في البدء، لابد من توطئة
اولا: ليس العيب في ان تبحث الولايات المتحدة الاميركية عن
مصالحها في العراق، الا ان العيب في ان لا نبحث، نحن العراقيون، عن
مصالحنا في العراق، والاكثر عيبا هو ان نبحث عن مصالح غيرنا في
العراق، فنضحي بمصالحنا لحساب مصالح الاخرين، دول جوار كانوا ام
قوى عظمى، لا فرق.
لقد رفعنا، نحن العراقيون، شعارات عالمية وقومية كثيرة، لم تنتج
لنا سوى الخراب والدمار، لاننا ابدينا تبنيا للملكية اكثر من الملك
نفسه، كما يقول المثل الشائع، فالفلسطينيون، مثلا، الذين قتلنا
انفسنا من اجلهم باعونا للطاغية صدام مقابل حفنة من الدريهمات،
لنكتشف فيما بعد بانهم تجار قضية وليسوا اصحاب قضية.
كما ان شعارات القومية التي دفعنا ثمنها غاليا، باعتنا
بابخس الاثمان، لنكتشف اخيرا بان القومية في مفهوم القوميين العرب
هي تبني النظام الشمولي والاستبداد والقتل والتدمير ونظام المقابر
الجماعية والانفال وحلبجة وسياسات تنظيف السجون التي كان يامر بها
الطاغية الصغير المقبور قصي صدام حسين، ولقد سقطت على قفاي من شدة
الضحك وانا اطالع بيانات الشجب والاستنكار التي اصدرتها مؤتمرات
القوميين العرب ضد قرار الحكومة العراقية الذي تبنى الاسبوع الماضي
الاتفاقية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
لقد سعت كل دول المنطقة الى بناء ذاتها ونجحت الى درجة
كبيرة، وبقي العراق الذي لا زال يئن تحت وطأة الخراب والدمار، وكل
ذلك لاننا حملنا هم غيرنا على همنا الذاتي، واليوم علينا كعراقيين
ان نحمل همنا فقط، فلا نلتفت الى غيرنا، علنا نلحق بدول الجوار،
حتى، تصوروا.
ان كل دولة في العالم مرت بظروف العراق الحالية، ما كان
لها ان تنهض لولا انها (اغلقت حدودها) وانكفات على نفسها الى حين
لتنشغل بهمها دون اي هم آخر.
ثانيا: الاتفاقية العراقية الاميركية شان داخلي بحت
فلماذا يتدخل فيه الاخرون؟ ولماذا يدس كل من هب ودب انفه بهذا
الشان العراقي الداخلي؟.
لم اسمع ان امرا تدخل فيه الاخرون كتدخلهم اليوم بهذه
القضية، تصوروا، حتى الراقصات والفنانين دسوا انوفهم في القضية
وراحوا يعلمون العراقيين ماذا عليهم ان يقبلوا به وماذا عليهم ان
يرفضوه.
حتى بائع (اللبلبي) في دول الجوار تراه يناقش الاتفاقية،
وكان الامر امرهم، واذا كان هناك من يدعي بان القضية تمس الامن
الاقليمي، فاين كان هذا الامن من حساباتهم طوال العقود الاربعة
الاخيرة، عندما حول النظام البائد المنطقة الى برميل بارود،
والعراق الى ازمة دائمة، بسبب سياساته الرعناء التي لم تجد الا
التاييد والمباركة من دول الجوار، الا ما خرج بدليل؟.
اتعرفون لماذا يتدخلون بشؤوننا؟ الجواب وبكل صراحة، لاننا
سمحنا لهم بذلك، فلو كانت اجندات الاطراف العراقية، من قادة وزعماء
واحزاب سياسية وكتل برلمانية، وطنية بحتة، لما سمح احد منهم ان
يتدخل الاخرون بهذا الشان، الا ان حمل البعض من العراقيين اجندات
ترتبط بخارج الحدود هو الذي ساعد على تدخل (الجيران) بهذا الشان
العراقي الداخلي.
ثالثا: والاتفاقية برايي، هي عامل نجاح العراق الجديد،
ومبدا استقراره، وبداية استقلاله، بالرغم من كل ما يقال عنها،
ولذلك يضغط (الجيران) بكل السبل والوسائل للحيلولة دون تمريرها.
انها الخطوة الجدية والحقيقية التي تضع العراق الجديد على
طريق انهاء الاحتلال واعادة السيادة الكاملة، ومن دونها لا يمكن ان
نتصور العراق متحررا من القرارات الدولية التي قضت على سيادته بسبب
حماقات النظام البائد.
اجزم لو ان الاتفاقية كانت لغير صالح العراق، لوقع عليها
جيرانه بالنيابة عن العراقيين، رغما عن انف الجميع.
ولو كانت كذلك لسكت عنها الجميع، كما ظلوا يفعلون ابان
النظام البائد، فوقتها كانوا يدسون رؤوسهم، واليوم يدسون انوفهم،
وشتان بين (الدسين).
كما انها ستكون دليلا على نجاح او فشل الديمقراطية في
العراق الجديد، الديمقراطية القائمة على اساس حكم الاغلبية، فهي
امتحان مصداقية الاغلبية، ومحك نجاحها في ادارة مصالح البلاد،
ولذلك يسعى الجميع لعرقلة تمريرها، لانهم يكرهون نجاح (الاكثرية)
في الحكم وفي التفاوض.
ان جيران العراق لا يريدونه ان ينجح، لانه سيكون منافسا
شديدا لهم وعلى مختلف الاصعدة، ولذلك فهم يدفعونه دفعا للاتجاهات
التي يضمنون فيها فشله وخسارته وسقوطه.
لقد ساهم (الجيران) في تدمير العراق طوال عقود طويلة من
الزمن، ان من خلال السكوت على سياسات النظام البائد، او من خلال
مساهماتهم (التاريخية) المشهودة في صدور القرارات الدولية
وبالاجماع، ما يدفع العراقيين الى التشكيك اليوم بنواياهم.
رابعا: لشد ما هالني عندما قرات تصريحات لمسؤولين عراقيين
تحدثت عن اطلاع العراق لدول الجوار على نصوص الاتفاقية لطمانتهم
ولازالة مخاوفهم.
لا ادري ان كانت دول الجوار قد اطلعت العراق على نصوص
اتفاقياتها مع دول العالم كالولايات المتحدة الاميركية واسرائيل
وغيرها، ليطمئن هو الاخر بدوره وتزول مخاوفه.
هالني الامر لان ذلك ينتقص من سيادة البلد، اي بلد، ولذلك
لم يطلع احد احدا على اتفاقية يوقعها مع بلد ثالث، ابدا، فلماذا
فعلت ذلك بغداد (الجديدة)؟.
لقد وقع جيران العراق على كم هائل من الاتفاقيات السرية
والعلنية مع الولايات المتحدة الاميركية ومع غيرها، الا اننا لم
نسمع في يوم من الايام ان احدا منهم اطلع جيرانه على ما ينوي
التوقيع عليه.
حتى الطاغية الذليل صدام حسين، كان قد وقع على العشرات من
الاتفاقيات الذليلة التي باع بها الارض والعرض والسيادة، لم نسمع
في يوم من الايام انه اطلع احد عليها قبل التوقيع ولا حتى بعده،
فلماذا يجب على العراقيين اليوم ان يطلعوا هذا وذاك على ما ينوون
التوقيع عليه؟.
