كتب مصرية تثير جدلا بين رجال الدين وعلماء الاثار

اعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: اثار تناول روايتين طبعت اخيرا في مصر حفيظة عدد من رجال الدين وعلماء الاثار، لدى تداول تلك الاعمال قضايا دينية وتاريخية حساسة.

حيث عدت رواية (عزازيل) حسب الكنيسة القبطية المصرية بمثابة هدم العقيدة المسيحية الحقيقية.

فيما اثارت جدل عدد من علماء الاثار رواية ( مرنبتاح فرعون الخروج) كونها تتعارض مع ما افدت به المعلومات الاثرية التي تم التوصل اليها.

ويعتبر مثل هذا الولوج في القضايا الدينية والتاريخية من اكثر الامور جدلا في المجتمعات العربية خصوصا، لاثارتها بين عدد من الحقائق التي تعارض الموروثات الشعبية.

رواية(عزازيل)...

قال الاسقف بيشوي سكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية ان زيدان يريد هدم العقيدة المسيحية الحقيقية واتهمه بالتدخل في الامور المسيحية الداخلية.

لكن قال زيدان ان شيوخ الكنيسة غضبوا لانه تحدى سلطتهم باعتبارهم ورثة القديس مرقس الرسول وتحدى وصايتهم الكاملة على التاريخ المصري في الفترة بين الوثنية ودخول الاسلام.

وقال زيدان "الكنيسة القبطية المصرية تصورت لزمن طويل ان الخمسة قرون السابقة على دخول الاسلام (في عام 640 ميلادية) هي تاريخ خاص للكنيسة القبطية وأنا لا أقدر ان أقبل هذا ولا ارى له معنى ولا منطق."

وفي روايته التي أصبحت ضمن الكتب المرشحة للفوز بجائزة "بوكر" في الرواية العربية وأعيد طباعتها خمس مرات الآن في اقل من عام بعد ظهورها يراقب الراهب هيبا حشدا مسيحيا يقتل الباحثة السكندرية الوثنية هيباتيا في الاسكندرية في عام 415 بعد الميلاد.

وفي وقت لاحق يلعب جزءا صغيرا في الخلاف بين القديس كيرلس وهو من الاسكندرية وباحث اللاهوت السوري المولد نسطور بشأن ما اذا كانت مريم العذراء ولدت الله أم المسيح.

والكنيسة القبطية الحديثة التي يتبعها عشرة في المئة من المصريين تعتبر البابا كيرلس واحدا من أشهر ابائها.

وقال زيدان وهو مسلم يتولى منصب مدير المخطوطات بمكتبة الاسكندرية التي اعيد احياؤها ان روايته "عزازيل تخلخل أو تهز الارتباط الضروري بين السلطة الزمنية وبين السلطة الروحية".

وأضاف "منذ زمن طويل رجال الدين يقولون انهم الناطقون باسم مرقس الرسول فالرواية أظهرت ان هذا شيء مزيف في شأن البابا كيرلس."

وقال زيدان وهو ليبرالي ديني انه يؤمن بكل الاديان وليس ضد المسيحية مضيفا انه يرى أوجه شبه بين العنف الديني والتطرف في القرن الخامس ونفس النوع من العنف في العالم الحديث.

وقال "هناك بنية واحدة (للعنف الديني) قابلة للتكرار عندما تتوافر الظروف الموضوعية لابرازها. فما كان في الاسكندرية سنة 391 (عندما أصبحت المسيحية دين الدولة) هو مقلوب ما هو في مصر الان."

وزيدان الذي كان استاذا للفلسفة وهو في التاسعة والعشرين من عمره كتب أكثر من 50 كتابا وقال انه لم ينكر اهمية البابا كيرلس قي التاريخ المسيحي.

لكنه قال انه كان عنيفا وكان فكره عنيفا والان اباء الكنيسة المعاصرة يقولون انه كان بريئا من دم هيباتيا.

