غزة بعد الحرب: صدمة مشاهد الدمار ومستقبل بلا مقومات للحياة

ألاف بلا مساكن وخسائر بالمليارات وتساؤلات عن جدوى الحرب

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: على خلفية مشاهد الدمار في البيوت المهدَّمة والمزارع المحروقة وأعمدة الكهرباء المحطَّمة والسيارات المتفحِّمة ومياه المجاري المتدفقة من الأنابيب المكسورة والجو الذي تعلَق فيه رائحة الأجساد المتعفِّنة للبشر، بدأت القوات الاسرائيلية في الانسحاب من قطاع غزة الاثنين الماضي، في اعقاب هدنة مبدأية مع حركة حماس سمحَت للفلسطينيين بتقييم ما خلفته الحرب المدمِرة التي استمرت ثلاثة اسابيع. غير انه على الرغم من اكتساب وقف اطلاق النار زخماً على الارض إلا انه لايوجد اتفاق رسمي بين اسرائيل وحماس. ويبدو الموقف في غزة مثلما كان عليه قبل الصراع، اي مواجهة ساخنة ومستقبل عبوس ينتظر مليون ونصف نسمة من المدنيين محاصَرين في شريط حدودي ضيق دون أية مقومات للحياة..

واعلنت اسرائيل وحماس بشكل منفصل وقفا لإطلاق النار مما ادى الى شعور بالارتياح لدى الدول الغربية التي على الرغم من تعاطفها علانية مع المخاوف الامنية الاسرائيلية قد شعرت بانزعاج لتزايد الخسائر البشرية في قطاع غزة.

والقت الازمة بظلالها على الايام الاخيرة من ادارة الرئيس جورج بوش. وكشفت الازمة تحديات الشرق الاوسط التي قد يجد الرئيس المنتخب باراك اوباما الذي سيؤدي اليمين اليوم الثلاثاء انها لا تذلل بشكل لا يقل عن تلك التي واجهها من سبقوه من الرؤساء. بحسب رويترز.

وبدأت الاسر الخروج من اماكن اختبائها في غزة بما فيها مجمعات مدارس الامم المتحدة حيث سعى 45 الفا الى الاحتماء اثناء القتال والعودة الى منازلهم ليجد البعض منهم انها دمرت او اصيبت باضرار.

ووفقا لما ذكره مكتب الاحصاء المركزي الفلسطيني تم تسوية نحو اربعة الاف مبنى سكني بالارض اثناء الحملة العسكرية. وقال دبلوماسيون غربيون ان اصلاح البنية التحتية في غزة يمكن ان يتكلف نحو 1.6 مليار دولار امريكي.

واعلنت حماس وقف اطلاق النار بعد 12 ساعة من تحرك اسرائيل الاحادي وقالت ان حلفاءها الاسلاميين في غزة سيتمسكون به ايضا. وتقول اسرائيل ان الصواريخ التي تطلقها حماس على اسرائيل هي سبب الحملة العسكرية التي تشنها على غزة.

واعلن اسماعيل هنية زعيم حماس في غزة تحقيق "نصر شعبي" على اسرائيل. وأضاف في كلمة أذاعها تلفزيون الاقصى التابع للحركة ان "العدو" فشل في تحقيق أهدافه.

ودعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي - الذي انضم اليه قادة المانيا وبريطانيا واسبانيا وايطاليا وجمهورية التشيك باعتبارها الرئيس الحالي للاتحاد الاوروبي لاجراء محادثات مع اولمرت - اسرائيل الى فتح حدود غزة امام المعونات في اقرب وقت ممكن.

غير انه على الرغم من اكتساب وقف اطلاق النار زخما إلا انه لايوجد اتفاق رسمي بين اسرائيل وحماس. ويبدو الموقف في غزة مثلما كان عليه قبل الصراع اي مواجهة مسلحة ومستقبل عبوس ينتظر مليون ونصف نسمة محاصرين في غزة في حصار يهدف الى دفع حماس لاطلاق صواريخها وطموحات لتدمير الدولة اليهودية.

