امريكا وسوريا: إعادة تقييم سياسة العزل وتصاعد وتيرة التحذير

الغارة على سوريا تصعيد غير مسبوق المستوى

 

شبكة النبأ: فيما اعتبر بعض المحللين ان الغارة الامريكية الاخيرة على سوريا جاءت لتقوية الحافز لدى دمشق لضبط حدودها مع العراق رأى البعض الاخر انها نتاج أعوام من الاحباط الامريكي من التراخي الحدودي السوري، بالاضافة الى رؤية اكبر وأوسع تتمثل في ان الغارة هي تحذير ذو وتيرة عالية للرئيس الاسد من مغبة التدخل في لبنان او الرجوع الى الوراء نحو انتهاج سياسة مناهضة للولايات المتحدة.

وقال مسؤول أمريكي ان الغارة العسكرية الامريكية داخل سوريا الاحد الماضي قد قتلت مهربا كبيرا للمقاتلين الاجانب الى العراق بينما اتهمت سوريا الولايات المتحدة بارتكاب عدوان ارهابي.

وتحدث المسؤول شريطة الا ينشر اسمه عن الغارة التي قال سكان ومسؤولون سوريون ان قوات امريكية نزلت فيها بطائرات هليكوبتر وقتلت ثمانية مدنيين.

وقال مسؤول امريكي ثان ان القوات الامريكية استهدفت فحسب اشخاصا تعتبرهم خطرا وان النساء والاطفال كانوا احياء في الموقع حينما غادرت المكان.

ورفض البنتاجون والبيت الابيض ان يؤكدا أو ينفيا رسميا تورط الولايات المتحدة في الحادث الذي اثار قلق فرنسا وروسيا. ودعت الدولتان الولايات المتحدة الى احترام سلامة اراضي سوريا.

واذا تأكد ان واشنطن كانت مسؤولة عن الهجوم فستكون هذه اول ضربة امريكية من نوعها داخل سوريا منذ غزو العراق عام 2003 .

وتقول سوريا ان أربع طائرات هليكوبتر امريكية هاجمت مزرعة السكرية في منطقة البوكمال بشرق سوريا يوم الاحد وان جنودا أمريكيين اقتحموا مبنى في المنطقة.

وقال المسؤول الامريكي الاول ان الغارة استهدفت ابو غادية وهو مساعد سابق للمتمرد الاردني أبو مصعب الزرقاوي وأن مقتله سيشل حركة شبكة التهريب. وكان الزرقاوي قتل في غارة جوية امريكية عام 2006 .

وقال المسؤول الامريكي "كانت عملية ناجحة... يعتقد انه (ابو غادية) مات." ومضى يقول "هذا بلا شك سيكون أثره ان يضعف بشدة من شبكة تهريب المقاتلين الاجانب هذه."

وأظهرت لقطات لتلفزيون رويترز مزرعة صغيرة محاطة بسور مساحتها نصف فدان وشاحنة عليها اثار اطلاق نار ودماء على الارض. وعرض التلفزيون السوري مشاهد لاعمدة مبنى تحت الانشاء وخيمة مجاورة بها أطعمة وأغطية. وتناثرت على الارض أظرف طلقات فارغة.

ونقلت الوكالة العربية السورية للانباء عن سعاد الجاسم التي نجت من الحادث القول "فوجئنا حوالي الساعة الخامسة عصرا بهبوط طائرتين في مكان اقامتنا ترجل منهما عدد من الجنود الامريكيين بينهم من يتكلم العربية ودخلوا الخيمة التي اسكن فيها انا وزوجي الذي يعمل بها حارسا للمشروع واولادي."

وقالت ان الجنود الامريكيين اطلقوا النار عليها وعلى اطفالها في الخيمة. واضافت "ثم اطلقوا النار على العمال في الموقع." وقتل زوج سعاد في الهجوم واصيب احد اطفالها. وقالت الوكالة السورية ان الافاً حضروا الجنازة التي أقيمت لمن قتلوا في الغارة.

وقال المسؤول الامريكي الثاني ان القوات العسكرية الامريكية تصرفت لمساندة "وكالة اخرى" في تنفيذ العملية. ورفض المسؤول الايضاح لكن الوصف قد ينبيء بتورط المخابرات المركزية الامريكية.

ووصف المسؤول ابو غادية بانه "شخص سيء" كان يدير واحدة من أبرز شبكات جلب المقاتلين الاجانب والمفجرين الانتحاريين الى العراق.

الاميركيون يعتبرون العملية نجاحا ودمشق تدين الاعتداء الارهابي

من جهتها اعتبرت دمشق الغارة التي استهدفت قرية سورية محاذية للحدود العراقية "اعتداء ارهابيا" في حين اكدت مصادر عراقية واميركية ان العملية استهدفت "بنجاح" مقاتلين اجانب يستخدمون الاراضي السورية "قاعدة خلفية" لتنفيذ عملياتهم في العراق.

وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحافي في لندن اثر اجرائه محادثات مع نظيره البريطاني ديفيد ميليباند "نعتبر ما حصل اعتداء ارهابيا واجراميا ونحمل الحكومة الاميركية المسؤولية". بحسب رويترز.

وكان مسؤول اميركي رفض كشف هويته اكد ان الغارة التي قتل فيها ثمانية اشخاص نفذتها القوات الاميركية. واعتبر انها بمثابة "نجاح" ضد المقاتلين الاجانب الذين ينفذون عمليات في العراق.

واضاف المسؤول "حين تبرز فرصة مهمة يجب انتهازها (...) هذا ما ينتظره الاميركيون خصوصا حين يتصل الامر بمقاتلين اجانب يدخلون العراق ويهددون قواتنا المسلحة".

وقال مسؤول اميركي طلب عدم الكشف عن اسمه ان مهربا كبيرا للمقاتلين الاجانب الى العراق قتل في الغارة الاميركية.

لكن المتحدثة باسم البيت الابيض دانا بيرينو رفضت التعليق على الهجوم ردا على سؤال بواسطة البريد الالكتروني.

من جهتها اعلنت الحكومة العراقية ان المنطقة التي استهدفتها الغارة "كانت مسرحا لنشاطات تنظيمات معادية للعراق تنطلق من سوريا".

وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ ان "الحكومة العراقية على اتصال مع الجانب الاميركي حول الانباء التي تتحدث عن هجوم على المنطقة الحدودية مع سوريا". واضاف ان "العراق طلب من السلطات السورية تسليم المجموعة التي تتخذ من سوريا مقرا لنشاطاتها المعادية للعراق" مؤكدا ان "العراق يسعى دائما الى علاقات طيبة ومتميزة مع الشقيقة سوريا".

الغارة تحذير لسورية وعلى الاسد ان يصغي

واحتلت الغارة صدارة الاخبار الشرق اوسطية في الصحافة البريطانية، وفي تحليل نشر في صحيفة التايمز كتب جيمس هايدر مقالا تحت عنوان: "تحذير على سورية بشار الاسد ان تصغي اليه".

ويقول هايدر ان الغارة نفذت على مزرعة في منطقة البوكمال المحاذية للحدود مع العراق قتل من جرائها 8 اشخاص جاءت "نتيجة اعوام من الاحباط الامريكي بسبب عدم قدرة دمشق على ضبط حدودها التي تعتبر احد مداخل الجهاديين الى العراق".

ويضيف المحلل ان هجوما على دولة مستقلة "يحتاج من موافقة من اعلى المراجع الامريكية ما يضعه بمثابة تحذير لدمشق في الوقت الذي تحاول فيه اسرائيل والولايات المتحدة ابعاد سورية عن حليفتها ايران وحثها على متابعة محادثات السلام مع اسرائيل".

ويقول كاتب المقال انه بالاضافة الى تقديم الحوافز للنظام السوري كي يغير سلوكه، هناك ضغط عسكري يمارس على دمشق والدليل على ذلك الغارة الاسرائيلية في سبتمبر/ ايلول 2007 على ما كان يعتقد انه بناء قيد الانشاء لمفاعل نووي او مصنعا للاسلحة الكيميائية.

وبينما اكتفت سورية حينها بالتكتم ثم الاستنكار وعدم الرد عمليا على الغارة، تابعت مفاوضاتها السرية مع اسرائيل حينها من خلال الوسيط التركي. بحسب بي بي سي.

ويضيف هايدر ان هذا الانفجار يأتي بعد ان تعرضت سورية في الاشهر الاخيرة الى سلسلة من التفجيرات اتهمت بتنفيذها مجموعات اسلامية متطرفة.

ويختم هايدر مقاله بالقول ان "كبار قادة الجيش الامريكي الذين قرروا شن العملية عبر الحدود لا بد انهم اعتبروا تنفيذ العملية ضرورة لمنع الاسلاميين من استعمال الاراضي السورية. كما ان القصد قد يكون البعث برسالة استراتيجية لدمشق مفادها ان على سورية ان تقرر جانب من تقف".

روسيا: امريكا تؤجج التوتر بهجومها على سوريا

من جهة ثانية إتهمت روسيا الولايات المتحدة بتأجيج التوتر الشديد الخطورة في الشرق الاوسط يوم الاثنين بعد ان قالت سوريا ان طائرات هليكوبتر امريكية هاجمت مزرعة قرب الحدود مع العراق.

وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان "موسكو استجابت بقلق شديد لما حدث. ونحن نعتقد ان الهجمات التي تستحق الادانة ينبغي عدم شنها على اراضي الدول ذات السيادة تحت شعار محاربة الارهاب. ومن الواضح ان مثل هذه العمليات العسكرية التي تقع من جانب واحد لها تأثير سلبي حاد على الوضع في المنطقة وتزيد من اتساع قاعدة التوتر المسلح شديد الخطورة."بحسب رويترز.

