![](Images/133.jpg)
شبكة النبأ: شارع المتنبي أو كما
يسميه كثيرون شريان الثقافة العراقية، هو اليوم في حِلّة جديدة
تختلف عن صورته قبل أكثر من عام عندما دُمرت معظم مبانيه بفعل
انفجار سيارة مفخخة، وهو ما تسبب بركود سوق الكتب التي يشتهر بها
وانحسار رواده من بغداد ومحافظات أخرى.
هذا الصرح الثقافي، يشهد اليوم مرحلة اعمار شاملة من بدايته من
جهة سوق السراي، حتى نهايته صوب مدخله من جهة شارع الرشيد، حيث
تتواصل أعمال رصف للمرمر في أرضية الشارع وطلاء الأبنية القديمة
بالطابوق الأصفر، إضافة الى ترميم الأبنية المتهالكة فيه.
وفيما اجمع كتبيون على تقدم الأعمال الجارية لإضفاء جمالية على
الشارع، مشيرين في الوقت نفسه الى ضرورة تنظيم الوضع الأمني
وحماية الشارع، فان كتبي رأى أن الاعمار الذي جرى قد غير من الروح
التراثية له.
يقول الكتبي مازن لطيف علي لـ اصوات العراق أن “الاعمار الذي
جرى مس الروح التراثية التي كان الشارع يتميز بها.”
وبين “كنا نتمنى أن تترك الأبنية باخشابها وعمارتها البغدادية
القديمة ،إلا إن الإعمار قد جعلها تتغير بالكامل ،فلاهي تراثية
ولاهي حديثة.”
وأضاف في سياق الأعمال الجارية أن “الشارع يحتاج إلى مساطب
ومقاعد استراحة لرواد الشارع، أو مقاهي وكازينوهات جديدة غير مقهى
الشابندر، وكذلك تنظيم وضع العربات الذين يشغلون مساحة كبيرة داخل
الشارع، وأيضاً بسطات باعة الكتب”.
وأكد ان “سوق الكتب في المتنبي بدأ ينتعش بصورة متميزة، حيث عاد
رواد الشاعر اليه، وانتعشت حركة البيع.
الكتبي محمد سلمان، قال إن “مراحل اعمار الشارع لحد الآن جيدة،
إلا ان جهوداً يجب ان تبذل من قبل الجهات الرسمية للمحافظة على
رونقه وجماله، وتخصيص فرق صيانة من قبل امانة بغداد لغرض ادامة
النظافة، وإعادة خطوط الكهرباء والهاتف الأرضي.
ولفت صاحب مكتبة عدنان ان هناك حاجة حقيقية لتنظيم الوضع الامني
في الشارع وتعيين مفارز ثابتة من الشرطة العراقية في مدخلي الشارع
من جهة شارع الرشيد وسوق السراي.
واتفق معه الكتبي نعيم الشطري في ضرورة ان تكون “هناك مفارز من
الشرطة العراقية ،ترابط عند مداخل الشارع من جهتيه، وذلك لمنع
الإرهابيين والانتحاريين الذين ربما يستهدفون الشارع من جديد”
وأشار الشطري الى ان مراحل الاعمار تجري ببطء في الشارع، وان
بعض الفقرات التي سمعنا عنها من الأمانة ألغيت، مثلاً لن تنصب
نافورات في الشارع ،كما كان مقرراً،كما ان هناك سوء في التنظيم
نلحظه من تهديم المبني من الشارع أصلا ،لنصب (كيبلات) في الأرض”.
وبين ان “الاهتمام بالشارع واضح لكنه بحاجة الى المزيد، بعد
خطوات كثيرة أضافت جمالية كبيرة له، ومنها توحيد أسماء المكتبات
بنفس الخط على جدرانها”.
ونوه الكتبي كريم حنش الى ان” تعثرات تحصل في مراحل اعمار
الشارع، تتمثل بعدم وجود تنسيق بين الوزارات المعنية، ومنها وزارة
الكهرباء ووزارة الاتصالات حول مد أسلاك الهاتف والإنارة، فأكمل
ترصيف الشارع وبدأ الهدم من جديد لنصب الكيبلات.
