حملات الدعاية الإنتخابية

تجاوز على البيئة وإنتهاك لحرمة القانون

نبيل نعمه الجابري

الذي دعانا الى الإهتمام بموضوعة الأمثال العربية الفصيحة والعامية على حد سواء - شأننا في ذلك شأن الامم والشعوب الاخرى- أمور كثيرة لعل أهمها هو القدرة على ضغط معنى تكثيفي في كلمات معبرة بتمام الفائدة وهذا ما أُصطلح عليه في علم البلاغة بالإيجاز، هذا إضافة الى القدرة الإيحائية الترميزية للإشارة الى دلالة معينة تحيلنا الى المعنى المقصود بإسلوب بلاغي رصين يضيف نكهة كلامية من نوع خاص إعتاد العراقيون على إستخدامها في دواوينهم العامة والخاصة من اجل أن يكون الكلام(محسج) كما يعبر البعض عنه، لذلك قلما نجد امة من الامم والشعوب يخلو تراثها من الامثال.

وللحديث تتمة....

ففي ساعة من ساعات الليل وبينما كنت عائداً من العمل فإذا بمجموعة من الشباب البعض منهم يضع النقاب على وجهه والبعض يتلفت عن ذات اليمين وذات الشمال وكأنهم يدبرون لأمر ما كنت أجهله، دخلت قلبي الريبة وخالجني شعور غريب أقتربت ... توقفت ، اقتربت...اقتربت أكثر وإذا بهم ينفضون من بعضهم وكأنما قد فرقهم شيء ما، دنوت منهم رأيت قسماً يحمل لافتات مكتوب عليها (انتخبوا فلان) والقسم الآخر يحمل ملصقات مكتوب عليها (انتخبوا فلانة)، عندها فقط اتضحت الصورة وأنكشف السر الغامض الذي لطالما كان يشغل خلدي عندما كنت أستيقظ في الصباح لأجدني لا أعرف بيت عمي من كثرت الملصقات التي كانت تغطي حائط البيت حينها أيقنت أنه (امر دُبر بليل)*.

تعرف الدعاية الإنتخابية بأنها (الأنشطة والفعاليات التي تقوم بها الهيئات الحزبية المسجلة، والقوائم الإنتخابية، والمرشحون المستقلون، لشرح برامجهم الإنتخابية لجمهور الناخبين) فهي حق مشروع كفلته معظم الدساتير في الدول التي تؤمن بوجوب العمل التعددي من أجل انتخاب الأشخاص والكيانات من خلال صناديق الاقتراع، ومنها العراق خصوصاً بعد التطورات التي طرأت على المنظومة السياسية إثر تحرره من (اللانظام) الذي كان يؤمن بالنظم الأحادية أو ما يعرف بنظام الحزب الواحد.

ولحساسية الموضوعة وخطورتها على المستويات كافة فقد اعدت المفوضية المستقلة العليا للانتخابات في العراق تعليمات خاصة عن الدعاية الانتخابية لجميع المرشحين للانتخابات مجالس المحافظات في القيام بالحملات الانتخابية التي تدعم برامجهم، بما لا يتعارض مع القوانين والأنظمة السارية لتكون بذلك بمثابة القانون الذي يحكم العمل بمقتضاه تجنب المسائلة القانونية لهذه الكيانات والشخصيات.

الا ان ما نراه ولشديد الاسف من الاعمال التي تقوم بها بعض الكيانات والشخصيات في حملاتها الدعائية أمور تتنافى مع التعليمات التي وضعتها المفوضية العليا للإنتخابات من خلال التجاوزات على المستشفيات والمدارس والممتلكات العامة التي إنما وجدت كيما تخدم المواطن علما بأن هذه التجاوزات تشوه من جمالية الصورة الناصعة لبيئة المحافظات العراقية من جهة وكونها انتهاك لحرمة القانون من جهة ثانية.