ودافع عن اهتمامه باللاهوت المسيحي على اساس انه جزء من ميراث مشترك.

وقال انه يعتقد ان هذا الميراث متصل وانه لن يفهم التراث الاسلامي ما لم يعد الى فترة المسيحية.

واضاف قائلا انه لذلك وفي هذا السياق لا يجب ان يحسب مسيحيا أو مسلما وانما "أحسب كشخص يفكر ويحاول ان يفسر الواقع الذي أصبحنا فيه."

والرواية من خلال اعادة تصوير تلك الفترة بحيوبة ومن خلال الحبكة القوية والشخصيات الجذابة كسبت بسرعة مؤيدين بين القراء المصريين الذين يزداد عددهم.

وقال زيدان عندما طلب منه ان يفسر سر نجاحها ان ذلك يرجع الى ان الكتاب مختلف.

واضاف انه لم يكن هناك أي روايات تاريخية في المقام الاول وان ما كتب في السابق كان روايات عن التاريخ وليس اعادة سرد لفترة تاريخية.

فرعون الخروج..

تبدو رواية ( مرنبتاح فرعون الخروج) كأنها خارجة من صفحات بعض الكتب المقدسة في تناولها جانبا من تاريخ جماعة بني اسرائيل في مصر القديمة حتى ان مؤلفها المصري سيد نجم يقول في سطرها الاخير "لقد غرق الفرعون مرنبتاح" وهو ما يرفضه أثريون مصريون.

تبدأ الرواية باستعراض احتفالات شعبية ابتهاجا بولادة مرنبتاح الابن الثالث عشر لرمسيس الثاني في مدينة طيبة الاقصر حاليا الواقعة على بعد نحو 690 كيلومترا جنوبي القاهرة ثم انتصاراته العسكرية بعد توليه قيادة الجيش في عهد أبيه وكيف صار ملكا في سن الستين.

ويذهب المؤلف الى أن البدو أو الرعاة الذين كانوا يعيشون في شمال شرقي مصر وهم قبائل بني اسرائيل وهم "خونة ولا يحبون المصريين" تعاونوا مع "الاعداء الغزاة" من شعوب البحر وغيرهم ممن كانوا يهددون الحدود الشمالية للبلاد.

لكنه في الفصل الاخير يقول على لسان أحد الحرس "ليس على الارض اله غير فرعون مصر". ثم يسرد المؤلف محاورات نبي الله موسى وأخيه هارون مع مرنبتاح الذي يتبع اليهود في خروجهم من مصر الى أن يغرق في البحر.

وتوضح الرواية أن كلمة اسرائيل في اللغة الهيروغليفية تعني "قبائل لا بلاد لهم.. وليست الاسم المعروف حاليا."

وتقع الرواية في 95 صفحة متوسطة القطع ونشرت ضمن (سلسلة تاريخ مصر) التي تصدر في صورة روايات للناشئة عن مؤسسة دار الهلال بالقاهرة.

وسبق أن تناول المخرج الامريكي سيسيل دي ميل في فيلمه ( الوصايا العشر) عام 1956 ما اعتبره تسخيرا لليهود في بناء الاهرام والمعابد المصرية الى أن تمكنوا من الخروج في عهد رمسيس الثاني الذي غرق في البحر كما قال فيلم (الوصايا العشر) وفيلم الرسوم المتحركة (أمير من مصر) الذي أخرجه الامريكي ستيفن سبيلبرج عام 1999 .

وقال رئيس تحرير سلسلة تاريخ مصر محمد الشافعي ان هناك عشر نظريات تجيب عمن يكون الفرعون الذي شهد عصره خروج اليهود من مصر مضيفا أن ثماني نظريات منها لا تتفق مع المنطق أو التاريخ لكنه استند الى آيات من القرآن ليرجح أن هناك نظريتين تذهبان الى أن فرعون الخروج اما أن يكون رمسيس الثاني واما أن يكون ابنه مرنبتاح. حسب رويترز.

