متطلبات الديمقراطية في دول الخليج

أحمد شهاب

لو أردنا أن نختصر متطلبات التحول الديمقراطي في دول مجلس التعاون ضمن طبيعتها وظروفها السياسية والاجتماعية، لأوجزناها في أربع نقاط أساسية:

الأولى: بروز أجنحة إصلاحية في مؤسسة الحكم: تتبنى هذه الأجنحة قضايا التغيير والمشاركة السياسية، إن السؤال الذي يتجدد بين فترة وأخرى هو: هل توجد أجنحة في الحكم تؤمن بضرورة الديمقراطية، أم أن جميع النخب الحاكمة في الخليج لديها مواقف مسبقة من الديمقراطية والإصلاح؟ إن كان الجواب بالإيجاب، وأظنه كذلك، فعلى تلك الأجنحة أن تتخلص من سلبيتها وصمتها وتباطؤها، وتتقدم لدعم الديمقراطية، والتقدم يعني أكثر من إبداء النوايا الحسنة، وعقد اللقاءات السرية مع القوى والأطراف السياسية والاجتماعية، إذ لابد من المبادرة بخطوات ملموسة تنتقل بالواقع القائم إلى واقع جديد.

المطلوب تحديدا هو التأثير في توجهات الحكم بصورة عامة، ودفع التيار التقليدي داخل الأسر الحاكمة، لتبني أطروحات جديدة ومعاصرة، وإلا فإنها سوف تتحول إلى عبء على التطور والديمقراطية في تلك البلدان، إن الأمل ببروز أجنحة إصلاحية داخل الأنظمة الوراثية هو المعول لاستمرار قُدرتها على مواكبة حاجات العصر، واستيعاب مختلف التوجهات السياسية والفكرية، وإدارة مجتمع خليجي حديث بكفاءة عالية.

يُنتظر من شخصيات الأسر الحاكمة المساهمة في إعادة صياغة التوافق الديمقراطي في دول الخليج، ليشمل قضايا مثل مسألة المرأة والبيئة وحقوق الأقليات الدينية، والدفع نحو توافق إصلاحي حول ما يعرف بالمرتكزات القيمية للحياة الديمقراطية من حرية وشفافية وتداول للسلطة.

الثانية: تبلور منظور استراتيجي للقوى السياسية: يدور هذا المطلب حول سؤال أساسي هو: كيف يمكن للقوى السياسية في الخليج توليد ضغوط سلمية على النُّخب الحاكمة كافية لإحداث تحول ديمقراطي حقيقي؟

في الكويت والبحرين تبدو مسألة المشاركة متوفرة إلى حد ما، وتدور في ساحاتها السياسية منافسات وانتخابات دورية تكفل مشاركة المواطنين في الشأن العام ولو بصورة جزئية لا تخلو من نقد وملاحظات، فيما تمتنع دول أخرى عن التقدم أي خطوة في هذا الاتجاه، وإن كنت أعتقد أن جميع دول الخليج لاتزال خجولة في مسار المشاركة السياسية، من المؤكد أن عدم إيمان الحكومات بالديمقراطية بدرجة كافية هو أحد أسباب تعثر المشاركة، لكنني أرصد سببا آخر وهو عزوف المواطنين عن الدخول في الشأن العام بصورة فاعلة.

مهمة المعارضة والقوى السياسية في الخليج باعتقادي هي العمل على ابتكار أساليب جديدة تعيد المواطن العازف عن المشاركة السياسية إلى الساحة، وتدفعه للمساهمة في الشأن العام والضغط على السلطة، كما يتجلى دورها في الاستفادة من حالة الاستياء والتذمر السائدة حول السياسات الحكومية لبلورة «روح معارضة» تعيد اكتشاف السياسة بصفتها بوابة الإصلاح والتغيير.

من المؤكد أن هذا الدور لا يمكن أداؤه بصورة فعالة دون أن تتقدم القوى السياسية النشطة والمترابطة بمنظور استراتيجي وتكتيكي واضح، وهو ما يتطلب ارتكازها على هوية واضحة المعالم، يُدعّم قُدرتها على تطوير برامج متماسكة ويساهم في صياغة خطاب سياسي متمايز عن خطاب السلطة، ولا يقتصر فقط على رفض سياسات النُّظم الحاكمة، فالمطالبة بالتحول الديمقراطي من دون تطوير رؤى محددة تُبين اتجاهات ذلك التحول وكيفية تحقيقه هو فشل للقوى السياسية.

