مجالس المحافظات أفضلية التغيير أم حتمية البقاء

عدنان الصالحي

يشير التاريخ الحديث الى أن أول انتخابات محلية في العراق جرت بصورة عملية أبان الحكم العثماني والتي اتخذت طابع انتخابات الألوية كما يعبرون عنها في حينها ( أي تسمية المحافظات آنذاك بالألوية)، فيما بقيت حالة الانقلابات العسكرية بعد الإطاحة بالنظام الملكي الذي استولى على الحكم في البلاد خلفا للعهد العثماني صورة مميزة في إدارة دفة الحكم للحالة المركزية والتي سرت الى الحكومات المحلية لتجعلها امتدادا لها وتربطها بها ربطا قويا، بحيث نستطيع القول بان الحكم العسكري تناوب بشكل دوري على البلاد رغم اختلاف توجهاته منذ ذلك الحين ولغاية عام 2003.

منح التغيير السياسي في العراق فيما بعد 9ابريل 2003 فرصة جيدة للتفكير في نوع الحكم المحلي بعيدا عن تسلط المركز وخصوصا المحافظات التي عانت من التهميش طوال العقد السابق، فكانت ردة الفعل أول التغيير تشكيل مجالس محلية تنبثق بشكل اتفاقي بين أهالي ووجهاء المحافظة وبالتنسيق مع القوات الأمريكية لإدارة شؤونها لحين استقرار الأوضاع والاتفاق على إجراء الانتخابات، والتي تمت بشكلها الأولي عام 2005 مع الانتخابات البرلمانية الأولى وبقيت مرابطة على حالها الى يوم الانتخابات القادمة في 31/1/2009 وهو موعد إجراء انتخابات محلية جديدة.

ما تجدر الإشارة إليه هنا هو ما تميزت به تلك المجالس من عناصر نجاح وإخفاق، فللإنصاف لابد من القول بان العديد من أعضاء تلك المجالس بذلوا جهودا استثنائية وطيبة للعمل الدءوب في خدمة محافظاتهم وبلدهم عموما فيما تسلم البعض مناصب لم يكن أهلا لنيلها لولا التوافق السياسي، فكانت النتيجة النهائية فشلا شبه كلي لعدم وجود الحلقة المتكاملة في إدارة الشؤون المحلية، فيما بقيت حالة الفساد الإداري تطول أعلى المناصب الهرمية في تلك الحكومات ابتداء من تزوير وثائق التخرج الى دعم الإرهاب والعنف في بعض الحالات.

اليوم وبعد أن أوشكت تلك المرحلة على الانجلاء والبدء بأخرى جديدة، يطرح البعض عدة آراء منها:

1- عدم تغيير تلك المجالس بصورة كلية يجلب الفائدة لخبرتهم المتراكمة في الفترة السابقة.

2- استنقاء البعض من السابقين مع شخصيات جديدة توصل الى نتائج أفضل من الطرح الأول.

3- والطرح الآخر يرى إن التغيير الكلي بدون إعادة أي شخص حالي هو الأوفر حظا للنجاح.

قد يكون الأجمال في الطرح غير منطقي للتعميم على الجميع فقد تتباين الآراء من محافظة الى أخرى وحسب طبيعة مجلس المحافظة الموجود هناك فالبعض رافض بشكل قطعي لبقاء أي عضو محلي سابق في منصبه، كونه جزءا من مرحلة لا يريد البقاء فيها وعبورها بأسرع وقت، فيما يرى آخرون وفي محافظة أخرى لابد من التقدير لبعض الجهود التي بذلت ولو كانت بنسبة قليلة للاستفادة منهم مستقبلا بصورة اكبر بعد تحسن الأوضاع الأمنية وزوال الاحتقان الطائفي.

 وبين هذا وذاك يبقى القول الفصل لما تنطق به صناديق الاقتراع في الشهر المقبل ويكون الفيصل بين جميع تلك الرؤى، وهذا يستوجب من الجميع حنكة وتنبها كبيرين لما قد يصور ويزوق بأسماء متعددة قد يساق فيها الغث بسعر السمين كما حصل في طريقة القائمة المغلقة سابقا.

