غزة -- كأن الرئيس بوش لم يسمع بها من قبل، ولا حتى الرئيس المنتخب،
ولم يسمع بها توني بلير، ولا حتى خليفته جورج براون، ولم يسمع بها
السيد ساركوزي، ولا البرلمان الأوربي، لم يسمع أولئك السادة بتلك
الرقعة من الكرة الأرضية الأكثر ازدحاما بالسكان والأشد معاناة في هذا
القرن على الإطلاق، محاصرة بالموت والظلام والكراهية والعوز والسجون.
بيوت متلاصقة كبيوت النمل يكفيها عود ثقاب واحد ليسبب الحرائق
والدمار في كل مكان فكيف لو أرسلت نحوها الصواريخ والقنابل الحارقة.
إن أولئك القادة الديمقراطيون جدا والمتحضرون جدا لم يسمعوا بغزة
وما يحل بها من دمار وتقتيل للمدنيين العزل، ويلوذون بصمت اللصوص، ربما
لأن أصوات الصواريخ التي أطلقت على سكان غزة لم تكن صاعقة بما يكفي
لتصل إلى م! سامعهم الصم، وربما لأن عيونهم التي أعماها الزيف لم ترى
لهيب الحرائق وأنقاض الخراب الذي سببته غارات الطائرات الإسرائيلية، أو
لأنهم تصوروا أنها مجرد ألعابا نارية يلهو بها الإسرائيليون في سماء
غزة.
لكن أولئك القادة قد أقاموا الدنيا وأقعدوها عند سماعهم قرقعة
الدبابات الروسية على أبواب مكتب عميلهم في جورجيا، فهبوا لنصرته ورفع
معنوياته، فزاروا ذلك الجرذ الواحد بعد الآخر، وتوعدوا الروس بالمقاطعة
والعقوبات والردع. ولم يبخل الاتحاد الأوربي بعطاياه من الوعود
والتمنيات لتلك الدمية الغبية، لكنهم لم يبالوا بما يجري هنا من سفك
دماء، ولم يخجلوا من ثرثرتهم حول حقوق الانسان، ولا يهمهم ما يرتكب من
جرائم حرب بحق المدنيين العزل نساء وشيوخا وأطفالا.
عن أية بشرية و عن أية إنسانية يتبجحون بعد هذا الانتهاك لإنسانية
الإنسان في غزة، ألن يخجلوا بعد ذلك عندما يتساءلون بسذاجة وخبث في آن
: لماذا يكرهوننا ؟؟
لماذا نكرههم ؟؟
لأنهم ممثلون بارعون للإنسان فيما هم وحوش كاسرة، ولأنهم عاجزون عن
التعبير عن أي مشاعر إنسانية حقيقية، أننا نكرهم لأنهم يزيفون ويعبدون
ازدواجية المعايير، لأنهم يتجاهلون الحقائق ولا يظهرون نوايا حسنة
أبدا، ولأنهم يؤمنون بالتفوق العنصري، ولأنهم ينظرون إلى مصالحهم أولا
ولا يعيرون أي أهمية لمصالحنا وحقوقنا وآرائنا وتقاليدنا وقبل كل شيئ
إنسانيتنا. إنهم عنصريون ومتخلفون وإن ملئوا الدنيا زعيقا بتفوقهم
وتقدمهم وديمقراطيتهم.
إننا نكرهم لا لأنهم مخلوقات سوية!، فهم ليسوا كذلك أبدا، ولذلك نحن
نكرهم، وسنظل نكرههم حتى يغيروا ما في نفوسهم ويتخلصوا من كراهيتهم
وعنصريتهم. |