شبكة النبأ: منذ انهيار الشيوعية تعرف
الكنيسة الارثوذكسية نهضة قوية في روسيا حيث عادت لتشكل رباطاً للهوية
الوطنية شاغلة الفراغ الذي خلّفه سقوط الايديولوجية السوفياتية. وفي
مؤشر على هذا التجدد الديني وقف اكثر من خمسين الف شخص في طوابير في
الايام الاخيرة امام كاتدرائية المسيح في موسكو لالقاء النظرة الاخيرة
على البطريرك اليكسي الثاني مهندس نهضة الكنيسة الارثوذكسية الروسية
الذي توفي مؤخرا.
ولكن، ان كانت التحيات وكلمات التكريم توالت من العالم أجمع أثر
اعلان وفاة بطريرك موسكو وعموم روسيا فإن تساؤلات حسّاسة ما زالت تطرح
ايضا حول ماضيه المفترّض كمخبر في اجهزة الاستخبارات السوفياتية (كي جي
بي). حيث يقول خبراء في تاريخ كي جي بي (الشرطة السياسية للنظام
السوفياتي) ان هرميّة الكنيسة الارثوذكسية كانت تُعد كثيراً من
المخبرين في حقبة الاتحاد السوفياتي وبينهم (الكسي) الذي جُنِّد في
1958 تحت اسم "دروزدوف".
وتحولت الكاتدرائية التي هدمها البلاشفة الذين كانوا يطاردون الكهنة
والمؤمنين رمزاً للتجدد الديني في روسيا منذ اعادة بنائها العام 2000.
ويوضح الداعية الارثوذكسي اندريه كورايف انه على مدى 70 عاما "حلت
الايديولوجية السوفياتية مكان الديانة. فشعار عاش لينين وسيعيش لينين
الى الابد! الذي كان دائم الحضور في الاتحاد السوفياتي شبيه بالشعارات
الدينية".وبدأت الديانة الارثوذكسية تعود الى الواجهة في التسعينات مع
سياسة البريسترويكا والانفراج السياسي. بحسب فرانس برس.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي زاد عدد الاديرة ثلاثين ضعفا وانتقل
من 19 العام 1990 الى 716 في 2008 في حين ازداد عدد الكنائس اربع مرات
وعدد المؤمنين ثلاث مرات.ومدينة موسكو التي كانت تضم 40 كنيسة فقط في
الحقبة السوفياتية باتت تستضيف 725 كنيسة.
ويؤكد ثلاثة روس تقريبا من اصل اربعة (71 الى 83% وفق معاهد
استطلاعات الرأي) انهم ارثوذكس في مقابل 25% في 1990.
ومشاركة السلطة في قداديس او مراسم دينية بات يعتبر مدعاة فخر.
وباتت نجوم الفن كذلك لا يترددون في الافصاح عن ايمانهم.
ويقول الممثل السينمائي فلاديمير ايلين انه يأخذ برأي الكاهن المعرف
قبل القبول باي دور. وفي سان بطرسبرغ (شمال غرب) يؤكد نجما موسيقى
الروك يوري شيفتشوك قائد فرقة "دي دي تي" وكونستاتني كينتشيف (اليسا)
انهما مؤمنان قبل ان يكونا مغنيين.
وفي المدن الكبرى يشكل المثقفون الذي كانوا رواد هذه النهضة ثاني
اكبر مجموعة من المؤمنين بعد المتقاعدين.
وكاهن واحد من اصل كل عشرة كهنة خريج جامعة لومونوسوف العريقة من
مبرمجي كمبيوتر وعلماء بيولوجيا وفيزياء وعلماء نفس ومؤرخين على ما
يوضح كوراييف.
اما حديثو الايمان وبينهم الكثير من المقاولين فقد تعلموا كيف
يرسمون شارة الصليب وتمضية الليل بالكامل في حضور قداديس عيد الميلاد
وعيد الفصح بعد مرحلة صيام طويلة.
وذكرت صحيفة "فيدموموستي" الاثنين ان "تلوين بيض العيد او صنع
الكوليتش والباسكا (كعكة وجبن ابيض تقليديان) في عيد الفصح بات الان
جزءا من الثقافة الشعبية".