العثور على 100 جثة تحت الانقاض

ووقعت مواجهات متفرقة بين مقاتلين فلسطينيين والجيش الاسرائيلي بعد دخول وقف اطلاق النار الاسرائيلي الاحادي الجانب حيز التنفيذ في غزة حيث عثر على حوالى مئة جثة تحت الانقاض.

واطلقت حوالى سبعة صواريخ على جنوب اسرائيل منذ دخول وقف اطلاق النار حيز التنفيذ عند الساعة 0000 ت غ ما ادى الى رد الطيران الاسرائيلي.

وبعد ان كانت حماس اكدت انها لن تلتزم بوقف لاطلاق النار قبل انسحاب كل الجنود الاسرائيليين من قطاع غزة اعلن نائب رئيس المكتب السياسي للحركة موسى ابو مرزوق من دمشق وقف اطلاق النار في قطاع غزة مطالبا اسرائيل بسحب قواتها من القطاع في غضون اسبوع واحد.

واستغلت اجهزة الانقاذ الفلسطينية توقف القصف فجابت مناطق الدمار صباحا وانتشلت حوالى مئة جثة تعذر انتشالها من قبل بسبب المعارك على ما اكد الطبيب معاوية حسنين مدير عام دائرة الاسعاف والطوارىء في وزارة الصحة الفلسطينية. بحسب رويترز.

وبعد ليلة هادئة هي الاولى بعد 22 يوما من القصف غير المسبوق شن الجيش الاسرائيلي غارة صباح الاحد على شمال قطاع غزة اسفرت عن خمسة جرحى ردا على اطلاق خمسة صواريخ على مدينة سديروت لم تسفر عن ضحايا بحسب الجيش ومصدر طبي فلسطيني.

وقتلت طفلة في الثامنة من العمر برصاص اسرائيلي في بيت حانون (شمال قطاع غزة). وفي جنوب القطاع قتل الجيش الاسرائيلي شابا فلسطينيا قرب خان يونس بحسب مصدر طبي. وفي مدينة غزة خرج المواطنون الى الشوارع لتقييم الاضرار الفادحة.

وقال يحيى كريم "ليس من منزل هنا. هذا كان بيتي" امام انقاض منزله في حي زيتون واضاف "دمر كل شيء".واضاف "اسأل (رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود) اولمرت: لماذا دمرتم منزلي؟ انا لست حماس. ولا انتمي الى اي طرف سياسي. انا مدني. اريد السلام".

وبالرغم من الخسائر الجسيمة لدى الفلسطينيين التي بلغت 1300 قتيل و5300 جريح على الاقل بحسب حصيلة جديدة اعلنها حسنين اعلن خطباء مساجد تابعة لحماس "النصر".

واعلنت مكبرات الصوت في مسجد الكنز الذي ترفرف فوقه اعلام حركة المقاومة الاسلامية الخضراء ان حماس تهنئ "شعبنا بانتصاره المقدام".

وقدر الجيش الاسرائيلي عدد القتلى بين مقاتلي حماس بأكثر من 500 وشن الطيران 2500 غارة فيما اطلق المقاتلون الفلسطينيون 700 صاروخ وقذيفة هاون على الاراضي الاسرائيلية. ومن جهة اسرائيل قتل عشرة جنود وثلاثة مدنيين في الفترة نفسها.

دمار عنيف بعد قصف عنيف

كانت مشاهد الدمار في كل مكان، في المزارع المحروقة، في أعمدة الكهرباء المحطمة متدلية في الهواء، السيارات المتفحمة المهجورة على جانب طرق مجرفة، وفي مياه المجاري تتدفق من الأنابيب المكسورة. في الجو تعلق رائحة الأجساد المتعفنة لبشر وحيوانات. وهناك مسجد قريب مسوى بالأرض تماما عدا منارة ظلت واقفة فوق الأسمنت المغطى بالتراب.

رجال الشرطة التابعون لحكومة حماس ظهروا بزيهم الكحلي للمرة الأولى منذ القتال، وبدأوا في تنظيم المرور. آخرون كانوا يحولون دون ارتكاب حوادث سلب ونهب.

في إحدى المرات أطلقوا صليات في الهواء فيما كان بعض سكان جباليا يريدون إعدام شاب اتهم بأنه كان يأخذ بعض المتعلقات من منزل مدمر ليس منزله. بحسب فرانس برس.

