اتفاق التهدئة وحسابات المقاومة الفلسطينية الخاطئة

صالح النعامي

انتهى العمل بإتفاق التهدئة التي توصلت اليه الفصائل الفلسطينية وإسرائيل برعاية مصرية، والذي لا خلاف على أنه لم يؤد الى تحقيق الرهانات الفلسطينية عليه، حيث أن إسرائيل لم تلتزم بمعظم بنوده، وهو ما دفع جميع الفصائل الفلسطينية الى التأكيد على أنه ليس وارداً لديها تمديد العمل بهذا الإتفاق.

وفي الحقيقة أن اتفاق التهدئة كان ثمرة اعتبارات خاطئة وحسابات غير دقيقة استندت إليها فصائل المقاومة الفلسطينية.من ناحية مبدئية، فأن التوصل للتهدئة لم يكن منطقياً على اعتبار أن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الإحتلال هو حق مطلق ويتوجب عدم تقييده، وعندما يكون الطرف الذي دفع نحو التوصل إلى هذا الاتفاق هو حركة مقاومة، ، فأن الأمور تصبح أكثر إشكالية. من ناحية ثانية كانت هناك العديد من مظاهر القصور في معالجة ملف التهدئة، فهذه التهدئة لم تسمح بمرور المواد الأساسية، فخلال فترة التهدئة لم يرصف شارع واحد ولم يبنى صف واحد في مدرسة.

 فبإستثناء الهدوء الأمني الذي كان بعيد التوصل للإتفاق، فأن الجماهير الفلسطينية تستفيد كثيراً من هذه التهدئة. في نفس الوقت فأن اتفاق التهدئة عملياً يعتبر غير قائم لأن اسرائيل باتت تعتبر أن من حقها تنفيذ عمليات توغل في قلب القطاع واغتيال المقاومين دون أن يكون من حق المقاومة الرد عليها، وعندما ترد المقاومة عليها فأنه يصبح من حق تل أبيب تشديد الحصار بشكل غير مسبوق. 

الأنفاق ليست حلاً

صحيح أن الانفاق التي تربط قطاع غزة بمصر سمحت بتهريب الكثير من المواد، لكنها بشكل عام لم تؤثر على تغيير الاوضاع الاقتصادية، حيث ظلت الأسعار مرتفعة الى جانب تعاظم البطالة. في نفس الوقت فقد أدت التهدئة الى تمكين الفصائل الفلسطينية من المزاودة على حركة حماس وابتزازها عبر استغلال تعهدها بالحافظ على التهدئة، ناهيك عن توظيف حركة فتح لها في المناكفات والحرب الإعلامية ضد الحركة. في نفس الوقت فقد تبين أن الوسيط المصري في ملف التهدئة لا يمكنه إلزام إسرائيل بأي شئ لا ينسجم مع سياساتها.

استراتيجية " الخنق دون الموت "

ومن الأهمية بمكان عند تقييم التهدئة أن نفطن الى حقيقة الاستراتيجية التي حكمت الحكومة الإسرائيلية الحالية في تعاملها مع حكم حركة حماس. فهذه الحكومة كما أكدت المتحدثون بإسمها أكثر من مرة تتبنى استراتيجية " الخنق دون الموت "، والتي تقوم على وجوب اضعاف حكم حركة حماس الى اكبر حد، لكن دون الدفع نحو انهياره على اعتبار أن الوضع الحالي هو الوضع المثالي بالنسبة لإسرائيل، حيث أن هذا يتيح لإسرائيل تكريس الإنقسام والإنفراد بالضفة الغربية ويمكن تل ابيب من المناورة أمام السلطة الفلسطينية لتتحول كما هو حاصل حالياً الى وكيل أمني، فضلاً عن أن وجود حكم حماس الضعيف في غزة يعزز من قدرة اسرائيل على المناورة دولياً، على اعتبار ان هناك شرعية دولية لفرض الحصار، حيث أن الامم المتحدة والرباعية تطالب حماس بقبول الاعتراف باسرائيل ونبذ المقاومة والاعتراف بالاتفاقيات التي توصلت اليها منظمة التحرير، حتى يتم التعامل معها والاعتراف بحكمها. من هنا فقد كان هدف اسرائيل من التهدئة هو توفير الأمن للمستوطنات في محيط القطاع دون الحاجة للتدهور نحو عمليات عسكرية كبيرة قد تفضي الى اعادة احتلال القطاع.

أصحاب هذه الإستراتيجية يرون أن هناك طيف كبير من البدائل العسكرية التي من الممكن أن تلجأ اليها اسرائيل للرد على عمليات اطلاق الصواريخ من قبل قطاع غزة في ظل التهدئة دون الحاجة لاحتلال القطاع. ويرى الإسرائيليون أن وجود حماس في الحكم وفر لإسرائيل بنك كبير جداً من الأهداف، مقار ومؤسسات أمنية وعسكرية ومدنية، فضلاً عن الاغتيالات وغيرها.

استراتيجية إنهاء حكم حماس:

وفي المقابل فان المعارضة اليمينية بزعامة الليكود التي من المتوقع أن تفوز في الانتخابات الإسرائيلية بعد شهرين ترى أن التهدئة خطأ،  لأن تولي حماس حكم قطاع غزة بغض النظر عن طابعه هو خطر استراتيجي على اسرائيل، حيث أن اصحاب هذه الاستراتيجية لا يؤمنون بفاعلية الضغوط الاقتصادية على اعتبار أنه من الممكن أن تحدث تطورات فلسطينية دولية وإقليمية تجعل من المستحيل على إسرائيل مواصلة فرض الحصار على هذا النحو. في نفس الوقت فأن أصحاب هذه الاستراتيجية يرون أن الحل يكمن في القضاء على حكم حماس باعادة احتلال قطاع غزة.

إذن النخب السياسية في اسرائيل إما أنها تفكر بإبقاء حماس ضعيفة بتشريع الحصار عبر التهدئة، وإما انها تعد للقضاء على حكم الحركة بشكل كامل.

لكن في المقابل يجب ألا يفضي الاستنتاج بأن التهدئة لم تكن ايجابية الى استئناف العمل العسكري واطلاق الصواريخ فوراً، فهذا منطق كارثي لأنه يدلل على أن المقاومة الفلسطينية لا تستند الى استراتيجية تسمح بالأخذ بعين الإعتبار توفير الظروف التي تسمح بتعاظم المقاومة. ووفق هذه الاستراتيجية يتوجب ربط  العمل المقاوم المسلح بظروف الزمان والمكان وأن يأخذ بعين الإعتبار موازين القوى، وألا تكون محصلة العمل المسلح النهائة إضعاف المقاومة ذاتها وخيارها.

www.naamy.ne

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/كانون الثاني/2008 - 23/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م