شبكة النبأ:
اذا ما تأملنا الظروف التي حصلت فيها واقعة الحَرّة عام 63هـ أي
بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام بسنتين، وما حدث فيها من مجازر
وأهوال وانتهاك لحرُمات المسلمين، سنجد انها حصلت امتداداً لواقعة
عاشوراء ونتيجة لما قام به أهل البيت والمؤمنون من كشفٍ لظلم وفساد
يزيد والأمويين وإصرار المسلمين على التمسك بإقامة المآتم على الإمام
الحسين عليه السلام.
وقد سمِعَ الكثيرون عن واقعة الحَرّة لكن تفاصيل هذه الواقعة
الأليمة بقيت في موضع عدم الاهتمام الكافي من جانب المؤمنين والتغاضي
من جانب المنافقين الذين دأبوا على محاولات طويها وطمرها مع ما تمَّ
إخفاؤه والتغاضي عنه من تجاوزات الامويين وأسلافهم ممَّن واكَبوا نبوّة
الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وإمامة المرتضى علي بن ابي طالب
عليه السلام..
وتتلخص هذه الواقعة بِخَلع أهل المدينة بَيعة يزيد لِما بلغهم ما
يتعمّده من الفساد إذ علِموا أنه يشرب الخمر ويزني بالحرم ويقمع الناس
ويقتل النفس التي حرّمَ الله دون بيّنة، فأخرَجوا عامله عثمان بن محمد
بن ابي سفيان وولّوا على قريش عبد الله بن مطيع وعلى الأنصار عبد الله
بن حنظلة. وكانوا قد خرجوا سلفاً لبيعة يزيد مكرَهين!
ولمّا وصلت اخبار الثورة الى مسامع يزيد ارسلَ قائداً اسمه مسلم بن
عقبة لإخمادها، ووصلَ الجيش إلى المدينة المنوّرة في الثالث عشر من
المحرم سنة 63 هـ ، وكان ذلك بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام
بسنتين.
ودار قتال عنيف بين الثوّار وبين الجيش الأموي، استشهد خلاله أغلب
المدافعين بمن فيهم القائد عبد الله بن حنظلة، وطبقاً لأوامر يزيد أمر
مسلم بن عقبة جنوده باستباحة المدينة المنوّرة، فهجموا على بيوت الناس
الآمنين، وقاموا بقتل الاطفال والنساء والشيوخ، وأسروا مئات آخرين.
وروى المؤرّخون في الفضائح التي قام بها جيش مسلم بن عقبة الشيء
الكثير، منها أنّ جنوده وقعوا على النساء حتى قيل، حملَتْ ألف امرأة في
تلك الايام من غير زوج شرعي.
وتُعد واقعة الحَرّة من جملة إفرازات واقعة عاشوراء، ونتيجة لما قام
به أهل البيت من فضح لحقيقة يزيد والامويين وإقامتهم المآتم على
استشهاد الحسين، ومواقف العقيلة زينب والإمام السجّاد التي كانت تمثل
الإعلام الناشِر لمظلمة اهل البيت صلوات الله عليهم.
وقد كانت من نتائج تلك المجزرة:
- إباحة المدينة ثلاثة أيام، فدخلَ جُند يزيد المدينة فنهبوا
الأموال وسبوا الذرية فأضحوا يقتلون ويأخذون النهب مما أثار الرعب
والإرهاب والخوف الشديد والترويع عند الناس.
- استباحوا الفروج، فوقعوا على نساء الصحابة والتابعين حتى قيل،
حملت في تلك الايام ألف امرأة..
- بلغت القتلى من وجوه الناس سبعمائة من قريش والانصار بل قيل من
الانصار ألفا وأربعمائة وقيل ألفا وسبعمائة؛ ومن قريش ألفا وثلاثمائة!.
- قتل من الموالي ثلاثة آلاف وخمسمائة رجل وغيرهم من نساء وصبيان
وعبيد..
وقد قتل ايضاً ولدا زينب بنت أم سلمة، والصحابي عبد الله بن زيد بن
عاصم، والصحابي معاذ بن الحارث القاري من بني النجار، وكثير بن أفلح
وأبوه، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي، وإبراهيم بن نعيم بن
النحام وقتل فيها أيضاً عبدالله بن جعفر.
أما جزاء من تعدى على المدينة وأهلها حسبما تشير إليه الروايات فقد
كان غضب الله عليه ولعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فبعد وقعة
الحرّة مباشرة هلكَ مسلم بن عقبة أثناء توجهه الى مكة وبعده بفترة
وجيزة قرابة الشهرين ونصف هلكَ يزيد بن معاوية.
الحَرّة عند اهل السنّة
وتواترت الاخبار المستفيضة عند اهل السنّة فضلاً عمَّن سواهم بما
حدث في واقعة الحرّة وبما حل بالصحابة والتابعين والنساء والاطفال من
اعتداءات سافرة وانتهاكات لحرماتهم، فقد امتلأت صحائف المراجع
التاريخية وكتب السيرة ومصادر السنن وكتب الرجال بالإشارة الى تلك
المجزرة الرهيبة فضلا عن إشارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بـ
غضب الله تعالى على كل مَن أفزعَ وأخاف أهل المدينة او اراد بهم سوء،
ومن تلك الإشارات على سبيل المثال لا الحصر:
1 - شرح الزرقاني على موطأ مالك ج 3 ص 158 وجاء فيه: يوم الحَرّة
بفتح الحاء المهملة والراء المشددة أرض ذات حجارة سوداء كأنها أحرقت
بالنار بظاهر المدينة كانت بها الوقعة بين أهلها وبين عسكر يزيد بن
معاوية وهو سبع وعشرون ألف فارس وخمسة عشر ألف راجل سنة ثلاث وستين
بسبب خلع أهل المدينة يزيد، فأباح مسلم بن عقبة أمير جيش يزيد المدينة
ثلاثة أيام يقتلون ويأخذون النهب ووقعوا على النساء حتى قيل حملت في
تلك الأيام ألف امرأة وافتض فيها ألف عذراء وبلغت القتلى من وجوه الناس
سبعمائة من قريش والأنصار ومن الموالي وغيرهم من نساء وصبيان وعبيد...
وفي البخاري عن سعيد بن المسيب أن هذه الوقعة لم تبقِ من أصحاب
الحديبية أحدا..
5 - السنن الكبرى للنسائي ج 2 ص 483: أنبأ علي بن حجر بن إياس عن
إسماعيل عن يزيد وهو بن خصيفة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن
بن أبي صعصعة أن عطاء بن يسار أخبره أن السائب بن خلاد أخا الحارث بن
الخزرج أخبره أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: من أخاف أهل
المدينة ظالماً لهم أخافه الله وكانت عليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين لا يُقبَل منهُ صرف ولا عدل. |