في كل عام تمر الذكرى السنوية لاستشهاد سيد الشهداء الحسين بن علي
بن ابي طالب عليهما السلام ذلك الانسان الذي خلد لانه واجه الباطل
والفساد ولم يكن ينظر الى منصب او مال فكان عنوان وقدوة لكل احرار
العالم. و لم يقاتل الامام الحسين عليه السلام لانه كان اماما معصوما
بل لقد تجاوز كل الخطوط التقليدية فاستطاع ان يبرهن على صحة مواقفه وان
بفضح يزيد وحزبه وان يثبت مفاهيم الحرية والعدالة ولاجل ذلك ثار ثورته
الخالدة مستمدا من ربه عزائم أمره وفق خطة الهية مبرمجة.
ان جماهيرية الامام الحسين عليه السلام هي خلاصة شعبية المحبين
وعشاق التضحية والفداء الذين نكروا ذاتهم يوم عاشوراء وساقوا انفسهم
تحت لواء امامهم العظيم لاجل انقاذ الناس من ظلمة المستبدين واستبداد
الظالمين وباشاعة مفهوم العزة وكراهة مشاريع الذلة والانتصار للحق،
وهكذا ظهر الامام الحسين عليه السلام واصحابه كمشروع خالد يستلهم منه
المستضعفين في العالم روح الثورة وانتهاج مقاومة المتكبرين، ولقد نجحوا
في تسطير مفاهيم البطولة النادرة التي اصبحت درسا عظيما لكل شعوب
العالم وحركاته التحررية.
لم تعد الثورة الحسينية مجرد قصة تروى كل سنة للاجيال على شكل قصائد
او سرد متكرر فحقائق القصة لم تعد خافية لابشكلها العقائدي الصحيح ولا
بالخرافة والمبالغة، ولابد لهذه المواقف المبدئية ان تتجاوز صيغ
الموائد والمراسيم التقليدية ولابد لنا ان تعزز تلك المفاهيم التي قامت
من اجل انسانية الانسان وعزته وكرامته اذ لاحياة بدونهما.
ويخطأ من يحسب ان الامام الحسين عليه السلام هو امام للمسلمين او
للشيعة فقط بل هو رسول الله لكل عشاق العدل والحرية وقيم المحبة بين
الناس.
وهو رسول الانسانية، وهو سليل البيت العربي الهاشمي وخلاصة أخيار
العرب، وهو الاسلامي التفكير والمعتقد، ونصير المظلومين، وحبيب العباد
والناسكين من مختلف اصحاب الديانات والعقائد، الذين يرون في الامام
الحسين عليه السلام نبراسا وعلما ومعلما يقودهم الى الخلاص من ظلمة
النفس والتطلع الى المستقبل السعيد.
وليت البعض يفهم ان الحسين العربي المولد والمنشأ والتكوين هو نفس
الحسين الانسان القائد الى الخير والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر،
وهو وان كان عربيا لكنه المعشوق عند جميع الملل، فللعرب ان يفخروا به،
وللمسلمين ان يهنؤا بامامته، وللانسانية ان تسعد بمثل هذا القائد الذي
جسد باستشهاده القيم الانسانية باعلى معانيها وصورها، ولتقر عين امه
الزهراء عليها السلام فقد رضي الله عنه وارضاه قبل ان يولد وعند المولد
وعند الاستشهاد وبعد الممات فهو الشهيد وابن الشهيد وسيد الشهداء وابو
الشهداء وسيد شباب اهل الجنة.
ان علينا ان لانضيع الهوية العربية ولا الاسلامية ولا الانسانية
للامام الحسين عليه السلام، وعلينا ان نجمع في الحسين كل انتماءاته
التكوينية والمنهجية، وعلينا ان نتفاعل مع ثورته باعتباره البطل
المنتصر وهويته كانسان.
هذا الانسان الحر الذي ابى الا ان يكون عزيزا صامدا ومواجها لاعداء
الانسانية غير ذليل. لذلك فعلى الاقلام المنيرة ان تظهر حقيقة ان
الحسين عليه السلام قتل ورأسه مرفوعا ولم يرضى ابدا ان يكون منهزما.
ان علينا ان نتكلم عن الامام الحسين عليه السلام بجرأة ليراه الناس
على حقيقته كبطل منتصر اراد للحياة ان تستقيم واراد للاشرار ان ينهزموا
فكان له ماكان من وقوف جميع الاحرار في العالم مؤيدين له ومستلهمين من
ثورته قيم النضال ضد الطغم الفاسدة المغرورة والخلاص من شرور
المستبدين.
وان لنا في اشراقة كل ذكرى سنوية لاستشهاد الامام الحسين عليه
السلام درسا جديدا نتعلم منه روح التفاني والاخلاص ليس الان فحسب بل في
كل مرحلة من مراحل التاريخ الانساني، علينا ان نستلهم كل معاني التضحية
والبطولة، وان نكون في حياتنا العملية انسانيين غير متعصبين ولامنقادين
لغير الله.
وحتى مطلع فجر شمس الحرية والعدالة والسلام المطلق، يوم ظهور العدل
المبارك وقيام دولته العالمية المنشودة التي يترقبها كل احرار العالم
ومستضعفيه. |