لم نستغرب من قرار التيار السلفي بمواجهة سماحة العلامة السيد
محمد باقر الفالي بقدر استغرابنا من أنهم لماذا لم يفعلوا ذلك مع
غير السيد الفالي!
فرسالة التيار السلفي وفلسفة وجوده قائم على محاربة كل ما هو
شيعي ولا مفعول له سوى ذلك وهذا ما صرّح به زعماء التيار، ومثال
على ذلك: في إحدى المرات حينما أرادوا بناء مسجد لهم في إحدى مدن
نيوزيلندا ! في أقصى الأرض سئلوا هل يوجد شيعة في هذه المنطقة وهل
لديهم حسينية أو مكان للتجمع فإن كان الجواب إيجابا فسنبني مسجد
وإلا فلسنا فاضين لأهل السنة!.
وبناءاً على فلسفة وجود التيار الوهابي هذا لنعرف سبب مواجهته
مع الفالي دون غيره؛ الفالي لم يكن متطرفاً بأي معنى من معاني
التطرف، بل كل من قد إستمع محاضراته قد لاحظ ثناءه الدائم على أهل
السنة ووصفه إياهم بـ "أنهم إخواننا" وأنهم "على العين والراس" حتى
ان في إحدى ليالي محرم حينما جئ بشاب سني قد شفي ببركة الإمام
الحسين عليه السلام، جئ به إلى الحسينية الكربلائية إلى جانب السيد
وهو يخطب على المنبر، فقام السيد بمدحه وبمدح طائفته وقال انهم
يحبون أهل البيت سلام الله عليهم كما نحبهم نحن الشيعة ولا فرق
بيننا وبينهم ويجب فصل حسابهم عن حساب النواصب. ولم يتكلّم بأي
خطاب طائفي.
السيد الفالي بهذا الأسلوب والنهج قد سار على نهج أئمة أهل
البيت عليهم السلام؛ حيث يقول الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
في نصيحته لشيعته حول طريقة المعاملة مع غيرهم من المذاهب: "صلوا
في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدوا حقوقهم، فإن الرجل
منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسَّن خلقه مع
الناس قيل: هذا شيعي فيسرني ذلك". (تحف العقول- ص 361).
من هنا فإن التيار السلفي قد اختار صواباً –بناءاً على فلسفة
وجوده- في مواجهة شخص كـ السيد الفالي دون غيره، ذلك لأن ما طرحه
الفالي على المنبر والذي أدى بشكوى السلفيين ضده، لم يكن ليختلف مع
غيره من الخطباء الموجودين في الكويت، فغيره قد طعن في معاوية
وهارون العباسي أكثر من طعونات الفالي، فلماذا اختاروا الفالي
دونهم؟ أليس لأنه كان صادقاً في حديثه ومؤدياً لأمانته وحسن الخلق
مع الناس فصار يسرُّ إمامه ويُغضب أعداء أهل البيت عليهم السلام،
وعالماً قد ترجم علمه بالعمل، فتمت المواجهة مع كما تم ذلك مع
أجداده الطاهرين (سلام الله عليهم).
فالأمويون والعباسيون المدججين بالسلاح والنصب كانوا يواجهون
الأئمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين لم يكن لديهم
جيش ودولة بل كان فقط دثارهم العلم والعمل وشعارهم الأخلاق، لكن لم
يُتحمَّلوا فعُرِّضوا للإبعاد والنفي والسجن والقتل! والفالي حذا
حذوهم وتكلّم كلامهم وفعل فلعهم فتعرّض كمثل تعرَّضوا!، والفرق
بينه وبين غيره أنه أتقن قول الأئمة الأطهار ولكن لم يكتفي بذلك
بل صدّقها بفعله فسلم غيره ولم يُسلم هو ضريبة على عمله، فكان شجرة
مثمرة والأرض التي تُسكن على عكس غيره ممن اكتفوا بالقول دون العمل
الذين يقول عنهم عيسى بن مريم (عليهما السلام) : " بحـق أقول لكم:
إن شر الناس لرجل عالم آثر دنياه على علمه، فأحبها وطلبها، وجهد
عليها حتى لو استطاع أن يجعل الناس في حيرة لفعل، وماذا يغني عن
الأعمى سعة نور الشمس وهولا يبصرها، كذلك لا يغني عن العالم علمه
إذا هولم يعمل به. ما أكثر ثمار الشجرة، وليس كلها ينفع ويؤكل، وما
أكثر العلماء، وليس كلهم ينتفع بما علم، وما أوسع الأرض، وليس كلها
تسكن، وما أكثر المتكلمين، وليس كل كلامهم يصدق.." (في ظلال القرآن
– ص 349)، ولكن الفالي أزاح هذه الحيرة عن الناس فكان كما كان
أئمته عليهم السلام فعلى الخطباء أن ينتهجوا نهجه ولا يتركوا
الساحة فارغة للسلفيين يمرحوا ويسرحوا، ولا يكون ذلك إلا إن ترجموا
علمهم إلى عمل.
فالشيعة لا يحتاجون إلى (تبشير مذهبي) ! كما يقول القرضاوي لأن
الخُلق الشيعي تلقائياً يحبّب الناس إلى نفسه دون الحاجة إلى تبليغ
وقوة ومال، على عكس التيار السلفي الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة أن
ينشر نفسه لكن لا يزداد إلا نفوراُ.
الكويت سوف لن تنسى أنفاس الفالي، ولكن ينبغي على جميع الأنفاس
من أصحاب المنابر أن يكونوا مثل الفالي لكي لا يبقى مجال للنعرات
الطائفية والتطرف والمتطرفين الذين لم يجدوا مأخذاً ضد الشيعة غير
أن يأخذوهم بما أخذ الأمويين والعباسيين الأئمة على آل الرسول (عليهم
السلام) ألا وهو"الصدق في الحديث وأداء الأمانة والخلق الحسن". |