خامسا: العراقيون عليهم ان يناقشوا امورهم بعقل وروية،
بعيدا عن ضغط الدعاية والرعب والتخويف والتهريج، ولنضع في حساباتنا
قضية الامن القومي، حتى لا نكشف الدولة امنيا.
عليهم ان لا يستعجلوا القبول او الرفض، فليس كل (نعم)
يمكن استبدالها ب (لا) بسهولة ويسر، كما انه ليس كل (لا) يمكن
استبدالها ب (نعم) بسهولة، خاصة بعد فوات الاوان، فلكل منهما ثمن.
على العراقيين ان يتانوا قبل الحكم، من اجل ان لا يتكرر
ندمهم على راس كل عقد من الزمن.
علينا ان نضع في الحسبان، عند مناقشة القضايا المصيرية
التي تخص الوطن ومستقبله، المصلحة الوطنية العليا فقط ناسين او
متناسين مصالح الاخرين، مهما قربوا منا (رحما) فالعراق للعراقيين،
وهم اعرف بمصالحهم من مصالح غيرهم، وهم ليسوا بحاجة الى من يعلمهم
مصالحهم ابدا، ولينشغل (الجيران) بالبحث عن مصالحهم فيسترجعوا
الارض التي وهبوها لاعدائهم على طيق من ذهب، عندما هربوا من ساحات
المعارك والمواجهة و(الشرف) عند انطلاق اول رصاصة، ثم راحوا يصمون
آذاننا بالحديث عن النصر وروحه، والعرض الذي دنسته اجهزتهم الامنية،
والكرامة التي باعها الحكام في سوق النخاسة حتى باتت شعوبهم بلا
كرامة، في ظل انظمة شمولية استبدادية، عسكرية بوليسية او وراثية،
لا فرق.
سادسا: يقول الجيران، وهم يعترضون على الاتفاقية، بانهم
يخشون ان يتحول العراق الى نقطة ارتكاز للعدوان عليهم، عجبا، فاين
كانوا عندما كانت اراضيهم نقطة ارتكاز ل (العدوان) على العراق، كان
ذلك في الاعوام 1991 و1998 و 2003؟.
ثم، هل فعلا ان الولايات المتحدة الاميركية بحاجة الى
قطعة ارض لتنطلق منها للعدوان على هذا البلد او ذاك؟ اذا كان
الجواب بنعم، فان لها في كل قطر اغنية، كما يقول المثل المشهور،
فللولايات المتحدة الاميركية قطع اراضي ضخمة في الكويت والسعودية
وقطر والبحرين والاردن وتركيا، بل ان هذه البلدان عبارة عن قاعدة
عسكرية للقوات الاميركية في المنطقة، يسميها البعض بالحديقة
الخلفية للبيت الابيض، تستخدمها كيف وانى تشاء من دون استئذان
زعماءها، ناهيك عن امتلاء مياه المنطقة باساطيلها القادرة على ان
تمتد يدها الى من تشاء من دول المنطقة، لتاديبها على الطريقة
الاميركية، فما حاجتها، اذن، لارض جديدة هي العراق؟..
سابعا: ويقولون، وهم يعترضون على الاتفاقية، انها تنتقص
من سيادة العراق، عجبا، فاين كانوا عندما انتقص نظام الطاغية
المقبور من سيادة العراق في العام 1975 عندما وقع على اتفاقية
الجزائر مع شاه ايران المقبور؟ واين كانوا عندما انتقص منها، بل
باعها بالكامل، عام 1991 عندما وقع في خيمة صفوان على كل شئ مقابل
لا شئ؟ بل واين كانوا عندما شاركوا في التصويت على القرارات
الدولية التي صدرت عن مجلس الامن، طوال العقد الذي اعقب حماقته في
غزو الجارة الكويت، تلك القرارات التي اتت على ما كان قد بقي من
سيادة العراق، والتي لا زال يئن منها الشعب العراقي، الذي يسعى
اليوم للنهوض من تحت ركامها؟ واين كانوا عندما فرضت بعض تلك
القرارات التي صدرت بموافقة هذه الدول، على العراق مبدا التعويضات
التي شملت حتى (عدوتهم) اسرائيل، والتي استلمت المليارات حتى الان
من اموال العراق التي كانت (في خدمة المعركة) وكانهم عوضوعها عن كل
فلس خسرته في (معارك الشرف) بقرار عربي (مبين)؟.
ان اغلب من يحتج اليوم على الاتفاقية لمثل هذا السبب، كان
من اوائل المصفقين لسياسات النظام البائد، لانه لم يكن يرى سيادة
العراق حينها، وانما شخصت عيناه لكوبونات النفط فقط، فبريقها كان
يبهر العيون اكثر من اي شئ آخر، حتى السيادة.
وللتذكير فقط، فان كل دول الجوار تقريبا ناقصة السيادة،
ولمن تخونه الذاكرة اود ان اشير الى بعض الحقائق بهذا الشان، فمنهم
من لا زال يتفرج على ارضه المحتلة من قبل اكثر من دولة، وآخر يتفرج
على جزره التي يقول ان دولة اجنبية احتلتها ولم تعيدها اليه، وثالث
غير الخارطة الجغرافية الرسمية لبلاده ليحذف منها عدد من جزره التي
يحتلها العدو، حتى لا يتورط معه لا بحرب ولا بسلم.
وللتذكير فقط، كذلك، اود ان اذكر هنا حقيقة في غاية
الاهمية ترتبط بقضية السيادة التي يحرص عليها (الجيران) فان جل
انظمتهم تنازلوا عن السيادة مقابل البقاء في السلطة، ولان المقام
لا يسع للحديث مفصلا بهذا الشان، اسوق مثلا واحدا والباقي على الله،
الا وهو معاهدة (النفط مقابل السلطة) التي وقعتها الاسرة الحاكمة
في الجزيرة العربية (آل سعود) مع الولايات المتحدة الاميركية قبل
اكثر من سبعين عاما، بعد ان فشلت في الحفاظ عليها بنفسها وبقوتها
الذاتية في مرتين سابقتين فآثرت منح البترول مقابل ان يحفظ سلطتها
التي اقامتها بالغزو والقتل والتدمير.
على دول الجوار ان تنشغل بصيانة سيادتها فتسترجع، مثلا،
ارضها التي ضاعت، وقديما قيل (من لم يكن منكم بلا خطيئة فليرمها
بحجر).
في صلب الموضوع
لقد شهد تاريخ العراق الحديث (1921 ولحد الان) التوقيع
على عدد كبير من الاتفاقيات مع اكثر من دولة، الا ان اهمها اربعة
وقعها العراقيون مع (بريطانيا العظمى) التي احتلت العراق في العام
1914 وهي كالتالي حسب التسلسل الزمني:
الاتفاقية الاولى وقعها رئيس وزراء العراق السيد عبد
الرحمن النقيب، في العام 1922، والتي نص منطوقها على ان رئيس
الوزراء في العراق يستمد صلاحياته من المندوب السامي، ولذلك اطلق
على هذه الاتفاقية عبارة (ان صك الانتداب تم صبه في قالب اتفاقية)
فيما يعلق عليها المؤرخ العراقي المعروف السيد عبد الرزاق الحسني
بقوله (كانت المعاهدة نسخة (طبق الاصل) لصك الانتداب البريطاني على
العراق، ان لم يكن هذا الصك قد مسخ مسخا موسعا بشكل المعاهدة) وقد
نصت بعض بنود الاتفاقية على ما يلي:
المادة 2: يتعهد جلالة ملك العراق بان لا يعين، مدة هذه
المعاهدة، موظفا ما في العراق من تابعية غير عراقية في الوظائف
التي تقتضي ارادة ملكية بدون موافقة جلالة ملك بريطانية.
