التوتّرات الكردية العربية تهديد جدّي للأمن الهش في العراق

شبكة النبأ: اخذت التوترات الكردية العربية الاخيرة تهدد الهدوء الذي ساد في العراق منذ بداية العام الحالي، لأن ما يحدث في مدينة الموصل وكركوك التي تمزقها اعمال عنف بين الحين والاخر من تبادل الاكراد والعرب اتهامات اخذت تجد جذورها في تنافس اثني ومعركة محتملة من اجل النفط والسلطة، يخشى الكثيرون انها تهدد امن البلد، في ظل سعي الاكراد لتكريس سلطتهم على الموصل وكركوك واجزاء من ديالى ومناطق اخرى مُتنازَع عليها..

ويأتي هذا في خضم تصاعد التوتر بين الحزبين الكرديين الرئيسيين الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني ورئاسة الوزراء جراء قيام الطرف الأول بإصدار بيان اعترض فيه على تشكيل مجالس للاسناد وخاصة في اقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، الأمر الذي ردَّت الأخيرة عليه بأنه مهم وركيزة من ركائز الاستقرار.

وقالت صحيفة انترناشونال هيرالد تربيون إن“الاكراد يشكلون حوالي ربع سكان الموصل ويمثلون اقلية قوية في هذه المدينة التي لا تزال تهزها السيارات المفخخة والاغتيالات”، مضيفة ان “الجيش في الموصل يتكون في غالبيته من الاكراد، ما يثير غضب السنة العرب الذين يشكلون 60% من مجموع سكان المحافظة الذين يبلغون 2.8 مليون شخص”.

والموصل، كما تصفها الصحيفة، وهي مدينة استراتيجية تتعارض فيها ثقافات واديان واثنيات، شهدت نزوح الاف من المسيحيين في الشهر الماضي في اعقاب حملة تهديدات وعنف استهدفهم، على الرغم من ذلك عاد بعضهم.

وتنقل الصحيفة عن مسؤولين امريكيين القائهم مسؤولية ذلك على تنظيم القاعدة او جماعات اسلامية اخرى مماثلة في الموصل، التي يقولون عنها انها اخر مدن العراق الكبيرة التي ما زال فيها وجود كبير للقاعدة.

وتشير الصحيفة الى ان “الاكراد يسيطرون على مجلس المحافظة بعد ان قاطع غالبية السنة الانتخابات المحلية في العام 2005، لكن توازن القوى في الموصل يمكن ان يتغير في الانتخابات التي من المقرر اجراؤها قبل نهاية كانون الثاني يناير المقبل”.

ومن الممكن ان يكون المسيحيين، الذين يعتقد ان عددهم يبلغ من حوالي 250 ألفا إلى 300 ألف في المحافظة، “كفة ترجيح في التصويت اذا استمال جانبهم الاكراد او العرب في النزاع حول السلطة”، كما ترى الصحيفة.

وتشير الصحيفة الى ان “وحدات الجيش العراقي المحلية تتكون اساسا من الاكراد. فالعرب في هذه المنطقة يشيرون اليهم كـ(بيشمركة)، وهي التسمية السابقة لمقاتلي حرب العصابات الذين يشكلون حاليا قوات الامن في المنطقة الكردية في شمال العراق.

وتنقل الصحيفة عن بشار فاضل، وهو صاحب متجر في الموصل، قوله مثل غيره من العرب ان “الجنود الاكراد يتحملون جزءا من المسؤولية عن اعمال العنف الجارية، إذ عندما يتعرض المدنيون لهجوم لا يفعل الجنود الاكراد سوى النظر”.

اما الاكراد “فينتصبون غضبا ازاء هذه التلميحات”، كما تقول الصحيفة، التي تنقل عن العقيد دلدار جميل محمد، وهو كردي يتولى قيادة لواء بالجيش العراقي غرب الموصل، قوله ان “المتمردين يذكون التوتر الاثني محاولين تخريب الامن، “فالقاعدة تستخدم هذا كوسيلة”.

من جهته وصف السفير توماس كراجسكي، وهو مسؤول امريكي بارز في بغداد، هذه المدينة بانها “تجتمع فيها كل العيوب الموجودة في العراق”.

وقال كراجسكي “انها مكان حيث بإمكان المسؤولين اكراد وعربا ان يحلوا بعضا من هذه المشكلات الاساسية: أي ماذا يعني ان يكون العراق فيديراليا؟”.

