الدكتور القرضاوي ونظرة الإمامية للقرآن

 مشتاق موسى اللواتي

تحدث فضيلة الشيخ القرضاوي عدة مرات عن عقيدة المسلمين الإمامية في القرآن الكريم، فنسب إليهم أفكارا غير صحيحة ومفاهيم غير دقيقة.

 لقد كانت أحاديثه الأخيرة عن الإمامية مثار الدهشة والإستغراب، خصوصا وأن الدكتور يتنبى منذ فترة قضايا حوار الأديان والتقارب مع المذاهب، ويترأس إتحاد علماء المسلمين. وطرح، إلى جانب علماء آخرين، مجموعة من مبادئ الحوار والتقارب، كحسن الفهم ومعرفة الآخر من مصادره وحسن الظن في الآخر وتجنب الإستفزاز والمصارحة بالحكمة وغيرها. كما دعا إلى تجنب طرح القضايا الخلافية على الجماهير، واقتصار بحثها فيما بين العلماء.

ولكنه فاجأ الكثيرين في الفترة الأخيرة حين تناول بعض عقائد المسلمين الإمامية في بعض الصحف الجماهيرية،وعلى طريقة مثيرة وبأسلوب مجانب للدقة والموضوعية. ولهذا جاءت كلماته متعارضة وغير متسقة مع نفسها، بالإضافة إلى إشتمالها على عدد من المغالطات والمفارقات. وفيما يلي أعرض نماذج من تصريحاته وكلماته، مع بعض الملاحظات والتوضيحات:

1- لقد إتسمت أحاديثه عن عقيدة المسلمين الإمامية في القرآن، بدرجة غير قليلة من التضارب وعدم الإتساق وافتقدت إلى التماسك المنطقي. فعلى سبيل المثال، في بحثه " مبادئ الحوار والتقريب " الذي قدمه لمؤتمر التقريب بالبحرين سنة 2003، ثم طبع في كتاب سنة 2005، ذكر إن الشيعة جميعا يؤمنون بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله المحفوظ المعجزالملزم للأمة،أما دعوى النقص فليسوا متفقين عليها وينكرها محققوهم، وقال في مورد آخر انه قول شرذمة قليلة لا يعتد بها. في حين في حديثه في نقابة الصحفيين المصريين سنة 2006 نسب إلى الأغلبية فكرة نقصان القرآن، وأن مصحف فاطمة هو ضعف هذا المصحف.

بينما في لقائه مع صحيفة "المصري اليوم " بتاريخ 9/9/ 2008 نسب إلى الكثير منهم القول أن القرآن ينقصه بعض الأشياء مثل سورة الولاية !.وهكذا نسب التحريف تارة إلى شرذمة قليلة وأخرى إلى الأكثرية وثالثة إلى الكثير! كذلك الحال، تأرجحت كلماته حول هذه القضية في بيانه الذي أصدره في 17من رمضان 1429 إثر الإنتقادات التي وجهت إليه،ففي معرض رده على سماحة السيد فضل الله، نسب فكرة النقص إلى البعض، وأكد أن الأكثرية الساحقة لا تعرف قرآنا آخر، وانه نفس القرآن الذي يطبع في طهران والقاهرة والمدينة، وهو نفس القرآن الذي يحتج به علماء الإمامية ويستدلون به ويحفظونه صبيانهم. وأثناء رده على الشيخ التسخيري، إتهم صحيفة" المصري اليوم" بالتصرف في جوابه وعدم نقله بدقة، ثم سرعان ما استدرك بما يشبه التراجع عن إتهام الصحيفة، ويستبطن الموافقة على ما نقلته عنه.

 ثم في موضع آخر من نفس البيان، كرر موقفه الذي ضمنه بحثه حول مبادئ الحوار، مؤكدا على ان المذهب المحقق عندهم هوان القرآن ليس بأكثر مما بين الدفتين.