ويعتبر المؤرخ الديني فلاديمير ايليشينكو ان "غالبية حديثي الايمان
يكتفون بالحركات فيتعلمون رسم شارة الصليب بشكل صحيح ويصومون لكن ليس
اكثر من ذلك".
واظهر استطلاع للرأي من معهد "فتسيوم" اجري في آب/اغسطس 2007 ان
شخصا من كل خمسة اشخاص مرتبط بالارثوذكسية "ليكون قريبا من التقليد
الوطني".
وجاء في استطلاع لمركز "ليفادا" المستقل يعود الى شباط/فبراير 2008
ان 42% فقط يقولون انهم "مؤمنون جدا" او "مؤمنون جزئيا".
ظِل الكي جي بي يحوم حول ماضي الكسي الثاني
ان كانت التحيات وكلمات التكريم توالت من العالم اجمع اثر اعلان
وفاة بطريرك موسكو وعموم روسيا الكسي الثاني فان تساؤلات حساسة ما زالت
تطرح ايضا حول ماضيه المفترض كمخبر في اجهزة الاستخبارات السوفياتية (كي
جي بي).
ويقول خبراء في تاريخ كي جي بي (الشرطة السياسية للنظام السوفياتي)
ان هرمية الكنيسة الارثوذكسية كانت تعد كثيرا من المخبرين في حقبة
الاتحاد السوفياتي وبينهم الكسي الذي جند في 1958 تحت اسم "دروزدوف".
وعمليا فقد تعاون جميع الاساقفة في زمن الاتحاد السوفياتي مع الكي
جي بي كما يؤكد الاب غليب ياكونين المعارض والمدافع عن حقوق الانسان
الذي درس محفوظات اجهزة الاستخبارات السوفياتية حول هذه المسالة في
التسعينات.
وقال لوكالة فرانس برس "كانوا جميعهم مخبرين" مضيفا "لكن الكسي كان
متميزا بشكل خاص فقد كان ناشطا جدا في ممارسة هذه المهنة".
وسيشارك عدد كبير من هؤلاء الاساقفة في انتخاب خلف الكسي الثاني
الذي توفي عن 79 عاما بعد ان صعد نجمه بسرعة من مدرسة اكليركية في
استونيا الى رأس كنيسة يتبعها ملايين المؤمنين.
وهذا الصعود يعود الى زمن توقفت فيه الحملات الستالينية العنيفة
المناهضة للدين لكن حيث كانت السلطة السوفياتية لا تزال تراقب عن كثب
انشطة الكنيسة الارثوذكسية.
وقد يكون الدليل الدامغ على تعاون الكسي الثاني مع الكي جي بي يتمثل
في وثيقة عثر عليها في استونيا في التسعينات المؤرخ اندريك يوريو مدير
منشورات المحفوظات الوطنية في استونيا.
وقال يوريو في اتصال هاتفي اجرته معه فرانس برس "كان وصفا لتجنيد
العميل دروزدوف. اسمه الحقيقي لم يذكر لكن كل شيء كان متطابقا مع سيرة
البطريرك الكسي الثاني بما في ذلك سنة ولادته".
واضاف "ان الكي جي بي لم تمارس ضغوطا قوية عليه. لم يكن لديهم وثائق
محرجة له. لقد وفروا امامه امكانية القيام بمهنة. ولو رفض (انذاك) لكان
بقي على الارجح مجرد كاهن عادي".
ولم يقر الكسي مطلقا بانه كان مخبرا كما نفت الكنيسة الارثوذكسية
جميع الاتهامات حول تسلل الكي جي بي الى صفوفها بعد نشر مقالات في
وسائل الاعلام الروسية في التسعينات.لكن البطريرك طلب "الصفح" لاعمال
قادة الكنيسة في حديث لصحيفة ازفستيا الروسية في 1991.
ولدى شرحه كيف حصل عندما كان اسقفا في استونيا على عدم اغلاق اي
كنيسة فيها اقر بانه "عند الدفاع عن امر ما من الضروري التخلي عن امر
اخر".
واضاف "الى اولئك الذين تأذوا من التسويات والصمت والسلبية
الاضطرارية او التعبير عن موالاة مسموحة من قبل قادة الكنيسة (...)
اطلب الصفح والتفهم والصلوات".
