العراق يدخل سوق البلدان المتاجِرة بالأعضاء البشرية!!

 

شبكة النبأ: كانت كل أحلام الشاب العراقي(...) الاسمر القادم من مدينة الناصرية الجنوبية هو أن يعيش يومه، يأكل لقمة خبز، ولو توفر معها أي شيء آخر، فنعمة من الله، وعندما تمادى في الحلم، صار يفكر بافتتاح فرن للخبز ليعيل به عائلته التي تتوسم فيه ربا صغيرا للأسرة.. رغم أنه لا يمتلك موردا ولا عملا.. وعندما ضاقت مدينته باحلامه، سافر مع أصدقاء له إلى مدينة كركوك الشمالية، حين اخبروه عن توفر فرص عمل هناك كعامل بسيط في البناء.

وصل الشاب الذي يتجاوز عمره العشرون عاما ببضع سنوات، إلى كركوك يحمل معه حلمه بافتتاح فرن للخبز في شارع الحبوبي التجاري بالناصرية.

ويروي ميثم خلف، 20 سنة، وهو صديق الشاب الذي نجهل اسمه، تفاصيل الأيام التي جمعته بهذا الشاب وتقاسمهما معا احدى الغرف الرخيصة، يقول خلف "كنا أنا وصديقي نذهب لسوق العمل المعروف بـ(المسطر) صباحا، ونعود منهكين آخر اليوم، وكان صديقي يحدثني بلهفة وحب شديدين عن مشروعه الذي جاء الى كركوك من أجل جمع المال للعودة به الى الناصرية وافتتاح الفرن". بحسب تقرير لـ نيوزماتيك.

ويضيف خلف "لكن صديقي عمل معي لأكثر عام ونصف لم يستطع خلالها جمع المبلغ المطلوب والعودة إلى أهله، بينما كانت هواجسه تعذبه وتؤرقه".

يقول خلف إن "صديقي لم يجد وسيلة لتحقيق هدفه، إلا طريقة واحدة كان الشباب في المسطر يتهامسون بها سرا، وهي بيع احد اعضاءهم، وفي الغالب الكلى، حيث تباع بمبلغ ثمانية آلاف دولار امريكي".

يواصل خلف "عرض صديقي إحدى كليتيه للبيع، ووجد شخصا مريضا يبحث عن كلية سليمة، وبعد إجراء الفحوصات الطبية أجريت له عملية ناجحة وتسلم النقود، وكانت فرحته لا توصف، إذ سيعود إلى عائلته في الناصرية ومعه الفلوس التي سينهي بها غربته ويحقق طموحه وطموح اهله".

يتابع خلف" لكن القدر كان اسرع من طريق صديقي إلى مدينته وفتح فرن الخبز، فقد وجدناه ميتا في فراشه في الفندق، بسبب توقف كليته الثانية" يقول خلف "قمنا بنقل جثته إلى ذويه ومعها النقود التي كسبها من بيع كليته الأولى".

في ساحة لتجمع عمال البناء وسط مدينة كركوك، نحو 260 كم شمال بغداد، يلتقي شباب من مختلف محافظات العراق في محاولة للبحث عن عمل أو عن فرص لتحسين مداخيلهم أو لجمع مبلغ من المال لإقامة مشاريع صغيرة في محافظاتهم.

لكن الحال غالبا ما يصل بهم إلى أحد سماسرة بيع الاعضاء البشرية، الذي يجد في هؤلاء الشباب اليائسين، طريقا سهلا لتجارة اصبحت رخيصة ورائجة في بلد لم يبق لابناءه ما يبيعوه فيه غير اعضاءهم البشرية، حسب ما يقول احد العمال.

في سوق العمالة البسيط هذا ترى أجسادا منهكة، ووجوها شاحبة يعلوها التعب والغبار لكنها تصر على الاستمرار في الحياة، وعلى الحصول على أجور يدخرونها ليعينوا أهلهم الذين يعانون من شظف العيش في ديارهم البعيدة.

