يمر موسم الحج الفرض الشرعي الذي يجمع جميع أبناء الأمة
الإسلامية هذا العام، والأمة تعيش مرحلة حرجة جدا بسبب التشتت
والاختلاف والفتن وتصاعد نبرات التحريض الطائفي بين أبنائها، الذين
يرزحون تحت ظروف سياسية واقتصادية سيئة، وتحت وطأة التشدد
والتخوين، والبعد عن روح التسامح الشعار الإسلامي السامي .
وتستقبل مكة المكرمة والمدينة المنورة خلال هذه الأيام ملايين
البشر من أنحاء العالم، ومن جميع المذاهب والقوميات والألوان؛ في
ظل رغبة أن يتحل أفراد المؤسسة الدينية المشرفة على المواقع
الدينية بروح التسامح والإيمان بالتعددية المذهبية؛ وتطبيق ما دعا
له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في حوار
الأديان لتعزيز التسامح في العالم الذي أشار بان سبب الإرهاب
والإجرام والتشدد والعداء يعود لغياب التسامح إذ قال "إن الإرهاب
والإجرام أعداء الله.. وأعداء كل دين والحضارة.. وما كانوا ليظهروا
لولا غياب مبدأ التسامح" مضيفا "الأديان التي أراد الله عز وجل
إسعاد البشر لا ينبغي أن تكون من أسباب شقائهم"!؟
هل أفراد المؤسسة الدينية التي تشرف على الأماكن الدينية في
السعودية مكة المكرمة والمدينة المنورة تتصف بروح التسامح الذي دعت
إليه حكومة خادم الحرمين؛ أم العكس حيث يسيطر التشدد والإكراه
والتحريض الطائفي ومضايقة الزوار. في مرحلة تحتاج الأمة إلى الوحدة
والتسامح والحرية الدينية والثقافية!
تشدد ومضايقات
في سكون الليل، وتحت ظلمة السماء الصافية، في آخر ليلة من الشهر
القمري، حيث يغيب القمر، يفترش عدد من زوار ومحبي النبي محمد (ص)
الأرض المباركة المحيطة بمسجده المقدس في مدينته المنورة الذين
جاءوا من مختلف بقع العالم بتعدد ألوانهم ولغاتهم ومذاهبهم...
يستنشقون أريج الإيمان المحمدي الأصيل، وكلهم يشيرون إلى قبة قبره
بأنه نبيهم ورسولهم، متحملين كل الصعوبات والظروف: التكلفة المادية
العالية، والغربة والقلق، والرهبة والخوف (..)، وكذلك الحر الشديد
والزحام. وفيما الضيوف مشغولون بالدعاء والابتهال. إذ برجال
المؤسسة الدينية (المطاوعة) يقتحمون الصفوف متدرعين برجال أمن
صارخين: "شرك شرك، حرام حرام" مانعين الناس من ممارسة معتقدهم
بالدعاء والزيارة حسب معتقدهم القائم على الشهادتين (أن لا اله إلا
الله ، وأن محمدا رسول الله)، ناس مسالمون لم يتسببوا بإزعاج
للاخرين أو اعتداء على حرية وحقوق الآخرين.
إن هؤلاء المؤمنين ضيوف بيت الله وزوار النبي الكريم (ص) جاءوا
من أقصى بقاع الأرض، وظلوا سنوات طويلة يجمعون الفلس على الفلس،
ويدعون خالقهم ليوفقهم بزيارة بيته العتيق بمكة المكرمة ومدينة
نبيه الكريم بالمدينة المنورة، عاشوا العمر يحذوهم الأمل لزيارة
تلك المواقع المقدسة، وممارسة العبادة هناك من صلاة وزيارة حسب
معتقدهم.. لا أن يتدخل ويتحكم بهم أصحاب التوجهات الدينية المتشددة
الذين يفرضون عليهم أسلوبهم بالإجبار!
ولا يتوقف هؤلاء "المطاوعة" الذين يمارسون الترويع والتخويف
والترهيب للكبار رجال ونساء ومنهم الشيوخ والمرضى، وللصغار...، عند
هذا الحد بل يقومون بالقبض على من يجادلهم، ويلاحقون كل من يهرب من
أيديهم، ويضربون ويهينون كل من يقبضون عليه.. مما يطرح تساؤل بالخط
العريض أين روح التسامح من هؤلاء؟
لماذا يتعاملون مع ضيوف بيت الله والرسول الكريم ومملكة
الإنسانية بهذه الطريقة التي لا تخلو من المضايقة، وكأن هؤلاء
الزوار المؤمنين جهال لا يحملون أي فكر أو عقيدة أو ثقافة دينية
وعلمية وحضارية، أو كأنهم يمثلون خطرا على الدين وعلى أمن الدولة،
أو أنهم هم المسؤولون عن ظاهرة التشدد والتكفير وقتل الأبرياء
لاختلاف المذهب والدين، أو أنهم هم المسؤولون عن تشويه الدين
والأمة بسبب عملية 11 سبتمبر!
نأمل من حكومة مملكة الإنسانية التي ترفع راية التسامح وحوار
الأديان، أن تحرر مكة المكرمة والمدينة المنورة من قبضة المتشددين،
وان تقوم بحملة لرفع الوعي بثقافة التسامح والتعددية، لدى أبناء
الوطن وبالخصوص للمشرفين على المواقع الدينية والتاريخية، فالتسامح
مطلب إنساني وديني وما إحواج البشر للتسامح للعيش سعداء. |