2- إن التبرير الذي قدمه الدكتور محمد سليم العوا عن حديث القرضاوي المثير عن الإمامية في سنة 2006، هوانه "لم يكن كلاما في أصل محاضرته، وإنما كان جوابا عن أسئلة وجهت إليه يحكمه بالضرورة سياق السؤال وكيفية صياغته "! وإذا سلمنا جدلا بهذا التفسير الذي يكتنفه التكلف، فما هوالمسوغ وراء أحاديثه المثيرة عنهم في سبتمبر 2008 ؟ يظهر انهم هذه المرة لم يجدوا لها إلا تخريجا فنيا عجيبا، ربما لتجنيب الحرج والإهتزاز عن إتحاد العلماء الذي يترأسه الدكتور القرضاوي، فقالوا أنه تحدث بإسمه الشخصي وليس بإسم الإتحاد!

 وفي ضوء كلماته السالفة، يحق لكل متابع لفكره ومواقفه أن يتساءل، أي من الآراء السابقة تمثل موقفه الفكري المتأسس على البحث العلمي في هذه القضية ؟ ربما يقال في الوهلة الأولى، ان موقفه يتمثل في الرأي الأحدث تاريخيا، وهذا منطقي جدا، ولكننا نلاحظ، انه على الرغم من تصريحاته المتناقضة، عاد فأكد في بيانه الأخير، رأيه الذي ذكره في بحثه حول مبادئ الحوار، والذي، مفاده نفي فكرة التحريف عن الأكثرية الساحقة منهم. وهنا نتساءل من جديد، ما الذي دفعه إلى الإدلاء بهذه المواقف والآراء المتضاربة ؟

3- أشار القرضاوي في أحاديثه إلى مصحف فاطمة عليها السلام،وانه ضعف القرآن الحالي، موحيا بأنه هو القرآن الكامل في نظر المسلمين الإمامية ! وهذا يؤكد لنا بأنه طوال أكثر من خمسة عقود من حياته الدعوية والفكرية والبحثية، لم يطلع على أي من البحوث والدراسات التي كتبها علماء الإمامية ومفكروهم في هذا الشأن، للإحاطة بوجهة نظرهم - على الأقل - حيال مصحف فاطمة "ع".

 إن الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، أكدت بأن مصحف فاطمة عليها السلام ليس قرآنا،بل هو كتاب آخر. فقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام، كما في الكافي وغيره، بانه ثلاثة أضعاف القرآن، ولكن ليس فيه من القرآن حرف واحد.

وورد في بعض الروايات، والله ما أزعم أنه قرآن، وفي رواية أخرى، ليس فيه شيء من القرآن، وفي رواية، ما فيه آية من القرآن، وفي رواية، أما والله ما هو بالقرآن، وما شابه، الأمر الذي يؤكد، بأن مصحف فاطمة عليها السلام ليس قرآنا،بل هو كتاب آخر تماما، وهوما أكده علماء الإمامية مرارا وتكرارا. فلماذا يصر بعض الكتاب والمشايخ في وسائل الإعلام بأنه قرآن آخر لدى المسلمين الإمامية ؟ ومما يضاعف الأسف أن يصدر مثل ذلك من فضيلة القرضاوي.

ويبدوان من أسباب الإلتباس لدى بعض الباحثين، هو ظنهم أن مصحف فاطمة عليها السلام، هو نظيرمصاحف بعض أمهات المؤمنين،التي ورد في بعض المصادر كصحيح مسلم، بأن مصحف السيدة عائشة اشتمل على بعض الزيادات من قبيل "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " أو مثل مصحف عبد الله بن مسعود الذي ورد في الإتقان والدر المنثور للسيوطي وغيرهما، بأنه لم يكتب المعوذتين لاعتقاده بأنهما ليستا من القرآن الكريم. ونظرا لتشابه المسميات، إعتقد بعضهم ان مصحف فاطمة هو شبيه بتلكم المصاحف. ونظرا للتوظيف المضاد من بعض الإتجاهات المتعصبة، ومع تجذر ثقافة الإقصاء الموروثة والمتلقاة من بعض الأدبيات الدينية وبعض مناهج التعليم العادي والجامعي، والتي تعزز قبول كل الأفكار الشاذة التي تنسب إلى بعض المذاهب، لا سيما المسلمين الإمامية، فقد تقبلها الكثيرون وصاروا يرددونها، وكأنها من المسلمات.

