المشهد الانتخابي للمرحلة القادمة في العراق

احمد جويد/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

رغم المعطيات والدلالات الكثيرة التي تخرج من أروقة البرلمان العراقي وتصريحات بعض السياسيين وما تصرح به المفوضية العليا للانتخابات حول انتخابات مجالس المحافظات القادمة والتي توحي بعدم إمكانية إجراء انتخابات خلال هذا العام، إلا أن هناك رغبة أمريكية إضافة إلى رغبة وإصرار بعض الكتل السياسية لإجرائها قبل حلول السنة القادمة وهو أمر ليس بالسهل ولا بالهين، حيث يجب وضع الاستعدادات اللازمة والكفيلة لنجاح العملية الانتخابية بصورة صحيحة ومرضية لأغلب الأوساط العراقية سواء الحزبية أو الجماهيرية أو المؤسسات التي تعنى بمراقبة سير الانتخابات وخلوها من الابتزاز أو التزوير.

 كل تلك التجاذبات جاءت على خلفية المادة (24) من قانون الانتخابات الذي تم التصويت عليه من قبل البرلمان وقامت هيئة الرئاسة بنقضه، وهي المادة التي تتعلق بكيفية إجراء الانتخابات في مدينة كركوك بعد اعتراض النواب الأكراد شاركهم فيه النائب الأول لرئيس البرلمان وقسم من أعضاء كتلة الائتلاف العراقي الموحد، الأمر الذي جعل من بقية الكتل السياسية تنظر إلى هذا المسألة بعين الريبة والخوف من تعثر العملية الديمقراطية جراء التعسف في استعمال الحق من قبل التحالف الكردستاني متمثلاً بشخص رئيس الجمهورية المنتمي إليه ومن يتحالف معه في هيئة الرئاسة معتبرين ذلك التصرف مبني وفق مصالح حزبية وليس على أسس قانونية أو أهداف تصب في إطار المصلحة العامة.

 إلا أن المادة (24) ومسألة كركوك ليست وحدها الدافع لتعطيل أو تأجيل العملية الانتخابية لمجالس المحافظات، حيث تنقسم سياسة الكتل في إجراء أو عدم إجراء تلك الانتخابات خلال موعدها المحدد إلى أسباب تنطلق في معظمها من مصالح حزبية كما أسلفنا، ففي الوقت الذي تشعر به بعض الجهات أنها مغبونة في تمثيلها السياسي داخل مجالس المحافظات تارة وشعورها بالتهميش من قبل الجهات التي حضت بالأغلبية في الانتخابات الماضية تارة أخرى، وإنها قد تم إقصائها في ظروف معينة، تتخوف جهات أخرى لا ترغب في إجراء الانتخابات وتريد تأجيلها إلى فترة أطول بحيث تستطيع الاحتفاظ بما حققته الانتخابات الماضية أطول فترة ممكنة، خصوصاً إذا علمنا إن قانون مجالس المحافظات يمنحها صلاحيات واسعة وكبيرة في الرقابة والتشريع والاستثمار وامتيازات أخرى كثيرة لم تحظى بها سابقتها.

 فالانتخابات القادمة هي مختلفة تماماً عن الانتخابات الماضية، إذ إن الظروف التي مرت بها انتخابات عام 2005م طرأ عليها الكثير من التغيير وعلى عدد من المستويات منها:

أولاً: المستوى الأمني:

فبالرغم من وجود شائعات من هنا وهناك تقول بتعرض بعض المرشحين أو من يحاولون ترشيح أنفسهم حالياً للانتخابات المقبلة إلى التهديد بالقتل أو ما شاكل ذلك، إلا أن الانتخابات الماضية شهدت وضعاً أمنياً مرتبكاً وغير مستقر تم فيه التعرض إلى حياة الناخب قبل المرشح، فالعديد من الحوادث التي وقعت في مختلف أنحاء العراق كانت تستهدف الناخبين قبل غيرهم علاوة على إن أسماء العديد من المرشحين غير معروفة من قبل الناخبين والمعارضين للعملية السياسية ناهيك عن خلو مناطق كثيرة من عملية الانتخابات سيطرت عليها بعض الأحزاب بصورة أو أخرى والتي كانت تعرف بالساخنة، كل تلك الأمور وغيرها تجعل من المناخ الأمني الحالي مختلف تماماً عن سابقه في عام 2005م.

ثانياً: اختلاف آلية الانتخابات:

باعتماد القائمة المفتوحة على الارجح بدلاً من القائمة المغلقة، الأمر الذي يجعل من كل مرشح التعريف بنفسه والترويج لحملته الدعائية قبل إجراء موعد الانتخابات بمده تحددها المفوضية العليا للانتخابات، على عكس الانتخابات الماضية التي تم خلالها اعتماد القائمة المغلقة والتي لم يكشف فيها عن أسماء المرشحين إلا بعد فرز الأصوات وظهور نتائج الانتخابات.

