حصار غزّة: بين نشاط أنفاق التهريب ونقص السيولة وانقطاع الكهرباء

عيد الأضحى تحول الى عطلة بائسة لفلسطينيي غزّة

 

شبكة النبأ: الحياة في تراجع مستمر إلى الوراء، حيث لادواء، ولاماء، ولانقود، ولاكهرباء، هذا هو حال قطاع غزّة اليوم، بعد طوق الحصار الذي فرضته اسرائيل هناك، رداً على الهجمات الصاروخية المتكررة التي تتبناها (حماس) المسيطرة على القطاع منذ سنتين.

وهذا بحد ذاته ينذر بكارثة انسانية كبيرة، في ظل أجواء سادها الفقر والعوز ونقص حاد في الحاجات الاساسية التي تعوز المجتمع الفلسطيني في القطاع.

(شبكة النبأ) في سياق التقرير التالي تسلط الضوء على الاوضاع المأساوية التي يمر بها أهالي غزة، وكيف تحول عيد الاضحى المبارك من عيد للبهجة والسرور، إلى مشهد محزن ومؤلم:

الأنفاق في غزة والتجارة السريعة على حساب الحاجة

لا تباع الأغنام المهرَّبة عبر الأنفاق من مصر بشكل طيّب في سوق غزة عشية عيد الاضحى. فبائع الأغنام عمر فوجي شكا قائلا: الناس فقط يتفرجون على بعضهم البعض و لا احد يشتري شيئا. وقال: الاسعار في ارتفاع لاننا ندفع رسوم 100 في المئة على كل خروف ندخله لصاحب النفق.

ويتحول عيد الاضحى الذي يحتفل به المسلمون في انحاء العالم الى عطلة بائسة للكثير من 1.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة. بحسب رويترز.

وادى الحصار على حدود القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس وتصاعد العنف على طول الحدود الى تعميق المصاعب الاقتصادية في القطاع الفقير.

وقال خليل الراعي احد مرتادي السوق: ابوعمار (الرئيس الراحل ياسر عرفات) وعدنا بان يجعل غزة مثل سنغافورة. بدلا من ذلك اصبحت تورا بورا، في اشارة الى معقل تنظيم القاعدة في شرق افغانستان الذي هاجمته القوات التي قادتها الولايات المتحدة في عام 2001.

وزادت الانقسامات السياسية بين حماس والرئيس الفلسطيني محمود عباس من الشعور بالعجز بين الغزاويين.

من جهة اخرى منع الحجاج الفلسطينيون الذين كانوا متجهين الى مكة المكرمة لاداء الفريضة من مغادرة القطاع عبر مصر. والقت كل من حماس وفتح باللوم على بعضهما البعض في هذا المنع.

وقال عز الدين ابو عميرة (42 عاما) المهندس المدني: انه عيد صعب لا يوجد رواتب ولا توجد سيولة (في البنوك) والكهرباء مقطوعة معظم الوقت.

ولم يتسلم نحو 77 الف موظف في غزة رواتب نوفمبر تشرين الثاني واغلقت البنوك ابوابها لانه لا يوجد لديها اموال كافية. واوقفت اسرائيل ارسال النقد والسلع خلال الشهر الحالي مع ارتفاع العنف عبر الحدود.

وحذر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من عواقب نقص الاموال في بنوك غزة. وقال صندوق النقد في بيان: عجز الموظفين والمستفيدين من المعونات عن سحب رواتبهم ومعوناتهم يزيد من اخطار انه مع مرور الوقت تتحول هذه الجماعات نحو فرص التوظيف والمعونة التي يقدمها الاشخاص الذين لديهم وسائل اسهل للحصول على الاموال من مصادر اخرى (مثل التهريب عبرالانفاق بين غزة ومصر).

ويقوم بحفر الانفاق وادارتها تجار يعملون في اطار نظام تشرف عليه حماس التي تقوم بدورها كما يقول التجار بجمع الاموال منهم عن طريق فرض رسوم.

وعند احد الانفاق الممتدة بين قطاع غزة ومصر وقف حفار ملثم يراقب عماله وهم يخرجون الماشية من النفق. وقال ان مثل هذه المشروعات المقامة سرا تحت الارض تخفف الضغط على الناس الناتج عن الحصار الاسرائيلي.

لكن في سوق الاغنام بغزة قال ابو محمد الذي يبيع السكاكين لذبح الماشية ان مشغلي الانفاق يحضرون السلع التي يعتقدون انها ستحقق لهم ربحا كبيرا وليس المنتجات التي يحتاجها الناس بالفعل.

