خَرَجْـنَا مِن الفَصْلِ السَابِـعِ.... أمّ لَـمْ نَخْرُجْ ؟

 محمّد جواد سنبه

 (السيّد رئيس الوزراء، في عدّة مناسبات كرر أنّ العراق قد خرج من الفصل السابع، واعتبر ذلك إنجازاً)

(علي العلاق/نائب في مجلس النواب / الائتلاف العراقي الموحّد)

 

المصداقيّة والشّفافيّة، تعتبران من بعض الأسس الثابتة، في النّظم الدّيمقراطيّة (النظم الفعليّة لا الشكليّة). وتقويضّ هذه الأسس (كلاً أوجزءاً)، يعتبر تخريباً للنظام الديمقراطي، وثلماً في مصداقيته. الكلّ يتذكّر، الفترة التي سبقت، 4 كانون الأوّل 2008، (تاريخ مصادقة مجلس الرئاسة العراقي، على الإتّفاقيّة الأمنيّة، المبرمة بيّن العراق وأمريكا). وكيف كانت تلك الفترة، زاخرة بموجة من الخطابات الإعلاميّة، الدافعة باتجاه توليد قناعات، في أذهان الجمهور العراقي، بأنّ هناك ربطاً وثيقاً، وعلاقة متينة، بيّن التّوقيع على الإتّفاقيّة الأمنيّة، وبيّن الخروج من تحت طائلة أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي بدون التحرر منه، ستبقى سيادة العراق منقوصة وغير تامّة، وستبقى أيضاً جميع الأموال العراقيّة، المتأتيّة من مبيعات النّفط العراقي، تحت سيطرة صندوق تنميّة العراق، في مجلس الأمن الدولي. والسبيل الوحيد للخلاص من هذه القيود، سيكون بتوقيع الإتفاقيّة الأمنيّة، وبذلك سيحصل العراق على سيادته، وستكون بيد الحكومة العراقيّة، كافّة الأموال الموجودة في صندوق تنمية العراق، والتي ستستخدم لعمليّات اعمار العراق. لقد فككت أستاذة القانون الدّولي الدكتورة (منال فنجان)، التلازم بين موضوع توقيع الاتفاقية الأمنيّة، وموضوع خروج العراق من أحكام الفصل السابع بالقول:((ليس هناك ربطاً بين الاتفاقيّة وأحكام الفصل السابع. الاتّفاقيّة هي عبارة عن اتفاق بين بلدين، أمّا أحكام الفصل السابع فهو قرار أممي، وأي ربط مباشر لا يوجد بين الموضوعين))(انتهى)(في لقاء معها في برنامج بالعراقي بثته فضائيّة الحرة مساء يوم 14/1/2009).

من المؤسف حقاً أنْ يكتشف الإنسان العراقي، بأنّه مُستغفَل (وبالعاميّة يسمى(ملعوب))، والمصيبة أنْ يكون مستغفلاً مِنْ قبل مَنْ ؟. مِنْ قبل الّذين منحهم ثقته الكبيرة، بصدق مِنْ كلّ قلبه، وضميّره ؟. مستغفل مِنْ قبل مَنْ منحه صوّته، بعد أنْ تحدى الموّت في سبيل ذلك. لقد بدأنا نسمع إشارات، من هنا وهناك، بأنّ العراق لا يزال باقياً تحت أحكام الفصل السابع. وهذه الإشارات تتناقض جملة وتفصيلاً، مع تصريحات مسؤولين عراقيين، يحتلّون قمّة هرم الحكومة العراقيّة، ولمّ تكنْ صادرة من عابري سبيل، حتى نهملها أولا نعتدّ بها. إنّها قضيّة خطرة جداً، يجب أنْ تأخذ مداها وطريقها، إلى كافة وسائل الإعلام، لكشف ملابسات هذا التناقض، بين تصريحات المسؤوليين الحكوميين العراقيين، وبين ما يتمّ على أرض الواقع. فمن يقف متستّراً على هذه القضيّة وسواها، فإنّه يخون ضميره ودينه ووطنه. ولغرض التّحقق من صحة هذا التناقض، المخيّب للكثير من الآمال، قمت بزيارة موقع مجلس الأمن الدّولي على شبكة الأنترنت، لأطّلع على النصّ الكامل لقراره المرقم (1859) في 22 كانون الأول 2008. فوجدت نصّة وقد أرفق في ذيله، رسالة موجّهة من السيّد رئيس الوزراء العراقي، إلى السيّد رئيس مجلس الأمن، بتاريخ 7 كانون الأوّل 2008، وفي هذه الرسالة جاء النصّ التّالي :

((.... لذا فإن العراق يطلب من مجلس الأمن تمديد ولاية صندوق تنمية العراق والمجلس الدولي للمشورة والمراقبة لمدة 12 شهراً، مع مراجعة التمديد قبل 15 من حزيران/يونيه 2009 بناء على طلب حكومة العراق........ إن حكومة العراق تطالب أن يقوم مجلس الأمن بضم هذه الرسالة كملحق للقرار الذي يجري الإعداد له حالياً بشأن العراق، وستكون ممتنة إذا ما قام رئيس المجلس بتعميمها على أعضاء مجلس الأمن في أسرع وقت ممكن. (توقيع ) نوري كامل المالكي رئيس وزراء العراق 7 كانون الأول/ديسمبر2008))(انتهى).

