الحرب في غزة: مواد مسرطِنة وفسفور أبيض في الاسلحة الاسرائيلية

المِحنة تولد مظاهر التضامن والتكافل الاجتماعي بين الغزيين

غزة – صالح النعامي

 

شبكة النبأ: منذ خمسة أيام، وأسفل مصطبة السلم الذي يصل الطابق الأرضي بالطابق الأول، وفي مساحة لا تتجاوز 10 متر مربع، يتجمع حالياً 33 من أفراد عائلة الوحيد التي تقطن قرية " المغراقة "، جنوب مدينة غزة، بدون طعام ولا شراب، بعد أن سيطر جنود الاحتلال الذين اعادوا احتلال القرية على المنزل وحولوه الى نقطة للمراقبة.

وكما يقول رب الأسرة سالم الوحيد  الذي تحدث عبر هاتفه النقال فأن الجنود اقتحموا منزله قبل خمسة أيام، وأجبروا أفراد عائلته ومعظمهم من النساء والأطفال على التجمع أسفل السلم، أو ما يعرف بـ " غرفة الدرج "، وأغلقوا عليهم الباب، ثم صعدوا للطابق العلوي، حيث حولوه الى نقطة للمراقبة. ويضيف الوحيدي أنه في الوقت ا! لذي يتم تزويد الجنود بوجبات الغذاء والفاكهة بشكل منتظم، فأن هؤلاء الجنود يرفضون السماح له بأن يصعد للطابق العلوي لأخذ ما يلزم من الطعام والشراب والعودة به لأفراد عائلته الذين باتوا يتضورون جوعاً.

جنود الاحتلال درجوا عند اقتحام أي منطقة فلسطينية ما على السيطرة على أعلى بناية فيها وتحويلها الى نقطة رقابة و وقاعدة يتمركز عليها لقناصة الذين يقومون باستهداف القرويين الذين يجرأون على التحرك في هذه المنطقة. محمد السليل، الذي يقطن قرية " القرارة "، شمال خانيونس، جنوب القطاع قال أن جنود الاحتلال سيطروا على منزله، وقاموا بحجزه ثلاثة أيام في أحد غرف منزله بعد اقتحامه.

وقال أنه طرق على الباب بعد يوم من المكوث في الغرفة، لكي يأتي له أحد الجنود ويطلب منه السماح له بإحضار طعام وشراب من البيت، ودواء لزوجته، وأشار الى أن الجنود في بادئ الأمر تجاهلوا طرقه على الباب، وبعد ذلك فتحوا الباب وطلبوا منه الحضور، وانهالوا عليه بالضرب الشديد أمام زوجته وأطفاله الخمسة ووالديه. وأشار الى أنه بعد أن غادر الجنود المنزل، صعد للطابق العلوي ليجد أنهم قد قاموا بإحداث فتحة كبيرة في أحد الجدران، ثبث فيها القنا! صة رشاشاتهم ليقنصوا من يتحرك أمامهم من الأهالي.

إتلاف الأثاث وسلوك مقزز

ويضيف السليل أنه وجد الجنود قد قاموا بإتلاف الأثاث وحطموا جهازي الحاسوب والتلفاز، واقتلعوا أرضية الغرف، فضلاً عن قيامهم ببعض الأعمال " المقززة "، مثل التبول على الآرائك والفراش. بعض العائلات التي سيطر جنود الاحتلال على منازلها اكدت أنها فوجئت بقيام الجنود بسرقة المجوهرات والنقود قبل مغادرتهم المكان.

تعمد إحداث دمار وخراب في المنازل التي يسيطرون عليها، هي إحدى آليات عمل جنود الاحتلال. عندما ينتقل الجنود من المنزل الذي يسيطرون عليه الى مزل آخر، فأنهم لا يخرجون من الباب، بل يقومون باحداث فتحة كبيرة في الجدار ثم يغادرون منها، بزعم الخشية من إحتمال أن يكون الباب مفخخا بالمتفجرات.