4-أشار الدكتور إلى كتاب فصل الخطاب للشيخ النوري عدة مرات، وذكر ان قيمته في انه أورد مئات الروايات من مصادرهم في التحريف.وهنا أود أن أسترعي النظر إلى ان إسم الكتاب، حسبما ذكر تلميذ النوري، البحاثة المتتبع صاحب الذريعة هو" فصل الخطاب في تحريف الكتاب "، وحسب النسخة الخطية من الكتاب، "فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب " وليس "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب "الذي تروجه بعض الكتب. من جهة أخرى ان الكتاب لم يقتصر على إيراد روايات الإمامية، بل أورد مجموعة كبيرة من الروايات التي تنص صراحة على وقوع الزيادة والنقصان في القرآن الكريم، ومن أوثق مصادر الحديث عند السنة، كالصحيحين،وكتب السنن والمسانيد والمستدرك للحاكم وصحيح ابن حبان، بالإضافة إلى بعض التفاسير وكتب تاريخ المصاحف وعلوم القرآن. وحسب بعض المحققين فإن الكتاب نقل في أكثر من ألف مورد من كتبهم، وان روايات غير الإمامية تغطي أكثر أبواب الكتاب. إن المطالع لكتاب فصل الخطاب، يلاحظ أنه يشبه في بعض الوجوه كتابي المصاحف لابن أبي داوود، نجل أبي داوود صاحب السنن، و الإتقان للسيوطي وغيرهما. ولهذا فقد ذكر الشيخ محمد المدني في مقالة له حول القرآن في العدد 44 من مجلة رسالة الإسلام، التي كانت تصدر من دار التقريب، ذكرفيها أن أحد الكتاب في مصر ألف سنة 1948 كتابا أسماه "الفرقان " حشاه بما ورد في الإتقان من الروايات الشاذة عن القرآن.

5-يذكر بعض الباحثين، تبعا لما ورد في بعض كتب الإمامية، بأن جمعا من محدثي الإمامية ذهبوا مذهب التحريف، ويذكرون منهم، الكليني والصفار والبرقي وأمثالهم. والواقع إن نسبة التحريف إليهم تستند على الظنون والتخمينات، إذ لم يرد عنهم أي قول أو كلمة أو رأي يفيد التحريف. ونظرا لكونهم جامعي الحديث رووا بعض الأخبار التي تحمل بعض معاني التحريف، فاعتبر بعضهم ذلك موافقة منهم لمضامينها. على ان بعضهم كالكليني أكد في خطبة الكتاب على مرجعية القرآن في تمييز الروايات المختلفة. وروى روايات أخرى تؤكد مرجعية القرآن في قبول الروايات عن النبي (ص) وأهل بيته (ع)، من قبيل "كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف " كما أورد ما ينفي التحريف بمعنى النقص والزيادة ويؤكد التحريف المفهومي والتطبيقي، مثل "وكان من نبذهم الكتاب أنهم أقاموا حروفه وحرفوا حدوده "، بالإضافة إلى تخصيصه أبوابا حول القرآن، كما أورد روايات كثيرة تؤكد فضل القرآن وأهميته كمرجعية جامعة ومخلصة من الفتن. ولوكان مجرد إيراد روايات في هذا المجال دليلا على تبنيهم فكرة التحريف لكان أولى أن ينسب ذلك إلى محدثي غير الإمامية.

6- أشار الشيخ القرضاوي إلى سورة الولاية المزعومة، أوالنورين، كما يسميها بعضهم ! والواقع ان الشيخ يعلم بأنها لا وجود لها في عقيدة الإمامية، غير ان بعض المتعصبين يصرون على إلصاقها بهم بهدف تشويه صورتهم، ومن الأسف ان الشيخ ردد كلامهم في هذه المسألة. ثم ان مصدر هذه السورة المزعزمة هو "كتاب دبستان المذاهب " وهو لكاتب مجهول الإسم والهوية، ويظهر ان عباراته توهم بأنها من كتب الإمامية، ولكن الشيخ النوري حسم الموقف بقوله "ولم أجد لها أثرا فيها " أي في كتب الإمامية. وهذا ما لم تذكره الكتب المضادة.