وهذه المسألة، كما تعلق الصحيفة، “ملحة جدا في وقت يتنافس فيه الاكراد للسيطرة على مدن متنازع فيها وبلدات وقرى على طول الخط الاخضر الذي يفصل كردستان عن بقية العراق، فالاكراد، الذين طالما حلموا بدولة خاصة بهم، ياملون تقوية قبضتهم في العراق بعد سقوط نظام صدام”.

اذ يرون، بحسب الصحيفة، ان “طموحاتهم الاقتصادية والاقليمية تظهر في خطر اكبر مع تزايد حزم حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي ورسم واشنطن طريقها لسحب قواتها البالغة 150 ألف عسكري من العراق”.

وتعتقد الصحيفة ان مسعود البارزاني، رئيس المنطقة الكردية شبه المستقلة، وصف اجمالا “الاستياء الذي يشعر به بعض الاكراد تجاه بغداد”.

وبهذا الصدد تنقل الصحيفة عن لقاء مع البارزاني اجرته معه مؤخرا صحيفة لم تسمها قوله “يبدو اننا ما زلنا تحت تاثير نظام شمولي. فالشخص الذي يتولى السلطة يعتقد انه يملك الكلمة الاخيرة في كل شيء… ينسى التحالفات، والالتزامات والدستور”.

أما غاريث ستانسفيلد، وهو خبير في شؤون كردستان بجامعة اكسيتر، فقال للصحيفة ان الخلاف في الحقيقة هو في تحديد ما سيكون عليه الوضع الكردي، سياسيا وجغرافيا.

اذ يرى ان هذا الامر “لا يمكن تاجيله لمدة اطول. فقد ازداد الضغط لدرجة انه يتوجب اعطاء [اجابة] عن ذلك”.

وتنقل الصحيفة عن البريغاديير جنرال توني توماس، قائد القوات الامريكية في الموصل، قوله ان المالكي “يرى البيشمركة كميليشيا غير مصرح بها لا ينبغي ان تكون في الموصل”.

واضاف توماس ان “توتر الاكراد يتزايد مما يروه نزعة بغداد الانفرادية في وقت تستعد فيه القوات الامريكية للمغادرة”.

واكد توماس “لقد قالوا (الأكراد) حرفيا “علينا التسلح لأن ما ان تغادرون، سيحصل ذلك… (المالكي) سيهاجمنا عندما تغادرون”.

لذا يقول ستانسفيلد، كما تنقل الصحيفة، ان “الولايات المتحدة لا تستطيع تحمل انفجار بين الاكراد والعرب اذا كانت تريد سحب قواتها والادعاء بالنجاح”.

توترات تُنذِر بمواجهات

وشهدت الموصل وهي مدينة استراتيجية تصطدم فيها الحضارات والاديان والعرقيات نزوح الاف المسيحيين في الشهر الماضي في أعقاب حملة تهديدات وعنف ضدهم لكن عددا منهم عاد بعد ذلك.

وألقى مسؤولون عسكريون امريكيون باللوم على تنظيم القاعدة السني أو جماعات اسلامية مماثلة في الموصل التي يقولون أنها اخر مدينة كبيرة في العراق مازال بها وجود كبير للقاعدة.

ويسيطر الاكراد على المجلس المحلي بعد ان قاطع السنة الانتخابات المحلية التي اجريت في عام 2005 لكن توازن السلطة في الموصل يمكن ان يتغير في الانتخابات المقرر ان تجري في أواخر يناير كانون الثاني المقبل.

والمسيحيون الذين يعتقد ان عددهم يتراوح بين نحو 250 الف و300 ألف نسمة في المحافظة يمكن ان يصبحوا الصوت المرجح اذا تقرب منهم الاكراد أو السنة في المعركة من اجل السلطة.

ووحدات الجيش العراقي المحلية في الموصل تتألف اساسا من الاكراد. ويشير العرب في المنطقة بتهكم اليهم بتعبير "البشمركة" الذي كان يطلق على المقاتلين السابقين الذين يشكلون قوات الامن في الاقليم الكردي الذي يقع الى الشمال ويتمتع بحكم ذاتي. بحسب رويترز.

وقالت ام ريزان وهي ربة بيت كردية في شرق الموصل "الاسر العربية في الحي الذي نعيش فيه تعلم ان الخطأ لا يقع علينا في أي خيانة طائفية أو عرقية... لكن هناك اشخاصا يفكرون بشكل سطحي واحيانا يشيرون الينا."

وقال العقيد ديلدار محمد وهو كردي يتولى قيادة كتيبة بالجيش العراقي في غرب الموصل ان المسلحين يثيرون توترات عرقية ويحاولون تخريب الامن. وقال وهو يشير الى المسلمين السنة في العراق وجميعهم تقريبا من العرب "القاعدة تستخدم هذا كأداة."

