هل علمنا بوش درساً؟!

محمد علي جواد تقي

في أيامه الأخيرة كرئيس للولايات المتحدة الامريكية، قام جورج بوش بآخر زيارة له لبغداد الاحد الماضي، مذكراً العراقيين بانه الشخص الذي عبأ الجيوش وقاد الحرب للإطاحة بنظام صدام، وقالها غير مرة انه ليس نادماً على حرب أدت الى إسقاط صدام من قمة السلطة الى الجحر الذي أخرج منه فيما بعد ، لانه (خلّص العراق والعالم من انسان خطير).

ولا علينا بمقاصد بوش من وراء هذه الزيارة التي يختم بها ثمان سنوات من حكمه، وانه يحاول تبييض صفحة الحرب السوداء في العراق عبر الاتفاقية الامنية التي سعى جاهداً لاستحصال موافقة العراق على توقيعها قبل مغادرته البيت الابيض، أي انه دخل العراق محارباً محتلاً، ويريد الخروج باتفاقية أمنية تنشر جناح السلم في العراق – كما يعتقد طبعاً- لكننا معنيين بالتزامن الحاصل بين هذه الزيارة والاستعدادات الجارية لأول انتخابات من نوعها لمجالس المحافظات ، حيث يؤكد جميع المتنافسين على الاستحقاق الديمقراطي ، ويدعون شرائح المجتمع للمشاركة المكثقة في تقرير المصير وصناعة المستقبل وبناء الغد بعد إزالة ركام الديكتاتورية والحرمان والظلم، وكل هذه المفاهيم والمصطلحات تحدث بها بوش سلفاً الى شعبه وشعوب الدول التي ارسلت جنودها الى العراق، لمزيد من الدلالة والبرهان على صحة قرار الاطاحة بصدام.

فماذا سمع بوش من العراقيين خلال زيارته الخاطفة والاخيرة للبلاد؟ فهل تحدث معه أحد عن آفاق الديمقراطية في العراق والبرامج المعدّة لانجاح التجربة الحديثة؟ وهل تحدث آخر عن العمق الحضاري والثقافي للعراق وسعة أفق مثقفيه ونخبه السياسية والثقافية، بما يشمل أفكار ورؤى أوسع مما تعلمه الغرب من ديمقراطية وحقوق الانسان ومفاهيم توصلوا اليها قبل عدة قرون؟

إن زيارة بوش كانت فرصة ثمينة وتاريخية لان نثبت بان العراق الذي غزته جحافل القوات الامريكية والمتحالفة معها، لم يكن عبارة عن سجن مظلم أو كهف في جوف جبل لايعرف ساكنيه الليل من النهار، وإنما هو واحة خضراء بارض خصبة وغنية لكن مغطاة بالحشائش الضارة والنباتات الطبيعية التي تنخر جذور الاشجار المثمرة، والدليل على ذلك ما نشهده من سيل الافكار والرؤى المنهمر خلال السنوات الخمس الماضية وما يزال، هذا من جهة ومن جهة أخرى انفجار الطاقات والقدرات في كافة المجالات بمجرد زوال الكبت والقيود.

وقبل ان يتباهى بوش امام شعبه والعالم بانه أنقذ شعباً من طاغية مثل صدام، و وفّر له السلم والأمن بعد الحرب والموت والدمار، كان حريّاً بنا ان نسبقه الى وسائل الاعلام العالمية بان العراق صاحب أغنى ثقافة في العالم، وهو يمتلك إضافة الى وافر الخيرات والثروات، من اللغة الرصينة والقيم النبيلة والتعاليم السمحاء المستمدة من رسالات السماء، وليس من باحثين عن مصالح شخصية وفئوية ضيقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/كانون الثاني/2008 - 24/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م