صِغارنا في العراق.. أطفال مع وقف التنفيذ!!

عدسة وتحقيق: عبد الأمير رويح

 

انا اعمل يومياً وما أحصل عليه لايكفي اخوتي الايتام في معظم الأحيان.. أمنياتي أن أعود لدراستي لكن ذلك مستحيل!.. أحمد 14عاماً

ما نفع الدراسة إن كنت لا أملك المال الكافي للعيش كما اني لا أستطيع شراء الملابس والقرطاسية التي أحتاجها.. نحنُ مَن لم يُنصفنا المجتمع ولا الحياة... أسعد 12 عام

لا أريد أن اكون مثلهم فهم يتشاجرون ويسرقون ولايحترمون احد.. ولكن يجب أن اعمل فما باليد حيلة... الطفل محمود معلِّقاً على بعض زملاءه من الباعة المتجوِّلين

شبكة النبأ: طفلة عراقية، وأقول عراقية كون أطفال العراق يختلفون عن باقي أطفال العالم وهذا  ما لا يختلف فيه اثنان! الصغيرة دعاء نموذج منهم، فتلك السمراء ابنة الأثنا عشر عاماً والتي غيّرَت ملامحها تقلبات المناخ القاسية كقسوة أولئك الوحوش الذين قتلوا والدها.. وحكموا عليها باليتم والتشرد والتهجير.. طفلة عراقية احتضنتها يد الحرمان والألم فأبعدتها عن مقاعد الدراسة فأصبحت في ضياع وحسرة. ترمق بعينيها الصغيرتين مجاميع الطلبة وهم يتجهون صباحاً لمدارسهم لتبدأ هي مسيرتها اليومية والمعتادة بطرق أبواب المحسنين لعلها تحصل على قوتها وقوت عائلتها اليومي.. هذه دعاء بملابسها الرثّة البالية وقدميها الحافيتين نموذج حي يجوب شوارعنا ومثلها الاف وآلاف من الاطفال  في وطننا الجريح تختلف قصصهم وحكاياتهم لكنهم اجتمعوا معاً في الطفولة والبراءة.. والعراق!

بعض القصص والحكايات تعرضها (شبكة النبأ المعلوماتية) بما فيها من معاناة لأطفال حُرموا من حقهم في العيش في عالمهم الخاص. عالم الطفولة والمرح عالم الحياة الجميلة. عالم يشتاق اليه الكبار عندما يشعرون بالضيق والألم.  فيستذكروا تلك السنين التي مرت بهم ليحسّوا بالراحة والأمان..

 ولكن مع هذه القصص سيحس القارئ العزيز أن أطفال اليوم في عراق اليتم والعوز والحرمان هم رجال تحملوا مسؤولية الحياة منذ الصغر فتركوا عالم الطفولة بكل ما فيه من إشراق وحيوية وبرائه وحب للحياة.

وقفتنا ستكون مع أطفال تراوحت أعمارهم مابين(9ـ14 عام) تكلّموا بلسان الحزن معبِّرين عمّا في داخلهم فخرجت تلك الكلمات لتكوّن تحقيقاً يبحث عن قارئ منصف وقلب حنون يعيد البسمة لتلك الشفاه وينصفهم أو يعيد لهم بعض ما حُرموا منه.

فهذا (أحمد 14عاماً) يقول، أنا أكبر أخوتي توفي والدي فبدأت معاناتي مع الحياة منذ سن مبكرة أصبحت معيل لعائلة تتكون من ثلاث بنات وأم عاجزة، لذلك قررت ترك دراستي والعمل من أجل أن أوفر لقمة العيش. فأنا في عمل مستمر ودائم وما أحصل عليه هو قوتٌ يوميٌ قد لا يكفي في بعض الأحيان! أمنياتي أن أعود لدراستي لكن أضن أن ذلك مستحيل!

لا أريد ان اكون مثلهم

محمود، ذلك الطفل الصغير الذي يجذب الانتباه كان يختلف عن باقي الباعة من الأطفال. فهو مكتئب غير راغب في العمل لا يزاحم المشتري ولا يلح عليه مثل البقية.. سئلناه لماذا أنت هكذا؟ فأجاب أنا لا أحب العمل هنا ولا أحب أن أكون مثل هؤلاء الباعة! فأكثرهم بدون أخلاق يصرخون ويتشاجرون ولا يحترمون احد.. البعض منهم يسرق ما ليس له، لا يحبون النظافة أنا أكره هذا العمل لكن ما باليد حيلة فبعد وفاة والدي أُجبِرت على ترك المدرسة  واللجوء للعمل كي أعيش فليس لعائلتي مورد نقتات منه.

