الاوضاع الانسانية في غزة: لامكان للمدنيين وسط كارثة مذهلة

خطط اعادة البناء بعد الحرب تواجه عقبات ضخمة

 

شبكة النبأ: يجاهد 1.5 مليون شخص في قطاع غزة، محاصرون داخل شريط ساحلي من الأرض طوله 40 كيلومترا فقط ولا يتعدى عرضه 12 كيلومترا لإيجاد ما يكفي لإبقاء أُسرهم على قيد الحياة في ظل عدم قدرتهم على الحصول على الطعام كل يوم. ومع محدودية الامدادات واستمرار الطلب في التزايد شهدت الاسعار ارتفاعات كبيرة مما جعل مزيدا من الناس يعتمدون على المعونات الغذائية التي توزعها الامم المتحدة.

فبالنسبة لأم في قطاع غزة لا يقتصر الألم على الضربات الجوية والقصف بالدبابات والنيران التي لا تنتهي والموت اليومي للأقارب، بل وأيضا الخوف من ألا تتمكن من إطعام أبنائها بسبب عدم وجود الطعام.

وقالت أُم طلعت وهي مُسنة لجأت الى منزل أقاربها في شمال غزة مع زوجة ابنها وأطفالها الخمسة "الناس يذهبون الى الأسواق ويجدونها شبه خالية من المخزونات مع أسعار بالغة الارتفاع."واضافت "لا مرتبات ولا أموال ننفقها."

وذكرت على سبيل المثال سعر الطماطم التي بلغ الآن سبعة شواقل للكيلوجرام بعد ان كان 1.5 شيقل (0.40 دولار) قبل ثلاثة أسابيع فيما يمثل ارتفاعا يزيد على 400 في المئة.

ولم تزد مع ذلك الدخول القليلة لمعظم سكان غزة مما يجعل من المستحيل تحمل مثل هذه الارتفاعات في الاسعار.

وفي المقابل يتزايد عدد الناس الذين هم بحاجة للاعتماد على المعونات الغذائية الاساسية التي توزعها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تعمل مع اللاجئين الفلسطينيين منذ اكثر من 60 عاما. ويعتمد اكثر من نصف سكان غزة على ما تقدمه لهم الاونروا. بحسب رويترز.

وتعيش ام نبيل مقداد مع 11 من اقاربها في منزل بمخيم الشاطيء للاجئين خارج مدينة غزة. وتعتمد على الأونروا منذ وفاة زوجها لكنها تحاول إكمال المعونة بطعام من السوق. ولم تعد تتحمل الأسعار. وقالت "ذهبت قبل يومين الى السوق لكني لم اتمكن من شراء شيء لان الأسعار ارتفعت للغاية."

واضافت "لا يمكن للكلمات ان تصف الموقف ..المشهد أكثر تعبيرا. فليس سيئا فحسب بل أكثر من سيء...الأطفال لا يعرفون ما هي الحرب وهم يحتاجون الى طعام."

وفي الأيام الأخيرة وافقت اسرائيل على وقف هجومها لمدة ثلاث ساعات يوميا للسماح بدخول المعونات الانسانية الى غزة. وتجاهل الجانبان فيما يبدو نافذة الهدنة يوم السبت مع تواصل الضربات الجوية الاسرائيلية واطلاق حماس للصواريخ.

مستشفى الشفاء بغزة على وشك الانهيار

 رسم طبيبان نرويجيان يعملان في قطاع غزة صورة تثير الرعب للأوضاع الطبية في المستشفى الرئيسي فيها. وقال ماتس جلبرت وإيريك فوسي التابعان لهيئة إغاثة نرويجية إن مستشفى الشفاء الرئيسي في مدينة غزة على وشك الانهيار حيث يعاني من نقص في الأطباء الإخصائيين والمعدات الطبية الأساسية. وأضاف الطبيبان أن نوافذ المستشفى محطمة ومولدات الكهرباء تتوقف عن العمل يوميا.

ونصف المرضى كما يقول طبيبا الإغاثة مدنيون، بعضهم أطفال مصابون بجراح ناجمة عن الانفجارات والإصابة بالشظايا.

