الاقتصاد العالمي: بروز ملامح نظام مالي عالمي جديد

دروس الأزمة تؤدي إلى تقارب الأنظمة المالية وتُبعِد شبح "يوم الدينونة" الاقتصادي

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: مع اشتداد الازمة المالية وتزايد تداعياتها ولجوء العديد من الدول الكبرى الى الدول النامية المقتدرة مادياً رأت مجموعة من الخبراء الاقتصاديين إن إصلاح النظام المالي العالمي سوف يقوي ويوفق بين مختلف الأنظمة المالية عبر الحدود وعبر البلدان التي تسعى إلى منع تكرار التجاوزات التي أدت إلى الأزمة المالية الراهنة.

وطالب بيان أصدرته مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى زائد الاتحاد الأوروبي وروسيا "بإدخال تغييرات تنظيمية ومؤسساتية في نظم القطاعات المالية في العالم." وتدرس هذه الدول حالية فكرة عقد قمة لزعمائها يحضره أيضا زعماء بعض الاقتصاديات الناشئة في المستقبل القريب لتبني جدول أعمال خاص بالإصلاحات. وقد تعززت الفكرة في منتجع كامب ديفيد يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر الجاري حين التقى الرئيس جورج بوش نظيره الفرنسي نيكولاس ساركوزي ورئيس المفوضية الأوروبية خوزيه مانويل باروسو.

تأسس النظام المالي الدولي الحديث في عام 1944 في بريتون وودز بولاية نيوهامشير حيث قام زعماء 44 بلدا غربيا بإنشاء صندوق النقد الدولي الذي أرسى القواعد الخاصة بتقليص الحواجز التجارية وتسهيل حركة رؤوس الأموال عبر الحدود.

وقال رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون وقادة دوليون آخرون إن الأزمة المالية الراهنة قد خلقت الزخم السياسي المطلوب لإدخال تغييرات جذرية على هذا النظام.

كما طالب الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي يتولى حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي بوضع تنظيمات ولوائح منسقة عالميا وبمزيد من الإشراف على البنوك الدولية والمعاملات المالية. وقد طرح هو وغيره من الزعماء الأوروبيين عددا من الأفكار المحددة، بما في ذلك إنشاء هيئة إشراف دولية ووضع تنظيمات ولوائح تنظم صناديق الاحتباط الخاصة بالمضاربة وإصلاح مؤسسات التقييم الائتماني. بحسب موقع أميركا دوت غوف.

وفي أعقاب اجتماع بوش بساركوزي وباروسو للبحث في ما يتعين القيام به للرد على الأزمة المالية، قال الزعماء الثلاثة إن المباحثات التي جرت خلال الاجتماع كانت إيجابية. وقالوا في تصريح لهم عقب الاجتماع إنهم سوف يتواصلون مع زعماء آخرين في الأسبوع المقبل لاقتراح عقد سلسلة من مؤتمرات القمة بين زعماء هذه الدول من أجل حل الأزمة. واقترح الزعماء أن يعقد أول مؤتمر قمة من هذه المؤتمرات في الولايات المتحدة بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية بفترة وجيزة.

وقال نائب المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض توني فراتو في تصريح أدلى به يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر الجاري إن سيتم النظر في "كل فكرة جيدة تطرح علينا" خلال قمة الزعماء التي لم يحدد موعدها بعد. ولكنه هو وغيره من المسؤولين الأميركيين يؤكدون أن إصلاح النظام العالمي المالي لا يعني الحد من تدفق التجارة والاستثمار.

وأوضح أستاذ مادة الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي باري أيكنغرين أن من المحتمل أن يقوم زعماء العالم بإصلاح الإطار المالي العالمي خلال سلسلة من الاجتماعات والمناقشات بدلا من عقد مؤتمر قمة مصيرية واحدة. وأبلغ موقع أميركا دوت غوف أن الحاجة ماسة إلى فسحة من الوقت ليأخذوا في الحسبان المصالح المختلفة للبلدان المختلفة. وأضاف أنهم سوف يطالبون بمنح المؤسسات الحالية - مثل صندوق النقد الدولي - سلطات جديدة بدلا من استحداث كيانات جديدة.

وقال أيكنغرين إن على الدول أن تقوي التنظيمات واللوائح الخاصة بالنظم المالية على نحو أفضل وتوفق بينها عبر الحدود الجغرافية، على ألا تكون بالضرورة موحدة.