وهو النص الذي فسره القوميون بانه مسعى بريطاني لابعاد
العراق عن محيطه العربي، فيما فسرته الاكثرية من الشعب العراقي
بانه مسعى بريطاني لاقصاء الاغلبية عن الحكم، والتي كانت تتهم
بوطنيتها وانتماءها الى العراق، الاتهام الذي ورد على السنة الكثير
الكثير من القادة العراقيين الطائفيين بالاضافة الى انه ورد على
لسان اكثر من مسؤول بريطاني حكم في العراق.
المادة 12: لا تتخذ وسيلة ما في العراق لمنع اعمال
التبشير، او المداخلة فيها، او لتمييز مبشر ما على غيره، بسبب
اعتقاده الديني، او جنسيته.
ومن باب الشئ بالشئ يذكر، يثبت السيد عبد الرزاق الحسني
المؤرخ العراقي المعروف، في حاشية كتابه (العراق في ظل المعاهدات)
نص التعليق التالي بهذا الخصوص:
{اتضح خلال الحرب العالمية الثانية(1939- 1945) ان بين
المبشرين من لم يتخذ التبشير الا وسيلة مقنعة لستر نشاطه السياسي،
فقد كان في (الهندية) مبشر اميركي لا يتحدث الا عن المسيح، وكان
ينطلق الى الارياف والقرى في جولات لا تخلو من مغامرة، وكلما نبهته
السلطات الادارية الى ضرورة حماية نفسه من الاوباش، استولى عليه مس
من الهياج الروحي، وذرفت عيناه دمعا سخيا، مرددا اقواله بانه يضحي
بحياته في سبيل السيد المسيح ومبادئه، فلما نشبت الحرب ظهر هذا
المبشر ضابطا ماهرا يتجول في طول العراق وعرضه، وقد ظهر انه من
البريطانيين، ولم تكن له صلة بالاميركان، هذه هي قصة المبشر
استيفنسن في الهندية بلواء الحلة}.
اما بشان البروتوكولات المتعلقة بهذه الاتفاقية فقد ورد
فيها الكثير من النصوص التي الغت سيادة العراق جملة وتفصيلا، منها
البروتوكول (الاتفاقية) الخاص بالموظفين البريطانيين، والذي نص على
ان توافق الحكومة العراقية على ان تعين، كلما وعندما يطلب اليها
ذلك، موظفا بريطانيا ينال موافقة المعتمد السامي، على ان تتحمل
الحكومة العراقية مرتباتهم ومخصصاتهم بالكامل، والبروتوكول
العسكري، الذي نص على ان تتعهد الحكومة العراقية بان تخول قائد
القوات البريطانية في العراق الحق بتفتيش الجيش العراقي والقوات
الاخرى المحلية كلما تراءى له ضرورة ذلك، فيما نصت المادة التاسعة،
على انه في حالة القيام باعمال عسكرية، مما ينوي ان تشترك فيها
قوات تقوم باعبائها او تتولى امرها حكومة صاحب الجلالة البريطانية،
يجب ان يعهد بقيادة القوات المشتركة الى قائد عسكري بريطاني ينتخب
لاجل ذلك الغرض، والاخر العدلي (القضائي) الذي نص على ان يتعهد
صاحب الجلالة ملك العراق، ان يستخدم في المحاكم اختصاصيين حقوقيين
من البريطانيين، كما نصت (3) من المادة الثانية، على ان الاجانب (ويقصد
بهم رعايا الدول الاوربية والاميركية) المحالين على المحاكمة لهم
ان يطلبوا ان تتولى محاكمتهم، محكمة فيها حاكم بريطاني واحد على
الاقل، وهو يراس المحكمة، واخيرا البروتوكول (الاتفاقية) المالي،
الذي نص على ان توافق حكومة جلالة ملك بريطانيا على نقل ملكية
المرافق العمومية الآتية الذكر الى حكومة العراق، وتوافق حكومة
العراق على قبول هذا النقل، وذلك بالثمن المقدر المبين فيما يلي
امام كل من هذه المرافق المعينة (الري 6,212,040 روبية، الطرق
320,000 روبية، الجسور 1,117,500 روبية، البريد والبرق والتلفون
1,760,000 روبية، المجموع 9,409,540 روبية) فيما نصت المادة (6)
على ان تقبل حكومة العراق على عاتقها مسؤولية القيام بتسديد كامل
قيمة المرافق المعينة في المادة السابقة، لحكومة جلالة ملك
بريطانيا، اما المادة التالية فقد نصت على (ان مبلغ ال 9،409,540
روبية هذا يجب ان يشكل دينا يقتضي تسديده باقساط سنوية في خلال مدة
معينة، ويعين مقدار هذه الاقساط على وجه يضمن دفع المبلغ الاصلي،
مع فائدة سنوية قدرها (5) بالمئة في خلال عشرين سنة من تاريخ عقد
هذه الاتفاقية.
ومن اجل الالمام بدوافع صاحب التوقيع المثبت في ذيل
الاتفاقية، واقصد به رئيس وزراء العراق الذي عينه الاحتلال
البريطاني، السيد عبد الرحمن النقيب، يحسن بنا ان نتعرف على طريقة
تفكيره وابرز المبادئ التي كان يؤمن بها، والتي شكلت دافعا قويا له
للتوقيع على هذه الاتفاقية التي علق عليها جل زعماء العراق آنئذ
بقولهم انها باعت العراق لعقود طويلة قادمة، وهي الاسس التي ظلت
بقية الاتفاقيات الثلاث تحملها وتحافظ عليها من دون مس، مع بعض
التغييرات الطفيفة لذر الرماد في العيون وللانحناء امام كل عاصفة
سياسية كانت تمر بالعراق، بسبب المواقف الوطنية الرافضة لها.
فرئيس وزراء العراق هو نقيب الاشراف وشيخ الاسلام والزعيم
الروحي لاتباع الطريقة القادرية في العالم، السيد عبد الرحمن
النقيب، عينه البريطانيون على راس اول حكومة شكلها الاحتلال بعد
الغزو البريطاني للعراق.
والنقيب هذا هو الذي منح الانجليز فتوى شرعية بحقهم في
حكم العراق، عندما وقف خطيبا امام المس بيل ليقول لها (خاتون، ان
امتكم عظيمة ثرية وقوية، فاين قوتنا نحن؟ انني اعترف بانتصاراتكم،
وانتم الحكام وانا المحكوم، وحين اسال رايي في استمرار الحكم
البريطاني، اجيب انني من رعايا المنتصر، انكم، يا خاتون، تفهمون
صناعة الحكم).