وقد إختلف الباحثون من المستشرقين والشرقيين في حقيقته، غير ان الذي مال إليه الشيخ المحقق آغا بزرك في الذريعة،إستنادا إلى بعض القرائن والمصادر، مثل تاريخ إيران لسرجان ملكم وتذكرة النصر آبادي وغيرهما،أنه من شعراء أواسط القرن الحادي عشر، وإسمه محسن الكشميري الفاني، وانه كان من السياح (المرتاضين) وأدرك كثيرا من الدراويش بالهند وحكى عنهم الغث والسمين في كتابه.وأضاف السيد العسكري بأنه كان من المتعصبين المنتمين لبعض المسلمين من غير الإمامية. وذكر أن الباحث المحقق رحيم رضا زادة ملك، وبعد دراسة تحليلية لمختلف الآراء، إنتهى أن مؤلفه إسمه "كيخسروبن اسفنديار" وكان كبير علماء المجوس في الهند ويلقب بمؤبد، وهي مرتبة دينية عند المجوس.وانه كان داعية إلى مذهبه الديني وكتب هذا الكتاب لتفنيد بقية الأديان. وأيا كان، فما يهمنا من ذلك انه شخصية مجهولة إختلف فيها كثيرا، وان النص الذي أورده في كتابه لا يمت إلى عقيدة الإمامية بصلة.

7-ذكر الدكتور القرضاوي، ان علماء الإمامية ردوا على الشيخ النوري وأنكروا عليه قوله، ولكنهم لم يكفروه، كما يفعل أهل السنة، وهذا هو الفرق بيننا.والواقع ان شبهة التحريف باطلة ومرفوضة، ولهذا دحضها محققوا الإمامية وفندوها بالحجة والدليل. والتكفير ليس علاجا ناجعا لمواجهة الشبهات الفكرية، لا سيما ان الذين وقعوا فيها - وهم قلة لا يعتد بهم - لم يدفعهم إليها الجحود أوالمكابرة اوالتكذيب، إنما وقعوا تحت تأثير بعض النوادر والشواذ من الأخبار. ثم ان كثيرا من الصحاح دلت على ان بعض الصحابة والتابعين كانوا يعتقدون بوجود آيات منزلة، توفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم،وهي مما يقرأ من القرآن، إلا أنها نسيت أو سقطت أو أكلها داجن ولم تجمع بين دفتي المصحف !ومع ذلك لم يسوغ العلماء تكفير أحد بسببها، بل اعتبروها من الأخطاء المغفورة في الإجتهاد.

 وحتى تكتمل الصورة، أذكر بعض الأمثلة منها في هذا السياق:

ا-أخرج كل من البخاري ومسلم والترمذي وأبو داوود وابن ماجة والدارمي،عن أحد الصحابة "ثم انا كنا نقرأ في كتاب الله "إن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم ان ترغبوا عن آبائكم " وعنه أيضا، "وأنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها " وورد في مستدرك الحاكم على الصحيحين و الذهبي في تلخيصه، عن أحد الصحابة "كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، وكان فيها "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " وهي التي وصفت في بعض الروايات بآية الرجم.

ب-أخرج مسلم في الصحيح، عن إحدى أمهات المؤمنين،"كان فيما نزل من القرآن "عشر رضعات معلومات يحرمن " ثم نسخن بخمس معلومات "، فتوفى النبي (ص) وهي مما يقرأ من القرآن "!

 ج- أخرج مسلم في الصحيح،عن أحد الصحابة، "...وانا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة، فأنسيتها،غير اني حفظت منها: لوكان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات،فإنسيتها،غير اني أحفظ منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة "!

د-أخرج مسلم في الصحيح عن إحدى أمهات المؤمنين،انها أمرت مولاها أن يكتب لها مصحفا، وقالت:إذا بلغت هذه الآية فآذني:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " قال: فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " وروى عن أحد الصحابة ما يعارض رأيها، والذي مفاده، انها هكذا نزلت، فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله، أي الزيادة.

