خطر التشيع والبحث عن التعايش

أ.غريبي مراد

نادرا ما حظيت مفردات من مفردات الجدل الديني بمثل هذا الصعود والشهرة والبروز لمصطلـحات "الرافضة، الشيعة، المبتدعة..." كلمات تثير الكثير من المشاعر والحماسة التعصبية، حيث قرابة ثلث المسلمين هم شيعة، وعندما يطرح موضوع التشيع، يخطر مصطلح الخطر أيضا على بال المستمع المسلم الغير عارف بحيثيات الموضوع...؟ !

صحيح أن التشيع خطر !

لكن ليس كما يتصور السواد الأعظم وإنما مضمون التشيع تعب مستتعب، لأن من يتشيع هوعلى خطر متمثل في المحك الرسالي الذي تبعثه المسؤولية الإسلامية عبر الزمن الإسلامي كله..

أما اعتبار المصطلحان توأمان، فالتشيع والخطر يعتبران وجهان لعملة واحدة في الخطاب السياسي والفقهي المستكبر عبر التاريخ الإسلامي كله، ويتم التعامل معهما على هذا الأساس إلى يومنا هذا...

ومن المستجدات الراهنة محاولة تثبيت هذه الفرية في عقول المسلمين وتفعيلها بكل الأساليب والبرامج الشيطانية على جل الأصعدة، لتشكيل حركة اجتماعية مهيئة للهجوم على كل ماهو شيعي لأجل إبادته...

ولا مناص يعرف المسلم النبيه بأن هذه المهمة ليست بالمهمة السهلة والجديدة، بل إنها موروث قديم جدا قدم محنة التشيع في الواقع العربي والإسلامي، فإبادة التشيع لم تفلح بالتقتيل أو فرض قوانين القمع أو بفتاوى التكفير والتبديع ولا بالبرامج الإعلامية التحريضية ولا بالاعتقالات أو السلاح الكيماوي ولا بالحرب المعلوماتية الراهنة التي تستهدف مواقع الانترنت،كما لا يمكن الوصول إلى التشويه من خلال قناة تقول أنها شيعية وتسعى لضرب الوحدة الإسلامية بإسم التشيع، فهذا أسلوب تبناه المأمون في عهده ولم ينجح، لكن مشكلة القوم أنهم لا يقرؤون التاريخ برحابة ودون تعصب وخلفية استبدادية، لذا العيش المشترك في أوطاننا العربية الإسلامية يحتاج إلى الوقت وللمتقين من الفريقين...

لأن التعايش الأمثل يتطلب الكثير من الجميع (عقلاء السنة والشيعة) ويتطلب من البعض خصوصا السياسيين والمثقفين والإعلاميين وعلماء الدين الجرأة والشجاعة والصدق الكبير.

إذن موضوع الحديث عن التشيع، يستدعي استحضار الصورة العربية الآنية، وبمقاربات من وجهة نظر تاريخية وسياسية –علمية- وضمن رؤية إستراتيجية للمستقبل الإسلامي المهدد بمخططات الصهيونية العالمية...

لأن مسألة التشيع ما زالت تعاني الكثير من الفبركة والإهمال، رغم وجود بعض الأصوات المتناثرة التي تريد توعية الجماهير المموهة سياسيا وإعلاميا وثقافيا ودينيا، لحقيقة الخدعة الطائفية...

أخي النبيه لقد غدا التعايش والتعارف في أمتنا أكثر جوهرية وأهمية وأكثر حكمة وحداثة وتنوعا، ليس من المقبول الآن أن نتحاور مذهبيا ولكن نتحاور مع المذاهب...

ثم نقول: القيادة السياسية والقيادة الدينية هما المرتكزان الأساسيان للتعايش، بقدر تحملهما مسؤولية التوجيه والترشيد والأمن الاجتماعي، حتى لو تراجعت كل العوامل الأخرى... لأن ما تستطيعه السياسة والدين هو حلحلة عضلات المذهب المتشنجة...وفي النهاية على قدر العزم تأتي العزائم...والله من وراء القصد.

* كاتب وباحث إسلامي

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/كانون الثاني/2009 - 19/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م