ثالثاً: أهمية المشاركة وحجمها: ومرد ذلك إلى أمرين؛

 الأمر الأول، هو حداثة التجربة الانتخابية في العراق والتي اعتبرها الكثيرون مصيرية في بعض المحافظات وبالخصوص المتضررة من حكم البعث والخوف الذي كان يراود الناس من عودة البعث مرة أخرى إلى السلطة وبزي آخر.

 الأمر الثاني، هو تزامن انتخاب مجالس المحافظات مع انتخابات الجمعية الوطنية السابقة بنفس الوقت ووجود رغبة كبيرة في التغيير، دفع هذا الشعور أغلب الناس إلى المشاركة وبصورة جدية وكبيرة في الاشتراك بالانتخابات الماضية الشيء الذي قد لا نراه في انتخابات مجالس المحافظات القادمة.

رابعاً: حجم المشاركة السياسية:

والتي بدت واضحة المعالم في سجلات المفوضية العليا للانتخابات بالرغبة الكبيرة في الترشيح من قبل كتل وأحزاب لم تشترك في العملية السياسية في الفترة الماضية، إضافة إلى العديد من الشخصيات المستقلة التي دخلت بقوائم منفردة، الأمر الذي يجعل المنافسة صعبة وصعبة جداً في الانتخابات القادمة على الجهات والكيانات السياسية التي دخلت العملية الانتخابية الماضية بوجود منافسة أقل بكثير مما يمكن أو لا يمكن توقعه في المرحلة القادمة.

خامساً: وضوح الرؤية:

والتي لم تشهدها العملية الانتخابية الماضية بسبب جهل المرشحين بدور مجالس المحافظات والصلاحيات الممنوحة له والامتيازات المادية والمعنوية التي يتمتع بها عضو مجلس المحافظة، الشيء الذي دفع عدد غير قليل من المواطنين لترشيح أنفسهم للحظوة بكل هذه الامتيازات والتي قد تكون أكبر في المجالس القادمة.

 ورغم كل ما يشاع في المؤتمرات الصحفية ووسائل الإعلام بتأجيل هذه الانتخابات إلا أن اغلب الكتل بالإضافة إلى كتل وشخصيات أخرى خارج العملية السياسية تقوم بالتهيئة والاستعداد إلى الانتخابات المقبلة وبكل جدية وكأنها تجرى ضمن وقتها المحدد، وهذه الاستعدادات أخذت أشكال مختلفة منها:

1- الاعتماد على التحالف مع العشائر والشخصيات المتنفذة داخل الوسط العشائري كأسلوب غير مستخدم في الانتخابات الماضية قد يجدي وجود نوع من الدعم والقوة إلى الكتل السياسية التي تسير بهذا الاتجاه بسبب خلو هذه الانتخابات من النزعة الطائفية إلا في مدن قليلة تكاد تكون نسبتها بسيطة جداً بالمقارنة مع مدن العراق الأخرى.

2- الاعتماد على نفوذ السلطة، فهناك عدد من القوائم تعتمد على إغراء المرشح بحصوله على بعض الامتيازات لوجود داعمين لها في الوسط الحكومي والسلطوي.

3- رفع ورقة المظلومية من قبل بعض الجهات التي تروج لمرشحيها وذلك من خلال إشعار الناخب بأنها اقصيت من الانتخابات الماضية بسبب مواقفها الوطنية.

4- الاعتماد على النيل من الجهات المنافسة والتي لها ثقل كبير من خلال التشهير بالإخفاقات والفساد المالي والإداري لأعضاء المجالس الحالية.

5- الاعتماد على التحالفات غير تقليدية من قبل بعض الكيانات الحزبية مع جهات أو كيانات مختلفة معها في الأفكار والتوجهات في الفترة الماضية.

ومن خلال هذا المشهد يمكن أن نتوقع:

* حصول حالات معتد بها من التزوير في بعض مراكز الاقتراع.

* ظهور اعتراضات كبيرة من قبل الكيانات والكتل السياسية الداخلة في الانتخابات على نتائج الانتخابات.

* وصول وجوه جديدة لشغل عضوية مجالس المحافظات مع احتفاظ عدد قليل جداً من الأعضاء السابقين بمقاعدهم في المجلس من خلال إعادة انتخابهم مرة أخرى.

* ظهور تحالفات جديدة غير تلك التي تشهدها الانتخابات داخل تركيبة المجالس الجديدة وفق مصالح حزبية وشخصية الهدف منها السيطرة على رئاسة المجلس وشغل منصب المحافظ.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/تشرين الأول/2008 - 25/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م