شبكة النبأ:
في خضم موجة التناحر الطائفي والعرقي الذي قاد الى أعمال عنف
واسعة الانتشار خلال عامي 2006 و2007 في العراق قدّم السناتور جوزيف
بايدن العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الامريكي
والذي تبوّأ مؤخراً منصب نائب الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما،
قدّم اقتراحاً يقضي بضرورة تقسيم العراق الى ثلاث مناطق تتمتع بحكم
ذاتي واسع النطاق مع إنشاء حكومة مركزية في بغداد لها سلطات أقل، لمنع
انزلاق البلاد نحو الحرب الاهلية والفوضى والتفتيت. من وجهة نظره.
ومع ان مجلس الشيوخ قد أقرَّ الاقتراح في حينه إلا ان ادارة الرئيس
بوش قد رفضته بتاتاً. وانتهى الامر عند رفضه أيضاً من قِبل الحكومة
العراقية وكافة الكتل السياسية عدا التحالف الكردستاني..
وبالعودة لاحتمالات ترقى لأن تكون أكيدة في نيّة بعض الكتل السياسية
إستحداث اقليم الوسط والجنوب او إقامة اقاليم متعددة من محافظة واحدة
او اكثر، تطفو الى السطح مرة اخرى مسألة (التقسيم الناعم) التي نادى
بها جوزف بايدن ولكنها هذه المرة معزَّزة بصعود بايدن الى أخطر منصب في
الولايات المتحدة وهو منصب نائب الرئيس الامريكي الجديد.
فقد قال هذا الديمقراطي المخضرم قبل سنتين: اذا كانت الولايات
المتحدة لا تقدر على وضع فكرة الفيدرالية هذه في مسارها، فلن تكون
أمامنا فرصة لتسوية سياسية في العراق، ومن دون ذلك، لا فرصة في مغادرة
العراق من دون أن نخلِّف وراءنا فوضى.
وقال عن خطة الرئيس بوش في تقوية الحكومة المركزية: ان الحكومة
المركزية معطَّلة ويُنظر اليها في اوساط واسعة على انها لا تتصل
بالواقع. ولم تتوصل الى ارساء مصالحة سياسية..
ومثل ما هو الحال في الوسط والجنوب الذي تتقاذفه في الوقت الحاضر
رياح التغيير نحو الأقلمة ونبرات الصراع التي ظهرت مؤخراً للعيان بين
مَن يسعى لإقامة أقاليم من محافظة او أثنتين وبين مَن يريد أقليماً
واحداً يضم الشيعة تحت عنوان (شيعستان)، فإن هناك أفقاً لصراعات أكبر
قد تأخذ طابع الاثنية والقومية مع بروز دعوات مختلفة لإقامة أقليم
نينوى وغيره.
فالدعوة التي وجهها مؤخراً نائب رئيس مجلس محافظة نينوى بإقتراحه
إقامة إقليم مستقل بمحافظة نينوى، أو الانضمام إلى إقليم قريب من
الناحية الجغرافية!! ماهي إلا مقدمة لإيجاد صيغ قانونية تضمن لأصحاب
التطلعات الفئوية ظروف ملائمة لتحقيق أهدافهم التي لايمكن أبداً
التكهّن بسقفها.
بل ان الامر قد يتعدى الى خطط وخطوات يسعى اليها مَن كانوا بالأمس
ينكرون على كل منادي يسعى للفدرالية ويعتبرون ذلك في صف الخيانة، حيث
نُشِرت وثيقة تحمل شعار الحزب الإسلامي تشير الى مشروع استراتيجي يعمل
الحزب الإسلامي على تنفيذه بالاتفاق مع واشنطن، يتمحور حول التثقيف على
تشكيل إقليم سني، والعمل على قبول وجود سفارة إسرائيلية في بغداد
انطلاقا من مفاهيم دينية حملتها كتب ابن تيمية وبعض المفسّرين في العصر
الاموي والعباسي.
وتقول وثيقة مركز بحوث الحزب الإسلامي العراقي في معرض تبريرها لهذه
الموادعة: تدفعنا الى ذلك أسباب الضعف عندنا والقوة عند الامريكان.
وتدعو الى التثقيف بذلك مؤكدة، على وجوب نشر هذه الأدلة بين أعضاء
الحزب وقاعدته الجماهيرية، ثم تسرد في الأدلة (الآية 7 من سورة التوبة)
القائلة: (كيف يكون للمشركين عهدٌ عند الله وعند رسوله إلا الذين
عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ان الله يحب
المتقين). مستعينة بتفسير بن قدامة الحنبلي على أنها دليل جواز الهدنة
مروراً بسابقة (صلح الحديبية) في السيرة الشريفة، وتستشهد الوثيقة بعد
ذلك بـ ابن تيمية وقوله في كتابه الصارم المسلول ص 359: حيث عجزنا عن
جهاد الكفار، عملنا بآية الكف عنهم والصفح...
واذا ما ربطنا توجهات الكتل السياسية الرئيسية النافذة في السلطة في
الوقت الحاضر نحو تقوية تحالفاتها من خلال ضمانها لبعضها البعض مبدأ
الأقلمة وإمكانية السير عليه فإننا سنجد ان العراق متوجِهٌ نحو موجة
تقسيم طائفي وعرقي وإن كان ذلك قد يتم على أساس المادة 115 من الفصل
الأول من الباب الخامس من الدستور، التي تضمن حق إقامة الأقاليم إلا
انها للأسف لم تضع خطاً أحمر ضد إقامتها على أسس عرقية او طائفية...
وبرؤية عامة للآثار والتداعيات فإننا سنشهد في العراق ثلاثة كيانات،
الاول إثني كردي سيحارب لمجرد البقاء على قيد الحياة وستنهكهُ تدخلات
دول الجوار المحيطة به من كل جانب. والثاني طائفي شيعي سيتحول الى ساحة
صراعات داخلية على النفط والسلطة فضلاً عن تدخلات وأطماع الجوار.
والثالث طائفي سنّي سيتم توظيفه استراتيجياً لجعل الامن الاقتصادي
والسياسي للكيانين الآخرين حلماً مستحيلاً.
وأمام سيناريو قائم على التمترسات الاثنية والمذهبية، لن يمكن أبداً
بناء عراق ديمقراطي موحّد على أسس ثقافة إنسانية متسامحة ومتعاونة.. |