في منطقة العطاطرة الزراعية شمال غربي قطاع غزة حيث استعر القتال البري بين القوات الإسرائيلية والمسلحين الفلسطينيين كان رجال الإسعاف الذين يضعون الكمامات البيضاء لتفادي الرائحة الكريهة يسحبون خمس جثث من منزل مدمر من بينها جثة امراة في ثوب طويل أزرق، ثم يسحبون رجل طفل.

قال أحدهم (أحمد) "نحن لا نعرف إن كانوا لبشر أو لحيوانات، حرام، والله نحن بشر" فيما كان يرفع قطعة قماش تغطي وجهه. "نحن بحاجة إلى فرق طوارئ متخصصة، نحن نحفر بأيدينا".

خديجة راضي (83 عاما) جلست ترقب بينما كان أبناء أحفادها يبحثون فيما تبقى من منزلها. جلست على كوم من الإسمنت، بيدها مسبحة وعصاها إلى جانبها.

قالت "هذا كل ما تبقى من ممتلكاتي"، مشيرة إلى مخدة وفردة شبسب، ابنتها سعدية سحبت مرتبة مغطاة بالتراب ووضعتها على عربة كارو.

وككثيرين من سكان المناطق المدمرة قالت سعدية راضي إن أسرتها الكبيرة المؤلفة من 27 فردا ستقيم لدى قريب لهم حتى يجدوا المال الكافي لإصلاح منازلهم.

سكان غزة يسألون عن جدوى الحرب

وظهرت شرطة المرور التابعة لحركة (حماس) مجددا في قطاع غزة في الوقت الذي أبدى فيه الاسلاميون للعيان سيطرتهم على الشوارع بعد ان اوقفت اسرائيل هجماتها التي استمرت 22 يوما.

لكن بعض الفلسطينيين كانت لديهم اسئلة صعبة لزعمائهم المنتخبين الذين اتخذوا قرارا بالتخلي عن هدنة استمرت ستة اشهر وتكثيف الهجمات الصاروخية على اسرائيل وهو ما اعطى الاسرائيليين ذريعة لشن هجوم شرس اسفر عن مقتل 1300 شخص واصابة 5300.

وقالت امرأة في بلدة بيت لاهيا المدمرة "اي صواريخ" صواريخنا مثل الاقلام الرصاص مقارنة بالصواريخ التي اطلقتها اسرائيل."بحسب فرانس برس.

ومثل الكثير من سكان غزة لم ترغب في الافصاح عن اسمها وهي تدلي بملاحظات جارحة تجاه حكام القطاع.

وقتلت الصواريخ الفلسطينية ثلاثة مدنيين اسرائيليين خلال المعارك. ولم يفقد الاسرائيليون سوى عشرة جنود فقط.

وحذت حماس التي فازت في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2006 وطردت منافسيها من حركة فتح من غزة عام 2007 حذو اسرائيل باعلان وقف اطلاق النار يوم الاحد.

وشرعت حركة حماس ايضا في تذكير جميع المتشككين بانها لا تزال تسيطر على الاوضاع في غزة ولهذا نشرت افرادا من شرطة المرور وقوات الامن في اشارة رمزية واضحة على السلطة التي تتحلى بها ادارتها.

ودمرت القنابل الاسرائيلية مقار جميع قوات الامن التابعة لحماس ومعظم المباني الحكومية لكن المسؤولين بحماس وسكان القطاع يقولون ان قوات الامن لم تتوقف قط عن اداء عملها.

وقال تجار انه على الرغم من الهجمات الاسرائيلية التي تواصلت دون هوادة كان المفتشون التابعون لحماس يمرون على المتاجر للتأكد من الالتزام بالاسعار وضبط المخالفين.

وقال بعض السكان انه على الرغم من تدمير السجون الا ان حماس كانت تطبق عقوبات صارمة على الخارجين على القانون وان البعض اصيب بكسور في الارجل.

وقال رجل وهو يتذكر العقوبة التي تعرض لها احد جيرانه "كان يتم سجنهم في منزل او في مستشفى." ولم يشأ ايضا ان يذكر اسمه خشية تعرضه لاشياء لا يحمد عقباها.

