أدى إلى انتشار
الديانة اليهودية والنصرانية وغيرها قبل الإسلام، وسمح لأبناء المدينة
بالمبادرة للتعرف والتفاعل مع الرسالة التي دعا لها الرسول الأعظم محمد
(ص) الدين الإسلامي، وهي أحدى الصفات التي جعلت النبي الكريم يختارها
بين جميع المدن الأخرى للهجرة واتخاذها عاصمة له.
وروح التسامح والسلام والتعايش بين أبناء المدينة المنورة والتفاخر
والمحافظة على تراث وآثار النبي الكريم وأهل بيته وصحابته، جعلت منها
قبلة تستقبل المسلمين من جميع العالم ليستقروا فيها، وتكون بذلك مدينة
ومنارة لجميع المسلمين من جميع المذاهب والعروق إذ إنها مدينة تنبض
بآثار وتاريخ النبي (ص)، وتتميز بالتعددية المذهبية وبالتنوع ..،
وتحتضن أتباع ومدارس جميع المذاهب الإسلامية:(..)، وجميع المدارس
الفقهية والفكرية، وقد تعايش الجميع بسلام بفضل الإيمان بالتسامح
والتعددية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل ما زالت المدينة المنورة ـ ومكة المكرمة
وجدة وجميع المدن ـ منارة للتسامح الديني وتتمتع بالتعددية المذهبية،
ويمارس جميع أتباع المذاهب الإسلامية حريتهم التعبدية على أرضها الطيبة
كما هي العادة؟ لاسيما إنها تخضع حاليا تحت إدارة جماعة لا تؤمن
بالتعبد حسب التعددية المذهبية، وبزيارة المواقع الدينية والتاريخية،
ولا تؤمن بوجود الأضرحة والقباب وتعظيم المساجد والمواقع التاريخية
التي تعرضت معظمها للتدمير..، بحجة سد الذرائع.
هل آثار الرسول الأعظم محمد (ص) وآثار الرسالة الإسلامية.. تمثل
خطرا، وعلى من؟ |