وقال لها (انكم بذلتم الاموال والنفوس في سبيل ذلك، ولكم
الحق في ان تنعموا بما بذلتم) واضاف:
انه منع افراد اسرته من التدخل فيما لا يعنيهم، لكن
الكثيرين من الناس جاؤوا يطلبون مشورته، فاجابهم ان الانجليز فتحوا
هذه البلاد واراقوا دماءهم في تربتها وبذلوا اموالهم من اجلها، فلا
بد لهم من التمتع بما فازوا به شان الفاتحين الاخرين.
وعندما احتلت بريطانيا العراق، وكلفت حكومتها السر ارنولد
ولسن وكيل الحاكم المدني العام في العراق في آخر تشرين الثاني 1918
باستفتاء العراقيين في شكل الدولة التي يريدون اقامتها والرئيس
الذي يختارونه لها، ولما ظهرت النتائج قرر ولسن ايفاد جيرترود بيل
الى لندن لكي تشرح للمسؤولين وضع العراق ونتائج الاستفتاء، زارت
المس بيل السيد عبد الرحمن النقيب في داره في شباط 1919 قبيل سفرها
الى العاصمة البريطانية، فقال لها؛ ان الاستفتاء حماقة وسبب
للاضطراب والقلاقل، واضاف؛ لو ان السر بيرسي كوكس موجود لما كانت
هناك حاجة لاستفتاء الناس عن رايهم في مستقبل البلاد، ولام النقيب
الحكومة البريطانية على تعيينها كوكس سفيرا لها في طهران، معتبرا
ان هناك الف ومئة رجل بوسعهم ان يشغلوا منصب السفارة في طهران،
ولكن ليس من يليق للعراق سوى كوكس الرجل الذي حنكته الايام
والمعروف والمحبوب وموضع ثقة اهل العراق على حد رايه (يذكر ان
النقيب كان يكره ان يرى احد انجال الشريف حسين حاكما في العراق).
وكان النقيب هذا يعارض كليا قيام حكومة عربية ويعتبر ان
بحث الاستقلال العربي امر لا يستحق الاهتمام، وكان يرغب في ان يرى
العراق تحت ادارة بريطانية يسندها جيش احتلال لا يقل تعداده عن
(40) الفا، وكان يخشى من انتعاش الجمعيات السياسية العربية.
وعندما شن بعض البريطانيين في صحافتهم وفي مجلس العموم
واللوردات حملة على الحكومة لاجبارها على سحب قواتها من العراق قال؛
(انه لا يفهم كيف تسمح الحكومة البريطانية باستمرار هذا الكلام
المزعج) وحين حدد مسؤول انجليزي بقاء الاحتلال سنتين قبل ان يتقرر
مصير (الامارة) قال النقيب هذا (لتكن اربع سنوات).
ولم يفت النقيب ان يذيل توقيعه على الاتفاقية بالعبارة
التالية:
صاحب السماحة والفخامة السير السيد عبد الرحمن افندي جي
بي أي رئيس الوزراء ونقيب اشراف بغداد، لا ادري لماذا؟ ولكن ربما
لاعطاء الاتفاقية مسحة دينية وقدسية خاصة تحول دون تجرؤ احد من
العراقيين الاعتراض عليها.
مما تقدم، ومن خلال البحث في شخصية النقيب هذا، يتضح جليا
بانه قبل التوقيع على مثل هذه الاتفاقية التي اسست للاحتلال وتاليا
للانتداب بسبب تلهفه للسلطة التي كان يطلبها باي ثمن، حتى لو كان
استقلال العراق وسيادته، ولذلك فهو كان يردد كل قول او موقف يعتقد
بان بريطانيا تحب سماعه او تلمسه من الشخصيات العراقية، بمعنى آخر
فان النقيب قايض السلطة بالسيادة والاستقلال، ربما لانه كان من (الاقلية)
التي لا تستطيع عادة ان تحكم بلد ما من دون الاستعانة بالاجنبي
وتاليا بالاستبداد والارهاب والتعسف والبطش.
بعد هذه الاتفاقية تتالت الاتفاقيات الثلاث الاخرى، والتي،
كما قلنا آنفا، لم تخرج عن الخط العام الذي حددته الاتفاقية الاولى،
فقد وقع السيد عبد المحسن السعدون اتفاقية عام 1926 { والسعدون هذا
كان يعتقد بان مفهوم الوطنية لم يتبلور بعد في العراق، وان اهل
العراق لم يكونوا شعبا واحدا بل شعوبا متباينة، كما ان العراق محاط
بالاعداء من كل جانب، ولهذا فمصلحة العراق مرتبطة ارتباطا وثيقا
بالتعاون مع الانجليز، وعلى هذا قبل بان يوقع على الاتفاقية بالرغم
من شدة المعارضة، وقبح بنودها، وهو القائل عنها ( اننا كالاطفال
الذين يبحثون عن مربية، فانعم الله عليهم بام فاضلة ستاخذهم الى
طريق الكرامة والاخلاق، وهذه الام هي بريطانيا، وهذا ما ستقوم به
المعاهدة)}.
ووقع السيد حعفر العسكري على اتفاقية عام 1927 في العاصمة
البريطانية لندن بعد ان تعذر توقيعها في بغداد بسبب شدة المعارضة
التي واجهتها من قبل الوطنيين الذين كانوا يرون في كل هذه
الاتفاقيات تكريس لمبادئ (كوكس- النقيب) المعروفة والتي كرست نظام
حكم (الاقلية) في العراق، مهما تعددت وتكررت مرات التوقيع عليها،
اذ يبقى المضمون واحد والجوهر لم يتغير.
اما آخر معاهدة فقد وقعها السيد نوري السعيد في العام
1930 والتي تم بموجبها تمديد الانتداب البريطاني على العراق لمدة
(25) عاما.
وهي المعاهدة التي تعذر توقيعها في بغداد فوقعت في لندن،
ولشدة معارضة العراقيين لها، وانعدام امكانية تمريرها في المجلس
النيابي، اقدمت وزارة نوري السعيد على حل المجلس النيابي في الاول
من تموز سنة 1930، اذ لم تجد فيه ما يسوغ الاعتماد عليه في امرار
هذه المعاهدة منه، وشرعت في انتخاب مجلس جديد، والفت حزبا لها دعته
(حزب العهد العراقي) لاقرار المعاهدة وما يتبعها من ذيول ومراسلات
ونحوها، فكان للحزب (70) مقعدا في المجلس من اصل (88) مقعدا.
يقول الحسني عن ظروف تمرير المعاهدة:
{دعي المجلس الجديد الى عقد جلسته السابعة في تاريخ غير
متفق عليه من قبل، وهو يوم الاحد الموافق 16 تشرين الثاني 1930،
وانتشرت الدوريات المسلحة استعدادا للطوارئ.
وكان الحزب الحكومي قرر قبل يوم وجوب التعاون مع بريطانيا
العظمى على اساس قبول هذه المعاهدة، فما كاد رئيس المجلس يعلن
افتتاح الجلسة حتى ناوله رئيس الوزراء هذا الاقتراح؛
لما كانت نصوص المعاهدة العراقية البريطانية المنعقدة في
30 حزيران 1930 قد نشرت للراي العام منذ مدة طويلة، وكانت انتخابات
مجلس النواب قد جرت على اساس استفتاء الشعب فيها، اقترح على المجلس
الموقر ان يوافق على المذاكرة فيها على صورة مستعجلة.
