الفساد الامريكي في العراق: صراع بيروقراطي واهدار ضخم

واشنطن تقر بفشلها في اعمار العراق والبنتاغون على لائحة المتورطين

اعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يبدو ان ورقة التوت التي اسقطها التقرير الفيدرالي للحكومة الامريكية كشف حجم الفساد في المتفشي بين المسؤولين الامريكان في العراق.

حيث يؤكد التقرير الاخير على سوء ادارة السلطة الامريكية والمبالغة باعداد الاموال التي تم رصدها لاعمار العراق.

 فبالرغم من انقضاء خمس سنوات على اجتياح القوات الامريكية للبلاد، لا تزال المدن العراقية تعاني في نقص حاد في الخدمات الاساسية كالكهرباء وشبكات التصريف الصحي، فضلا عن التدهور المستمر للمرافق التي كانت موجودة اصلا، بسبب العمليات العسكرية التي كانت تجري بين فترة واخرى.

فيما يجمع العراقيون ان الادارة الامريكية لم تفي بالوعود التي قطعتها قبل شروعها في اسقاط النظام السابق خصوصا في مجال الاعمار والتنمية.

اهدار مئة مليار دولار من مبالغ الاعمار

حيث ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" على موقعها الالكتروني ان تقريرا للحكومة الاميركية لم ينشر يشير الى ان الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لاعادة اعمار العراق ادت الى اهدار مئة مليار دولار.

وجاء في ان هذه الجهود عانت كثيرا من خلافات بيروقراطية ومن العنف ومن جهل للمجتمع العراقي.

واضاف التقرير ان البنتاغون بدأ تضخيم الارقام عندما بدأ البرنامج يعاني من صعوبات لتغطية الفشل.

ويشير التقرير ان الاستنتاجات البديهية هي ان الحكومة الاميركية لم تعتمد السياسة ولا البنية الضرورية لتنفيذ مشروع اعادة اعمار كهذا وهو الاهم منذ خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية.

وحتى منتصف العام 2008 انفق 117 مليار دولار لاعادة اعمار العراق بينها 50 مليار دولار من اموال المكلف الاميركي.

ويستنتج التقرير ان جهود اعادة الاعمار ادت فقط الى ازالة الدمار الذي خلفه الاجتياح وتعويض عمليات النهب التي تلته على ما ذكرت "نيويورك تايمز".

وقالت الصحيفة ان الكثير من الاموال المخصصة لهذا المشاريع وزعت بين زعماء عشائر وسياسيين في العراق.

الصراع البيروقراطي

وكشف التقرير الفيدرالي الذي لم ينشر ان سياسة اعادة الاعمار التي اعتمدتها واشنطن في العراق فشلت بسبب الصراع البيروقراطي داخل البنتاجون والجهل بطبيعة المجتمع العراقي.

ويؤكد التقرير ايضا ان وزارة الدفاع الامريكية اصدرت تقارير مبالغ فيها عن تحقيق تقدم في العراق في محاولة لتغطية الفشل الناتج عن الاخطاء في عملية اعادة الاعمار فور ان بدأت هذه العملية في التباطؤ.

وقالت الصحيفة انها حصلت على تسريبات التقرير من خلال مصدرين اطلعا عليه لكنه لم يسمح لهما بالحصول على نسخ منه ما جعلهم يلخصون للصحيفة ما قرأوه.

وفي التقرير فقرة منسوبة إلى وزير الخارجية الامريكي السابق كولن باول يقول فيه إنه "وبعد اشهر من اجتياح العراق عام 2003، قامت وزارة الدفاع الامريكية باختلاق الارقام حول عدد المنتسبين الى القوى الامنية العراقي وكان هذا الرقم يقفز نحو 20 الفا في كل اسبوع".

وقد رفض باول التعليق على ما نشرته نيويورك تايمز.

فيما وافق الجنرال ريكاردو سانشيز قائد القوات الامريكية البرية في العراق آنذاك ورئيس سلطة التحالف المؤقتة في العراق حينها بول بريمر بما ادلى به باول.