الثالثة: تماسك التكوينات الاجتماعية: فتماسك التكوينات الاجتماعية ودعمها للمسار الإصلاحي هو أحد ضرورات استقرار الديمقراطية في الخليج، فالعديد من مجتمعات دول المجلس تُعاني من عدم قدرة تنوعاتها الاجتماعية على التماسك، في السعودية والإمارات ثمة شعور بالغبن يتخلل بعض الشرائح الاجتماعية، حيث تبرز حدة التباينات على أسس مناطقية، وفي الكويت والسعودية والبحرين تظهر شدة الاستقطاب الطائفي، وفي عموم دول الخليج لايزال هناك صراع متفاوت من حيث الحدة بين البوادي والحواضر.

في الكثير من دول الخليج تكاد تكون الطائفية حتى الآن الإطار الأول المستخدم للتعبير عن مصالح الجماعات، وهو الدائرة التي تنبعث منها الإستراتيجيات الرئيسية التي تصوغها القوى الطامحة للسيطرة وحيازة مواقع في الدولة، كما أن سطوة التراكيب القبلية والعشائرية في المجتمعات الخليجية كانت ولاتزال عاملا مساعدا على انفراط عقد الهوية الوطنية، وعودة المجتمع الخليجي إلى انتماءاته الأولية «العرقية والقبلية والمذهبية»، ولذلك ذهب بعض الباحثين للحديث عن دول الخليج بصفتها مجتمعات معدومة الهوية.

باختصار، لا يمكن أن تنمو الديمقراطية في ظل تصادم التكوينات الاجتماعية، ولن تُحرز التكوينات الاجتماعية تماسكها من دون إعادة بناء الهوية الوطنية داخل دول المجلس.

الرابعة: الاجتهاد الفقهي المعاصر: لابد من الاعتراف بالدور الرئيس الذي يلعبه الدين في حياة شعوب الخليج، فهو جزء لا يتجزأ من ثقافتهم وهويتهم، أو بالأحرى هو المكون الأساسي لثقافتهم وقيمهم، إن الخطأ الذي وقعت فيه العديد من الأطراف التجديدية أنها تصادمت مع الدين، وعرضت مشروعها الفكري أو السياسي وكأنه في حالة عداء وصراع مع الدين وأتباعه، فأخطأت الطريق، ولم تستطع استقطاب المجتمع الخليجي حولها، وما يؤكد هذه الفكرة هو العزوف الجماهيري عن التفاعل مع التيارات الليبرالية رغم نشاطها الملحوظ ومحاولاتها الدؤوبة لتبني أطروحات تجديدية، فأغلب المؤسسات الحديثة بدت معزولة ثقافيا وحضاريا، على عكس المؤسسات التقليدية التي لاتزال تحظى بالقبول والحضور رغم تواضع أدائها وأطروحاتها.

لكن المؤسسة الدينية في الخليج لم تستفد من هذا الإقبال لتدعيم التطور السياسي والاجتماعي، وهو ما يصب لصالح الإنسان أولا وأخيرا، وإنما غرقت في تقليديتها حتى بدت خارج العصر، ولم تستطع أن تقدم الكثير في مواجهة التحديات المعاصرة، بل وتحولت في بعض الفترات إلى عائق يقف أمام التطور السياسي، فقضايا مثل مشاركة المرأة، الحريات العامة، حقوق الإنسان، الحاكمية، المواطنة، وأخيرا الديمقراطية، مسائل لايزال يدور حولها جدل طويل دون أن تصل إلى نتيجة مقنعة، ويُخيم شعور بأن الحلول التي طُرحت حول الكثير من القضايا لم تتجاوز حالة «الاضطرار» التي وجد فيها الفقهاء أنفسهم، وليست حلولا فكرية وفقهية حقيقية.

لقد قدمت بعض المؤسسات الدينية في الخليج خدمة مجانية للحكومة، عندما عملت على تحييد المفاهيم الديمقراطية، ونبذ الإصلاحات السياسية، والتشكيك في شرعية المطالب الشعبية، وقد آن الأوان أن تُصحح دورها من خلال تقديم اجتهادات فقهية وفكرية حديثة تقدم فهماً وتفسيراً للديمقراطية والمفاهيم المرتبطة بها بحيث يجعلها أكثر قبولاً.

* كاتب كويتي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 29/تشرين الأول/2008 - 29/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م