وكان الرئيس السوري بشار الاسد قد زار روسيا في اغسطس اب وكان من أوائل الزعماء الذين ساندوا التدخل العسكري الروسي في جورجيا وهي عملية ادانتها دول الغرب بوصفها غير متناسبة. وذكرت وسائل اعلام سورية ان دمشق تسعى لشراء انظمة صاروخية من موسكو.

الولايات المتحدة تقوم باعادة تقييم سياسة عزل سوريا

وقال مسؤولون وخبراء امريكيون إن الولايات المتحدة تقوم بتقييم سياستها الهادفة الى عزل سوريا في الشهور الاخيرة الباقية لحكومة بوش لكن ليس من المرجح ان تعيد سفيرها الى دمشق في أي وقت قريب.

وقال مسؤول امريكي بارز إن هناك محادثات حول كيفية ممارسة واشنطن "نفوذها" على دمشق بافضل وسيلة خاصة في اعقاب التقارب بين فرنسا وسوريا وزيارة الرئيس نيكولا ساركوزي لدمشق في الشهر الماضي. بحسب رويترز.

وقال المسؤول البارز الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع "اننا نبحث ما اذا كانت هناك بعض المزايا في اعادة تشكيل انفسنا دبلوماسيا."

وقال لرويترز في وقت متأخر يوم الجمعة بان التحرك الامريكي جاء وسط "علامات مشجعة" من جانب سوريا مثل مساعدتها في التوسط في انتخاب الرئيس اللبناني وقرارها باقامة علاقات دبلوماسية مع جارها الذي سيطرت عليه عسكريا لنحو ثلاثة عقود.

وفي اشارة لاحتمال حدوث دفء في العلاقات التقت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس بوزير الخارجية السوري وليد المعلم على هامش احتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في نهاية الشهر الماضي وهو ثالث اجتماع لهما خلال 18 شهرا.

وقال المعلم لقناة العربية التلفزيونية ومقرها في دبي إن محادثاته مع رايس كانت "ايجابية" وتعد "مدخلا الى حوار."

وقال مساعدو رايس إنها ضغطت عليه في عدة مجالات منها علاقات سوريا مع ايران وأمن الحدود السورية مع العراق و"اعمالها" داخل لبنان واستضافة الجماعات الفلسطينية المتطرفة الى جانب بطء الاصلاحات فيما يتعلق بحقوق الانسان.

واعقب ابرز دبلوماسيي وزارة الخارجية في الشرق الاوسط ديفيد ويلش ذلك باجراء مناقشات مطولة مع المعلم في نيويورك يوم الاثنين.

وقال الدبلوماسي البارز تعليقا على محادثات كل من رايس وويلش "اننا نتطلع الى سبل التحسين وان نجعل جهودنا اكثر فعالية من اجل دفعهم الى تغيير سلوكهم."

وكانت علاقات الولايات المتحدة باردة مع سوريا بصفة خاصة منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري في عام 2005 الذي تقول واشنطن انه من المرجح ان سوريا ضالعة فيه.

وكانت خطة واشنطن تقوم على عزل سوريا بسلسلة من العقوبات والقاء اللوم على دمشق في تأجيج اعمال العنف بالعراق بالسماح لمقاتلين اجانب بعبور حدودها. وسوريا مدرجة على قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للارهاب.

أمريكا تحذر سوريا من التدخل في لبنان

وأبدت الولايات المتحدة قلقها من الحشود العسكرية السورية عند الحدود الشمالية اللبنانية وقالت إن الهجوم الكبير الذي وقع في الاونة الاخيرة في دمشق لا ينبغي استخدامه ذريعة لاعادة القوات السورية الى لبنان.

وقال روبرت وود المتحدث باسم الخارجية الامريكية ان الولايات المتحدة ودولا أخرى أوضحت لسوريا أن أي تدخل من جانب دمشق في لبنان غير مقبول.

واضاف في حديثه للصحفيين "ان الهجمات الارهابية التي وقعت في الاونة الاخيرة في طرابلس (بلبنان)ودمشق لا ينبغي أن تكون ذريعة كما تعلمون لمزيد من التدخل العسكري السوري ولا يمكن استغلاله للتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية."بحسب رويترز.

وسيطرت سوريا بشدة على الشؤون السياسية والامنية في لبنان حتى عام 2005 حين اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري. وأثار ذلك الاغتيال ضغوطا دولية أدت في النهاية لاجبار سوريا على انهاء وجودها العسكري الذي استمر 29 عاما في لبنان وسحب قواتها.

وحذرت دمشق من تصاعد التشدد الاسلامي في شمال لبنان وقالت السلطات السورية ان السيارة المستخدمة في التفجير الانتحاري الذي وقع في دمشق الشهر الماضي عبرت الحدود من دولة عربية مجاورة. وبالاضافة الى لبنان هناك بلدان عربيان هما الاردن والعراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 29/تشرين الأول/2008 - 29/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م