يذكر ان معد التقرير الذي جاء تحت عنوان "الدرس الصعب: تجربة اعادة اعمار العراق" هو المحامي الجمهوري ستيوارت بوين جنيور الذي يزور العراق بشكل دائم والذي يعمل بالتنسيق مع مجموعة من المهندسين ومدققين هناك.

كما افادت الصحيفة ان التقرير الذي يقع في 513 صفحة بني على اساس اكثر من 500 مقابلة واكثر من 600 عملية تدقيق عمل بوين على جمعها خلال اعوام.

واشنطن تقر بالفشل  

ويكشف التقرير ان الولايات المتحدة وبعد 5 اعوام من بدءها اكبر مشروع اعادة اعمار منذ خطة مارشل لاعادة اعمار اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، اظهرت انها لا تملك السياسات ولا القدرات التقنية ولا الهيكلية التنظيمية لانجاز مشروع بهذا الحجم.

وخلص التقرير الى أن أحد أسباب الفشل هو عدم تكليف هيئة واحدة تكون مسؤولة عن المشروع وتحاسب على اخطائها.

كما تطرق التقرير الى دور السياسات الحزبية الامريكية التي انعكست سلبا على اعادة الاعمار.

واعطى التقرير مثال توم كورولوجوس، وهو أحد السياسيين في الحزب الجمهوري والناشط في جماعة ضغط تعمل لحساب سلطة الاحتلال الأمريكي، والذي طلب تمويلا بقيمة 20 مليار دولار لاعادة الاعمار في العراق في اغسطس/ آب 2003، وضغط بهذا الاتجاه، متذرعا بأن "عدم منح التمويل سيكون بمثابة كارثة للرئيس جورج بوش الذي تعتمد اعادة انتخابه على اظهار تحسن الوضع في العراق".

وتضيف الصحيفة ان ادارة بوش دعمت هذا الطلب ووافق الكونجرس على منح التمويل المطلوب.

البنتاغون متورط ايضا

ويتناول التقرير أيضا وجهات نظر قادة البنتاجون قبل غزو العراق حول عملية إعادة الإعمار.

حيث يذكر إنه عشية الغزو، وبينما بدأ بعض المسؤولين في إدراك أن تكلفة إعادة الإعمار ستكون أكبر بكثير مما قيل لهم، تكشفت عملية الخطأ في الحسابات من خلال حوار دار بين وزير الدفاع آنذاك رامسفيلد وجاي جارنر، الجنرال المتقاعد الذي طلب منه قيادة سلطة مدنية مؤقتة تدير العراق بعد الغزو.

ويقول التقرير إن جارنر التقى رامسفيلد وقدم له مجموعة من خطط إعادة الإعمار العراق، فسأله رامسفيلد: "كم تعتقد هذه الخطط ستكلف؟".

جارنر: "أعتقد أنها ستبلغ مليارات الدولارات."

رامسفيلد: "صديقي.. إذا كنت تعتقد أننا سنصرف مليار دولار من أموالنا هناك، فأنت للأسف مخطئ."

قبل نهاية عام 2003 كانت الولايات المتحدة قد صرفت أكثر من عشرين مليار دولار على إعادة الإعمار.

وقد رفض رامسفيلد التعليق على هذا الحوار لكن متحدثا باسمه قال إن ما نسب إلى وزير الدفاع الأمريكي الأسبق يبدو صحيحا. وفي نهاية التقرير يقتبس بوين جملة من رواية الكاتب الانجليزي شارلز ديكنز "الآمال العظيمة" تقول: "صرفنا أموالا كثيرة، لكننا جنينا في المقابل أقل القليل...".

وقد امتنع نائب معد التقرير، بوين، عن التعليق للصحيفة حول تاريخ نشر التقرير. لكنه قال انه سيتم تقديمه في الثاني من فبراير في جلسة الاستماع الاولى للجنة التعاقدات وقت الحرب التي انشئت بموجب قانون اقترحه الديمقراطيون.