ويصف السفير توماس كرايسكي وهو مسؤول امريكي سابق في بغداد المدينة القديمة المطلة على نهر دجلة بأنها مدينة "تتجمع عندها كل التصدعات الموجودة في العراق."

ويكتسب هذا السؤال اهمية خاصة لان الاكراد يشكلون خمس سكان العراق ويتوقون للسيطرة على مدن وبلدات وقرى محل نزاع على امتداد "الخط الاخضر" الذي يفصل كردستان عن بقية العراق.

ويأمل الاكراد العراقيون الذين يحلمون منذ فترة طويلة باقامة دولتهم في تعزيز قبضتهم داخل العراق بعد انتهاء عهد صدام الذي قتل خلاله عشرات الالاف من الاكراد في الثمانينات.

وتبدو طموحاتهم الاقتصادية والاقليمية أكثر عرضة للخطر في وقت يزداد فيه ثبات حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الشيعية المدعومة من الغرب وترسم واشنطن مسارا لسحب قواتها البالغ قوامها 150 الف جندي.

وتحدث مسعود البرزاني رئيس الاقليم الكردي الذي يتمتع بحكم ذاتي عن الاستياء المتزايد الذي يشعر به بعض الاكراد نحو بغداد وقال في مقابلة صحفية في الآونة الاخيرة انه يبدو ان الاكراد مازالوا يقعون تحت تأثير نظام شمولي وان من يتولى السلطة يعتقد ان له الكلمة الاخيرة في كل شيء وينسى التحالفات والالتزامات والدستور.

وشكل مسؤولون من الاكراد والحكومة المركزية لجنة خاصة هذا الصيف في محاولة لتهدئة مثل هذه التوترات.

وقال جاريث ستانزفيلد وهو خبير كردي بجامعة اكستر ان المواجهة تتعلق في حقيقة الامر بتحديد الوضع الذي سيكون عليه الاكراد سياسيا وجغرافيا. وقال "لا يمكن تأجيل ذلك أكثر من هذا. الضغط أصبح قويا جدا لدرجة لابد معها من حدوث شيء ما."

وقال البريجادير جنرال توني توماس القائد الامريكي في الموصل ان المالكي ينظر بدرجة متزايدة الى الاكراد وخاصة البشمركة "على انهم ميليشيا لا تحمل تفويضا ويجب الا تكون هناك."وأضاف ان ما يتناساه كثيرون هو ان البشمركة دعيت للمساعدة في الابقاء على السلام في بعض من أكثر المناطق اضطرابا في العراق.

وقال توماس ان الاكراد يشعرون بتوتر أكبر بشأن ما يرون انه اتجاه متنام من جانب بغداد للتصرف بطريقة منفردة في وقت تستعد فيه القوات الامريكية للانسحاب.

وقال "انهم يقولون حرفيا.. يجب ان نكون مسلحين لانه بمجرد ان تغادروا سيحدث هذا... (المالكي) سيهاجمنا بمجرد ان تديروا ظهوركم."

والنفط وراء هذه المعارك. فكثير من المناطق المتنازع عليها على امتداد الخط الاخضر بها احتياطيات نفطية واعدة وخاصة كركوك وهي مدينة بها مزيج من الاعراق تنتج ربع صادرات النفط العراقية ويعتبرها الاكراد عاصمتهم التاريخية.

وينص دستور العراق على اجراء استفتاء بشأن السيطرة على المدينة. وتأجل هذا الاستفتاء الى أجل غير مسمى لكن الاكراد يعتقدون انهم سيفوزون به وسيزيلون أثر عملية "التعريب" التي اجراها صدام لواحدة من مناطق انتاج النفط الرئيسية في العراق.

والنزاعات بين العرب والاكراد حالت حتى الان دون اصدار تشريع بشأن كيفية اقتسام الثروة النفطية. وفي نفس الوقت وقعت كردستان من جانبها اتفاقات نفطية تعتبرها بغداد باطلة. والشركات المنتجة للنفط في كردستان لا يمكنها تصدير النفط دون موافقة بغداد.

وهذا الطريق المسدود لا يؤثر على قطاع النفط في العراق فقط وانما على كل الاستثمارات فيما يلقي بظلاله على المشروع الامريكي في العراق.

وقال ستانزفيلد "الولايات المتحدة لا يمكنها ان تتحمل نشوب صراع بين الاكراد والعرب اذا كانت تريد سحب قواتها والزعم انها حققت نجاحا."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/تشرين الثاني/2008 - 20/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م