وحتى المهنيون الفلسطينيون يعتبرون الانفاق مصدرا للدخل. ودخل مهندسون ومدرسون واطباء عملية التهريب باستثمار اموالهم لدى تجار مرتبطين بصناعة الانفاق على أمل الحصول على عائدات كبيرة.

أساليب الحياة القديمة تنشط لدى سكان غزة

عاد سكان قطاع غزة الى استخدام الحطب كوقود ومواقد الكيروسين للطهي حيث تواصل اسرائيل منع وصول امدادات المعونة الاجنبية الى القطاع.

وتنفد المعونة لدي نصف سكان غزة الذين يعتمدون عليها ويبلغ تعداد السكان في المنطقة نحو 1.5 مليون نسمة.

ويقضي اللحام نحو خمس ساعات كل يوم يجوب الاراضي الواقعة بالقرب من منزله في خان يونس في جنوب قطاع غزة بحثا عن الحطب. وقال اللحام وهو أب لثمانية أبناء انه بحاجة الى الحطب من اجل الطهي واعداد الشاي. بحسب رويترز.

والحمير المحملة بالاغصان الجافة هي مشهد مألوف في غزة حيث تحولت المخابز في غزة ايضا الى الحطب بسبب نفاد الغاز لديها. وما زال تهريب الديزل والبنزين مستمرا من خلال انفاق تحت الارض من مصر.

وتنفي اسرائيل ان هناك اي ازمة انسانية في غزة وتصر على انها لا تسعى الى التسبب في ازمة من هذا النوع. وما زال الغذاء متاحا ولكن بكميات قليلة وباسعار عالية في القطاع حيث يفي التهريب من مصر بنحو 30 في المئة من الاحتياجات.

وفي احد اسواق غزة وقف السكان في صفوف امام ورشة متخصصة في اصلاح مواقد الكيروسين من اجل اصلاح المواقد القديمة التي لم يتم استعمالها منذ زمن.

والكيروسين ليس مسموحا بدخوله الى غزة ولكن بسبب الحاجة يستخدم سكان غزة بدلا منه وقود الديزل مخلوطا بالملح الذي يخفف الوقود وينظفه.

وقال باسم نعيم وزير الصحة في الحكومة المقالة في غزة ان المستشفيات الكبرى خلت من الغاز مما يؤدي الى مصاعب في اطعام المرضى.

كذلك ادى نقص الوقود الى حالة من الشلل في اعمال نحو ثلاثة الاف صياد في القطاع تقف غالبية قواربهم دون عمل.

واغلقت اسرائيل المعابر الحدودية الى غزة بعد هجمات صاروخية ردا على غارة اسرائيلية في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني قتل فيها خمسة نشطاء فلسطينيين.

ولا تحدث الصواريخ البدائية التي تطلق من غزة اضرارا تذكر ولكن اسرائيل تطالب بوقف اطلاقها تماما.

النقص الحاد في السيولة النقدية مشكلة كبيرة اخرى

أغلقت فروع البنوك في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس) أبوابها وقالت انه لا يوجد لديها ما يكفي من الاوراق النقدية في خزائنها للعمل بشكل طبيعي وذلك بسبب الحصار الاسرائيلي للقطاع.

ورفع العديد من فروع البنوك بمدينة غزة لافتة كتبت عليها عبارة: البنك مغلق بسبب الحظر الذي يفرضه الاحتلال على دخول النقد. بحسب رويترز.

وقالت اسرائيل انها تعتزم اعادة فتح معابرها الحدودية مع قطاع غزة للمرة الاولى للسماح بدخول كميات محدودة من الغذاء والامدادات الطبية والوقود.

وأضافت أنها ستسمح أيضا للصحفيين الاجانب بالدخول للمرة الاولى منذ الرابع من نوفمبر تشرين الثاني عندما أسفرت عملية نفذها الجيش الاسرائيلي في القطاع الساحلي عن زيادة عدد هجمات الصواريخ عبر الحدود التي يشنها مسلحون فلسطينيون.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض الذي تتخذ حكومته التي يدعمها الغرب من الضفة الغربية المحتلة مقرا لها في وقت سابق انه لا يوجد ما يكفي من النقود في قطاع غزة لتأمين رواتب أكثر من 77 ألف موظفي حكومي هناك.

وقال ان هناك حاجة لمبلغ 250 مليون شيقل اسرائيلي (63 مليون دولار) لدفع الرواتب لكن بنوك غزة لا يوجد لديها سوى 47 مليون شيقل (12 مليون دولار).

وقال بيتر ليرنر وهو متحدث باسم المنسق العسكري الاسرائيلي لقطاع غزة ان الجيش سيسمح بدخول 40 شاحنة تنقل الغذاء والامدادات الطبية عن طريق معبر كرم ابو سالم وكذلك 33 شاحنة تنقل الحبوب عن طريق معبر كارني (القنطار).