المفارقة أن أكثر المنازل التي يسيطر عليها جنود الاحتلال أثناء عمليات التوغل تعود في الأساس لعائلات موسرة اختارت أن تنتقل من العيش في صخب المدن الى نقاء وهدوء المناطق الريفية، مثل عائلة سليم الصوافي الذي ترك قبل عقد من الزمان العيش في مدينة خانيونس وانتقل للعيش في قرية " القرارة " بحثاً عن الهدوء في أحضان الطبيعة ومناظرها الجميلة، وبالفعل اشترى قطعة أرض وبنى عليها فيللا فارهة. وفي مطلع العملية البرية التي شنها جيش الاحتلال على القطاع، كان منزل عائلة الصافي أول المنازل التي سيطر عليها جنود الاحتلال، لكن أفراد العائلة الذين كانوا يرصدون حركة قوات الاحتلال تركوا المنزل قبل وصول الجنود، وبعد ثلاثة أيام بعدما أنسحب الجنود من المنطقة، عادت العائلة لتجند أن الجنود قد عاثوا فساداً في هذه الفيلا، حيث قاموا بتحطيم النجف والأثاث الأنيق، بالإضافة الى تحطيم كل ما في المطبخ، وتكسير ارضيات الحمام، فضلا! ً عن قيام الجنود بإتلاف أعقاب سجايرهم في السجاد والأرائك، فقط لمجرد إحداث أكبر قدر من الخراب ولضمان شعور أصحاب هذه المنازل بأكبر قدر من الأذى.

السيطرة على منازل الفلسطينيين وتحويلها الى نقاط مراقبة وقواعد للقناصة، هي احد الأساليب التي تتبعها قوات الاحتلال عندما قيامها بعمليات التوغل في عمق الأراضي الفلسطينية منذ اندلاع الانتفاضة الأولى أواخر العام 1987. لكن عندما يتأكد المقاومون الفلسطينيون أن المنازل التي يسيطر عليها الجنود تخلوا من أصحابها، فأنها تصبح هدفاً لهم، كما حدث صباح الخميس الماضي، عندما قامت وحدة مختارة في الجيش الإسرائيلي بالسيطرة على منزل يقع شرق مدينة " دير البلح "، كما كان من عناصر " كتائب عز الدين القسام "، الجناح العسكري لحركة حماس إلا أن قاموا بمهاجمته، وقتلوا قائد الوحدة وجرحوا عدد آخر من أفرادها.

إسرائيل تستخدم مواد مسرطنة في قصف المدنيين

وقال الدكتور حسين عاشور مدير عام مستشفى " دار الشفاء " بغزة أن طبيعة الجروح والإصابات التي يصاب بها القتلى والجرحى الذين يصلون المستشفى هي " إصابات غير عادية "، و تدلل على أن اسرائيل تستخدم أسلحة محرمة دولياً.

وقال عاشور أن طبيباً نرويجياً يعمل متطوعاً في مستشفى " دار الشفاء " وسبق له أن عمل في مستشفيات العراق ابان الغزو الأمريكي أكد له أن طبيعة الجروح والاصابات تؤكد أن المواد المتفجرة التي تستخدمها إسرائيل تشتمل على مواد صابغة مسرطنة، منوهاً الى أنه سبق للجيش الأمريكي أن استخدم هذه المواد في عمليات القصف للعراق. ونوه عاشور الى أنه حسب شهادة الطبيب النرويحي فأن كل شخص يصاب بهذا النوع من المتفجرات يحتاج الى جلسات علاج كل ستة أشهر حتى لا يتطور لديه ورم سرطاني، مشيراً الى أن عشرات الآلاف من العراقيين لازالوا حتى الان يتعرضون لهذا النوع من العلاج. ورفض عاشور نفي أو تأكيد أن تكون إسرائيل قد استخدمت قنابل الفسفور الأبيض في عمليات القصف التي تستهدف الفلسطينيين في القطاع. ونوه الى أنه لا يوجد في قطاع غزة معامل يمكن أن تدلل على استخدام مثل هذا النوع من القنابل. وكانت مصادر طبية فلسطينية قد أكدت أن طبيعة الحروق التي تصاب بها جثث القتلى والجرحى الفلسطينيين الذين يصلون المستشفيات في قطاع غزة تدلل على أن جيش الاحتلال يستخدم قنابل الفسفور الأبيض في قصف للتجمعات المدنية الفلسطينية.

