شهد قطاع غزة أحداثا مؤلمة، بفعل تصعيد الجيش الإسرائيلي
لهجماته، مستهدفا بذلك مدنيين فلسطينيين ونشطاء المنظمات المسلحة
لاسيما حركتي حماس والجهاد الإسلامي،وكتائب المقاومة
الشعبية،وكتائب شهداء الأقصى،متذرعا كعاداته بالدفاع عن النفس،
ووقف إطلاق صواريخ القسام وقذائف الهاون من قطاع غزة على البلدات
الإسرائيلية المتاخمة للقطاع. علما أن هذا التصعيد يجري أمام مرأى
ومسمع المجتمع الدولي دون أي تحرك واضح،بل يكتفون بالتنديد والشجب
في حين تعجز منظمة الأمم المتحدة عن استصدار قرارات فاعلة توقف
الآلة العسكرية الإسرائيلية من قتل الأبرياء، والقضاء على النسل
والحرث،بل ترتكب إسرائيل جرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة تحت ضوء
أخضر أمريكي أشعله بوش، ومن المؤكد لن يطفئه براك أوباما،بل سيزيد
من إشعاله،فتلك إذا هي لعبة السياسة الأمريكية على مر العصور.
فالتاريخ علمنا أن أمريكا وجدت لحماية إسرائيل وليس لإنقاذ
الشرعية الدولية أو الاعتراف بحقوق الآخرين.
وعليه، لا مراء في أن النظام السياسي الإسرائيلي لم يلتزم منذ
أول اتفاق سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية في أوسلو عام
1993،وحتى مِؤتمر أنابوليس عام 2008 ولا حتى باتفاقيات الهدنة مع
الفصائل المقاومة الفلسطينية ولن تلتزم،لأنها بكل بساطة مشروع باطل
لدولة كاذبة،فكلما يقترب مسار التسوية إلى الحل، تتهرب من
التزاماتها، وذلك لأجل تحقيق أهداف تكتيكية واستراتيجية تتوخى من
خلالها فرض وقائع جديدة ضمن الجغرافيا السياسية الفلسطينية والحصول
على مزيد من التنازلات السياسية.
ولكن إذا كانت إسرائيل تتحمل الجزء الأكبر في ما يجري بقطاع
غزة،من ممارسات عدوانية ووحشية قاهرة،باعتبارها كيانا معاديا يستحق
العقاب الجماعي بشتى الوسائل،فإن الفلسطينيين بدورهم يتحملون قسطا
من المسِؤولية كذلك ولعل الانقسام الحاصل بينهم والذي وصل إلى حد
الاقتتال أضعف مصداقية الحركة الوطنية الفلسطينية على الصعيدين
العربي والدولي، وأسهم في التشويش على عدالة قضية فلسطين،بل أدخل
الفلسطينيين في صراعات مجانية تخدم مآرب إسرائيل في التهرب من
التزاماتها وتعطيل مسلسل التسوية،وهو ثمن يدفعه الفلسطينيون نتيجة
غياب استراتيجية عمل وطنية للمقاومة، وأيضا جمود المسار السياسي،
إضافة إلى ذلك الفجوة الحاصلة بين المواطن والسلطة المنقسمة إلى
سلطتين، سلطة في الضفة تابعة لحركة فتح،وسلطة في غزة تابعة لحركة
حماس،مما يجعل النظام السياسي مشتتا بفعل غياب قيادات سياسية
عقلانية وهذا من شأنه أن يضع القضية الفلسطينية على مفترق الطرق.
أعتقد أن حالة الانقسام الراهنة بين السلطة الفلسطينية تمثل أحد
العوامل الكبرى الأكثر تأثيرا على مستقبل القضية الفلسطينية في ظل
وجود توجهات متباينة لا تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية.
وفي كل الأحوال فإن السيناريوهات المحيطة بمسارات القضية
المحتملة في المرحلة القادمة وتفاعلاتها في ظل الفترة الانتقالية
الراهنة تتطلب حسن نوايا من جميع الأطراف المعنية ومساعي دبلوماسية
قوية صادقة تعمل على تهدئة النزاع والرجوع إلى طاولة المفاوضات
للخروج من مأزق أللاستقرار والذي يهدد المنطقة برمتها بالانهيار.
* باحثة في قسم العلاقات الدولية
جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب |