شبكة النبأ: تُقدِم عدداً من مدن
العالم المتحضّرة على تحسين وتخطيط آليات النمو والمحافظة على البيئة
المحيطة لديمومة الاجواء الصحية والاجتماعية التي تتمتع بها.
حيث تعد برامج النمو الذكي الذي بدأت تتبعه العديد من المدن منهج
لتقنين التوسع والانتشار غير المنطقي للمباني، فضلا عن حصر المستلزمات
الضرورية للسكان بعيدا عن مظاهر البذخ غير المجدية التي غالبا ما تلحق
الضرر بعد انتفاء الحاجة اليها في المستقبل.
مدينة بورتلاند الامريكية مثالاً
ما زالت مدينة بورتلاند، بولاية أوريغون، تعتمد منذ ثلاثة عقود
استراتيجية "نمو ذكي" وضعت بهدف وقف زحف الضواحي المحيطة بالمدينة
وتمددها وما يجره ذلك من عواقب، كتلوث الهواء الناجم عن السيارات
وخسارة الأراضي الزراعية والمساحات الخالية من المباني. ولكن
استراتيجية الأحياء السكنية المتقاربة القادرة على تلبية احتياجات
سكانها والتي يسهل التنقل سيراً على القدمين فيها واستخدام المواصلات
العامة، كانت قد أنتجت مكاناً غريباً مثيراً للفضول أكثر منه نموذجاً
يمكن لبقية المدن اعتماده.
إلا أن الهواجس التي انتشرت في الآونة الأخيرة بشأن تغير المناخ
وصدمات أسعار البترول غيّرت ذلك.
ويتشاطر المسؤولون في المدينة وفي المنطقة خبرتهم وتجاربهم بسرور مع
كل من يهمه الأمر. وتنظم المدينة جولتين في الأسبوع للزوار الأميركيين
والأجانب الذين يبغون التعلم من تجربة المدينة في مجال النمو الذكي.
ولكن أولئك المسؤولين ينبهون إلى أن نمو بورتلاند هو عملية لم تنته بعد،
مع كل ما يستتبعه ذلك من نتائج، كمعارضة بعض السكان للتغيير والعواقب
غير المقصودة والتكيف الضروري.
فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار العقارات في وسط المدينة بشكل كبير
نتيجة لقوانين التوزيع إلى مناطق والديموغرافية السكانية وتدفق عدد
كبير من المثقفين المبتكرين الحاصلين على التعليم العالي ممن يكسبون
دخلاً مرتفعا إلى المدينة، وازداد ازدحام السير مع تقلص نسبة السكان
الذين يستخدمون وسائل النقل العام في التسعينات من القرن الماضي. (إلا
أن استخدام الأوتوبيس والترام أو الترومواي عاود الارتفاع في هذا العقد.)
وظل السكان الذين يعتمدون على السيارات الخاصة في تنقلهم ويعيشون في
منازل شيد كل واحد منها لعائلة واحدة ويتسوقون في مراكز أو مجمعات
التسوق هم الأغلبية السائدة في مناطق بورتلاند البعيدة عن المركز، رغم
جميع الجهود التي بذلت لتغيير ذلك.
وقد شكك البعض في نجاح سياسات بورتلاند، وهب الاقتصادي الذي كان
يقطن المدينة في السابق، راندال أوتول، إلى إظهار عيوب النمو الذكي
وجعله شغله الشاغل ورسالة حياته. وقال كين ديكر، أستاذ الدراسات
الحضرية والتخطيط في جامعة بورتلاند ستيت يونيفيرستي إن النمو الذكي
ربما كان أنجح في وسط المدن الأقدم مما هو في التجمعات السكانية
الجديدة في الضواحي وأن وضع قيود صارمة على الكثافة السكانية لا يشجع
بالضرورة التحول إلى وسائل النقل والمواصلات البديلة أو على أنماط
تطوير وعمران ممتازة.
ويسارع المسؤولون إلى القول إن تطوير أي مدينة هو عملية تفاعلية
تنطوي على الكثير من المشاركة السكانية. فعلى سبيل المثال، رُفض اقتراح
خاص بإضافة خط إلى شبكة الترام الكهربائي يمر بالمدينة من الجنوب إلى
الشمال في تصويت شعبي في إحدى المناطق التي يمر فيها. وتم تعديل أفكار
أخرى عندما أسفر تطبيقها عن نتائج لم تكن مقصودة.
فعلى سبيل المثال، عندما تم تحويل منطقة بيرل، التي كانت منطقة
مستودعات ومعامل وورش وأفنية مُدت فيها القضبان وخصصت لإيواء
التروموايات أو تحويلها من خط إلى خط، إلى منطقة سكنية يتشارك السكان
في امتلاك مبانيها وتكون لكل منهم شقة أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار
العقارات بشكل كبير، فقررت المدينة تشجيع القائمين على تعمير وتطوير
المنطقة من خلال الضرائب وغيرها من الحوافز المالية على تشييد وحدات
سكنية عائلية في منطقة نورث بيرل. إلا أن الأمر الذي خلق أعظم قدر من
التوتر والخلاف كان محاولات "زيادة الكثافة السكانية" من خلال تشييد
مجمعات مبان للشقق في الأحياء الموجودة فعلاً في المدينة والتي تنفرد
فيها كل عائلة بمنزل كامل. ووصل الأمر إلى حد محاولة مجموعة "أوريغونيانز
إن آكشن،" وهي مجموعة من الأهالي، تجريد الحكومة الإقليمية من سلطة
تحديد معايير الكثافة السكانية. وفي حين أخفق استفتاء (أو مبادرة)
تضمنته أوراق الاقتراع في الحصول على أغلبية أصوات السكان، إلا أنه فاز
بما يكفي من الدعم لإسباغ المصداقية على ادعاء المجموعة بأن هناك
إفراطاً في فرض القوانين والأنظمة على المدينة والمنطقة وبأن نظام
التخطيط الخاص بهما معقد وثقيل الوطأة أكثر من اللازم.
ولكن توم ميلر، رئيس هيئة موظفي رئيس البلدية، لا يعتقد أن ذلك صحيح.
وقد قال لموقع أميركا دوت غوف: "لو كانت بورتلاند حقاً مقيدة بقوانين
أكثر مما ينبغي ولو كان الناس يعتبرونها حقاً مكاناً يصعب العيش فيه
لكانوا غادروها،" ولكن ما يحدث في الواقع هو عكس ذلك.
ومع ذلك، يقر ميلر بأنه يمكن للقوانين الخاصة باستخدام الأراضي
وللأنظمة والقوانين التي تحكم المدينة أن تكون "أكثر ذكاء وفطنة وأخذاً
للمستهلك بعين الاعتبار،" وهو أمر تسعى المدينة والولاية أيضاً إلى
تحقيقه. وقد أصبح قانون أصدرته الولاية في العام 2007 يمكن الناس من
التكهن أكثر بما تعنيه عمليات التخطيط لاستخدام الأرض بالنسبة لجميع
الأطراف. كما أن من المتوقع أن يمنح تشريع مقترح للعام 2009، في حال
الموافقة عليه، المناطق السكانية دوراً أكبر في قضايا تحديد كيفية
استخدام الأراضي.
ويقول منتقدو سياسات بورتلاند إن المدينة، بحصرها اهتمامها باحتواء
تمدد الضواحي وتوسعها، أهملت التنمية الاقتصادية. وفي حين أن معدل
البطالة في بورتلاند، الذي كان يبلغ 5,6 بالمئة في شهر تشرين الأول/أكتوبر
الماضي، كان أقل من المعدل العام إلا أنها كانت في مرتبة متأخرة من
ناحية الوظائف مقارنة بالمدن الأخرى المماثلة لها في الحجم.
وتوجد في بورتلاند مؤسسات أعمال نشطة. وقد نمت شركة نايك إنك، التي
تصنع الملابس والأحذية الرياضية وتعتبر أضخم موظِف محلي، ومعامل صنع
هياكل الدراجات الهوائية ممتازة النوعية ومصانع الجعة بطريقة عضوية من
اهتمامات ونشاطات تتساوق مع طريقة الحياة التي يفضلها السكان، من رياضة
وترفيه وأطعمة طازجة محلية. ولكن منتقدي سياسات المدينة يقولون إن ذلك
قد لا يكون كافياً، خاصة في الأوقات الاقتصادية الصعبة.
وهذا هو ما جعل لجنة تنمية بورتلاند تبدأ في تغيير أولوياتها. فبعد
أن كانت تركز تقليدياً على جعل شوارع ومباني بورتلاند أكثر جمالاً
وجاذبية، أصبحت تبحث الآن عن طرق لخلق فرص العمل. ويشكل الأمر تحدياً
صعباً بالنسبة للجنة التي يمكنها الربط بين المساعدات الرسمية وأهداف
التنمية الاقتصادية ولكنها لا تملك سلطة التحكم بالمكان الذي يختار
الموظفون العيش فيه.
وقد تم جلب إرين فلين من بوسطن إلى بورتلاند في عام 2007 لتجد
حل?لاً مبتكرة لهذا التحدي بعد تعيينها في منصب مدير التنمية
الاقتصادية في لجنة تنمية بورتلاند. وقالت فلين لموقع أميركا دوت غوف
إنها تعتقد أن الصناعات والشركات المرتكزة إلى القيم والاهتمامات
المحلية، أو تلك التي تشترك مع السكان المحليين فيها، لديها إمكانية
نمو أقوى مما تتمتع به مؤسسات الأعمال "المستوردة" التي لا توجد رابطة
تربطها ذهنياً بالثقافة المحلية.
وأعربت عن اعتقادها بتوفر إمكانية قوية للنمو لدى الصناعات المرتكزة
إلى تجربة الاستدامة والمباني الخضراء. وقد حددت دراسة أجريت أخيراً 11
منتجاً أخضر ومجالاً في صناعة الخدمات كقطاعات يمكن أن تنتج وظائف.
وخلصت فلين إلى القول إنه مهما كانت الإمكانيات الأخرى التي تبرز
أمامنا، فإننا "نحتاج اقتصاداً قوياً نشطا." |