وأضاف أن اسرائيل فتحت أيضا معبر ناحال عوز الحدودي لدخول وقود من الاتحاد الاوروبي لمحطة الطاقة الوحيدة في غزة.

وقال مسؤولون فلسطينيون في غزة ان الشحنات التي ستدخل القطاع لن تؤثر كثيرا في الحد من النقص.

دعوة البنك الدولي لإسرائيل بتحويل الاموال لدفع رواتب الموظفين

دعا البنك الدولي اسرائيل الى السماح بتحويل اموال الى غزة لدفع رواتب الموظفين محذرا من ان ازمة السيولة قد تؤدي الى انهيار النظام المصرفي الفلسطيني في القطاع الخاضع للحصار الاسرائيلي.

وقال البنك الدولي في بيان: نناشد حكومة اسرائيل التحرك سريعا للسماح لمختلف فروع المصارف في غزة بامتلاك السيولة قبل عيد الاضحى. مؤكدا ان اي تسوية تمر عبر تحويل اوراق مالية. بحسب فرانس برس.

واضاف: ازمة السيولة قد تؤدي الى انهيار النظام المصرفي في غزة ويعرض دور المؤسسات الفلسطينية لمزيد من الخطر كما سيكون له انعكاسات انسانية خطيرة.

وقد طالب رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض اسرائيل بالسماح للبنوك الفلسطينية العاملة في قطاع غزة بادخال السيولة النقدية الى القطاع من اجل تأمين رواتب موظفي السلطة.

وقال فياض: اذا لم تسمح اسرائيل بادخال النقد فلن تكون هناك امكانية لصرف الرواتب في غزة خاصة ونحن نعيش عشية عيد الاضحى.

واكد ان ما يوجد لدى البنوك العاملة في القطاع من سيولة نقدية هو فقط 47 مليون شيكل (نحو 12 مليون دولار).

واشار فياض الى ان البنوك العاملة في قطاع غزة تحتاح الى 100 مليون شيكل شهريا بشكل منتظم لتسيير معاملاتها المالية. وقال: ما وصل البنوك خلال التسع شهور الماضية هو 185 مليون شيكل فقط.

ويبلغ العدد الاجمالي لموظفي السلطة في الضفة والقطاع حوالى 160 الفا يحتاجون شهريا الى رواتب تقدر قيمتها باكثر من 125 مليون دولار.

ورغم سيطرة حركة حماس على غالبية مؤسسات السلطة في قطاع غزة منذ اواسط العام الماضي الا ان السلطة الفلسطينية تواصل دفع رواتب حوالى 70 الفا من الموظفين الذين يعملون لدى مؤسسات السلطة الفلسطينية في القطاع.

غزة تغرق في ظلام دامس عشية عيد الاضحى

اعلن مسؤول في سلطة الطاقة الفلسطينية ان محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة توقفت عن العمل كليا بسبب نفاد الوقود لديها اثر ابقاء اسرائيل على المعابر مع قطاع غزة مغلقة.

وقال كنعان عبيد نائب رئيس سلطة الطاقة ان: المحطة توقفت تماما عن العمل بعد نفاذ الوقود لديها وعدم سماح اسرائيل بادخاله الى القطاع. وكانت اسرائيل زودت محطة الكهرباء بغزة بكمية بسيطة من الوقود ما مكنها من استئناف العمل جزئيا. بحسب فرانس برس.

وقال النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار على قطاع غزة ان المحطة توقفت عن العمل بشكل كامل بعد نفاد السولار الصناعي اللازم لتشغيلها في ظل تواصل اغلاق المعابر التجارية للأسبوع السادس.

واضاف الخضري: ان المحطة تعمل منذ ثلاثة أيام بنسبة 20% فقط بعد سماح الاحتلال بدخول بعض شاحنات السولار الصناعي التي كانت ستكفي لتشغيل المحطة ليوم واحد لو شغلت بكامل طاقتها. واوضح الخضري ان غزة ستعود لتغرق بالظلام الدامس من جديد ولكن هذه المرة في أجواء عيد الاضحى الذي يأتي على المواطنين في ظل نقص النقود والوقود والمياه وكل مقومات الحياة الكريمة جراء الحصار الإسرائيلي الظالم.

ويتكرر توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة عن العمل بسبب نقص الوقود بعد رفض اسرائيل استئناف ارسال هذه المادة الى قطاع غزة منذ تجدد اعمال العنف مطلع الشهر الجاري. وشددت اسرائيل في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة منذ ان سيطرت عليه حماس في حزيران/يونيو 2007 فاغلقت جميع المعابر اليه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 21/كانون الثاني/2008 - 22/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م