وتلى رئيس المجلس النيابي اقتراح رئيس الوزراء فقبلته
الاكثرية (العهدية) حزب رئيس الوزراء، فكانت جلسة تاريخية دامت
اربع ساعات، واسفرت عن قبول المعاهدة باكثرية (69) صوتا ضد (13)
صوتا من المعارضين، وتغيب عن الجلسة خمسة نواب}.
ولم يعثر على ملحق سري لهذه المعاهدة الا بعد ان دالت
ايام نوري السعيد، وتالفت الوزارة الشوكية في يوم 6 من تشرين
الثاني علم 1932، ويقول السيد الحسني انه لم يكن قد اطلع احد على
هذا الملحق في حينه، لا الملك فيصل ولا مجلس وزرائه، ولا برلمان
البلاد ولا صحافتها، ولذلك جوبهت هذه المعاهدة باستنكار شديد من
قبل الشعب العراقي، الذي عدها احتلالا دائميا للعراق بعد ان كانت
البلاد خاضعة لنظام الانتداب المؤقت، على حد وصف المؤرخ العراقي
السيد عبد الرزاق الحسني الذي يضيف:
على ان الطعن في هذه المعاهدة لم يقتصر على العراقيين حسب،
فان بعضا من اعضاء (لجنة الانتدابات الدائمة) في عصبة الامم كان
يرى ان قبول العراق لهذه المعاهدة سيجعله، تحت الحماية البريطانية،
كما ان مسيو رابار عضو اللجنة المذكورة قال ( وانا شخصيا لا احب ان
ارى بلادي تدخل في مثل هذا التعهد الذي قبله العراق على نفسه).
وعندما حاول السيد صالح جبر رئيس وزراء العراق في العام
1948 (وهو الوحيد الذي ينتمي الى الاكثرية العراقية، والذي حاول
تصحيح مسار الاتفاقيات الاربعة الماضية من خلال توقيعه على
المعاهدة الخامسة) حذف الانتداب من الاتفاقية الرابعة، من خلال
اقناع لندن بالتوقيع على نص خامس، حرك البريطانيون الشارع العراقي
بشعارات الحزب الشيوعي العراقي متهمين جبر بسعيه لشرعنة الاحتلال
البريطاني، وانه وقع على محاضر سرية لم يطلع عليها احد، فكان
الشارع العراقي ضحية مؤامرة كبيرة وضحية عملية تضليل واسعة حاكتها
بريطانيا بخيوط الشيوعيين آنذاك، والذين اتهموا، فيما بعد،
باليمينية على لسان رفاقهم اليساريين الاخرين في الحزب.
ومن اجل ان اكون دقيقا في نقل صورة الواقع العراقي آنذاك،
آثرت ان انقل النص التالي من كتاب (اعلام السياسة في العراق الحديث)
للمؤلف العراقي المعروف مير بصري.
يقول الكاتب في الصفحة (210) ما نصه:
ذهب صالح جبر الى لندن على راس وفد عراقي وفاوض وزير
الخارجية البريطانية ارنست بيفن بشان استبدال المعاهدة العراقية
البريطانية لسنة 1930، وقد وقع في 15 كانون الثاني 1948 معاهدة
تحالف، انتبه الى التسمية والتي دخلت في قاموس الاتفاقيات بين
العراق وبريطانيا لاول مرة منذ عهد الاحتلال، مع بريطانية امدها
عشرون سنة في ميناء بورتسموث، ومآلها تحالف الدولتين على اساس
المساواة والعدل (وهي العبارة التي لم يرد ذكرها في الاتفاقيات
الاربع الاولى) على ان لا يتخذ اي فريق من الفريقين سياسة خارجية
تنافي مصالح الفريق الاخر، وهو امر جديد في الاتفاقيات، ونصت ايضا
على تاليف مجلس دفاع مشترك، وعدم استعمال القواعد الجوية في العراق
في حالة الحرب او خطر الحرب الا بموافقة الحكومة العراقية (وهو
النص الذي لم يرد، كذلك، في اي من الاتفاقيات الاربع الاولى).
وعندما اسقطت (التظاهرات) الاتفاقية والحكومة، نجحت
بريطانيا في اقناع الراي العام العالمي والبريطاني تحديدا باحقية
الانتداب الذي ثبت من خلال (التظاهرات) ان العراقيين يرغبون به
اكثر حتى من البريطانيين انفسهم، فهو مطلب عراقي قبل ان يكون مطلبا
بريطانيا.
بمعنى آخر، فان الانجليز مرروا الاتفاقية في لندن
واسقطوها في بغداد، لتبرئة ذمتهم.
كما نجحت الاقلية في العراق في افشال مسعى الاكثرية، طبعا
حسب المصطلح السائد آنئذ، في تصحيح مسار العملية السياسية
والتفاوضية مع (الاحتلال البريطاني) فلم يسجل لصالحها شئ يذكر.
ما يثير الريبة حقا، هو، لماذا الغت واسقطت (التظاهرات)
اتفاقية وحكومة عام 1948، فيما لم تستطع (التظاهرات) فعل الشئ نفسه
في حكومات ومعاهدات 1922 واخواتها؟.
وتلت هذه الاتفاقيات عقد عدد من المعاهدات المشبوهة منها
معاهدة سعد آباد عام 1937 وحلف بغداد عام 1955 وبينهما اتفاقات
احتكار البترول العراقي الذي منح الشركات البريطانية حق الامتياز
وذلك في العام 1925، وهي الاتفاقيات التي يمكن تسميتها باتفاقيات (النفط
مقابل السلطة) والتي اهتدت اليها الاقلية في العراق، بعد ان رات
فيها الطريق الوحيد للبقاء في السلطة في العراق على غرار ما فعله (آل
سعود) في الجزيرة العربية، وتاليا كل الاسر الحاكمة في دول الخليج
الحالية.
بين الامس واليوم، وجه المقارنة
وتمر الايام ويحكم العراق نظام ارعن ورط العراق بمشاكل
جمة هو في غنى عنها، وكل ذلك بسبب تعطش الطاغية الذليل صدام حسين
للدم والقتل والتدمير، حتى تحول الى عبد للسلطة وخادم مطيع لها،
فكان يقبل بان يتنازل عن كل شئ الا السلطة، حتى انتهى العراق
بمغامراته الى الاحتلال للمرة الثالثة، ولكن هذه المرة من قبل
الولايات المتحدة الاميركية، وبالتعاون مع المحتل القديم الجديد
بريطانيا.
فبعد ان كبل النظام البائد العراق بمجموعة كبيرة من
القرارات الدولية التي قضت على سيادة العراق واستقلاله، بسبب
توقيعه في خيمة صفوان على كل شروط (المنتصرين) استغرق العراقيون
طويلا في التفكير بما يمكن ان يساعد بلدهم ويساعدهم على التخلص من
آثار حماقات النظام البائد، حتى صدرت مذكرة اعلان النوايا التي وقع
عليها السيدان نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية وجورج بوش رئيس
الولايات المتحدة الاميركية في السادس والعشرين من تشرين الثاني
عام 2007 المنصرم، وهي المذكرة التي نصت على اجراء مفاوضات بين
الجانبين العراقي والاميركي للتوصل الى اتفاقية بين الحكومتين قبل
انتهاء المدة القانونية (منتصف 31 كانون الاول القادم) لتواجد
القوات الاجنبية في العراق الذي تم تمديد تواجدها بطلب اخير من
الحكومة العراقية لمجلس الامن الدولي الذي منح غطاءا قانونيا لها
لمدة سنة وذلك بموجب القرار رقم 1790 الصادر عن مجلس الامن.