أجور العمل لا تكفي

يوسف القيسي، 17 سنة، قال "إنه فر من بطش الجماعات المسلحة في إحدى قرى قضاء المقدادية بمحافظة ديالى، وقدم إلى "مسطر" العمال في كركوك حفاظا على حياته وبحثا عن لقمة العيش".

ويضيف يوسف إن "الجماعات المسلحة في ديالى تجند الشباب الصغار لتنفيذ الهجمات الانتحارية وتفجير السيارات المفخخة وزرع العبوات الناسفة في الطرقات، فهربت من هناك وجئت إلى كركوك" يتابع "أنا هنا منذ أكثر من ثمانية أشهر أعمل في مجال البناء وأتقاضى أجرة يومية تتراوح بين 15 إلى 20 ألف دينار عراقي، وهي لا تسد نفقة الطعام والسجائر وأجرة الفندق في سوق أحمد أغا وسط مدينة كركوك".

ويوضح يوسف أن "أجرة الفندق هي خمسة آلاف لليلة الواحدة، بينما تكلف السجائر والطعام ثمانية آلاف، وما يبقى انفقه على المواصلات، هذه الأجور بالكاد تسد احتياجاتي اليومية".

ويتابع  "لذلك نلجأ الى طرق مختصرة وسريعة من أجل الحصول على المال، ومنها بيع الكلية إلى أشخاص يحتاجونها" يقول " إنهم يأتون إلينا في المسطر أو عن طريق أشخاص معينين، في البداية نقوم بتحديد السعر مع الشخص الذي يشتري، طبعا بعد أن يخرج الوسيط ببعض البخشيش".

ويواصل "في الغالب يتراوح سعر الكلية الواحدة بين خمسة آلاف إلى ثمانية آلاف دولار أمريكي، ثم نتفق على موعد لإجراء العملية في المستشفى، ولكن قبل ذلك نتسلم المبلغ كاملا على أن يكون معنا صديق مرافق لضمان تسلم النقود وعدم الوقوع في شباك النصابين والمحتالين، كما نجري الفحوصات الطبية اللازمة لمطابقة سلامة الكلية وعملية النقل".

وعن تجربته الشخصية يقول يوسف "أنا بعت كليتي، قبل فترة قصيرة، إلى شخص يعاني من توقف كليته، بعتها بستة آلاف دولار، فأرسلت جزءا من المال إلى أهلي الذين يعيشون ظروفا صعبة في ديالى، وواصلت العمل في المسطر والمبيت في ذات الفندق وكأن شيئا لم يتغير، وها أنا أعيش بكلية واحدة".

كلية مقابل سيارة موديل حديث

أما خالد باسل فقال" إنه باع كليته "مقابل سيارة حديثة موديل 2007 يبلغ سعرها في السوق المحلية ثمانية آلاف دولار"، لكنه يعتبر أن ما قام به كان لدوافع إنسانية.

ويوضح خالد أن "الفقر الذي أعيش فيه أنا وعائلتي جعلني أخطو تلك الخطوة نحو الاستقرار المالي وعدم طرق أبواب من لا يرحم".

ويضيف "فكرت ألف مرة قبل بيعي جزء مهم من جسمي الى شخص آخر مريض التقيت به عن طريق شخص ثالث، ثم اقتنعت بفكرة البيع ولكني لم اقبض نقودا بل سيارة حديثة، وبعد فحوصات طبية للتأكد من سلامة الكلية تم تحديد موعد لإجراء العملية في مستشفى، وتمت العملية بنجاح، والشخص الذي اشترى الكلية كان قريبا من الموت، وبعد العملية اصبحت صحته جيدة، وأنا حالتي جيدة، واعمل الآن بسيارتي الشخصية كسائق تاكسي، واكسب رزقا حلالا دون أن أحس بالتعب أو أعراض ثانوية".

ويتابع باسل حديثه "حين قررت بيع كليتي لم أفكر فقط في الجانب المادي، إنما فكرت بالشخص الذي هو قريب من الموت، وأنا الذي سينقذ حياته، فتبرعت له بكليتي وهو من جانبه ساعدني في إيجاد حل للعوز المادي".