(أسعد 12 عام) يقول ما نفع الدراسة أن كنت لا أملك المال الكافي للعيش. فأنا لا أستطيع شراء الملابس والقرطاسية التي أحتاجها.. نحن اليوم نقضي وقتنا في العمل كي نوفر لقمة العيش صحيح فقدنا أشياء كثيرة وأهمها التعليم لكن كسبنا مهن حرة وتعلمنا طرق التعامل مع الصعاب ومع الآخرين.

أضاف أسعد لـ شبكة النبأ، في كلام كبير يجسد معاني انسانية هائلة تتجاوز بكثير حجمه الضئيل، نحن مَن لم ينصفنا المجتمع ولم تنصفنا الحياة... أنا في داخلي أحسد الطلبة والتلاميذ في المدارس وأتمنى أن أعود لدراستي وأصدقائي لكن مسؤولية البيت والمعيشة تفرض علي أن أعمل واكسب رزقي.

رعد طفل آخر، وقصة أخرى. .نحن أربعة أخوة تركنا المدرسة بعد وفاة والدنا من أجل أن نعمل. أمي علمتنا أن لا نحتاج إلى معونة أحد ولا نمد أيدينا إلى الآخرين.. نعم لدينا أقارب لكن قررنا عدم أللجوء إليهم في أي شيء..الحمد لله نحن اليوم بخير وأحسن حال مقارنه بحياة الآخرين فهنالك فقراء وأيتام بحاجة ماسّة الى المساعدة!

رضا يطرد أعين الحاسدين!!    

رضا طفل آخر يدور في الشوارع حاملاً صينيتهُ الصغيرة التي تحوي (منقلة وفحم وحرمل). يقول عملي هذا أجبرني عليه والدي فهو رجل كبير عاجز عن العمل ليس لديه مورد خاص ولا يتقاضى أي راتب أو معونة. عملي بسيط وربحه معقول مقارنة بمصروفاته فهو لا يحتاج لرأس مال وأدواته بسيطة. يمتهنه الكثير من الكبار والصغار لسهولته! يتهمني البعض بالتسوّل وهذا ما لا أرضاه فأنا أعمل طوال اليوم وأجوب الشوارع وأدخل المحلات وأقدم خدمة.. أنا أبعد أعين الحاسدين وأحصل على أجري بتعب ومن دون إلحاح أو سؤال فمن يريد أن يقدم المال فهو حر، لا ألح على أحد وهذا ما يوصيني به والدي!!

البحث في كل مكان.. عن النفايات

الطفل علاء، دوّار.. يحمل على ظهره كيساً كبيراً يجمع فيه أوعية وقناني (البيبسي) الفارغة التي يحصل عليها من الشوارع وبراميل النفايات. يقول أنا أبدأ عملي منذ الصباح الباكر وهذا العمل يحتاج إلى قوة وقدرة تحمل. فأنا أسير لمسافات طويلة من أجل الحصول على رزقي وجمع القناني الفارغة يحتاج إلى البحث. كونها تنتشر في عدة أماكن وطرقات. وكلما جمعت أكثر  كان الوارد أكثر فهذه القناني خفيفة الوزن وأسعار شرائها بسيطة جداً لذا يتطلب الأمر الحصول على كميات أكثر كي ترجع بمردود جيد نسبياً. فهي تباع بـ(الكيلو غرام). ويضيف علاء: أتمنى أن نرتاح قليلاً ونشعر بحياتنا وأتمنى أن تكون لنا مدينة ألعاب ومحطات استراحة كما للآخرين أعتقد أنه حلم لن يتحقق!

نعم قد تكون هذه الأمنيات صعبة التحقيق أو قد تكون مجرد أحلام يحلم بها أطفال العراق فقط لأنها أحلام بسيطة أذا ما قورنت بأحلام أطفال الدول الأخرى القريبة منّا والتي تحققت منذ عشرات الأعوام. أحلام وردية لأطفال حرموا من حق الطفولة نتمنى أن يستطيعوا الاحتفاظ بها وان لا يستكثرها عليهم  من يرفضوا حتى الحلم الذي قد يعتبروه خطراً يهدد مصالحهم ومكتسباتهم الحزبية والسياسية. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/تشرين الثاني/2008 - 27/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م