والاتفاقية هذه تتناول نوايا التعاون والصداقة بين
الدولتين المستقلتين وتحقيق السيادة الكاملة في المجالات السياسية
والثقافية والاقتصادية والامنية، وهي تتضمن محورين، الاول ينظم
العلاقة طويلة الامد في مختلف المجالات، والثاني ينظم حركة وانتشار
القوات الاميركية في العراق وطبيعة علاقتها بالحكومة المركزية في
بغداد، وكذلك مدد انسحابها من المدن وتاليا انسحابها الكامل من
العراق، وهي المدد الزمنية غير القابلة للتغيير والتبديل.
وبقراءة متانية لنصوص الاتفاقيات القديمة والحالية
الجديدة، وبالاخذ بنظر الاعتبار الظروف التي رافقت التوقيع على تلك
الاتفاقيات وهذه الجديدة، يمكن ان نسجل المقارنة التالية:
ففي المرات الماضية، كان الذي يوقع على الاتفاقية هو احد
مندوبي (الاقلية) ولذلك كان يستعجل التوقيع وباي شرط او ثمن، فيما
كان يوظف البطش لاستحصال موافقة البرلمان او المجلس التاسيسي (الصوري)
لانه كان على يقين بان الاتفاقية لا يمكن تمريرها بالطرق والوسائل
الديمقراطية.
وبقراءة متمعنة لطريقة تمرير الاتفاقيات الاربع الاولى مع
البريطانيين، نلاحظ حالة الاستعجال هذه بادية للعيان، ولذلك لم تكن
هناك سوى مسودة واحدة، واحيانا يعمد اصحاب الشان الى استبدالها
باخرى في اسوأ الظروف عندما يتلمسوا معارضة شديدة قد تفجر الشارع
العراقي ضدهم، كما نلحظ ان مدة المفاوضات عادة ما تكون قصيرة، اذ
يتم استعجال النقاش على طريقة (سلق بيض) المعروفة لدى العراقيين في
استعجال الامور بلا تروي، وذلك تحسبا لاي تطور في الاتجاه المعاكس
لما خطط له البريطانيون ورجالاتهم عند التوقيع على كل معاهدة،
يرافق كل ذلك بطش شديد وقمع غير مبرر لكل من يعارض الاتفاقية، او
يرفض تمريرها، ولكل ذلك فان يدا ذليلة مرتجفة هي التي كانت توقع
الاتفاقية في كل مرة.
واستمرت هذه الحالة التي تحولت الى عرف سياسي في عراق (كوكس-
النقيب) فالاتفاقيات توقعها ثلة قليلة وفي اغلب الاحيان شخص واحد،
كما هو الحال في عهد الطاغية صدام حسين، طبعا من دون ان يطلع احد
عليها لا من القادة والزعماء ولا من ابناء الشعب الذي كان في كل
مرة يدفع ثمن توقيع اتفاقية او تمزيق اخرى (لقد ظهر الطاغية صدام
حسين عام 1980على شاشات التلفزيون العراقي ليعلن عن تمزيق اتفاقية
الجزائر التي كان قد وقعها مع شاه ايران ليعلن بعد ذلك الحرب
الضروس على الجمهورية الاسلامية في ايران والتي دامت 8 سنوات عجاف
اكلت الاخضر واليابس من كلا البلدين الجارين والشعبين المسلمين).
وظلت ترافق حفلات التوقيع على الاتفاقيات حملات شرسة من
البطش والتنكيل والعنف، مشفوعة بارادات ملكية تقضي بحل البرلمان،
وكل ذلك بسبب ان من يوقع عليها لم يستند الى اغلبية من اي شكل كانت
ولذلك كان يعمد في كل مرة الى التنكيل لضمان تمريرها بعد ان يخير
بين امرين لا ثالث لهما، الاتفاقية او الازاحة عن السلطة.
فعندما وقع النقيب على الاتفاقية الاولى عام 1922 واراد ان
يمررها بالمجلس التاسيسي الذي تم (انتخابه) في العام 1924، اي بعد
سنتين من توقيع الحكومة العراقية عليها، في تخريج دستوري صوري
مكشوف، وبسبب تفجر الموقف الرافض لها والذي قادته المرجعية الدينية
في المدن المقدسة كربلاء والنجف والكاظمية، عين النقيب، وبالتشاور
مع البريطانيين، السيد عبد المحسن السعدون وزيرا للداخلية، والذي
نفذ ابشع عمليات بطش وتنكيل بالقادة الوطنيين وبابناء الشعب
العراقي وعلى راسهم المرجعية الدينية التي نفاها الى الخارج
ليبعدها عن ساحة النضال والجهاد من اجل عز العراق واستقلاله ورفعته
وكرامته وسيادته، كما اقدم على حل الاحزاب السياسية واغلاق الصحف
ليضمن تمريرا هادئا للاتفاقية.
ومع كل هذه الاجراءات الاحترازية التعسفية، اخفقت الحكومة
التي ظلت تتقلب بين احضان الساسة العراقيين وبدعم وتاييد من البلاط
وبتنسيق تام مع المعتمد السامي البريطاني، بتمرير الاتفاقية في
المجلس التاسيسي، عندها تدخل المعتمد السامي البريطاني شخصيا
بالقضية فتلفن الى الملك فيصل واخبره بانه سيقصد البلاط عصر ذلك
اليوم لامر هام، واعد مذكرة خطيرة يطلب فيها اصدار تشريع بحل
المجلس التاسيسي، واصدار امر باحتلال بناية المجلس وما يحاط بها،
وبعد حوارات ونقاشات طويلة دارت بين المعتمد السامي والملك والحفنة
الصغيرة من الزعماء الذين كانوا يتهافتون على السلطة، اجتمع المجلس
التاسيسي واقر الاتفاقية تحت حراب التهديد والوعيد والترغيب
والترهيب.
ومن الظريف في الامر ان ممثلي (الاقلية) في العملية
السياسية ممن كانوا يتهافتون على السلطة من خلال التقرب الى
البريطانيين، ما كانوا ليعارضوا شيئا من منطلق الحرص على العراق
وسيادته واستقلاله، وانما فقط للضغط على البريطانيين لاستبدال
غرمائهم في السلطة، فمثلا، عندما تحالف حزب الاخاء الوطني بزعامة
ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني وحكمت سليمان مع الحزب الوطني
بزعامة جعفر ابو التمن، ضد اتفاقية العام 1930، للحيلولة دون
تمريرها، انقلب الحزب على موقفه الرافض بمجرد ان شكل احد اقطابه
وهو الكيلاني، حكومته في العام 1933 والتي اشترك فيها كذلك الهاشمي،
فايد الاتفاقية ودافع عنها حتى آخر نفس، كما يقول العراقيون في
امثالهم المعروفة.
ذات الحال ينطبق على بقية ممثلي (الاقلية) في العملية
السياسية، مثل ناجي شوكت وجميل المدفعي وعلي جودت الايوبي وحمدي
الباجه جي ومزاحم الباجه جي وطالب النقيب الذي عرف بين اقرانه
بالمتلون لكثرة ما يتقلب في مواقفه السياسية، وهو بالمناسبة صاحب
نظرية فصل ولاية البصرة عن العراق وجعلها بلدا مستقلا لوحدها،
المشروع الذي كاد ان يتحقق لولا معارضة البريطانيين الذين اضطروا
لابعاده عن العراق ونفيه الى الخارج ليقنع بالاقلاع عن مشروعه
التقسيمي هذا.