وأشار صاحب مكتبة الحنش الى “الجوانب الإيجابية في اعمار الشارع
،وهي منع السيارات من المرور في الشارع نهائياً “. مؤكدا على وجوب
ان توجد ضوابط لحصر الشارع لبيع الكتب والقرطاسية، خوفاً من غزو
البضائع الاستهلاكية للمحافظة على روح الشارع الثقافية والحضارية.”
ولفت أيضا إلى ضرورة ان “تتدخل الدولة لحسم موضوع الإيجارات
وتحديدها، لتلافي الابتزاز عن إيجارات السنوات الثلاث الماضية ،والتي
عُـطل خلالها الشارع،فكيف إذا قدرت الإيجارات وفقا لمايريده مالكو
تلك المحال والأبنية”.
الحاج محمد الخشالي ،صاحب مقهى الشابندر، قال “بعد قطع شوط جيد
في مراحل الاعمار ، بدء من افتتاح الشارع من قبل د.برهم صالح ،
وتطور الشارع نحو الأفضل فعلاً،وأصبح الشارع متميز ثقافياً وتراثياً.”
لكن الخشالي لفت إلى إن “بعض المعوقات لاتزال موجودة ويجب
تلافيها، ومنها وضع حل لباعة الكتب على الأرصفة، وذلك بامتداد رقعة
الشارع إلى شارع حسان بن ثابت والقشلة وعمل أكشاك نظامية لهم ،وبأسعار
تناسب أعمالهم، ووضع خدمات صحية في الشارع تليق بمكانته وبرواد
الشارع من كبار السن والمرضى.”
واستطرد مؤكدا على “أن تلتفت أمانة بغداد الى ان تكون المنطقة
التراثية محصورة من شارع حسان بن ثابت ،جهة مقهى الزهاوي، الى مخرج
شارع المتنبي من جهة شارع الرشيد وبضمنها القشلة ،لتصبح المنطقة
تراثية بحق وحقيقة.”
يذكر ان تفجيرا مروعا ،كان قد حدث في شارع المتنبي في آذار من
العام الماضي ذهب ضحيته مالايقل عن 35 قتيل وجريح، وألحق أضرارا
بالغة بالشارع ومنها مقهى الشابندر الذي يقع في نهاية الشارع مقابل
سوق السراي.
وكان قد أعلن قبل عام تقريبا عن بدء حملة كبيرة لإعادة اعماره،
تنفذها عدد من الجهات المعنية، ومنها وزارة الثقافة وأمانة بغداد
ووزارة البلديات والأشغال العامة .
ويعد شارع المتنبي الذي يحمل اسم الشاعر العربي العباسي الكبير
“المتنبي”، والمحصور بين نهر دجلة وشارع الرشيد، أشهر مركز لتجارة
الكتب في بغداد، وقد أطلق عليه خلال الحكم العثماني اسم “الخامنيه”
وهي كلمة تركية تعني “ثكنات الجيش” التي كان يمكن مشاهدتها في بعض
المحال والمكاتب والمقاهي الموجودة هناك.
وتؤكد المصادر التاريخية ان شارع المتنبي يعود الى العصر
العباسي الذي بدأ في القرن التاسع، وتزايدت فيه أعمال التأليف
والترجمة للكتب العلمية وازدهر خلاله الشعر العربي في بغداد،
بالإضافة إلى الفنون والآداب الأخرى.
كُتب المتنبي تُجدد آمال نهوض الطبقة
الوسطى العراقية
في الطابق العلوي، كان الباب الأزرق لغرفة نوم الابن الوحيد
لحياوي يحيى مغلقا، وهي تخفي بين جدرانها الأغراض الخاصة لحياته
القصيرة. وفي الطابق الأسفل ينبعث الصوت المرتجف لبائع الكتب الذي
يبدو عليه سيماء الضعف والوهن، وهو يعيد شريط ذكرياته حول انفجار
السيارة الملغومة الذي أودى بحياة نجله وشقيقه، ودمّر محل بيع
الكتب التابع للعائلة الذي يقع في شارع المتنبي المزدحم بالمحال
التجارية في بغداد، تدميرا كاملا، فمنذ ما يربو عن العام، لم يلج
حياوي تلك الغرفة.
وهو نفسه أيضا كاد يفارق الحياة في ذلك اليوم، وعقب خضوعه لخمس
عمليات جراحية، يجد الآن صعوبة في الوقوف على رجليه، وتتدلى ذراعه
اليسرى مشلولة إلى جانبه، ويتناول سبعة أنواع من الحبوب الدوائية
يوميا لتخفيف الأوجاع، وحالة الاكتئاب التي يعانيها حاليا. وما
زالت شظايا القنبلة موجودة داخل جسده، مسببة مخاطر صحية جديدة.
ولكن عقودا من الديكتاتورية والحرب والعقوبات الدولية متبوعة
بخمس سنوات من الاحتلال، المقاومة المسلحة والنزاع الطائفي، لم تفت
في عضد عائلة حياوي: إذا كنت محاطا بالمخاطر من كل جانب، كيف يمكن
أن تعيش؟ يقول حياوي (60 عاما) وهو جالس على مكتبه الموجود داخل
منزله الفسيح؟ الذي يحتضن رفوف الكتب في يوم غائم. بحسب تقرير
لصحيفة الفايننشال تايمز.
ورغم هذه السلسلة المتواصلة من المآسي العراقية، فإن عائلة
حياوي تمثل الجانب المبشر من مستقبل العراق، فعلى الرغم من حزنهم
الشديد، فإنهم يرفضون بإصرار تام الاستسلام للواقع المرير، وما
زالوا يشكلون جزءا من المجموعة التي بدأت صورتها تخبو تدريجيا،
ولكن ما زالت نافذة.
إنهم أفراد للطبقة الوسطى العراقية الذين من واقع قلقهم بسبب
الانشقاقات الطائفية والهوية الإسلامية المتصاعدة، عازمون على
المحافظة على طبيعتها العلمانية الخالية من الأحقاد، التي تغذيها
النزعات الجهوية.
وفي بلد يعاني من انعدام الخدمات الأساسية، ومعدل بطالة عال
وندرة في الاستثمارات الأجنبية، تقف العائلة كبديل نابض بالحياة.
وأسفر العنف الدائر هناك عن نزوح أكثر من مليوني مواطن عراقي
إلى خارج البلاد، ما أدى إلى تجفيف العراق من المهنيين المؤهلين،
ولكن متجر الكتب الخاص بهم "مكتبة النهضة" يظل ذخيرة للأفكار
والنهضة الفكرية. وفي كل يوم ومن موقعه في شارع المتنبي، يبيع
حياوي الكتب موفرا بذلك المادة العلمية والتقنية لمجموعة جديدة من
المحامين، الأطباء، ومبرمجي الكمبيوتر.
وتبقى عائلة حياوي في العراق بدافع من حب الوطن (نوستالجيا)
القومية ونوع من التقليد، إضافة إلى كونه ضرورة اقتصادية. عندما
تنسحب القوات الأمريكية في يوم ما، سيعتمد العراق على العائدات من
عائلاته من أجل إعادة بناء نفسه ماديا ونفسيا.
ويقول حياوي الأصلع ذو اللحية البيضاء: العراق بمثابة الروح
بالنسبة إليّ. أنا أذهب وأعود إليه، ولكنني لن أغادره نهائيا على
الإطلاق.
ومنذ نهب محتويات متاحف المدينة في أعقاب غزو البلاد بقيادة
الولايات المتحدة في 2003، فإن أحد المعالم الثقافية والتاريخية
القليلة المتبقية في العاصمة هو شارع المتنبي، الذي سمى على الشاعر
الذي عاش في القرن العاشر, والذي ما زال العراقيون يحفظون أشعاره
عن ظهر قلب.
وفي كل عطلة نهاية الأسبوع، التي تبدأ من الجمعة، اعتاد الآلاف
من المواطنين العراقيين النزول إلى شارع المتنبي للتسوق، وشراء
الكتب من بائعي كتب ينتمون لكافة المذاهب والأديان، مصداقا للمقولة
العربية "القاهرة تكتب، بيروت تنشر، وبغداد تقرأ".
وعقب الغزو طفت مظاهر الحرية على طول شارع المتنبي، حيث شرع
بائعو الكتب في عرض الكتب الدينية الشيعية في وضح النهار، مؤلفات
المذهب الوهابي للسنة المتشددين، والمجلات الغربية التي تحمل صور
النساء العاريات.
في وقت ما سابقا كان ذلك كافيا لجلب عقوبة السجن، ولكن
الاضطرابات العراقية المتصاعدة ولدّت خيبة الأمل، حيث فرضت الحكومة
حظر تجول يوم الجمعة، وتعطلت حركة البيع، وهرب العديد من بائعي
الكتب إلى خارج العراق. وتفرق شمل عائلة حياوي بين كل من بيروت
دمشق والقاهرة.
وانتقل أحد أشقائه ويدعى ظافر إلى القاهرة بعد أن استهدف
المختطفون ابنه. لكن نبيل وإخوانه الآخرين آثروا البقاء في دارهم
في بغداد، وهم ينتقلون جيئة وذهابا لإدارة المتجر.
محمد أصغر الإخوة لم يغادر العراق بتاتا، ويقول: عندما نعود إلى
الدار بعد العمل ليس هناك أي ضمان لكي نصل الدار سالمين. وعندما
نأتي إلى العمل في الصباح، لا يوجد أي ضمان لكي نصل إلى هنا سالمين.
في بغداد تتعرض مجموعات كثيرة من الشوارع والأسواق للتفجيرات،
وأحيانا تتكرر مثل هذه الحوادث عدة مرات، ومع ذلك تعود مظاهر
الحياة مرة أخرى بسرعة، وفي غضون بضع ساعات يصلح العراقيون النوافذ،
ينظفون الشوارع ويدفنون الموتى.
غالبية المواطنين ليست لديهم أية وسيلة لمغادرة العراق، ولكن
عائلة حياوي تملك تلك الوسائل، بعد أن باع الإخوة دارهم الكائن في
بغداد بمبلغ 330 ألف دولار، ولكن عوضا عن تأمين متطلبات المعيشة
باستخدام هذا العائد، أو استثماره خارج البلاد مثلما يفعل الكثير
من العراقيين الآن، صرف أفراد العائلة ذلك المبلغ في إعادة بناء
متجري العائلة، وتسديد ديونهم وشراء المزيد من الكتب.
ويقول أصغر إخوة نبيل البالغ من العمر 52 عاما: إنه مصدر رزقنا
وتراثنا وتاريخنا، هذه بلدنا فكيف لا نظهر تمسكنا بها.
وهناك سبعة موظفين في مكتبة النهضة في الوقت الراهن، يشرف عليهم
يوميا أحد أفراد العائلة، بمن فيهم عويس نجاح الحياوي ابن أخ نبيل
البالغ من العمر 36 عاما، وقبل نصف ساعة من الانفجار الذي وقت في
آذار (مارس) 2007، كان قد غادر المتجر لإحضار بعض الكتب من مستودع
قريب، وعاد للمساعدة في إنقاد الناجين.
وقبل أيام قليلة تجاذب أطراف الحديث مع العملاء داخل المتجر،
وبالهاتف مع أحد الناشرين في بيروت، مواصلا تراث العائلة عبر الجيل
الثالث.
ومن الخارج يبدو شارع المتنبي الذي أصابه الخراب، محاط بحواجز
أسمنتية ونقاط تفتيش عسكرية، ويحظر دخول السيارات، والمباني
القريبة من الشارع تقف متضخمة كالطود الشامخ.
غادر العديد من الكتاب، الفنانون وأساتذة الجامعة العراقيون
بغداد، وبالتالي فإن عناوين أفضل البائعين ذهبت إلى الكتب الدينية
الشيعية، القرآن والقواميس الإنجليزية التي تنال الأسبقية حاليا.
ولكن طوال الوقت الذي يقضيه نبيل داخل متجر الكتب، يكون مبتهجا
لرؤية العملاء، لا سيما الطلاب الذين يذرعون الشارع جيئة وذهابا
غير مبالين بالمخاطر المحيطة بهم، جراء العنف المستمر ويقول معبرا
عن هذا الشعور، أنا سعيد للغاية، بعد أن اكتشفت أن الناس ما زالوا
يقرأون الكتب. |