وفي حين يعترف بعض سكان غزة باعجابهم بالاسلوب الذي تتبعه حماس لفرض النظام على بعض اشكال الحياة الا ان اخرين يشتكون من ان حماس تحكمهم بيد من حديد وانها تفرض قيما اسلامية متشددة على الفلسطينيين الذين يبخسون قدرهم.

خسائر قطاع غزة تقدر بـ 1.6 مليار دولار

وطالبت عدة منظمات دولية بالإسراع في تزويد قطاع غزة بالطعام والمستلزمات الطبية لمواجهة النقص الشديد بها بسبب الحرب، بالاضافة الى ضرورة البدء باعمار القطاع بعد الدمار الواسع الذي اصابه.

وحسب التقديرات الاولية لبعض المؤسسات الدولية فان الهجوم الاسرائيلي على غزة اسفر عن خسائر تقدر قيمتها بنحو 1.6 مليار دولار. بحسب رويترز.

وعقد ممثلون عن الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة والبنك الدولي اجتماعا طارئا في القدس السبت لبحث جهود اعمار غزة بعد وقف اطلاق النار.

ووعد وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك بان تتعاون اسرائيل مع جهود مؤسسات الاغاثة في غزة، وان تسهل مهمتها.

غير انه دون وجود اتفاق بين حماس واسرائيل على وقف اطلاق النار، واعلان حماس انها ستواصل عملياتها طالما تواجد الجيش الاسرائيلي في غزة، تبدو الامور اكثر صعوبة امام مؤسسات الاغاثة.

وحسب تقديرات هيئة الاحصاء الفلسطينية فان نحو 20 ألف منزل في قطاع غزة تعرضت للتدمير بدرجات متفاوتة، من بينها 4 آلاف منزل دمرت بالكامل. وتبلغ تكلفة اعادة اعمار هذه المنازل وحدها نحو 476 مليون دولار.

ولم يقف الدمار على المنازل، بل امتد الى مدارس تابعة لوكالة الاونروا (وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين)، ومستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه، الامر الذي يرفع تكلفة اعادة الاعمار. ويعد الاتحاد الاوروبي المانح الاكبر للمساعدات في قطاع غزة.

حرب غزة: حقائق وارقام

وفيما يلي بعض الحقائق والارقام المتعلقة بالحرب التي دارت في قطاع غزة والتي بدأت في السابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الاول الماضي بغارات جوية مركزة ضد اهداف تابعة لحركة حماس، بحسب رويترز:

الحرب دامت 22 يوما

عدد القتلى في الجانب الفلسطيني: 1203 (وفقا لوزراة الصحة التابعة لحكومة حماس المقالة).

عدد الاطفال من بين هؤلاء القتلى وفقا لنفس المصدر السابق: 410

عدد القتلى المدنيين حتى الـ14 من يناير/ كانون الثاني : 698 ( وفقا لمركز حقوق الانسان الفلسطيني)

العدد الاجمالي للقتلى الاسرائيليين:13

عدد العسكريين الاسرائيليين القتلى:10

العسكريين الاسرائيليين الذين قتلوا بنيران صديقة:5

عدد القتلى جراء الصواريخ الفلسطينية في اسرائيل:4 ( 3 مدنيين، و1 عسكري). المصدر هو وزارة الدفاع الاسرائيلية).

عدد سكان غزة: 1.5 مليون. (وفقا لبيانات الامم المتحدة).

عدد من فروا من منازلهم ولجأوا الى مدارس اللاجئين التابعة للامم المتحدة: 45 الفا.

عدد المواقع التي استهدفتها نيران القوات الاسرائيلية البرية والجوية والبحرية، ومن بينها المباني ومواقع اطلاق الصواريخ: 4000 .(المصدر هو مكتب الاحصاء الفلسطيني)

عدد الصواريخ التي اطقلتها حماس والفصائل على اسرائيل على مدى ايام الحرب: 778 (المصدر هو وزارة الدفاع الاسرائيلية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 21/كانون الثاني/2009 - 23/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م