ليس منا من يمكن أن يقف ضد الحوار أي حوار، فكيف إذا ما كان هذا
الحوار بين الأديان، لان أي حوار لا بد أن يقرب بين وجهات النظر
ويقصر المسافات بين أتباع الديانات المختلفة كما وأنه يكسر الكثير
من الحواجز النفسية ويسهم في زيادة الفهم لآخر والتعرف على بعض من
معتقداته التي قد تكون محل التباس لدى الطرف الآخر.
هذا الذي نكتبه يأتي على خلفية المؤتمر المزمع انعقاده في مقر
الأمم المتحدة والذي كان "عرابه" الملك السعودي عبد الله الذي
كثيرا ما قيل عنه وخلال وجوده في ولاية العهد من انه قد يكون صاحب
"نَفَسٍ عروبي" أكثر ممن سبقوه من ملوك العائلة في السعودية، لا بل
هناك من "هلل وزمر" عندما توج الملك على العربية السعودية.
محاولة البعض ممن يروجون لهذا المؤتمر على انه "فتح مبين"
للعربية السعودية ليس سوى محاولة لتبرير هذا الاجتماع أو المؤتمر
غير المبرر خاصة وان المسالة لا ترتبط -برأي الكثير من المراقبين-
لا بالأديان ولا بالحوار بين الأديان، وهي ليست سوى محاولة باهتة
في هذا المجال، وان لها أبعادا مختلفة كثيرا عما هو معلن، وان ما
يجري ليس سوى نشاط آخر من النشاطات الدبلوماسية التي تهدف فيما
تهدف للتطبيع مع الكيان العبري تحت عناوين وأشكال مختلفة، وهذا
اللقاء قد يكون فتحا مبينا للدولة العبرية وليس للعربية السعودية
ولا غيرها من دول العالم، خاصة وان هذا المؤتمر يأتي بعد فترة
قصيرة على اختراق آخر تم تحقيقه لصالح "العيون الإسرائيلية" في
الاتحاد المتوسطي.
من المعروف أن موضوع الأديان والتقريب بين هذه الأديان ليس من
تخصص الساسة، فهناك من هم متخصصون في هذا المجال وهم "أكثر من الهم
على القلب" كما يقال، أما أن يخرج علينا من يخرج في محاولة
لإقناعنا بان هذا المؤتمر هو للحوار بين الأديان "التي هي رمز
للتسامح والتصالح والرحمة والمحبة" وان تتم دعوة مجرمي حرب تلطخت
أيديهم ولا تزال بدماء أطفال فلسطين ولنبان وغيرهما من الدول
العربية مثل رئيس الكيان العبري شمعون بيريس الذي ارتكب من الجرائم
ما تقشعر لها الأبدان – لا تزال مذبحة في الأذهان- فهذا ما لا يمكن
أن نفهمه إلا على أساس محاولة أخرى للتطبيع مع الكيان العبري مغلفة
بغلاف ديني علما بان بيريس ووزيرة الخارجية الإسرائيلية التي من
المتوقع أن ترافقه إلى المؤتمر علمانيين لا علاقة لهما لا بالدين
ولا حتى بالقيم الإنسانية أو أي من القيم التي تدعوا إليها جميع
الأديان.
إن ما تردد عن مقاطعة العديد من رجال الدين وخاصة في السعودية
إنما يدلل على أن الأسباب المعلنة للمؤتمر لم تنطل على هؤلاء وعليه
فقد امتنعوا عن السفر إلى أميركا لحضور المؤتمر وكان حريا بهؤلاء
وغيرهم من علماء الدين في الدول العربية أن يقوموا بفضح الأهداف
غير المعلنة لهذا المؤتمر وألا يكتفوا بالمقاطعة وان نسمع فتاواهم
في هذا المجال خاصة وأنهم – رجال الدين بعامة- لا يترددوا في إصدار
الفتاوى حول الكثير من المسائل التي لا ترتقي بحال من لأحوال إلى
أهمية مثل هذا الحدث.
أن يحضر وفدا إسرائيليا إلى المؤتمر هو محاولة أخرى من قبل بعض
الدول العربية التي تروج لإقامة علاقات مع دولة الاحتلال وهو ليس
سوى محاولة للتغطية على الممارسات الإسرائيلية في الأراضي العربية
والفلسطينية المحتلة وخاصة في القدس كما وانه يسهم بشكل أو بآخر في
إبعاد الأنظار عن الممارسات الإسرائيلية التي تتم على مسمع ومرأى
من العالم والتي كان آخرها قطع أو منع تدفق الوقود إلى قطاع غزة
حيث يخضع مليون ونصف المليوني إنسان لحصار ظالم راح ضحيته حتى الآن
حوالي 260 مواطن فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال وجميعهم تقريبا
من المرضى.
من الواضح أن الأشخاص الذين تتشكل منهم معظم الوفود لا علاقة
لها بالدين وان هذه الوفود في اغلبها شخصيات سياسية وهذا ما ينفي
صفة الدين عن المؤتمر، كما أنها تؤكد على أن هذا المؤتمر يأتي تحت
شعارات لا تمت للدين بصلة وان الأديان تستخدم من جديد للتغطية على
أهداف سياسية وتطبيعية مع الدولة العبرية ولا يبدو أن هنالك من
مستفيد سوى الكيان العبري الذي يحقق اختراقات عديدة في مستويات
مختلفة وبشكل مجاني وبدون مقابل.
الأديان يجب أن لا تستخدم "مطية" من اجل تحقيق سياسات تخشى
الأنظمة من الإعلان عنها لشدة ما تسببه من معارضة بين شعوب تلك
الدول، وكان حريا بالدول التي تحاول الترويج "للحوار" أن تروج
للحوار بين أبناءها وفئاتها ومعارضاتها وان تقوم بالتسامح بداية مع
مواطنيها الذين يدينون بنفس الديانة قبل محاولات الترويج للتسامح
مع الديانات الأخرى، حيث أن التصالح مع أبناء الأمة ومع الذات أهم
بكثير من التصالح مع الآخر.
sadapril2003@hotmail.com |