ه- في الإتقان للسيوطي وغيره ان بعض الصحابة كانت في مصاحفهم،سورتا الحفد والخلع، وهما: "اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجورحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق " والثانية "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك "ونظرا لكثرة الروايات عنهما، فقد دونهما السيوطي في تفسيره الدر المنثور بعد سورة الناس، تحت عنوان ذكر ما ورد في سورة الخلع والحفد !

 وفي الدر المنثور للسيوطي، أخرج أحمد والبزاز والطبراني وابن مردويه بطرق صحيحة،ان صحابيين كانا لا يكتبان المعوذتين في مصحفيهما،لاعتقادهما بأنهما ليستا من القرآن، انما أمر النبي (ص) أن يتعوذ بهما.

والأمثلة السالفة تمثل غيضا من فيض،وليس غرضنا هنا أن نستقصي الروايات الواردة في هذا المضمار، غير انها بعض الشواهد التي تدل على وجود مثل تلكم الآراء عند بعض السلف، ومع ذلك لم يرى العلماء وجود أي داع للتكفير.

 بل إن شيخ السلفية ابن تيمية على تشدده، لم يكفر أحدا من السلف الذين اعتقدوا بأن بعض الكلمات أو الآيات ليست من القرآن وأنكروا بعض ألفاظها ونصوصها، واعتقدوا بخلاف ما هو في المصحف، بل إعتبره من الخطأ المغفور.قال في مجموع الفتاوى: " والخطأ المغفور في الإجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية، ومن بين الأمثلة التي ذكرها على ذلك، قوله: " أو اعتقد أن بعض الكلمات أو الآيات انها ليست من القرآن لأن ذلك لم يثبت عنده بالنقل الثابت،كما نقل ذلك عن غير واحد من السلف، انهم أنكروا ألفاظا من القرآن،كإنكار بعضهم "وقضى ربك "الإسراء/23، وقال إنما هي "ووصى ربك "، وإنكار بعضهم قوله "وإذ أخذ ربك ميثاق النبيين " آل عمران/81، وقال إنما هو"ميثاق بني إسرائيل "، وكذلك هي في قراءة عبد الله، وإنكار بعضهم "أفلم ييأس الذين آمنوا "الرعد/31، وقال إنما هي "أولم يتبين الذين آمنوا"، وكما أنكر عمر على هشام لما رآه يقرأ سورة الفرقان على غير ما قرأها، وكما أنكر طائفة من السلف على بعض القراء بحروف لم يعرفوها حتى جمعهم عثمان على المصحف الإمام ".

وكلامه واضح على ان بعض السلف من الصحابة وغيرهم، كانت مصاحفهم تتضمن آيات وكلمات وألفاظ مختلفة عما هي في القرآن الكريم،وما ذكره ليس إلا أمثلة قليلة جدا على ذلك. ومع ذلك لم يكفر هو أو غيره أحدا ممن أعتقد ذلك.

 و من المعروف ان لعلماء الحديث والتفسير تأويلات لأمثال تلكم الروايات. ومن هذه التوجيهات، إدراج بعضها ضمن المنسوخ تلاوة مع بقاء الحكم، واعتبار أخرى من المنسوخ حكما وتلاوة. ومع أننا لا نوافق من الأساس على هذا المضمون، في أي مصدر كان من مصادر المسلمين، وان الـتأويل المذكور غير مقنع، ولا ينطبق على منطوق مجموعة من الروايات، مضافا إلى عدم إمكانية نسخ القرآن بخبر الآحاد، وامتناع النسخ بعد وفاة النبي (ص)، ولكن في نفس الوقت ندعو إلى إحترام الرأي الآخر، دون مصادرة حق الباحثين في المناقشة الموضوعية والنقد العلمي، ومن غير تشنيع أو تشهير بأحد في الوسائل الإعلامية. إننا نتمنى نشر هذه الثقافة في أوساط الأمة للتعامل مع أمثال هذه الأخبار والآثار والأفكار لدى مختلف المدارس والمذاهب.

لقد حان الوقت كي يكف الجميع عن محاكمة الآخر طبقا لأسلوب الملازمات التي لم يلتزم بها أصلا، ثم إصدار الحكم بهلاكه ورميه في أتون النيران وحرمانه من الجنان !

* كاتب عماني

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/تشرين الثاني/2008 - 20/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م