ولورجعنا إلى نصّ القرار 1859، سنجد في الصّفحة الثالثة منه، النصّ الحاسم الذي يقول: ((وإذ يتصرف(يعني مجلس الأمن) بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، 1- يقرر أن يمدد حتى كانون الأول/ديسمبر2009 الترتيبات المحددة في الفقرة 20من القرار1483(2003) بشأن إيداع العائدات المتاتية من مبيعات صادرات النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي في صندق تنمية العراق... ))(انتهى).

ونجد كذلك في ثنايا هذا القرار، ما يلي من النصوص الصريحة، التي تؤكد بقاء العراق تحت أحكام الفصل السابع:((6- يقرر(يعني مجلس الأمن) أن يبقي المسألة قيد نظره الفعلي. (أي أنْ تبقى مسألة العراق ووضعه القانوني المتعلقة بقرارات مجلس الأمن تحت النظر الفعلي لمجلس الأمن فهوصاحب القرار في حسم تلك القضايا).))(انتهى).

وليس بعيداً عن هذه المفارقة المخجلة، ظهور النائب السيّد علي العلاق، في برنامج (بالعراقي)، الذي بثته فضائية الحرّة في العاشرة مساءأً من يوم 14/1/2009. حيث قال السيّد العلاق، في هذا البرنامج بإصرار :((يبدوانا الوحيد في هذه الجلسة الطيبة ممن يقرّ بخروج العراق من الفصل السابع))(انتهى). نعم السيّد العلاق يقرّ لوحده ويبقى مصراً، بانّ العراق قد خرج من أحكام الفصل السابع، بالرغم من وثائق مجلس الأمن، وإجماع بقيّة المشاركين في اللقاء المذكور وهم: (الدكتورة (منال فنجان) استاذة القانون الدّولي، والمحلل السياسي الدكتور (سعد الحديثي)، والنائبة في مجلس النواب (تانيا طلعت) عضولجنة العلاقات الخارجية)، بأنّ العراق لم يخرج من الفصل السابع. وأكّد السيّد العلاق وجهة نظرة، مستنداً في حجته على تصريحات السيّد رئيس الوزراء (المتكررة)، التي أعلن فيها عن خروج العراق من الفصل السابع، فقال السيّد العلاق:(السيّد رئيس الوزراء، في عدّة مناسبات كرر أنّ العراق قد خرج من الفصل السابع، واعتبرَ ذلك إنجازاً). إذن السيّد العلاق، يعتبر تصريحات السيّد رئيس الوزراء، المخالفة لحقيقة الوقائع الدوليّة، بأنّها أسانيد قانونيّة، تحكم بالنقيض لما أقره مجلس الأمن الدّولي، بابقاء العراق تحت الفصل السابع.

ولا أدري هل هذه نباهة من السيّد النائب، أمّ ذكاء، أمّ ماذا... لست أدري؟. وعندما وجّه مدير الندوة السؤال التالي للسيّد العلاق: هل خرج العراق من الفصل السابع ؟. أجاب السيّد النائب، بطريقة (إجتهاديّة) دورانيّة، تفصح عن نظرة استنتاجيّة، فيها الكثير من التكلّف واصطناع اللباقة، وتهدف إخضاع النصّ القانوني، لسلطة تفسيره الخاص، وليس اخضاع التفسير لسلطة النصّ القانوني، فقال السيّد العلاق: (أُرجعكم إلى كلمات ممثل الولايات المتحدة وممثل بريطانيا، بعد صدور القرار وباركوا بشكل واضح، خروج العراق من الفصل السابع.... وكان هناك تبريك(هكذا لفظها) للشعب العراقي، بالخروج من الفصل السابع)(انتهى). أقول:(الظاهر أنّ السيّد العلاق، متاثر جداً بالتبريكات الأمريكيّة والبريطانيّة، فألف مبروك لسماحته على هذه التبريكات العليّة!!.).

ختاماً: نشرت جريدة العدالة يوم الخميس 15/1/2009، وعلى الصفحة الرئيسيّة لها، تصريحاً لـ(تانيا طلعت) عضوة مجلس النواب/لجنة العلاقات الخارجيّة، بيّنت فيه أنّ العراق لم يخرج من الفصل السابع.

والسؤال: لماذا لم تتفضل الست(تانيا طلعت) قبل تصريحها أعلاه، بمصارحة الشّعب العراقي، اثناء فترة توقيع الإتّفاقيّة الأمنيّة (التي ازدحمت فيها التصريحات)، بأنّ العراق سيبقى تحت الفصل السابع، سواءاً وقّع الإتّفاقيّة الأمنيّة أولم يوقعها ؟. لكن الظاهر الأدوار مرتّبة بشكل محكم، وكلّ يقوم بدوره المرسوم بكلّ دقّة. ولا عجب إذْ أقول:(ضَاعَ العِراقُ ورَبِّ الكَعّبَةِ).

كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/كانون الثاني/2009 - 24/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م