الفساد في آسيا وعولمة الفساد التنافسي

مؤسسات الاقتصادات الصاعدة تتورط في الرشى بشكل روتيني

صباح جاسم

 

شبكة النبأ: بينما يعاني العراق وبلدان عديدة في آسيا من سطوة الفساد المالي والاداري، تدخُل المواجهة بين الانظمة الحكومية الساعية لتطبيق القانون وآفة الفساد مرحلة مهمة تتمثل في انعطافة كبيرة نحو محاربة هذه الآفة من خلال تفعيل الجهات الرقابية وتقديم شخصيات ومسؤولين كبار في تايلند وماليزيا والفلبين وأندونسيا فضلا عن العراق الذي لاتزال فيه المواجهة قاصرة من الجانب الحكومي بسبب الانشغال بملفات الأمن والسياسة، وضعف صلاحيات هيئة النزاهة واجهزة مكافحة الفساد وترسُّخ مبدأ المحاصصة الحزبية في جميع مفاصل الدولة.. حتى أصبح الفساد في العراق واحداً من الحواجز الرئيسية امام إعادة الإعمار والبدء بعمليات استثمار حقيقية..  

وفي تايلاند يبحث رئيس الوزراء السابق الهارب، تاكسين شيناواترا، عن منفى لتجنب حكم بالسجن بتهمة الفساد. وصدر حكم ضد رئيس سابق للبنك المركزي الاندونيسي بالسجن خمسة أعوام بتهم تتصل بالفساد.

واهتزت دعائم الحزب الحاكم في ماليزيا بعد أن دفع الناخبون المعارضة لتحقيق مكاسب لم يسبق لها مثيل اثر انتشار مشاعر الاشمئزاز بسبب المحسوبية والفساد. وتحاول رئيسة الفلبين جلوريا ارويو تفادي المساءلة بشأن صفقات مع الصين جرى الغاؤها بسبب فساد مشتبه به.

ولسنوات انتشر الفساد في مجالي التجارة والسياسة بجنوب شرق اسيا الوجهة المفضلة للمستثمرين في الاسواق الصاعدة.

واليوم تتخذ القيادات الحكومية في أنحاء المنطقة موقف الدفاع في قضايا فساد. واكتسبت الحملات المناهضة للفساد زخما. كما أن أجهزة مكافحة الفساد التي تم تمكينها تتخذ اجراءات صارمة. وتحاكم الاجهزة القضائية المجرمين.

كما تنبّهَت الشركات التي تبحث عن أسواق مغرية لكنها غير مألوفة الى مخاطر الفساد تجنبا لغرامات مكلفة ولحماية اسمائها التجارية.

فهل تحسنت الاوضاع بالفعل؟

يقول الخبراء إن الاوضاع لم تتحسن كثيرا. ولم تجد منظمة الشفافية الدولية المعنية بمراقبة الفساد في العالم تغيرا ملحوظا يذكر في الاسواق الصاعدة بجنوب شرق آسيا في جدول الفساد الذي وضعته لعام 2008. وتحسنت اندونيسيا تحسناً كبيراً. أما ماليزيا والفلبين فلم تحرزا تقدماً يذكر بهذا الصدد. وتايلاند في نفس الوضع تقريبا فيما تتذيل دول أخرى مثل كمبوديا وميانمار جداول المنظمة.

وصعد الرئيس الاندونيسي سوسيلو بامبانج الذي ربما يتطلع الى الانتخابات التي تجري العام القادم من حملة لمكافحة الفساد في البلاد التي نظر اليها لفترة طويلة على أنها من بين اكثر الدول فسادا في العالم. ولم يسجن محافظ بنك اندونيسيا السابق برهان الدين عبد الله بتهمة رشوة أعضاء بالبرلمان فحسب بل وتم استجواب صهر للرئيس في الفضيحة.

ويقول فوزي احسان وهو خبير اقتصادي في بنك ستاندارد تشارترد في جاكرتا ان الفساد لم يعد واحدا من الحواجز الرئيسية امام الاستثمار الاجنبي في اندونيسيا وأضاف أن "حملة مكافحة الفساد التي قامت بها الحكومة كانت ثورية جدا."

وعانت تايلاند من ثلاثة أعوام من الفوضى السياسية سببها الاساسي المزاعم بالمحسوبية الرأسمالية والفساد في ادارة تاكسين شيناواترا الذي تمت الاطاحة به في انقلاب عام 2006.

وأخيرا قدم رئيس الوزراء الماليزي عبد الله احمد بدوي الذي انتخب مثل يودويونو بعد حملة انتخابية قائمة على الحكومة النظيفة عام 2004 تشريعا لمكافحة الفساد للبرلمان الاسبوع الماضي بعد أن عانى ائتلافه الحاكم من أسوأ أداء انتخابي منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1957.

ويقول عبد الجليل رشيد مدير صندوق ابردين لادارة الاصول في ماليزيا ان الفساد يمثل "حاجزا كبيرا" امام الاستثمار في البلاد.

وأضاف عبد الجليل وهو مدير صندوق حجم استثماراته 1.38 مليار دولار لرويترز "هناك ايضا افتقار للشفافية يؤدي بعد ذلك الى الاعتقاد بأن هناك خطأ ما" وتابع قائلا "اذا قارنت ماليزيا بالدول الاخرى. أعتقد أنه نطاق كبير هنا وليس صغيرا."

وواجهت حكومة الفلبين سلسلة من الفضائح التي فشلت حكومة ارويو في تفسيرها للجماهير. وكان أبرزها صفقة اتصالات مع الصين بقيمة 329 مليون دولار تم الغاؤها بسبب مزاعم برشى واستفادة زوج الرئيسة منها.

ووجدت دراسة مسحية أجرتها مؤسسة برايسووترهاوس على مسؤولين تنفيذيين بارزين في أنحاء العالم أن ثلثيهم مرواً بنوع من الفساد او محاولة الفساد في تعاملاتهم التجارية.

وقال نحو 80 في المئة من المسؤولين ان شركاتهم تملك نوعاً من برامج مكافحة الفساد لكن خمسهم فقط هم الذين عبروا عن ثقتهم في أن هذه البرامج ناجحة.

وذكر اكثر من نصف المسؤولين التنفيذيين في التقريرالذي صدر في أغسطس اب بعنوان "مواجهة الفساد" أن تطبيق القانون ازداد على مدار الاعوام الخمسة الاخيرة ومن الممكن أن يزداد قوة خلال خمسة أعوام.

وجاء في "مؤشر دافعي الرشى" السنوي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية أن المؤسسات التي تنتمي الى الاقتصادات الصاعدة العملاقة مثل الصين والهند وروسيا تتورط في الرشى بشكل روتيني حين تمارس التجارة في الخارج. وظهر أن المؤسسات البلجيكية والكندية والسويسرية والهولندية الاكثر نظافة.

وأشار رامون نافاراتنام رئيس مكتب منظمة الشفافية الدولية في ماليزيا في مقابلة "من خلال العولمة ازدادت المنافسة وبالتالي ازداد الفساد التنافسي."وأضاف "كل شيء مباح في الحب والحرب والتجارة وبالتالي لديهم حوافز للفساد."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/كانون الثاني/2008 - 2/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م