عمر النقود قصير

صالح البياتي، 28 سنة، يعمل بأجور يومية تصل إلى 20 الف دينار عراقي يقول "أعمل يوميا من الساعة السادسة حتى الخامسة مساء في العمّالة (البناء) ومهما يكن فأنا لن أبيع أي جزء من جسمي لأن الله تعالى كرم بني البشر وخلق الإنسان بأحسن تقويم وسوف يحاسب الإنسان عما فعل بأعضائه في الحياة الدنيا والآخرة".

ويرى صالح أن "هؤلاء الشباب القادمين بحثا عن عمل من خارج كركوك فاشلون في الحياة ويريدون الحصول على النقود بسرعة، وفي المحصلة النقود تذهب وهم سيعودون الى نفس العمل" ويتساءل صالح "إذا باع أحدهم كلية ما الذي سيبيعه في ما بعد؟ الكلية الأخرى؟ وبعدها ماذا يفعل؟".

الباحث الاجتماعي عدنان قاسم قال إن "لجوء عدد من الشباب الى بيع الكلى مقابل مبلغ مالي نابع من ضعف، والضعف يكمن بعدم وجود هدف لهم في البحث عن فرص عمل حقيقية، وفي الغالب هم من مستويات فقيرة ويرغبون بالحصول على المال بسرعة دون أي جهد أو تعب، لكن هناك من يعمل ذلك في الإطار الإنساني، أي إلى تقديم المساعدة لمن يحتاج من المرضى، وهناك شريحة أخرى تمارس هذا العمل كتجارة يروجون لها لأنها تدر عليهم أرباحا جيدة فيلعبون دور السماسرة والوسطاء، ويبحثون عن أشخاص محتاجين للمال وخاصة العمال القادمين من خارج كركوك بحثا عن عمل، الدافع الرئيسي لمن يبيع كليته في رأيي هو الفقر، والدافع الثاني هو الجانب الإنساني".

عمليات لا تخضع لرقابة

ويرى قاسم أن "تدني المستوى المعاشي وتردي الأوضاع الأمنية في بعض مناطق العراق دفع هذه الشريحة إلى اللجوء إلى هكذا طرق، فإذا وجد الشاب عملا يوفر له دخلا جيدا يجعله يعيش ضمن نطاق المجتمع لما فكر في بيع كليته".

من جانبه يرى الدكتور م.ع الاختصاص في الباطنية وجراحة الكلى والمسالك البولية أن "هذه الظاهرة ترتبط بأمرين مهمين الأول الجانب الإنساني، والثاني هو المستوى الاقتصادي والعوز والفقر، ولكن عملية إجراء تلك العمليات لا تخضع الى رقابة لأن المستشفيات ليست جهة رقابية إنما يتم إجراء تلك العمليات وفق مبدأ متبرع ومريض".

ويتابع الدكتور، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "الجانب الثاني هو أنه لا يمكن لطبيب أن يحدد ما إذا كان المتبرع للكلية قد باعها الى الشخص الثاني، ولو علم الطبيب بذلك لما قام بإجراء العملية لأنها في هذه الحالة عملية تجارية تخالف شروط المهنة وأداء القسم بالنسبة للطبيب، القسم بعدم إجراء أي عملية تقوم على أساس إيذاء إنسان" لافتا إلى أن "هذه الظاهرة تحتاج إلى معالجات اجتماعية ونفسية وطبية لأن الذين يقومون ببيع الكلى يعانون من أمراض نفسية أو عوز مادي وهي ظاهرة ليست جديدة على الشارع العراقي".

وتنمو تجارة بيع الاعضاء بطريقة مثيرة، وتوضع بلدان كالصين والهند في دائرة الاتهام، كما أشار تقرير اصدره مركز تجارة الاعضاء في بيركلي، في ولاية كاليفورنيا إلى أن دول مثل البرازيل، وكوبا، واسرائيل، وايران، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وجنوب افريقيا، تعمل فيها شبكات غير قانونية لبيع الاعضاء البشرية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/كانون الثاني/2009 - 15/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م