وأضاف في مقدمة عنوانها (أكذوبة الخروج) أن "كثيرا من العلماء يؤكدون بأن رمسيس الثاني هو فرعون الميلاد والخروج أيضا... معظم الادلة تميل الى كون رمسيس الثاني هو فرعون الخروج" حيث عاش رمسيس أكثر من 90 عاما وتولى عرش البلاد 67 عاما ( تقريبا بين عامي 1304 و1237 قبل الميلاد) خلال حكم الاسرة التاسعة عشرة (نحو 1320-1200 قبل الميلاد).

ورمسيس واحد من كبار البنائين في مصر القديمة وهو أبرز ملوك عصر الامبراطورية المصرية (نحو 1567-1085 قبل الميلاد) التي تأسست كحكم وطني بعد طرد الغزاة الهكسوس على يد سقنن رع تاعا الثاني وابنيه كامس وأحمس قائد حرب التحرير ومؤسس الاسرة الثامنة عشرة.

أما مرنبتاح الابن الثالث عشر لرمسيس الثاني وخليفته على العرش فحكم مصر 13 عاما (نحو 1236-1223 قبل الميلاد).

ويخلو التاريخ والاثار المصريان من أي ذكر لليهود باستثناء لوحة مرنبتاح المشهورة بلوحة الانتصار وهي موجودة بالمتحف المصري بالقاهرة وعثر عليها في مدينة طيبة الاقصر حاليا التي كانت عاصمة للبلاد انذاك وتسجل معاركه مع أعدائه ومنهم شعب اسرائيل الذي كان مجرد قبائل لا يضمهم كيان دولة.

وتسجل اللوحة أنه "خضعت التحنو (أدوم).. كنعان قد استلبت في قسوة. عسقلان تم الاستيلاء عليها وجازر قد أخذت (أحرقت) وينوعام (الكنعانيون) أصبحوا كأن لم يكونوا... وأصبحت خارو (سوريا) أرملة لمصر... قضى على اسرائيل ولم يبق لها بذرة."

وتعد لوحة مرنبتاح الاثر المصري الوحيد الذي ذكر به شعب اسرائيل لاول واخر مرة. ويرجح باحثون أن لوحة مرنبتاح كتبت في العام الخامس أو الثامن لحكمه وهذا ينفي غرقه لو كان فرعون الخروج.

لكن أستاذ الاثار بجامعة الاسكندرية عبد المنعم عبد الحليم سيد ينبه الى أن "لوحة مرنبتاح تسجل أنه حارب اليهود في فلسطين" بما يعني أن الخروج حدث في عهد ملك اخر لم يحدد اسمه العهد القديم أو القران.

ويقول في ضيق "ليس معقولا أن يتبع ملك مصر شعبا منبوذا. كانوا رجسا في نظر المصريين وليس لهم تأثير لانهم لم يكونوا قوة عسكرية فكيف يهتم الملك بمطاردتهم بنفسه" مرجحا أن يكون ذلك على يد أحد قادة الجيش المصري.

ويقول أستاذ الاثار بجامعة القاهرة عبد الحليم نور الدين لرويترز ان مثل هذه الاعمال من كتب أو روايات يجرؤ أصحابها على القول ان فرعون الخروج هو رمسيس أو مرنبتاح "كلام فارغ فلم تسجل الكتب السماوية اسم الملك الذي عاصر الخروج."

ويرى أن هناك فهما خاطئا في بعض البديهيات ومنها كلمتا " الفرعون" و"الفرعونية" وأن كلمة فرعون كانت تعني القصر ثم أصبحت لقبا ثانويا يشير الى الملك الذي كان له لقبان أساسيان هما "ابن الشمس" و"ملك مصر العليا والسفلى".

ويشدد على أنه "ليس هناك ملك مصري حمل هذا اللقب".

ويصف نور الدين الاستسهال في كتابة مثل هذه الروايات والكتب بأنها "تسميم لافكار القراء."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/كانون الثاني/2008 - 26/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م