وأضافت المصادر أن الذي يؤكد على استخدام هذا النوع من القنابل في عمليات القصف هو حقيقة أن جثث القتلى والجرحى التي تتعرض للقصف بهذا النوع من القنابل تأتي محترقة، مؤكدة أنها حتى عظام القتلى والجرحى تكون محترقة. وأفاد الكثير من الأهالي الذين يقطنون في كل من بلدتي " بيت لاهيا "، ومخيم " جباليا " وبلدة بيت حانون " والأحياء الشرقية والجنوبية من مدينة غزة أنه الدخان الذي ينبعث بعد عمليات القصف التي تقوم بها الطائرات الإسرائيلية يؤدي الى الكثير من حالات الاختناق وضيق التنفس لدرجة أن الكثير من الأهالي يقومون بإغلاق غرف نومهم عليهم خوفاً من استنشاق هذا الدخان.

ويذكر أن اسرائيل سبق أن اعترفت باستخدامها الفسفور في حربها على لبنان في العام 2006. و أكدت المصادر الطبية أن الفسفور الأبيض المستخدم في القنابل يتميز بشدة نشاطه الكيماوي، حيث انه يلتهب بمجرد تعرضه للاوكسجين، منوهة الى أنه بمجرد أن يلامس الفسفور الابيض الهواء يشتعل ويتأكسد بشكل سريع ويتحول الى مادة خامس اكسيد الفسفور، منوهة الى أن هذا التفاعل يؤدي الى كمية كبيرة من الحرارة، بحيث يتولد لهب أصفر اللون ينتج دخاناً كثيفاً أبيض اللون.

وأشارت المصادر الى أن 15% من الفسفور الأبيض يستخدم يبقى في القسم المحترق من الجسم، وأنه يمكن ان يعاود الاحتراق في حال لامس الهواء مجدداً. وكانت صحيفة " تايمز " البريطانية قد كشفت النقاب في مطلع الحملة العسكرية الاسرائيلية على القطاع إن الجيش الإسرائيلي يستخدم الفسفور الابيض في عمليات القصف.

من ناحية ثانية طالب القطاع الصحي في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، بتحرك دولي عاجل من اجل ارسال لجان تحقيق متخصصة في استخدام الاحتلال الاسرائيلي اسلحة محرمة دوليا بحق تجمعات المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة. وفي بيان صادر عنها، تلقت " الشرق الاوسط " نسخة منه، اكد القطاع أن الاحتلال الاسرائيلي يستخدم حالياً اسلحة متفجرة غريبة تسبب حروقا تصل الى ع! ظام واجسام الجرحى والشهداء، اضافة الى استخدام اسلحة تطلق دخانا وغازا غريبا يؤدي الى ضيق في التنفس وبخاصة لدى الاطفال. وأكد القطاع أنها تستند في حكمها هذا الى ملاحظة الاطباء في المستشفيات الذين يؤكدون أن اسرائيل تستخدم اسلحة غير معروفة.

الحرب النفسية مركَّب هام في حملة إسرائيل على حركة حماس

الذين يتابعون فضائية الأقصى، التابعة لحركة حماس يفاجأون هذه الأيام بين الفينة والأخرى بقيام الجيش الإسرائيلي بإختراق ترددها، وبث مواد دعائية ضد الحركة. أحد المواد الدعائية تهاجم قيادات حركة حماس وتحديداً الدكتور محمود الزهار وتخلع عليه الكثير من الصفات السلبية، وتتهمه بالجبن والأختفاء عن الأنظار في الوقت الذي تتعرض فيه غزة للقصف. وفي محاولة لكسر الروح المعنوية لمشاهدي الفضائية التي تفترض إسرائيل أنهم من أنصار حركة حماس، تعرض أحد المواد الدعائية صورة كرتونية لمقاتل من" كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة" حماس وهو يرتجف خوفاً ويفر من ساحة المعركة.

في نفس الوقت يقوم الجيش الإسرائيلي مستغلاً تفوقه التقني باختراق بث إذاعة "صوت الأقصى"، التابعة لحركة حماس، حيث يتم بث مواد دعائية أخرى تتهم حركة حماس بأنها حركة "إرهابية " وأنها" لا يعنيها مصلحة الشعب الفلسطيني"، وأنها"أداة في يد ! إيران وعدوة للسلام"، وغيرها من الإتهامات  التي عادة ما تتهم بها الحركة.