معركة قاسية لخلافة الكسي الثاني
واعتبر محللون ان وفاة بطريرك روسيا الكسي الثاني تفتح الباب امام
معركة قاسية لخلافته داخل اكبر كنيسة ارثوذكسية في العالم حيث للسلطة
غير الكنسية كلمتها ايضا.
ومن المقرر ان تجتمع السلطة العليا في الكنيسة الارثوذكسية الروسية
التي تضم ملايين المؤمنين السبت لتسمية "حارس" موقت للكرسي البطريركي
واطلاق عملية الخلافة.
وقال الخبير في الاديان سيرغي فيلاتوف من الاكاديمية الروسية للعلوم
"لا احد يمكنه فهم هذه الحرب في الكواليس. النزاع سيكون كبيرا الى درجة
سيكون صعبا ابقاؤه طي الكتمان" محذرا من نزاع محتمل داخل الكنيسة التي
تربطها صلات وثيقة بالكرملين.
وينبغي انتخاب البطريرك الجديد في مهلة لا تتجاوز ستة اشهر من جانب
مجمع لا يضم الاساقفة فحسب بل ايضا ممثلين للرهبانيات والعلمانيين.
بحسب فرانس برس.
ويتم تداول اسماء عدة تحظى بدعم متفاوت من السلطة ابرزها:
- متروبوليت كالاغو وبوروفسك كليمان وهو الرئيس النافذ للادارة
الكنسية في موسكو.
- متروبوليت سمولنسك وكالينينغراد كيرلس الرئيس القوي لدائرة
العلاقات الخارجية والمسؤول عن العلاقات مع الكنائس الاخرى.
- متروبوليت مينسك فيلاريه الذي يترأس الكنيسة الارثوذكسية في
بيلاروسيا.
- اسقف سترافروبول فيوفان الذي يترأس الكنيسة الارثوذكسية في منطقة
القوقاز الروسي المضطربة وذات الغالبية المسلمة.
وبين هؤلاء يبدو المتروبوليت كليمان افضل من يمكنه الاستمرار في
تبني نهج مسايرة الكرملين حول القضايا السياسية والاخلاقية.
اما المتروبوليت كيرلس المنفتح على العالم الخارجي فلا يحظى بتأييد
المحافظين وينظر اليه الكرملين بعين الريبة وفق الخبراء. لكن علاقات
صلبة تربطه بالكنيسة الارثوذكسية في اوكرانيا المجاورة.ويمكن ان يجسد
المتروبوليت فيلاريه الذي يعتبر شخصية كفؤة حلا انتقاليا بالنظر الى
سنه (73 عاما).
وفي رأي الخبيرة في الاديان جيرالدين فاغان من مركز "فوروم 18"
للشؤون الدينية الذي مقره في اوسلو ان عملية الخلافة لن تكون شفافة
لانها تهدد في هذه الحال بتفجير التوتر داخل كنيسة قومية بامتياز ترفض
غالبا القواعد العلمانية.
ورجحت اختيار المتروبوليت كيرلس في حال غابت التدخلات السياسية فهو
"الاسقف الاكثر نفوذا لكن انتخابه سيثير استياء المحافظين وقد يؤدي الى
نوع من الشقاق".
واعتبرت الكنيسة الارثوذكسية الاوكرانية المعارضة في بيان ان كيرلس
"هو الاكثر جهوزا ليكون بطريركا" لكنه ليس الاوفر حظا بالضرورة لان
"السلطة الروسية لا تحتاج الى بطريرك يتمتع باستقلال كبير".
من جهتها استبعدت كسينيا دينن التي تدير معهد كيستون في جامعة
اوكسفورد البريطانية حصول تطور كبير في تسوية الخلافات بين بطريركية
موسكو والسلطة الكنسية الكاثوليكية في روما.
والكنيسة الارثوذكسية لم ترض يوما بان يقوم البابا بزيارة موسكو
وخصوصا انها مستاءة من مناهضة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني للنظام
السوفياتي.
ورأت دينن ان قيادة هذه الكنيسة "تشكل الذراع الايديولوجية للنظام
في السلطة الراهنة التي يمسك بها (فلاديمير) بوتين و(ديمتري) مدفيديف"
في اشارة الى الرئيس الروسي السابق الذي بات رئيسا للوزراء وخلفه في
الكرملين. |