التغيير والتجديد ( وحسب وجهة نظرنا) سيكون الأولى في المرحلة المقبلة لأسباب منها:

1- إعطاء فرصة جديدة لوجوه وشخصيات هي خارج المسؤولية الحالية لتبدي ما تملكه من مؤهلات وقدرات ولتعضيد قضية تكافؤ الفرص بين الجميع.

2- تهدئة النفوس المحتقنة ضد المجالس الحالية بشيء جديد وتصور مغاير قد يحفز المواطن نحو التعامل الايجابي مع من ينتخب مستقبلا.

3- إبعاد بعض ممن سبب توترات داخلية وإشكالات سياسية عن سدة السلطة بتصرفات عشوائية غير مدروسة وسبب للحزب المنتمي له احراجات متعددة ولمنصبه سوء إدارة.

4- رجوع العضو الحالي الى موقعه الطبيعي كمواطن بسيط يمنحه فرصة أكثر للتروي وتقويم ذاته للتهيئة الى دورات انتخابية قادمة أكثر فائدة فيما لو بقي كعضو لدورة انتخابية متتالية.

5- لابد لنا من فهم شيء وهو ان مسؤول اليوم قد يكون في موقع آخر للمسؤولية ولكن بصيغة مغايرة وهو موقع المعارضة خارج المنصب السلطوي والتي يكون دورها مراقبة الحكومة ونقدها.

اختيار الأنزه وليس الأكفأ فقط

ليس بخاف على الكثير بان شعار الجميع في الانتخابات القادمة يذهب للأنزه والأصلح والأكفأ حتى لو كانت تلك الجهات سببا سابقا في صعود أشخاص قليلوا القيمة العلمية والمعنوية ولكنهم مافتئوا يكررون هذا العنوان، و هذا جيد في ذاته فقد تكون تلك الجهات قد أحست بالخطأ في المرحلة السابقة وتريد تصحيح مسارها، وحتى لو لم تحسم أمرها بالتغيير الحقيقي فليكن الشعار الجديد الحقيقي هو اختيار من يستحق ذلك سواء كان عضو مجلس محافظة سابق أو إنسانا بسيطا ولكن يملك من المقومات ما تؤهله الى الارتقاء بمنصبه المناط به مستقبلا وهذا يتم من خلال:

1- عمق تشخيص المشكلة يقود الى أفضل الحلول، ففهم أهم أسباب تردي عمل المجالس الحالية يؤدي بالنتيجة الى معرفة البدائل الجيدة واختيار انضج الأفكار، فلابد لنا أولا فهم ما نريد هل هو التغيير لأجل التغيير أم لجلب الأفضل؟.

2- التركيز بدقة على طبيعة وسيرة المرشح ومعرفة تفاصيل مهمة عن حياته وعدم الاكتفاء بما يعلنه أو يدعوا له، وهي ركيزة مهمة في تقييمه والحكم باختياره من عدمه.

3- التركيز على نزاهة الفرد قبل الكفاءة والخبرة وغيرها فانتفاء الأولى موجب لعدم الاستفادة من أي صفة جيدة قد تتوفر فيه، وهذا ما لمسناه بوجود بعض أصحاب الخبرة في المناصب المهمة ولكن فقدانهم لنزاهتهم جعل من دوائرهم مرتعا للفساد الإداري والتخبط الخدمي.

4- من المفترض أن تكون المجالس المحلية( وحسب الدستور العراقي) رقابية تنفيذية أكثر منها سياسية، فهنا يكون الجانب الإداري حالة مهمة في تقييم الفرد وتصنيفه بغض النظر عن سيرته السياسية والجهادية السابقة.

5- مرحلة الانتخابات محطة من محطات التغيير والتجديد والبناء القيمي والحضاري وهو ليس بنهاية الطريق إن لم يكن بدايته فمن ينُتخب يجب أن يتابع ويعاتب ويشجع ويراقب، وهذا دور مهم يناط بجميع الفئات وحسب الطرق الدستورية.

التجربة التي يعيشها العراق قد تكون الفريدة من نوعها في المنطقة، وهي حالة نشطة من الديمقراطية العالمية وهي تستحق العمل على ترسيخها وسد الثغرات التي تحدث هنا وهناك من إشكالات تتواجد على ارض الواقع ولكن من الطبيعي جدا حدوثها لعدم وجود شيء مثالي في كل الميادين.

* ورقة مقدمة الى مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 28/كانون الثاني/2008 - 29/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م