وإلى جانب اختراق بث فضائية"الأقصى" وإذاعة" صوت الأقصى"، قام الجيش الإسرائيلي بإنزال عشرات الآلاف من المناشير والبيانات باللغة العربية على التجمعات السكانية الفلسطينية وتحديداً على المناطق التي تشهد مواجهات، وتحديداً بلدتي " بيت لاهيا" وبيت حانون"، ومخيم جباليا، والضواحي الشرقية والجنوبية من مدينة غزة وقرية" المغراقة"، ومدينة " رفتح"، حيث تدعو الجماهير لعدم التعاون مع حركة حماس وعدم تقديم المساعدة لمقاتليها وعدم ايوائهم. احد المناشير تدعي أن حركة حماس هي الطرف الذي يقف حائلاً امام تحقيق السلام في المنطقة، وهو الطرف الذي يمنع من الفلسطينيين في قطاع غزة من العيش في إزدهار اقتصادي. في نفس الوقت فأن إسرائيل تستخدم وسائل اعلامها الرسمية الناطقة باللغة العربية والتي يتم التقاطها في الضفة الغربية وقطاع غزة وبعض الدول العربية في محاولة تشويه حركة حماس.

فالتلفزيون الإسرائيلي والإذاعة الاسرائيلية باللغة العربية عادة ما يمنحان معلقين يهود يتحدثون اللغة العربية بطلاقة مساحة كبيرة  لم هاجمة حماس ويتهمون قيادتها بأنها تتخذ من مستشفى " دار الشفاء " في غزة ملجأ لها وأن مقاتلي حماس يرتدون الزي العاملين في القطاع الطبي، وأن كثير من الوحدات في " كتائب القسام " قد انهارت، وأن نشطاء " الكتائب" قد خلعوا زيهم العسكري وباتوا يختبأون وسط الناس.

لكن الحملات الدعائية التي يعرضها الجيش الإسرائيلي تتناقض مع الحقائق التي تعرضها المستويات العسكرية. فالقادة العسكرييون الإسرائيليون الذين يقودون الحملة على القطاع عكفوا منذ الشروع في الحملة وحتى الآن على التأكيد على أن " كتائب عز الدين القسام " لم تتأثر قوتها، وأنها قادرة على مواصلة القتال الى فترة طويلة. من ناحية ثانية فأن جميع قنوات التلفزة ووسائل الاعلام الإسرائيلية تنقل عن الضباط والجنود الإسرائيليين الذين يشاركون في الجهد الحربي قولهم أنهم يواجهون مقاتلين أشداء، في اشارة الى نشطاء " كتائب القسام". الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية نقلت عن قائد أحدى الكتائب في لواء الصفوة " جولاني"، والذي شارك في حرب لبنان الثانية أنه من خلال الاحتكاك مع مقاتلي حماس، فأنه يرى أن الكثيرين منهم أكثر جرأة من مقاتلي حزب الله.

وحتى روني دانئيل المعلق العسكري لقناة التلفزة الإسرائيلية الثانية والذي يعتبر أحد المتحمسين للحرب على حماس، فقد اعترف على الهواء مباشرة أنه يحظر عليه التحدث عن المفاجآت التي تعرض له الجنود الإسرائيليين اثناء توغلهم في غزة، والتي تفسر عدم قدرة هؤلاء الجنود على التقدم. ولعل الحقيقة الأهم التي تكشف زيف الدعاية الإسرائيلية هو حقيقة أنه بعد 17 يوم على بدء الحملة العسكرية على القطاع، فأن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من احتلال أي تجمع سكاني فلسطيني في القطاع رغم إلقاء الطائرات الإسرائيلية مئات الأطنان من المتفجرات لتقليص قدرة المقاتلين الفلسطينيين على المقاومة.

ويذكر أنه قد تم قبل العام كشف النقاب في اسرائيل عن قيام شعبة  الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروفة بـ " أمان " بإستئناف عمل " وحدة الحرب النفسية " في الشعبة والتي تعنى بالتأثير على معنويات الفلسطينيين والعرب خلال المواجهات العسكرية.