الحكومة العراقية تتسلم اعمال المعونة من الامريكان

 في ذات السياق يقوم مسؤولو معونة أمريكيون في العراق بتسليم المسؤولية الكاملة عن احياء اقتصاد مريض والخدمات العامة للحكومة العراقية ليجسد ذلك نقل السيطرة من القوات الامريكية الى قوات الامن العراقية.

وينظر الى التحول في المساعدة الامريكية على انه ضروري ولكنه دقيق حيث تجاهد الحكومة العراقية للحيلولة دون زيادة العنف ويشعر الملايين من العراقيين بالاحباط وهم ينتظرون الكهرباء والمياه النظيفة والوظائف.

وقال توماس ديلاني مدير بعثة العراق بالنيابة للوكالة الامريكية للتنمية الدولية في مقابلة "هناك مخاطرة ولاسيما عندما تواجه طلبا قصير اللمدى في بيئة هشة مثل هذه.".

واضاف "ولكن في مرحلة ما كما هو في الجانب الامني علينا ان نتخذ قرارا بشأن النقطة التي تتوقف فيها مسؤوليتنا وعندما يكون العراق جاهزا ومستعدا وقادرا على تحمل تلك المسؤوليات. اننا جزئيا هناك."

وانفقت الوكالة الامريكية للتنمية الدولية وهي جزء من وزارة الخارجية الامريكية اكثر من ستة مليارات في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 لتوفير المواد الغذائية الضرورية واعادة بناء نظم المياه ومساعدة المزارعين ودعم الحكومة العراقية.

غير ان حصة الوكالة الامريكية للمعونة الدولية من المعونة واعادة الاعمار تمثل جزءا ضئيلا من اكثر من 50 مليار دولار خصصتها الولايات المتحدة لاعادة اعمار العراق منذ بدء الحرب وهي مهمة هيمن عليها البنتاجون.

وقالت منظمة ميرسي كوربس وهي منظمة انسانية لها مقار في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وواحدة من جماعات المعونة الغربية القليلة التي تعمل في العراق منذ عام 2003 في تقرير نشر في يونيو "البرامج الانسانية وبرامج التنمية التي يديرها الجيش غالبا لا تفي باهدافها." بحسب رويترز.

وقالت "المنهج الامريكي في العراق منذ عام 2003 اتسم بدرجة من الاحادية والاعتماد الكاسح على مجموعة محددة وضيقة من الاهداف العسكرية بدلا من الجمع بين اهداف الدفاع والدبلوماسية والتنمية."

ومن بين 657 مليار دولار خصصتها الولايات المتحدة للعراق منذ عام 2003 لم ينفق سوى 5.5 في المئة على المعونة الاجنبية والدبلوماسية وفقا لما تذكره خدمة الابحاث في الكونجرس.

وقال ديلاني الذي خدم في العراق في بدء الحرب ثم عاد للمساعدة في اعمال الاغاثة المباشرة ان الوكالة التابعة لحكومة الولايات المتحدة غيرت الطريقة التي تعمل بها في العراق.

وقال "في الايام الاولى.. كنا نتطلع بالفعل الى ما يمكن القيام به لاعادة اعمار العراق. ونحن.. الحكومة الامريكية وقوات التحالف تصرفنا بصورة احادية في العديد من الحالات."

وقال "كان هناك تعجل ولم يكن هناك طرف مقابل" يمكن ان يتوجه اليه المسؤولون الامريكيون في الحكومة العراقية.

ومازال مسؤولون امريكيون يتحدثون عن القصور في الحكومة العراقية الناشئة التي تحاول تحديد هويتها فيما تسعى الى تولي المسؤولية في البلاد التي بدأت لتوها تبرز من انقاض الحرب.

وانخفض العنف بشدة على مدى العام الماضي وهو تغير موضع ترحيب ولكن الاشغال العامة في البلاد في حالة مزرية وفر العديد من اساتذة الجامعات كما ان البطالة مرتفعة للغاية.

واختفى كثيرون من طبقة الموظفين في العراق بعد الغزو ويعتقد ان الفساد مستشر مثل الوباء. وعلى الرغم من موارد نفطية لايستهان بها الا ان الحكومة انفقت جزءا ضئيلا من ميزانيتها على الكهرباء والاولويات الاخرى.

ويقول خبراء معونة ان الوفاء بالاحتياجات الاساسية للسكان سيكون حاسما اذا كان للعراق اي يتجنب المزيد من اراقة الدماء.

سيمنز اعترفت بتقديمها رشى للنظام السابق

على صعيد متصل كشف تقرير لوزارة العدل الامريكية، إن شركة سيمنز إي جي اعترفت أمام قاضي تحقيق أمريكي بدفعها اكثر من مليون ونصف المليون دولار للنظام السابق مقابل حصولها على عقود نفطية وكهربائية في العراق.

وويكشف التقرير ايضا ان “شركة سيمنز إي جي اعترفت خلال جلسة إستماع أمام قاضي المحكمة المحلية الأمريكية في ديستركت أوف كولومبيا بتقديم رشى وتضخيم قيم عقود تتعلق بالعراق”.

بالاضافة الى أن “فرعي فرنسا وتركيا للشركة وشركة أوسرام الشرق الاوسط وشركة تكنولوجيا التوربينات الغازية حصلت على نحو 42 عقدا من وزارتي الكهرباء والنفط في العراق بين عامي 2000 و2002 تجاوزت قيمتها 80 مليون دولار أمريكي في ظل برنامج الأمم المتحدة النفط مقابل الغذاء”.

وبموجب برنامج النفط مقابل الغذاء، تسلم العراق إمدادات ومعدات للمساعدة الإنسانية بقيمة (31) مليار دولار تقريبا، وذلك في المدة ما بين 20 آذار مارس 1997 و 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2003، منها قطع غيار ومعدات لصناعة النفط بقيمة (1.6) مليار دولار. وثمة سلع وإمدادات إنسانية إضافية من البرنامج، تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، لكن مآخذ كثيرة سجلت على البرنامج، من قبل جهات عراقية وأجنبية، مثلما سجل عليه اختراقه من قبل النظام السابق.

وتابع التقرير “للحصول على هذه العقود فأن هذه الشركات قدمت اكثر من مليون و736 الف دولار أمريكي كرشى الى الحكومة، لكن هذه العقود حققت ارباحا تبلغ قيمتها أكثر من 38 مليون دولار”.

وأردف “كما قامت الشركات المذكورة بتضخيم أسعار العقود بنحو 10% قبل تقديمها إلى الأمم المتحدة للموافقة عليها”، مشيرا الى أن تلك الرشى أُدرجت في سجلات الشركات المذكورة ودفاتر شركة سيمنز إي جي كدفعات لأشخاص وصفوا بأنهم مستشارين تجاريين.

ونقل التقرير عن مساعد رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي في مكتب واشنطن جوزف برسيشيني” قوله إن “قيام ماوطنين امريكيين وشركات في سوق الاسهم الامريكية بدفع رشى مقابل الحصول على عقود تجارية يعد جريمة فيدرالية”.

يذكر أن شركة سيمنز إي جي مسجلة في سوق نيويورك للأوراق المالية منذ آذار مارس من عام 2001.

وقد وافقت الشركة على دفع غرامة قدرها 450 مليون دولار امريكي لمخالفتها الضوابط الداخلية وأحكام الدفاتر والسجلات المتعلقة بالقانون الأمريكي لممارسات الفساد في الخارج، حيث أن فروع سيمنز في كل من الارجنيتن وفنزويلا وبنغلاديش اترفت ايضا بإنتهاك أحكام مكافحة الرشوة وأحكام الدفاتر والسجلات المتعلقة بالقانون الأمريكي لممارسات الفساد في الخارج بحسب التقرير.

وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد كشف في بيان له الثلاثاء الماضي عن نية الحكومة لتوقيع عقود تطوير مع شركة سيمنز، فيما أعلنت وزارة الكهرباء امس الاربعاء أنها ستوقع الاسبوع المقبل عقدا رسميا مع الشركة لتزويد العراق بمحطات تبلغ طاقتها 3200 ميغاواط.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/كانون الثاني/2008 - 28/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م