ونقل الطبيبان أن 12 من رجال الإسعاف قد قتلوا بسبب القصف رغم وجود علامات واضحة على عرباتهم تدل على هويتهم.

ويتعرض العاملون في الحقل الطبي والذي يعملون في ظروف شديدة الصعوبة بسبب الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة لإطلاق النار عليهم من الدبابات.كما وواجه هؤلاء أياما طويلة من التأخير في الوصول إلى مواقع الهجمات، ليجدوا في بعض الأحيان حيوانات تنهش جثث القتلى.

ولذا فلا أحد يتعرض لآثار الهجوم الإسرائيلي العسكري على قطاع غزة كما يتعرض لها رجال الإسعاف والذي يبلغ عددهم 400 بمن فيهم المتطوعون."التعامل من الجرحى من أقسى الأمور". إذ يعمل هؤلاء ساعات عمل طويلة، ينامون ساعات قليلة، ويخاطرون بحياتهم كل يوم. فقد العديد منهم بعض أفراد عائلته أو أصدقاء له، إلا أن ضغط العمل الرهيب لا يدع مجالا لهم لاستيعاب ما يعيشونه.

وانتظار التنسيق مع إسرائيل غالبا ما يعيق الوصول إلى الجرحى كما يقول هؤلاء. البعض وجد أناسا محتجزين في منازلهم لأيام، أو جثثا مرمية في الشارع لا تجد من يجمعها.

يقول شوقي صالح (24 عاما) وهو متطوع في مستشفى كمال عدوان "كلمة مقزز لا تعبر تماما، فإن لم نجد كلبا حول الجثة نجد جرذانا، منذ عامين وأنا أقوم بعملي التطوعي هذا لكني لم أتخيل للحظة أنني سأرى ما أرى. من يدري كم من الناس لا يزالون تحت الأنقاض، كنا نحملهم وهم يصرخون".

أما العامل في الهلال الأحمر الفلسطيني بمستشفى القدس هيثم إضغير (33 عاما) فيقول إنه في يوم واحد نقل ست جثث وشاهد ستا أخرى في مستشفى بغزة، وتعرضت القافلة الطبية التي كان فيها لإطلاق نار من دبابة إسرائيلية انهمر بسببها الزجاج على احد السائقين.

الصليب الاحمر: غزة ليست مكانا للمدنيين

وقالت اللجنة الدولية للصليب الاحمر إن المدنيين في غزة في وضع خطر على نحو متزايد حيث صارت مساكنهم أكثر خطرا من أن يؤوى اليها ولا يوجد مكان يفرون اليه.

وقال أنطوان جراند رئيس اللجنة الدولية للصليب الاحمر في غزة لرويترز في مقابلة "لا يوجد مكان امن في غزة هذه الايام.. لا يوجد مكان للمدنيين. انهم خائفون من البقاء في منازلهم.. وخائفون من الانتقال.. وخائفون من النزول الى الشارع أو محاولة شراء بعض الطعام."

وبخلاف مناطق الصراع الاخرى فان المدنيين في غزة لا يوجد مكان يفرون اليه لان القطاع تحاصره القوات البرية والبحرية من جميع الاتجاهات. بحسب رويترز.

وتابع جراند ان اللجنة الدولية التي نادرا ما تعلق على الصراعات حتى لا يتضرر حيادها تعرضت لاطلاق النار مرتين في الايام الاخيرة بينما كان يحاول مندوبوها القيام بالاعباء الانسانية في قطاع غزة.وأضاف "التواجد في غزة أمر خطير جدا ومن الخطر أيضا أن تعمل منظمة انسانية في غزة."

وقال "تحاول اللجنة الدولية للصليب الاحمر مرافقة سيارات الاسعاف الى مناطق الصراع التي فيها مصابون.. لذا فان الامر خطير جدا ويتعين أن تكون لدينا الية تنسيق مع الاسرائيليين."