ويبدو أن الامر في ذلك راجع الى أمور عدّة دعت الى أن تكون آلية الدعاية الانتخابية للكيانات والشخصيات بهذا الشكل أوجزها حسب تقديري القاصر بالامور الاتية:

1- التجربة العراقية ما زالت بكر برغم من أن العراق قد مرّ بتجارب إذبان إنتخاب الجمعية الوطنية ومجالس المحافظات للدورة السابقة إلا ان مثل هذا العمل يتطلب دربة ومراس لثلاث دورات على أقل تقدير حتى يصل الى المستوى المطلوب في إكتمال الوعي وتنامي الحس الوطني الذي نطمح الى يكون لدى المرشح لنيل منصب يسعى من خلاله لخدمة أبناء شعبه.

2- إن اغلب مدراء الدعاية الانتخابية تنقصهم الخبرة في المجال القانوني أو انهم يتجاهلون القانون في تجاوزاتهم على التعليمات التي حددتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في إستغلالهم للحدائق العامة واعمدة الكهرباء وعدم إلتزامهم في عرض الدعاية الانتخابية لكياناتهم في الاماكن المخصصة بالتعاون مع مديريات وزارة البلديات في بغداد والمحافظات الامر الذي يؤدي الى سلب مدننا جماليتها التي لطالما حلمنا أن تكون أجمل وأنظف، وهذا الامر يحيلنا الى أن نوجه سؤالنا الى الجهات القانونية المختصة (متى سيطال القانون كل من يتجاوز على القانون أولاً وعلى ممتلكات الشعب العراقي ثانياً؟).

3- الاعلام يتحمل العبء الاكبر وأخص بالذكر (الاعلام المسيس) الذي ما انفك يتغافل عن مثل هذه الإنتهاكات خدمة منه لصالح الحزب الفلاني أو الجماعة الفلانية متناسياً إن من اولويات الاعلام الناجح أن يكون المدافع الاول عن مصلحة الشعب لا الدفاع عن مصلحة فئوية ضيقة لحساب الفرقة أو الطائفة أو المذهب أو العرق.

وما دمنا قد حددنا الامور التي دعت الى ان تظهر بعض الدعاية الإنتخابية بهذا الشكل اللاحضاري وحتى لا تكون سنة يتبعها المرشحون من تيارات وأحزاب وشخصيات مستقلة في دورات إنتخابية لاحقة، وحتى ان يعي المواطن المصوت الى هذه التجاوزات ويعرف أن الكيان أو الشخص الذي يتجاوز على القانون وجمالية مدننا في الدعوات الانتخابية الآنية سوف لن يتوانى الى أن يلحق الضرر مستقبلاً إذا ما (لا سمح الله) فاز بمقعد في مجالس محافظاتنا لذا علينا أن نأخذ ببعض الامور:

1- على الحكومة إصدار قانون كشرط جزائي قانوني ملزم يجبر الكيانات المرشحة التي صدرت منها تجاوزات على قانون الدعاية الانتخابية الذي حددته المفوضية العليا للانتخابات يقضي بإزالة التجاوزات الدعائية على الأماكن العامة والأماكن غير المشروع فيها الدعاية الإنتخابية.

2- على الإعلام بأشكاله المتنوعة المسموعة والمقروءة والمرئية أن يعي دورة في خدمة العراق أولا والابتعاد عن المصالح الضيقة والتشهير بالتجاوزات والانتهاكات بعدّه وسيلة من وسائل الضغط الجماهيري لإظهار الحقائق وإبطال الباطل.

3- يبدو أن هناك مسؤولية تقع على كاهل المواطن العراقي خصوصاً بعدما اطلع على التجاوزات والانتهاكات التي بدرت من بعض الجهات المشاركة في الانتخابات من خلال حملاتها الدعائية في تغليب الحس الوطني وإظهار ذلك عن طريق المشاركة الفاعلة في الانتخابات لانتخاب الأفضل والأكفأ والانزه.

4- تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في مدننا كافة كيما يأخذ دوره في المشاركة الفعلية في تحديد التجاوزات والانتهاكات ومنها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وإظهار هذه التجاوزات الى الرأي العام حتى يعرف إن لكل مسيء عقوبة.

.....................

* :(امردُبر بليل) من الامثال العربية الفصيحة مذكور في موسوعة الامثال للميداني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 21/كانون الثاني/2009 - 23/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م