لقد عارض رؤساء الوزارات اتفاقية العام 1930 التي وقعها
نوري السعيد مع البريطانيين، واعتبروها اغلالا اضيفت الى الاغلال
التي كان يئن منها العراق في ظل الانتداب البريطاني، فقد قال عنها
مثلا ياسين الهاشمي (بل زادت، المعاهدة، في اغلاله) فيما قال عنها
توفيق السويدي (جاءت، الاتفاقية، هادمة لكل الجهود التي صرفت في
سبيل تخفيف وطاة المعاهدات والاتفاقيات السابقة) وقال عنها
الكيلاني (انها استبدلت الانتداب الوقتي بالاحتلال الدائم) وقال
عنها حكمت سليمان (انها، الاتفاقية، تتضمن الاحتلال الابدي) اما
حمدي الباجه جي فقد قال عنها (انها، المعاهدة، تجعل كابوس
الاستعمار البريطاني دائما مستمرا) فيما كتب عنها ناجي السويدي
سلسلة مطولة من المقالات (العلمية) في نقد المعاهدة وذيولها.
مع كل هذه المواقف الرافضة بقوة للاتفاقية، الا ان
اصحابها انقلبوا على مواقفهم في اول استيزار حصلوا عليه من
البريطانيين، ما يعني ان مواقف هؤلاء لم تكن وطنية بالمعنى الحقيقي
للكلمة، لانها لم تنطلق من حرص على العراق واستقلاله وسيادته
ومستقبله، وانما كانت مواقفهم محاولات مستميتة للضغط على
البريطانيين وابتزازهم من اجل الحصول على وزارة او ما يشابهها،
ولذلك كانوا ينقلبون على انفسهم (180) درجة حال الحصول على ما
يريدون من (الام الحنون) على حد وصف احدهم للاحتلال البريطاني
آنئذ.
اما اليوم، فلم نلحظ ان احدا من العراقيين منع من مناقشة
الاتفاقية وبنودها، كما لم نسمع ان مواطنا اعتقل او اعدم رميا
بالرصاص او ابعد عن وطنه او فرضت عليه الاقامة الجبرية، لانه ناقش
الاتفاقية، او عارضها، بل على العكس من ذلك، فلقد انشغل العراقيون
بمناقشة بنود الاتفاقية، حقيقتها وتخمينها، صدقها وكذبها، من دون
حسيب او رقيب، فقد ناقشها المواطن في الشارع والمدرسة والمعمل
والسوق، ومن على صفحات الجرائد وفي الندوات المتلفزة وفي مواقع
الانترنيت، وما اكثرها، من دون ان يعترض عليه احد.
لقد تظاهر من تظاهر، وكتب من كتب، وتحدث من تحدث، واتهم
من اتهم، واثار الضوضاء في جلسة البرلمان من اثارها، من دون ان
يعترضه شرطي الامن او جلاوزة الحكومة او المخبرين السريين، فيما لم
نلحظ ان دبابات الحكومة حاصرت البرلمان للضغط عليه او ارهابه.
اما المرجعية الدينية، التي اثبتت مرة اخرى انها صمام
الامان الحقيقي الذي بامكان المواطن العراقي التعويل عليه لصيانة
حقوقه وسيادة واستقلال بلاده، فقد كان لها الدور الاكبر في مراقبة
سير المفاوضات، تعضيدا وترشيدا، بما ضمن اكبر قدر ممكن من حقوق
العراقيين، حتى تم التوصل الى الاتفاق المبدئي بين الطرفين العراقي
والاميركي.
كل هذا يشير الى حقيقة في غاية الاهمية، الا وهي، ان
السبب الحقيقي الذي خلق هذا الجو الايجابي في النقاش والحوار وتحمل
المسؤولية، مع غياب كامل لمظاهر محاكم التفتيش والقمع والارهاب
والدوريات المسلحة، هو الديمقراطية التي صنعها النظام السياسي
الجديد القائم على اساس حكم الاغلبية، والتي تستند في سلطتها الى
الشعب من دون (الاحتلال) والى الداخل من دون (قوى الخارج) ولذلك لم
تنفرد ثلة معينة في مناقشة الاتفاقية، كما لم ينفرد طاغوت او مستبد
في التوقيع عليها، وان الذي شارك في المناقشات هو كل الشعب العراقي،
كل على طريقته، بل ان ابرز شرط وضعته المرجعية الدينية للقبول
بالاتفاقية هو ان تمرر في البرلمان باجماع وطني، اي بقبول كل شرائح
المجتمع العراقي من دون استغفال او تجاهل احد، ولهذا فان
الاتفاقيات في العراق الجديد لا تمرر على طريقة (سلق بيض) وانما
اخذت كل هذا الوقت الطويل من الزمن لحين التوصل الى الصيغ المقبولة
من قبل الجميع، فديمقراطية الاغلبية غير مستعجلة من امرها، لان
وجودها في السلطة غير مرتبط بالاتفاقية، وهي لا يمكن تخييرها بين
السلطة او الاتفاقية، كما كانت تفعل بريطانيا مع الاقلية الحاكمة
ابان عهد الاحتلال الاول والثاني.
كما ان مثل هذه الاتفاقيات ستخلو من اية نصوص او وثائق او
بروتوكولات سرية، اذ لا مجال البتة لاخفاء شئ، عندما تكون ممددة
على المشرحة امام الجميع، فكل الامور تناقش تحت اشعة الشمس، ولا
مجال لامر يدبر بليل او خلف الكواليس.
لكل ذلك، نصر على النظام الديمقراطي الذي يعتمد الشراكة
الحقيقية بين مختلف شرائح المجتمع العراقي، اما في الانظمة
الديكتاتورية، فالذي يوقع واحد، اما بقية اعضاء البرلمان (الصوري)
فمصفقون ليس اكثر، لا يعرفون لماذا يوافقون ولماذا يرفضون، وكلنا
يتذكر صورة البرلمان العراقي عهد النظام البائد، عندما كان يدعى في
كل مرة للتصديق على قرارات مجلس قيادة الثورة، تلك التي فرضتها على
الطاغية الولايات المتحدة الاميركية، وهو لم يطلع لا على الموجز
ولا على التفاصيل.
في العراق الجديد، تشترك كل مكونات المجتمع العراقي في
تمرير مثل هذه الاتفاقيات الاستراتيجية، لان حكم الاكثرية لا يعني
ابدا الغاء دور الاقلية، مهما كان عنوانها.
من كل ما تقدم، يمكن تسجيل
المقارنات التالية:
اولا: هذه الاتفاقية يوقعها العراقيون بكل فئاتهم، فلم
يستفرد احد بالتوقيع عليها ليجني ثمرة زائلة على حساب المصلحة
العراقية العامة.
فيما مضى كان الساسة يبيعون الوطن ويشترون السلطة، اما
اليوم فلم يعد الامر كذلك، فالسلطة من اجل الوطن وليس العكس.