أهل غزة يروون حكايات القصف المروعة عبر الإنترنت

مع لحظات غروب الشمس، رغم البرد القارس على معبر رفح في الجانب المصري، هناك طائرتا اف-16  تحلقان في الأجواء تصدران صوتا خافتا ينبئ بابتعادهما عن المنطقة.

ومع استمرار الحظر الإسرائيلي على دخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة، نتابع من على سطح أحد المنازل المرتفعة في الجانب المصري تطورات الأوضاع هناك، إذ يبدو الأمر وكأنه فيلم سينمائي طويل.

إلا أن للتكنولوجيا فضلا كبيرا علينا في تغطية هذه الأحداث، فجواد حرب، الفلسطيني من غزة يعيدني إلى الأرض عبر كمبيوتره الشخصي، وشبكة الإنترنت التي لا زالت تعمل في القطاع.

ويعمل حرب في إحدى منظمات العون الدولية، وهو يجلس في بيته هذه الأيام مع زوجته وأبنائه الستة في منزلهم الكائن على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، حيث لا يفصلنا عنهم سوى كيلو متر واحد.

وبعد يوم كامل من المحاولات، تمكنت من الاتصال بجواد عن طريق برنامج "سكايب"، الذي قام جواد من جانبه بتشغيل المحرك الكهربائي مستخدما بعض ما تبقى له من الوقود. بحسب تقرير مراسل سي ان ان.

ومع صوت جواد وصورته القادمين عبر شاشة كمبيوتري المحمول، تمكنت من زيارته في بيته وأنا لا أزال في مكاني( رفح)، وكما يسمع هو أصوات القصف الإسرائيلي فوق منزله، أسمع أنا نفس تلك الأصوات المحلقة فوقنا نحن الاثنان.

وبالنسبة لي، من السهل أن أطل برأسي من فوق سطح المنزل الذي نقف عليه لأرى آثار الدخان والدمار وقد حلت بالمكان، إلا أن هذا الأمر يصعب على جواد وعائلته، لأن في ذلك خطر على حياتهم.

ويقول جواد: "الجميع يخاف من أن هذه الضربات قد تؤدي إلى تدمير المنزل فوق رؤوس أصحابه. كما أن الأطفال دائما يسألون الكبار وهم يصرخون إذا ما كانوا سيموتون."

الحرب هذه لم تترك أي فرصة للآباء لحماية أبنائهم.. فجواد لا يعرف بماذا يرد على أولاده، بالمقابل فهو يحاول تسليتهم بأمور أخرى.

ويقول جواد: "أجمع أبنائي الستة حولي وأقص عليهم قصصا، كتلك التي كانت والدتي تقصها علي عندما كنت طفلا. وأقول لهم في النهاية، إن هذه الحرب في طريقها إلى النهاية، ولن يكون هناك أي قتل بعد اليوم."

سكان غزة لا يرون نهاية للازمة الانسانية

يقف ابن عطاف عبد الرحمن البالغ من العمر عشرة أعوام في صف أمام مخبز في حي سكني لاربع ساعات لكي يحصل على ثمانية أرغفة من الخبز لاطعام 15 شخصا في شقتها السكنية الصغيرة بغزة.

يهرع بعض الفلسطينيين الى المخابز والمتاجر خلال الساعات الثلاث اليومية التي توقف فيها اٍسرائيل النيران لشراء ما يحتاجونه خلال اليوم. ولكن عمال الاغاثة الدوليين يقولون ان كثيرين يخشون المغامرة بالخروج ويفتقرون بشكل كبير للامدادات.

وقالت عبد الرحمن (50 عاما) في حديث هاتفي أن الكثير من المتاجر خالية كما تبيع متاجر البقالة في حي النصر المكتظ بالسكان والواقع في وسط مدينة غزة الليمون والبصل فقط.وتابعت أن اللحوم والدجاج والخضر والفاكهة سلع نادر وجودها كما ارتفعت الاسعار من جراء الصراع. بحسب رويترز.

واستطردت "الكهرباء مقطوعة عنا منذ أربعة عشر يوما على التوالي... خلال فترة وقف اطلاق النار القصيرة يهرع الناس الى مستشفى الشفاء أو الى المساجد التي توجد بها مولدات كهربائية لشحن هواتفهم المحمولة."

وقالت باربرا كونتي المتحدثة باسم برنامج الاغذية العالمي وهو أحد وكالتين تابعتين للامم المتحدة تساعدان في توزيع الامدادات الغذائية على العديد من السكان في غزة أن من الصعب للغاية توزيع الاغذية لان الناس يخشون الخروج من منازلهم والتوجه الى مراكز التوزيع. وتابعت "لهذا ندعو الى وقف فوري لاطلاق النار."

خطط اعادة البناء بعد حرب غزة تواجه عقبات ضخمة

وقال دبلوماسيون غربيون ان الخطط المتعلقة بالمساعدات الدولية لقطاع غزة بعد الحرب تدعو للاسراع بادخال الغذاء والدواء واعادة المياه والكهرباء لكن عملية اعادة البناء الشاملة للقطاع أمر بعيد المنال.

ويقول الدبلوماسيون ان التقديرات الاولية تظهر أن تكلفة اعادة البناء بعد الهجوم العسكري الاسرائيلي المدمر تصل الى 1.6 مليار دولار. لكنهم أضافوا أن تقدير الاضرار بالكامل لم يبدأ بعد وسوف يستغرق أسابيع.

وعقد ممثلون من الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة والبنك الدولي اجتماعا طارئا في القدس يوم السبت لتجهيز استجابة لما وصفه مسؤول بارز بالامم المتحدة بأنه "جحيم على الارض".

فالغذاء والغاز المستخدم في الطهي والوقود والكهرباء والمياه الصالحة للشرب أشياء نادرة الوجود ولن يؤدي قصف اسرائيل لانفاق التهريب أسفل الحدود مع مصر سوى لتزايد اعتماد الفلسطينيين على الامدادات المحدودة التي تسمح اسرائيل ومصر بدخولها. بحسب رويترز.

ومن المتوقع أن يوافق مجلس الوزراء الاسرائيلي على وقف أحادي الجانب لاطلاق النار في وقت لاحق من يوم السبت. ولكن بدون اتفاق مع حماس بشأن من الذي سيسيطر على المعابر الحدودية الفلسطينية يخشى دبلوماسيون أن تفرض اسرائيل قيودا على تدفق السلع والبضائع مما يؤدي الى عرقلة أعمال اعادة البناء وزيادة معاناة سكان غزة البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة.

وقال مسؤولون صحيون في حماس ان 1203 فلسطينيين على الاقل قتلوا بينهم 410 من الاطفال كما أصيب 5300 منذ بدء الهجوم الاسرائيلي في 27 ديسمبر كانون الاول. ويحتمي نحو 45 ألفا من سكان غزة في المدارس التابعة للامم المتحدة بقطاع غزة.

وسوف تتركز المرحلة الاولى ضمن الاستجابة الدولية الطارئة على ادخال الامدادات الطبية والانسانية من خلال المعابر الحدودية مع اسرائيل ومصر.

ويقول الدبلوماسيون ان هناك أولوية أخرى تتمثل في اعادة الكهرباء والمياه والخدمات الصحية الى ما كانت عليه قبل الحرب.

ومع توقف كل مضخات المياه والصرف الصحي تقريبا عن العمل بسبب نقص الوقود والكهرباء يخشى مسؤولون صحيون من ظهور الامراض ما لم تتم استعادة هذه الانظمة بسرعة.

ويجري بالفعل اعداد مؤتمرات للمانحين بما في ذلك مؤتمر أعلن عنه الرئيس المصري حسني مبارك يوم السبت.

وقال دبلوماسيون ان المؤتمر بمصر سيعقد في فبراير شباط ويشارك فيه رباعي الوساطة من أجل السلام في الشرق الاوسط الذي يتألف من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة بالاضافة الى اللجنة الدولية للصليب الاحمر.

وسوف تلعب السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض دورا مركزيا في جهود اعادة البناء لتستعيد كما تأمل واشنطن بعضا من نفوذها في معقل حماس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/كانون الثاني/2009 - 22/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م