المحنة تولد مظاهر من التضامن والتكافل الاجتماعي بين الغزيين

الذي تعود على إرتياد السوق الشعبي الذي ينتظم كل صباح يوم أحد في مخيم " المغازي " للاجئين، وسط قطاع غزة، لا شك أنه فوجئ أول امس من انكباب مئات الناس على مجموعة من بسطات الخضار في السوق، في الوقت الذي ظلت بقية البسطات بدون زبائن تقريباً. لكن لم يكن هناك في الواقع سبب اللدهشة، فقد قام أحد الموسرين بشراء شاحنة من الخضار وتوزيعها على الذين يرتادون السوق من الأهالي في المعسكر، حيث انكب الناس على تعبئة البطاطا والطماطم والخيار والكوسا والفلفل وغيرها من الخضار.

أحد الذين استفادوا مما جاد به هذا الموسر، هو محمد شحدة  24 عاماً ، الذي كانت أسارير وجه منبسطة وهو يغادر السوق وهو يكاد ينوء بما يحمل من خضار في طريقه للبيت. وقال محمد العاطل عن العمل" أن ما عاد به من خضار يكفي اسرته اسبوعان، حيث أن أسرته خلال الأسبوعين الماضيين كانت تعيش فقط على الخبز وبعض الطماطم التي كان والده يحضرها لعائلته بين الحين والآخر. وفي ظل المحنة التي يحيونها، فأن هناك الكثير من صور التضامن والتكافل التي برزت بين الفلسطينيين في غزة.

ولعل أوضح هذه الصور هو قيام الكثير من الأسر الموسرة بتوزيع المواد الغذائية على الأسر الفقيرة. ياسر عليان، أحد التجار في منطقة " دير البلح "، استغل مؤخراً سماح إسرائيل بإدخال الدقيق وقام بشراء عدد كير من اكياس الطحين وقام بتوزيع كيس طحين على الكثير من الأسر المعوزة الي تقطن في منطقته. عليان قال أنه يعرف بعض الأسر لم تذق طعم الخبز منذ عدة أيام، مشدداً على أن ما قام به هو أقل ما يمكن أن يقام به في ظل الواقع الصعب الذي تحياه الكثير من الأسر.

ومن صور التضامن التي يمكن لكل من يتجول في مدن ومخيمات وبلدات قطاع غزة أن يلمسها بسهولة هو أن الناس باتوا لا يتورعون عن طلب المواد التي تنقصهم من جيرانهم في حال توفرت لديهم. جيران أسامة سلمان سلمان الذي يقطن " المغازي "، وجدوا ضالتهم عندما عرفوا أنه قام بتخزين كمية كبيرة نسبياً من الكيروسين الأبيض الذي يستخدم في اشعال المصابيح والمواقد البدائية التي تعمل بهذا النوع من الوقود، فتوجهوا اليه، حيث ! قام بمنح كل واحد منهم لترين من الكيروسين عن طيب خاطر. الناس هنا في ظل الواقع الصعب الذي يحيونه عادوا لأيام خلت، حيث باتوا الكثير منهم يتناولون وجبات الطعام معاً.

حوالي خمسة عشر من الشباب الذين يقطنون منطقة أبو حمام، شرق دير البلح، وسط القطاع، يتجمعون يومياً حول وجبة الغداء، حيث أن كل واحد منهم يتبرع بإعداد هذه الوجبة، وهي تتراوح بين فتة العدس وطبيخ البقوليا الجافة. ومن صور التكافل التي تلمس بشكل واضح هو قيام العائلات التي تقطن في مناطق بعيدة عن مناطق المواجهات والتوغل بفتح أبوابها أمام العائلات التي تقطن في مناطق المواجهات والتوغل عندما تفر اليها، حتى عندما لا تجمع هذه العائلات صلة قرابة. بعض العائلات خصصت دواوينها لاستقبال العائلات الفارة. ولا يتردد الجيران في مد يد العون للعائلات التي تؤوي الأسر الفارة من مناطق القصف. الليلة قبل الماضية قام عامر بريك الذي يقطن " بركة الوز، بتوفير طعام العشاء لعدد من الاشخاص الذين حلوا على جاره مراون عبد ربه، والذين قدموا من منطقة" أم الجمال "، التي تتاخم تماماً الخط الفاصل بين اسرائيل والقطاع.  بريك قال أنه يعي الوضع المادي الصعب لجاره مر! وان وحقيقة أنه منذ أسبوع وهو يوفر الطعام والمأوى للذين لاذوا ببيته.

