شبكة النبأ: ما الذي يحتاجه عامة
الشعب في هذه المرحلة التي يحاول أن يتجاوزها العراقيون بأقل الخسائر
وأقصر الأوقات؟.
ان العراقيين كما هو مفترض، لا سيما المثقفون منهم، يعرفون نواقصهم
ويضعونها تباعا في سلم الأولويات من أجل معالجتها، ولعلنا نجتر كلاما
عتيقا عندما نتطرق للنواقص الخدمية ومستلزمات العيش اليومية التي تفتقر
لها جوانب من حياة العراقيين.
وربما لا نتمكن من التغاضي عن سد هذه الفجوات الخدمية ذات الاهمية
في حياة الناس كالكهرباء مثلا كونها عصب الاقتصاد بل عصب الحياة وكونها
العنصر الفاعل في تذليل المعاناة اللحظوية المتواصلة التي تتسبب نتيجة
لفقدانها، إلاّ أننا سنتفق حتما علي أهمية ملء النقص الحاد في الجانب
الفكري لدى معظم العراقيين ولو فاضلنا بين أهمية سد النقص المادي من
جهة والفكري التوعوي من جهة ثانية لما ترددنا لحظة واحدة في ترجيح كفة
الفكري على المادي، ومع أننا نعي ونؤمن بأهمية تلاقح عنصري المادة
والفكر كونهما لحمة الحياة وسداها إلاّ أننا سنرجح كفة الفكر على غيرها
كونه الضوء والدليل في آن.
ولعل من بديهيات التوقع والإستنتاج أن نعرف بأن تغييب الفكر وتهميشه
هو إحضار قسري للسذاجة بأقصى درجاتها، وبالتالي تغييب الوعي لدى عامة
الناس او الغالبية منهم الأمر الذي يسهل معه تسييرهم وفق الرأي الذي
يهدف الى مصالح ذات سمة فردية او فئوية محدودة، بكلمة أخرى أدلجة
العامة لصالح الخاصة بسبب تغييب الوعي وانكفاء الفكر وتراجعه صوب مراتب
ادنى.
من هنا تبرز الحاجة الى نشر الوعي حيث تقودنا بدورها الى تأشير
ادوات ووسائط هذا العمل الكبير، ومن بين أهم هذه الوسائط هو المثقف
ودوره الاخلاقي في هذا المجال.
اننا نعتقد بأن التركيز على تعميق الوعي ونشره بين العامة وترجيح
كفة الفكر الايجابي على غيره، يعدّ من أبرز المهام التي يجب ان يقدمها
المثقف العراقي لشعبه كجزء أساس من مسؤوليته الوطنية والاخلاقية، تُرى
من الذي سيأخذ على عاتقه مثل هذا الدور اذا ما تخلى المثقف وتراجع عن
مسؤوليته التي يتفق عليها الجميع؟.
إن صفحات التأريخ الإنساني لا تبخل علينا بالصور المشرقة لرواد
التنوير البشري وربما لايتطلب الأمر ان نذهب صوب الأعماق السحيقة بل
سوف نلحظ هذه الصفحات المتألقة على مرمى حجر لنكتشف ان المصلحين
والمفكرين والفلاسفة كانوا على رأس قافلة التنوير ولم يبخلوا قط
بأفكارهم وآرائهم في تنوير الناس وضخ الوعي الى عقولهم ووضعهم على
الجادة الصواب، بل لم يبخلوا بأنفسهم إذ قدموها قربانا في محراب
الحرية.
هنا يبرز لدينا تساؤل لا يقبل التأجيل، ترى هل قام المثقفون في
العراق بدورهم كما هو مطلوب منهم؟.
وحين نضع مفردة مثقفين عنوانا لهذا التساؤل، فإن المعنيين في ذلك هم
أصحاب الرأي السديد والأفكار الايجابية التي تستمد قوتها ورسوخها
وصلاحيتها من جذورها التأريخية والانسانية العميقة.
واذا جازت لنا الاجابة سنقول بأننا لا نرمي أحدا بحجر، ولا نلقي
المسؤولية جزافا على عواتق أولئك أو هؤلاء.
ولكن واقع الحال يتكلم بصوت عال ويشير الى مواطن الخلل، وما نراه من
انشطة وفعاليات سلوكية فعلية او فكرية في ساحة التفاعل الشعبي او
النخبوي في العراق هو حجتنا لمن يرغب المحاججة.
وهنا سنتفق ولو متأخرين على ان ثمة فراغا بل فراغات من الجهل لا
تزال تؤثث المشهد العراقي في نشاطاته المختلفة.
ولذلك ينبغي أن نخوض في لب المطلوب، وان نكتشف مواطن الخلل بأنفسنا
ثم نبادر الى المعالجة بجهد جماعي رسمي وأهلي وفق خطط مدروسة مسبقا
وموضوعة من لدن عقول تتحصل على الخبرة المطلوبة في هذا المجال.
ان الوقت لم يفت، ولا تزال الفرص سانحة كي يخرج المثقف العراقي من
شرنقة الصمت او التردد او الابتعاد بحجة ترك الساحة لأصوات الصراع
الغريزي حتى تخمد، لكنها لن تخمد من دون تدخل العقل وتعميق الفكر
والوعي الايجابي، وهكذا ستظل هذه السلسلة مترابطة وسيظل المثقف أحد
مفاصلها او حلقاتها اذا لم يكن الرابط الأهم فيها.
فحين يتدخل الفكر الايجابي سيتراجع الجهل، ويتطور الوعي الفردي
والجماعي بوتيرة متصاعدة، ويتحول الى سلوك متحضر، يحتاجه العراقيون بل
هو أهم ما ينقص العراقيين في هذه المرحلة. |