أمريكا والآخرون

في مسالة اللاهثين وراء السراب

د. وليد سعيد البياتي

حالة السياسيين العرب:

في كل اربع سنوات يزداد نبض كل السياسيين العرب يرتفع ضفط الدم، ويصاب بعضهم بالصداع وقد تجد في عيونهم تلك النظرات القلقة، وشيء من الذهول وهم يرقبون الرئيس الامريكي الجديد، ويبقى السؤال الاكثر طرحا في الاوساط السياسية.. كيف سنتعامل مع القيادة الامريكية الجديد؟؟ والغريب انهم في كل مرة يطرحون هذا التسائل ولم يتعلموا كيفية أن يضعوا الاجابة!! في كل مرة يتصورون أن الرئيس الجديد ربما يختلف عن الاخر!! ربما الجمهوري غير الديمقراطي!! ربما الذي يركب الحمار غير ذاك الذي يركب الفيل!! وتبقى هذه الربما وهم يدركون أن لا حيلة لهم، فترتيب العلاقة بين العرب وأمريكا  لاتحددها حتى الادارة الامريكية نفسها ولادور للعرب إلا الموافقة وأن يقولوا نعم يا سيادة الرئيس.

من يرسم العلاقات الامريكية الخارجية:

لاتتحدد العلاقة بين العرب وأمريكا في المكاتب العربية الرئاسية، ولا في غرف نوم الملوك والحكام، ولكنها تتحدد هناك في موقع واحد هو مركز ( أيباك). فهذا المركز الذي يرسم علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل هو نفسه من يرسم علاقاتها مع العرب، فمنهجية العلاقات الامريكية مع الاخرين تتحدد من موقف الاخرين من اسرائيل، وهو منهجية تم تشكيلها خلال عقود تعود إلى أواسط عشرينات القرن الماضي، إي قبل قيام اسرائيل نفسها بحدود ربع قرن، أي قبل أن يؤسس اليهودي الامريكي (إيبان سي كينين) منظمة الضغط (أيباك ) سنة (1951) والتي عرفت وقتها باسم (لجنة العلاقات الامريكية الصهيونية) وهي نفس المنظمة التي سعت الى دخول اسرائيل حرب السويس مع حليفتيها السابقتين فرنسا وبريطانيا ضد مصر سنة (1956). والادارة الامريكية غير مستقلة استقلالا تاما حيث انها تتماهى والسياسة التي تعرضها هذه المنظمات الضاغطة.

قد لاتكون (أيباك) المنظمة الوحيدة التي ترسم العلاقات الامريكية بالاخرين وخاصة العرب، لكنها على الاقل الاكثر تاثيرا، فالتشريعات القانونية الامريكية تراعي دائما المصالح اليهودية في الولايات المتحدة نفسها وفي الخارج على السواء، وبالتأكيد على الاخرين (من عرب ومسلمين وغير اليهود) أن يدفعوا الضريبة.

اللاهثون:

لايدرك الكثير من السياسيين العرب أن تغيير الجالس في المكتب البيضاوي في البيت الابيض لايعني تغيير مواقف الادارة الامريكية من السياسات الخارجية، ولكنه في المرحلة الاخيرة بدات هذه المفاهيم تتوضح لدى بعض الساسة ومع ذلك يجدون أنفسهم عاجزين عن الاستفادة من مرحلة التغيير الاولية وخاصة مرحلة السنتين الاوليتين والتي يفترض بالرئيس الجديد ان يستغلها لتحقيق برنامجه الذي طرحه سابقا خلال مرحلة التحضير، لكن الغريب أن اللهاث العربي خلف السياسة الامريكية لم يتح فرصة لدول المنطقة في مراجعة حساباتها، فالولايات المتحدة المنهارة اقتصاديا والمنخنقة بساساتها الخارجية العشوائية دولة ضعيفة بكل المقاييس، ووجدنا كيف أن رئيس الوزراء البريطاني المتورط هو وحزب العمال بالسياسة الامريكية الخارجية يبحث عن مساعدات مالية من دول الخليج، وقبله كان الرئيس المنتهية ولايته هو الاخر قد طاف بالعالم بحثا عن مخرج اقتصادي من أزمة تسببت بها السياسات الاقتصادية الامريكية نفسها والتي ورطت كل حلفائها سواء في اوربا او الشرق الاوسط والخليج بها، فعلى اللاهثين ان يدركوا ان الولاات المتحدة لم تعد هي الحلم، وأن وصول رجل أسود للبيت الابيض لايمثل قيمة الحلم الامريكي، فقد ينظر مجتمع هارلم الى الامر من هذه الناحية، لكنها ناحية ضيقة، فالسياسة الامريكية تصنع خارج المكتب البيضاوي، وما الرئيس ألا منفذ لسياسات لوبيات الضغط.

لاشك أن اللهاث العربي السياسي يمثل نوعا من الانفصال عن الواقع الاجتماعي المعاصر وكان على براميل النفط  الخليجية أن تعمل على تقويض الاقتصاد الامريكي المنهار والعمل على إيجاد نظم إقتصادية أخرى بدلامن تعويض البنوك والبورصات الامريكية، فالولايات المتحدة لطالما سعت غلى توحيد الاقتصاد الدولي لحماية اقتصادها الخاص في حالة حدوث انهيارات إقتصادية كالتي حدثت مؤخرا، فالعولمة نظام أوجد لخدمة رؤوس المال الكبيرة على حساب الطبقة المتوسطة والتي تمثل غالبية المجتمعات.

هل ينجح أوباما؟:

قد اخصص دراسة تحليلية للبرنامج المطروح من قبل الرئيس الاسود المنتخب، لكن أوباما الديمقراطي ربما لايختلف كثيرا عن الاشقر بيل كلنتون في مفاهيم المصلحة الامريكية من السياسة الخارجية، وهذا الفهم لا يتحدد بالاتجاهات الثقافية للرئيس الامريكي الجديد بقدر ما تحدده رغبة اليمين المتشدد في المزيد من الهيمنة، فسحب القوات الامريكية من الخارج يتعارض ومفهوم الهيمنة الامريكية، وسيمثل تراجعا في السياسات الخارجية من وجهة نظر اليمين المتطرف، فعلى الرغم من تصريحات الرئيس الروسي بان الولايات المتحدة ليست القوة الكبرى الوحيدة في العالم، إلا إن عصر السقوط الامريكي لايماثل عصر انهيار الاتحاد السوفياتي المتسارع وقتها، فالسقوط الامريكي سيستغرق الكثير من الوقت كما ذكرت في بحوثي السابقة، وقد لايتجاوز بضعة عقود ولكنه لن يحدث بين يوم وليلة، والمهم بالنسبة لنا كمراقبين لحركة التاريخ ان عجلة الانهيار الامريكي قد بدات ولن تتوقف.

هل ستساعد سياسات الرئيس الاسود الجديد على تفعيل الانهيار سياسيا واقتصاديا؟ إن الاجابة على هذا التساؤل تبدأ من بداية ممارسة الرئيس الجديد لصلاحياته، فالتغيير إذا حدث سيكون صاعقا للامريكيين انفسهم لدرجة انهم بعد سنوات سيتمنوا لو أنهم لم يؤيدوا (أوباما)، وهذه النبوءة او الفكرة ارجو ان يتذكرها من يقرأ مقالتي هذه بعد عشر سنوات من الان. وعندها سأسئل اللاهثين أين كانت الحقيقة.

* المملكة المتحدة – لندن

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 12/تشرين الثاني/2008 - 12/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م