الفلسطينيون يعجزون عن التعرف على قتلاهم بسبب تشوه جثثهم

وهي تنتحب صارخة ظلت تقلب الجثث الثلاثين التي تكدست في احدى الغرف في مستشفى" شهداء الأقصى"، في المنطقة الوسطى من القطاع، لكنها ما لبثت إن انهارت بعد أن لم تنجح في التعرف على نجلها رامي حسين ( 24 عاماً )، الضابط في الشرطة الفلسطينية مع أن زملاء رامي أبلغوها أنه على الأرجح قد نقل الى هذه المستشفى. لم تنجح الأم الولهى بالتعرف عليه، حيث أن جميع وجوه ورؤوس هذه الجثث قد قد تغيرت معالمها، في حين ان بعض هذه الجثث كان بدون رؤوس، لكن أحدى بناتها اشارت اليها أن تفحص الجثث من جديد وتركز على اصابع الرجل اليسرى، حيث أن إحد اصابع رامي قد بتر قبل عامين جراء حادث، وبالفعل أعادت الوالدة المنتحبة الكرة لتتأكد أن جثة رامي كانت الجثة السادسة من حيث الترتيب، حيث تعرفت على نجلها بأصبعه المبتور.

لقد فشلت أم رامي في التعرف عليه بعد احترق وجهه وجه للتشويه وتحول الجزء العلوي من جسمه الى ما يشبه الفحم. وبعد وقت ط! ويل من الصراخ والعويل قام أحد الممرضين بوضع جثة رامي في بطانية ونقلها الى سيارة الأجرة التي وصلت بها أمه وأخواته الثلاثة للمستشفى لكي يعود لبيت العائلة وليدفن بعد ذلك.

هذا المشهد تكرر اول امس وأمس كثيراً في جميع مستشفيات قطاع غزة، استخدام إسرائيل في معظم عمليات القصف قنابل تزن الواحدة منها طن أدى الى تشويه الجثث بشكل كبير لدرجة يصعب معها التعرف القتلى. وبسبب العدد الكبير من القتلى، فأن معظم القتلى تم وضعهم في غرف وليس في ثلاجات الموتى كما هو الحال في الأوضاع الطبيعية. في ذات الغرفة في مستشفى " شهداء الأقصى " هناك جثة لطفل يتراوح عمره بين الثامنة والعاشرة بدون رأس، الأشخاص الذين أحضروا جثته للمستشفى يقولون أن الطفل كان يمر بالقرب من مركز شرطة المنطقة الوسطى الرئيسي عندما تم تدميره اول امس.

في غرفة صغيرة بالقرب من الغرفة التي وضعت الجثث على أرضيتها، هناك بعض الرؤوس وأجزاء من رؤوس وأطراف وأشلاء لأجزاء مختلفة من الجسم، بعض الرؤوس تم وضعها الى جانب الجثث التي تعود لها، وبعضها من الصعب الموائمة بينها وبين بقية الجثث. ونظراً لأن معظم جثث القتلى الذين لم يتم التعرف عليهم ملقاه على ! أرضيات غرف وليست في ثلاجة الموت، فأن هناك خوف لدى إدارات المستشفى من أ ن تشرع هذه الجثث بالتحلل قبل أن يقوم اصحابها بالتعرف عليها ودفنها.

المثير للمرارة، في كثير من المواقع التي تعرضت للقصف المدمر، أن الناس الذين قاموا بعمليات اخلاء الجثث قد تركوا خلفهم الكثير من الأشلاء، حيث حرص الناس على اخلاء الجثث الكاملة ولم يهتموا كثيراً بالأشلاء، وحاولوا الانسحاب من المكان بأقصى سرعة خشية أن تتعرض هذه المواقع للقصف مجدداً، كما حدث أكثر من مرة.

أقسام الولادة تتحول الى غرف عمليات بسبب عدد المصابين الهائل

وقال همام نسمان الناطق بلسان وزارة الصحة في قطاع غزة أن المستشفيات الفلسطينية حولت اقسام الولادة والباطنة فيها الى غرف عمليات بسبب الأعداد الكبيرة من الجرحى التي تستقبلها المستشفيات في ظل تواصل الحملة العسكرية الاسرائيلية غير المسبوقة على القطاع. وأكد نسمان أن غرف العمليات وصالات الاستقبال لم تعد تكفي لاجراء العمليات الجراحية العاجلة التي يتوجب اجراؤها في المحاولات لانقاذ حياة الذين يتعرضون لعمليات القصف. وأوضح نسمان أن غرف العمليات في مستشفى" دار الشفاء"، أكبر مستشفيات قطاع غزة تسمح بإدخال بإدخال 6  مصابين لإجراء عمليات عاجلة في الاوضاع الطبيعية، لكن المستشفى يضطر في ظل العدوان على ادخال ْ50 جريح لغرف العمليات دفعة واحدة الأمر الذي أجبر ادارات المستشفيات على تحويل اقسام الباطنة والولادة الى ساحات لاجراء العمليات الجراحية.

وأكد نسمان من أنه بسبب النقص في المستهلكات الطبية فأن الكثير من الجرح! ى الذين يصلون المستشفيات يتوفون، منوهاً الى أن المستشفيات الفلسطينية ت عاني من نقص 230 مستهلك منها اليود والبلودين التي تعمل على وقف النزيف، وكذلك مواد التخدير اللازمة في اجراء العمليات الجراحية. ونوه الى إن هذا الواقع جعل الجراحين  مضطرين للتعامل مع المصابين بدون تخدير واستخدام أدوات إيقاف النزيف وخيوط الجروح  سيما في قسمي  الاستقبال والطوارئ والعمليات بهدف إنقاذ حياة الجرحى باقصى سرعة.

وأشار الى أن 220 جهاز من الأجهزة الطبية الضرورية جدا معطلة عن العمل لاحتياجها للصيانة، مثل اجهزة التنفس الصناعي التي تستخدم في غرف العناية المكثفة واجهزة التخدير، واجهزة غسيل الكلى والكثير من التجهيزات اللازمة لأقسام الحضانة في الأطفال.

وأشار الى أن الكادر الطبي يعجز عن التعامل مع العدد الكبير من المصابين الذين يصلون لمستشفيات القطاع، منوهاً الى أنه بسبب النقصف في الكادر الطبي فأن وزير الصحة با! سم نعيم الذي هو طبيب جراح اضطر للمشاركة في اجراء هذه العمليات بنفسه. وشدد نسمان على الحاجة الى ارسال بعثات طبية من الدول العربية لإنقاذ الجرحى، منوهاً الى أن وزارة الصحة تنتظر أن توافق مصر على السماح بعبور اطباء مصريين وعرب للقطاع للمساهمة في انقاذ حياة الجرحى. واكد نسمان أنه بسبب الحالة الحرجة لكثير من الجرحى فأنه لا يمكن نقلهم الى الدول العربية لاستكمال علاجهم هناك، مشيراً الى أن التجربة دلت على أن الحالات الحرجة يتوجب اسعافها في داخل القطاع، منوهاً الى أنه في اخر عدوان على القطاع قبل الشروع في التهدئة قد توفى في مستشفى العريش المصري  6 جرحى بسبب السفر وعدم توفر الامكانات اللازمة في المستشفى.

ونوه نسمان الى النقص الكبير في سيارات الاسعاف، مشيراً الى أن وزارة الصحة تملك 58 سيارة اسعاف فقط، 50% منها صالح للعمل، في حين أن بقية السيارات اصبحت مجرد خردة لحاجتها لقطع غيار غير متوفرة في القطاع بسبب الحصار المفروض منذ حوالي العامين.

ونوه الى أن هناك 105 صنف من الأدوية الأساسية اللازمة لمرضى السرطان والقلب المفقودة بتاتاً من مخازن وزارة الصحة ومن الصيدليات في القطاع الخاص، محذراً من ان هذا الواقع يدفع نحو وفاة المزيد من المصابين بالأمراض المزمنة. وأكد  نسمان أن هناك 180 طفل في قطاع غزة يعانون من مرضى pku الناجم عن نقص مادة الفنالين معرضين لخطر شديد بسبب نقص الحليب، مشيراً الى أنه في حال لم يحصل هؤلاء الاطفال على  الحليب يومياً فأنهم يتعرضون لخطر الاصابة بتخلف عقلي، حيث أن المخ لدى هؤلاء الاطفال يتجه للضمور بسبب نقص الحليب. وأوضح نسمان أن هناك 80  طفل مصابين بتليف الرئة يعانون من نقص العقارات اللازمة لهم، الأمر الذي يهدد حياتهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/كانون الثاني/2009 - 19/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م