وأوضح مدير مركز أسواق رؤوس الأموال العالمية ستيفن شوارتش في جامعة ديوك أن الاضطرابات الحالية التي يعاني منها النظام المالي العالمي تدل على وجود حاجة إلى من يوفر سيولة دولية كملاذ أخير. وأبلغ موقع أميركا دوت غوف أن هذا المرفق سيتمتع بصلاحيات ليس فقط فيما يخص إقراض المؤسسات، ولكن فيما يتعلق بشراء الأسهم الهالكة في الأسواق المضطربة.

وتنبأ شوارتش بحدوث الأزمة المالية الراهنة في بحث قدمه العام 2007 واقترح حلا مماثلا لخطة الإنقاذ الأصلية التي اقترحتها وزارة المالية في أيلول/ سبتمبر المنصرم. وطالب في هذا البحث بشفافية أفضل في المعاملات المالية المعقدة كي يتمكن المشاركون في الصفقات المالية من "تقييم الأصول في الأسواق المضطربة".

القوى الناهضة توحد صفوفها من اجل الاصلاح المالي

وعززت الاقتصاديات الناهضة مطالبها بدور اكبر في النظام المالي العالمي قائلة ان الازمة التي اجتاحت الدول الغنية تثبت ان الوقت حان كي تأخذ هذه الدول مقعدا على الطاولة الكبيرة.

وتوصلت لاول مرة دول مجموعة"بريك" التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين والتي اجتمعت قبل اجراء محادثات اوسع في مطلع الاسبوع الى موقف مشترك يدعو لاجراء اصلاح لمؤسسات مثل صندوق النقد الدولي كي تعكس الاهمية المتزايدة للاقتصاديات النامية.

وقال وزير المالية البرازيلي جيودو مانتيجا في مؤتمر صحفي في ساو باولو ان "الدول الناهضة مستعدة لتحمل العواقب المالية لمشاركة اكبر في صندوق النقد الدولي ."ليس هناك جدوي من ان نزيد مشاركتنا اذا احتفظت الدول الكبرى بحقها في النقض/الفيتو/."

ومع ترنح الولايات المتحدة واوروبا من الازمة المالية العالمية تواجه الاقتصاديات الناهضة التي تنمو بشكل سريع مطالب بالقيام بدور اكبر في مساعدة صندوق النقد الدولي على حماية الدول الصغيرة من الاثار الناجمة عن الازمة الائتمانية. بحسب رويترز.

ومقابل ذلك تريد دول من الحجم الثقيل مثل مجموعة "بريك" تأثيرا اكبر في المؤسسات المالية العالمية التي تعد منذ فترة طويلة حكرا لقوى القرن العشرين.

وقال وزراء مالية مجموعة بريك في بيان مشترك بعد اجتماعهم يوم الجمعة "ندعو الى اصلاح المؤسسات المتعددة الاطراف كي تعكس التغيرات الهيكلية في الاقتصاد العالمي والدور المحوري بشكل متزايد الذي تلعبه الان الاسواق الناهضة ."

وقال البيان ايضا انه لا بد من توسيع منتدى الاستقرار المالي الذي يضم مجموعة السبع وبعضا من الاقتصاديات الكبيرة الاخرى بشكل فوري لضم الدول الناهضة الكبيرة.

رئيس منظمة التجارة يدعو الى قواعد مالية عالمية صارمة

وفي نفس السياق حث رئيس منظمة التجارة العالمية الدول على قبول تنظيم دولي صارم جديد للأوضاع المالية حتى ولو كانت "ثورة أيديولوجية" بالنسبة لها أن تتقاسم السيادة في قضايا من هذا القبيل.

وقال باسكال لامي في مقابلة مع صحيفة لو موند الفرنسية نشرت يوم السبت ان قبول سلطات عابرة للقوميات أمر حساس سياسيا في الولايات المتحدة والدول الصاعدة لكن الأزمة المالية تتطلب التكيف. بحسب رويترز.

ونقلت لو موند عن لامي قوله "توجد منظمات دولية للتجارة والصحة والبيئة والاتصالات والغذاء. هناك ثقبان أسودان في الإدارة العالمية .. التمويل بفقاقيعه المتفجرة والهجرة."

وقال "نحتاج الى تنظيم دولي للتمويل يكون ذا قواعد مُلزمة وآلية للرقابة والعقوبات. بقرة مريضة أو قداحة معيبة لا تعبر الحدود في حين تستطيع ذلك الآن أداة مالية فاسدة."

وشدد لامي على حاجة الدول الى مقاومة إغراء الحماية التجارية التي كانت أحد عوامل انهيار وول ستريت عام 1929 ثم تفاقم ذلك الى كساد اقتصادي عالمي.

ورفض مقولة بعض منتقدي الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة من أن أكبر اقتصاد في العالم تحت رئاسة باراك أوباما سيلجأ الى الحماية التجارية بدرجة أكبر عنه تحت حكم الجمهوريين الأكثر تأييدا للسوق.

وقال "ما يتغير مع الحزب الديمقراطي هو خطط تقليل عدم الأمان الاجتماعي. الشعور بعدم الأمان الذي تولده التجارة الحرة أقوى في الولايات المتحدة عنه في أماكن أخرى لان شبكة الأمان الاجتماعي هناك أرق."

وأضاف "اذا طبق الديمقراطيون برنامجهم الاجتماعي فقد يُطمئن هذا الأمريكيين ويساعد محادثات التجارة العالمية. من الواضح أن عليهم تدبير الموارد اللازمة لتحقيق طموحاتهم. لكن على أي حال سيكون من الخطأ ربط الجمهوريين بالانفتاح والديمقراطيين بالحماية التجارية."

مجموعة الـ20 مع اتخاذ كل الاجراءات لمواجهة الازمة

وقررت دول مجموعة العشرين اتخاذ كل الاجراءات اللازمة لمواجهة الازمة المالية وزيادة الدور الذي تلعبه الدول الناشئة في النظام الاقتصادي العالمي الجديد.

غير ان وزراء مالية وحكام المصارف المركزية لدول مجموعة العشرين التي تشمل الدول المتقدمة وكبرى الدول الناشئة لم يعلنوا عن اي اجراء محدد اثر لقاء من يومين في ساو باولو.

واجتمع الوزراء في ساو باولو للتحضير لقمة الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر في واشنطن بحسب المشاركين.واكدت مجموعة العشرين ان "الازمة العالمية بحاجة الى حلول شاملة ومجموعة مبادئ مشتركة". بحسب فرانس برس.

واتفقوا على ضرورة اجراء اصلاح جذري للمؤسسات المالية على غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين انشئا غداة الحرب العالمية الثانية وتهيمن عليهما الولايات المتحدة واوروبا ويعكسان وزن الدول الناشئة المتزايد في الاقتصاد العالمي على غرار الصين والهند او البرازيل.

واكدت مجموعة العشرين استجابة لطلب البرازيل "على ضرورة اسماع صوت الاقتصادات الناشئة واقتصادات الدول النامية وتمثيلها في هذه المؤسسات".

وقال الوزراء في بيانهم المشترك "نشدد على ضرورة اصلاح مؤسسات بريتون وودز بشكل معمق لتعكس بشكل افضل توازن الاقتصادات في فلك الاقتصاد العالمي وتتمكن من مواجهة التحديات المستقبلية".

كما قررت دول مجموعة العشرين "اتخاذ كل الاجراءات اللازمة لاعادة الثقة والاستقرار الى الاسواق وتقليص خطر حدوث ازمة جديدة" وفقا للبيان لكنها لم تحدد اجراءات بهذا الصدد.

من جهتها اعلنت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد خلال مؤتمر صحافي ان دول مجموعة العشرين اظهرت "تطابقا في وجهات النظر للرد" على الازمة المالية العالمية.

وفي ما يتعلق ب"الرد على الاجل القصير" قالت الوزيرة ان "كافة دول مجموعة العشرين متفقة على ضرورة اعادة تنظيم الشبكات المالية".

براون: حان الوقت لبناء مجتمع عالمي

وقال رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون ان الازمة المالية أتاحت لزعماء العالم فرصة فريدة لانشاء نظام عالمي حق.

وقال براون الذي تصدر الدعوات المنادية باصلاح المؤسسات المالية الدولية ان بريطانيا والولايات المتحدة واوروبا لها دور رائد يجب ان تلعبه في اقامة نظام عالمي جديد.

وقال براون في كلمة القاها في لندن "التحالف بين بريطانيا والولايات المتحدة وعلى نحو أوسع بين اوروبا والولايات المتحدة يمكن بل ويجب ان يتيح دور القيادة لا من أجل ان نضع القواعد بأنفسنا وانما من اجل ان نقود الجهود العالمية الرامية الى بناء نظام عالمي أقوى وأكثر عدلا وانصافا."بحسب رويترز.

ويجتمع براون وزعماء اخرون في واشنطن في عطلة نهاية الاسبوع القادم لمناقشة حلول طويلة الاجل للتعامل مع المشكلات الاقتصادية في اعقاب سلسلة من التحركات المنسقة بشان اسعار الفائدة ولاعادة رسملة البنوك في محاولة لمعالجة الازمة المالية.

وقال براون في كلمته "لقد سنحت فرصة فريدة ... اذ بات بمقدورنا الان ان نتحد حتى يكون عام 2008 عند تذكره ليس فحسب عام الفشل لانهيار مالي عصف بالعالم ولكن ايضا عام المرونة والتفاؤل الذي واجهنا به العاصفة وتحملناها وتغلبنا عليها."واضاف قوله "واذا تعلمنا من خبرتنا لتحويل وحدة الهدف الى وحدة العمل فانه سيكون بوسعنا ان ننتهز معا هذه الفرصة للتغيير في عالمنا لاقامة مجتمع عالمي حقا."

"يوم الدينونة" الاقتصادي لم يحل ونهاية وول ستريت بعيدة

وجزم تقرير أعده خبير في الشأن الاقتصادي بأن الأزمة المالية العالمية الحالية ليست "كارثة مدمرة" يمكن أن يقال معها إن "يوم الدينونة" قد حل، مشيراً إلى أن المقارنة بين الوضع الحالي ومرحلة "الكساد الكبير" أمر خاطئ يقوم على فهم مغلوط لتطور الأحداث.

ودعا الخبير، وهو جيف كولفن، كبير محرري مجلة "فورتشن" الاقتصادية الأمريكية إلى عدم استباق الأحداث بإعلان "نهاية وول ستريت" وسقوط تجربة المصارف الاستثمارية المستقلة بعد الإفلاسات المتتالية في الولايات المتحدة، مؤكداً أن العالم سينظر بعد خمسة أعوام إلى ما يحدث هذه الأيام على أنها المرحلة التي شهدت ولادة تجارب جديدة.

واعتبر كولفن بعض الناس عرضة لفهم مغلوط لأحداث الفترة الحالية في الاقتصاد العالمي، وذلك بسبب تزايد التقارير السلبية حول مسار الأمور، داعياً إلى توضيح أمور أساسية أولها يتعلق بمسألة التذكير بـ"الكساد الكبير" الذي أصاب الولايات المتحدة والعالم مطلع العقد الثالث من القرن الماضي للمقارنة مع الوضع الحالي. بحسب سي ان ان.

ويقول الخبير الاقتصادي إن تلك الأزمة فرضتها تأثيرات معينة سببها أن المصرف المركزي الفيدرالي في تلك الفترة قام بتقليص حجم السيولة في السوق في الوقت الذي كان ينبغي عليها زيادتها.

وذلك بالإضافة إلى الخطأ الذي ارتكبه الكونغرس الأمريكي عندما أقر قانون "سموت - هاولي" الذي فرض قيوداً على العمليات التجارية، ما مهد لحدوث الأزمة.

ويتابع كولفن بالقول إن الوضع مختلف تماماً اليوم، حيث يندفع المصرف المركزي الفيدرالي لمتابعة الأزمة يومياً، ويعمل الكونغرس لإقرار قوانين تخفف من وطأتها، إلى جانب أن السوق الأمريكية باتت كبيرة جداً مقارنة بما كانت عليه قبل عقود، ما يسمح بظهور فرص ما كانت لتظهر في فترة "الكساد الكبير."

أما بالنسبة للتقارير التي تشير إلى "نهاية وول ستريت" بعد سقوط "بير ستيرن" و"ليمان براذرز،" وبيع مؤسسة "ميريل لنش" المالية، وتحوّل "غولدمان ساكس" و"مورغان ستانلي" إلى مصرفين تجاريين، وانتهاء تجربة المصارف الاستثمارية فإن كولفن يرد بعدم استباق تطور الأحداث.

ويتوقع الخبير الاقتصادي أن تعود المصارف الاستثمارية للظهور بعد نهاية الأزمة، وذلك بسبب رغبة المستثمرين في إدارة عمليات تحويل متحررة من القيود المفروضة على المصارف التجارية العادية، إلى جانب وجود عدد كبير من المدراء والموظفين الماليين الذين فقدوا أعمالهم ويشكلون بالتالي ركيزة أساسية لمصارف الاستثمار المستقبلية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/تشرين الثاني/2008 - 15/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م