كانوا يوقعون في اطار معادلة (السلطة مقابل الانتداب) ومن
ثم (السلطة مقابل النفط) اما اليوم ف (السلطة للوطن وبلا مقابل)
لان الوطن لا يباع ولا يشترى في سوق المفاوضات والمفاوضين.
فيما مضى كان فرد واحد فقط هو الذي يوقع على اخطر
الاتفاقيات، اما اليوم فالعراق هو الذي يوقع او يرفض.
وفيما مضى كان من يوقع سلاحه الارهاب والمجازر والعنف
والتعسف وكل ادوات القمع والقهر، اما الذي يوقع اليوم فسلاحه
الاجماع الوطني والدستور والشرعية الدولية، لانه لا يوقع من اجل
السلطة وانما من اجل البلد، استقلاله وسيادته والمحافظة على خيراته
وعلى مستقبل اجياله.
من يوقع اليوم، مرصود من قبل الاحزاب والزعماء والقادة
والاعلام الحر ومنظمات المجتمع المدني والكتل البرلمانية، ومن رجل
الشارع الذي يراقب ويحاسب من دون حدود، وهذه هي ثمار الديمقراطية
التي ضحى من اجلها العراقيون، ولذلك عليهم ان يعضوا عليها بنواجذهم
فلا يفرطوا بها، او يتركوا لصوص السلطة يسرقونها او ينقلبوا عليها
فيعيدوا العراق الى المربع الاول.
ثانيا: انما يوقع من يوقع اليوم على الاتفاقية ليس حبا
بها او بالواقع الذي يمر به العراق، وانما بغضا للحالة وولظرف السئ
الذي وضع فيه الطاغية المقبور العراق وشعبه الابي، والذي فرض عليهم
هذا الظرف القاسي، ولذلك انما يقبل بالاتفاقية من يقبلها، من باب
دفع ما هو اشد ضررا بما هو اقل ضررا، اي دفع الافسد بالفاسد، ولذلك
حاول المفاوض العراقي ان يصل الى نتيجة فيها اقل الضرر على العراق،
وهذا هو، عادة، مبنى العقلاء في التعامل مع الاشياء والواقع المر
الذي يفرض عليهم، لان البديل هو استمرار (الاحتلال) مشفوعا
بالقرارات الدولية، كما اسلفنا سابقا.
اخيرا، علينا ان نتذكر بان الاتفاقية ليست آية منزلة من
السماء لا يمكن المساس بها، فللعراقيين الحق في اعادة النظر بها،
كما نصت على ذلك احدى بنود الاتفاقية، المهم هو ان نتجاوز المحنة
باقل الخسائر، ولم يبق امامنا الا اسابيع قبل ان ينتهي تفويض الامم
المتحدة.
كما يلزم ان نتذكر بان ما جرى الاتفاق عليه هو اتفاقية
استراتيجية سيستفيد منها العراق كثيرا، وهي ليست كما يسميها البعض
بالاتفاقية الامنية لارهاب العراقيين وارعابهم من التسمية، لدفعهم
الى عدم التفكير الصحيح بها، انها اتفاقية استراتيجية تحمل بين
طياتها الكثير من المصالح الاستراتيجية للعراق والعراقيين.
اتمنى على كل العراقيين ان يقراوا النصوص بتاني فلا
يستعجلوا الحكم، فيخطاوا، ولنتذكر بان العالم اليوم محكوم باكثر من
(130) اتفاقية من هذا النوع بين سرية وعلنية، لم يعترض عليها احد
او يسعى للاطلاع عليها كما حصل لهذه الاتفاقية، وهي الافضل بين كل
هذه الاتفاقيات، وكان الجميع قد شمر عن ساعديه وبذل كل غال ونفيس
من اجل ان يفشل العراقيون، ولا يتمتعوا بصداقة جدية او بعلاقة
استراتيجية مع اي بلد من بلدان العالم، فضلا عن الولايات المتحدة
الاميركية.
ان كل دولة نامية في هذا العالم، وكل دولة تعرضت لظروف
قاسية كالتي مر بها العراق خلال العقود الاخيرة، ما كان لها ان
تتطور من دون اتفاقيات استراتيجية كالتي يجري بحثها في العراق.
فهذه اوربا بعد الحرب الثانية، والتي انقذها مشروع
مارشال، وتلك اليابان بعد الحرب والمانيا في نفس الفترة الزمنية،
وهذه دول الخليج وتلك دول شرق آسيا، وغيرها الكثير الكثير جدا، ما
كان لها ان تعيد بناء نفسها لولا قبولها باتفاقيات استراتيجية تارة
مع الدولة المنتصرة، وتارة اخرى مع الدولة الكبري في العالم،
لماذا؟ لان التمنية مصالح مشتركة، والبناء مصالح مشتركة، فماذا عسى
العراق الذي ورطه النظام الشمولي البائد بحروب عبثية ومشاكل لا تعد
ولا تحصى مع المجتمع الدولي، ان يفعل، الا ان يفكر بتاني فيقدم
المصالح العليا على اية مصلحة اخرى، ويدفع الافسد بالفاسد، ليتجاوز
المحنة والظرف الاستثنائي الخطير؟.
ان التحرر من مخلفات الماضي، والانعتاق من ربقة الاحتلال
طريقه (الاتفاقيات) ولنا في تجارب دول العالم، ومنها كل الدول
العربية، التي تعرضت للاحتلال، ان البريطاني او الفرنسي او
الايطالي او غيرها، خير مثال، فكل دولة محتلة وجدت طريق التحرر يمر
عبر بوابة الاتفاقيات، لا محال، وفي العراق الجديد، للشعب فقط حق
الاختيار في الرفض او القبول او التعديل، اذ لم يعد في مثل هذه
الاتفاقيات ما يخفى عليه او يخجل او يخاف منه، فرايه حر لا يتعرض
للابتزاز من اي احد، كائن من كان، فهو لم يعد خائفا من شئ كما هو
حال بقية شعول المنطقة والعالم العربي بشكل عام.
وليثق بعضنا بالبعض الاخر، فلا نتهم او نتجنى او نخون
احدا لمجرد انه ابدى رايا او تحدث بفكرة، وليكن الاصل في التعامل
مع بعضنا البعض الاخر هو الحرص على الوطن ما لم يثبت العكس، وعلينا
ان نقلع عن طريقة المزايدات الوطنية، والازدواجية في المواقف،
ولنقدم الشكر لكل من يعمل صالحا، كالفريق العراقي المفاوض الذي
اثبت جدارة وانتزع حقوق في ظل ظروف قاسية، لم يحقق مثلها احد غيره،
لا في العراق ولا في غير العراق.
ولنضع في الحسبان الظروف السياسية والامنية القاسية جدا
التي يمر بها العراق اليوم، والتي ورثها من النظام المقبور الذي
ادخل العراق في متاهات لها اول وليس لها آخر، فهو الاول والاخير
الذي يتحمل مسؤولية كل انتهاك للسيادة تعرض له العراق خلال السنوات
الاربعين الماضية.
ولنتحلى بالانصاف عند تقييم الادوار، وصدق رسول الله (ص)
الذي قال {من لا انصاف له، لا دين له} وليضع احدنا نفسه مكان الاخر
عندما يريد تقييم اداءه، على قاعدة قول امير المؤمنين علي بن ابي
طالب عليه السلام في وصيته لولده الامام الحسن المجتبى السبط { يا
بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك}.
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM |