سوق الانتخابات وصوت الناخب العراقي

احمد جويد/ مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

بحسب العرض يزداد أو يقل الطلب، مبدأ السوق والاقتصاد في التعاملات التجارية المبنية على الربح والخسارة المادية، أما في التعاملات السياسية فالإقبال والطلب يزداد وبشكل كبير في مواسم قطف الأصوات في صناديق الاقتراع، إذ تصل قيمة الصوت إلى أعلى مستوياتها أيام الانتخابات، أما بعد غلق الصناديق لا قيمة تذكر لأي صوت خارج الصناديق، الأمر الذي يتطلب معرفة حقيقة لقيمة البضاعة التي يحملها المقترع وأهميتها ومعرفة كيفية تسويقها في موسم ارتفاع ثمنها وازدياد الطلب عليها، ومهما يرتفع الصوت خارج صندوق الاقتراع للمطالبة بالحقوق لا يكاد يسمع مقابل الصوت الذي يدخل الصندوق ويقرر تأهيل من سيتولى الإدارة والحكم أو من أراده المشاركون لتمثيل مصالحهم والدفاع عن حقوقهم.

  الأمر الذي يستدعي معرفة وتحديد قيمة كل صوت في عملية اختيار الحكومات المحلية في الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات أو أية انتخابات أخرى، وتتم تحديد تلك القيمة من خلال الآتي:

1- الصوت الذي لم يدخل صندوق الاقتراع، والذي ينتج من جراء العزوف أو الامتناع  بالدخول أو المشاركة في العملية الانتخابية ظناً من الممتنع بأنه يعاقب السياسي أو صاحب السلطة على الإخفاقات التي أنتجتها الحكومات المحلية السابقة حينما قام هذا (الممتنع) بإعطاء صوته لهم ولم يحققوا له أبسط شيء كانوا يستطيعون القيام به، وقد يكون هذا الرد سلبياً ليس على السياسي أو المسئول الذي تم انتخابه في التجربة الأولى لمجالس الحافظات، بل تكون السلبية على مستقبل صاحب الصوت الذي امتنع عن منحه لمن هو أهل له، وبذلك يفقد هذا الصوت قيمته واعتباره في قلب موازين العمل المستقبلي واختيار الإدارات المحلية التي تتحكم بالمواطن بصورة مباشرة.

2- الصوت الذي يدخل صندوق الاقتراع لصالح جهة ما بدافع التعصب، إذ يوجد العديد من الأشخاص الذين يقومون بالإدلاء بأصواتهم أثناء المشاركة في عملية الانتخابات لصالح جهة ما لا يؤمنون بكفاءتها أو نزاهتها يحملهم دافع العصبية القرابة أو القبلية أو المناطقية أو الدينية، قد يأتي هذا الصوت ببعض الثمار لمن يمنحه على هذا الأساس ولكن في أغلب الأحيان يقود صاحبه نحو الندم على تفريطه به فيكون من امتنع عن المشاركة ولم يدل بصوته أفضل حالاً منه رغم أن النتيجة لكلا التصرفين هي الخسارة الحقيقية لفرصة قد لا تعود عليه مرة أخرى، وبذلك تكون مسؤوليته الأخلاقية والوطنية كبيرة بعدم استغلال المناسبة وتوجيه حركة المجتمع نحو الإصلاح كونه صاحب قرار حر.

3- الصوت الذي يدخل صندوق الاقتراع لصالح جهة ما بدافع البغض لجهة أخرى، وهذا أيضاً يجري على حساب الكفاءة والنزاهة في اختيار الشخص الذي يعول عليه في حفظ الأمانة بصورة صحيحة، وهذا التصرف يدعو المقترع المتحامل على جهة ما بالتصويت إلى المرشح غير المؤهل لشغل المناصب السياسية أو الإدارية، وتجعله ينجر خلف أهواءه وعواطفه دون الرجوع إلى عقله في اتخاذ القرار المناسب في إستثمار نعمة الانتخابات والأجواء الديمقراطية لتحديد ممثلين معتبرين يحملون مشروع وبرنامج يشتمل على خدمة البلد والمواطن بالدرجة الأولى، وبذلك يكون(صوت الناخب) ذا قيمة كبيرة لدى المرشح الانتهازي وخسارة كبيرة لدى المرشح المخلص، وبالنتيجة لا قيمة ولا أهمية تذكر لذلك الصوت في الطريق الذي يؤدي إلى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

4- الصوت الذي يدخل صندوق الاقتراع بشكل عشوائي وبتفكير العقل الجمعي، فالكثير من الناس لا يدركون تماماً أهمية الممارسة الديمقراطية وهم حديثو عهد بها، وفي أغلب الأحيان لا يعرفون الكثير عن خلفيات وتوجهات المرشحين فتكون قراراتهم متخذة على حالة من الإشاعة التي تقوم ببثها وتفعيلها جهات تروج لشخوصها وبخاصة في الأيام أو الساعات القريبة من بدأ عملية الانتخاب أو أثنائها والتي لا تسمح للمقترع بالتفكير والتأمل قبل إتخاذ قراره بالتصويت، وبذلك يكون هذا الصوت أكثر سلبية من الصوت الذي امتنع عن الدخول إلى الصندوق كون الممتنع يسجل حالة من السلبية على المرشحين الجيدين والسيئين على حد سواء، ولكن الصوت العشوائي يسجل حالة من السلبية ضد المرشح الجيد لصالح المرشح السيئ.

5- الصوت الذي يدخل صندوق الاقتراع بهدف الإصلاح والتغيير، وهذا هو أثمن صوت يدخل إلى صندوق الانتخاب، والذي لا ينطلق من منطلق عصبي أو عاطفي أو عفوي......الخ، حيث يتم التعويل عليه من أجل وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة، وبذلك فإنه يعد من أثمن الأصوات وأكثرها قيمة داخل صناديق الاقتراع.

   ومن كل ما تقدم يجب أن ننظر إلى الأمور بعين المسؤولية الملقاة على عاتقنا وبحجم القرار الذي يجب أن يتخذ، ليس في هذه الانتخابات فقط بل في جميع الأمور التي خولها الدستور للشعب في البت بها والتصويت عليها عبر الاستفتاء أو الانتخاب، الأمر الذي يستوجب ترك جميع المسميات جانباً والنظر بعين العقل إلى صنع المستقبل من خلال الاختيار الصحيح والدقيق بمن يراه الناخب مناسباً للتخويل والتصدي إلى موقع المسؤولية وصنع القرار، وبذلك يجب الحث على كل ما من شأنه أن يصل بالعمل الديمقراطي والتعددي في الدولة العراقية إلى ظاهرة سلوك عام في المجتمع من خلال النظر إلى:

أولاً: معرفة التكليف الشرعي للمقترع، وهذا الأمر لا يتطلب منه أن يقوم بإعطاء صوته تحت عنوان أو مسمى ديني وإن كانت أغلب المسميات الدينية محترمة ومقدرة، ولكن التكليف الشرعي يعني أنه خول من ينوب عنه في إدارة شؤون الأمة والمجتمع، فإذا كان شخصاً سيئاً وغير مؤتمن أو غير مؤهل لهذا التكليف فالمقترع لا يستطيع التنصل من قراره شرعاً وأنه محاسب عليه، أما إذا كان العكس فإنه قد ساهم بصورة عملية كبيرة في التغيير نحو الإصلاح والتغيير.

ثانياً: معرفة الواجب الوطني للمقترع، بحيث يدرك المقترع المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه في الحفاظ على بلده من خلال الحرص الشديد باختيار المرشحين الذين يتمتعون بحس وطني وموقف وطني مميز.

ثالثاً: معرفة حجم الفائدة المترتبة على اختيار المرشح ومدى كفاءته في تأدية واجباته بصورة جيدة تدر بالنفع على الدولة والمجتمع ومدى مساهمته بدفع عجلة التقدم ودفع البلد إلى حالة من الرقي والانتعاش الاقتصادي الذي يعود بالتالي لصالح المواطن(المقترع)نفسه ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب بترك جميع العناوين الأخرى جانباً.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/كانون الثاني/2009 - 17/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م