بوكا الحُصن المخيف

 هل سيخرج من الظلمات إلى ضوء القانون العراقي؟

شبكة النبأ: بعد اندلاع الحرب في العراق في ربيع 2003، باتت أعداد غفيرة من العراقيين بتهم أو من دونها، يرزحون في غياهب السجون الأمريكية، دون توجيه التهم لهم، فلمجرد الاشتباه بأي شخص يكون آنها ضيفا طويلا في سجون مرعبة ومخيفة، فاحت رائحة فضائحها وسرت أخبارها إلى العالم بأسره.

في قاعة الزيارة في معسكر السجن التابع للقوات الامريكية بالبصرة جنوب العراق، جلست دلال هاشم (25 عاما) قبالة زوجها عباس داود سلمان مع اطفالهما الذين جلبتهم ليروه للمرة الاولى منذ اعتقاله قبل 14 شهرا.

وتشبثت آمنة الطفلة الصغيرة التي لم تر والدها قط برقبة أمها. وأحاط عبد الله ذو الاربعة أعوام والده بذراعيه الذي ابتسم بدوره في صمت. وقالت الام: إنهم يفتقدونه. هذا مؤلم.

وعند الاقتراب من معسكر اعتقال بوكا التابع للجيش الامريكي من الجو يبدو من الضباب الذي تسببه شدة حرارة الجو في الصحراء وكأنه خليط بين حصن من العصور الوسطى ومتنزه متهالك بأحدى الضيعات. وأول ما تلاحظه هو مساحته المذهلة. بحسب رويترز.

ويوجد بالمعسكر ثمانية الاف سجان وأكثر من 15000 سجين من جميع أنحاء العراق ويقع في منطقة قاحلة نائية على امتداد الحدود العراقية الكويتية وهو محاط بالاسلاك الشائكة وأبراج الحراسة وساحات للتخلص من المعادن الخردة.

وينتج مخبزه 150 الف رغيف خبز عربي في اليوم. ويوفر نظام التنقية 700 الف جالون من مياه الشرب. وينظر حراس في 40 برجا الى الخارج والداخل على مدار الساعة وهم يضعون بنادقهم في وضع الاستعداد.

وقال البريجادير جنرال ديفيد كوانتوك المسؤول عن المعتقلات الامريكية في العراق: بوكا هو سابع عجائب الدنيا.

والمعسكر هو المركز الرئيسي لأرخبيل من المعتقلات التابعة للجيش الامريكي وقع عشرات الالاف من العراقيين في شركها على امتداد فترة الحرب التي تبلغ خمسة اعوام ونصف العام حيث تحتجز الأغلبية الساحقة لأشهر أو حتى لسنوات دون توجيه اي اتهامات او السماح لها بتمثيل قانوني.

ويقول الجيش الامريكي إنه تم ادخال اصلاحات شاملة على النظام منذ فضيحة سجن أبو غريب عام 2004 حين نشرت صور لجنود يهينون المعتقلين جنسيا مما ألحق عارا عالميا بالجيش.

وفي ظل بلوغ العنف أدنى مستوياته خلال أربعة أعوام يجري الافراج عن المعتقلين حاليا بسرعة أكبر من السرعة التي يعتقلون بها. ومن المقرر إخلاء معسكر بوكا في منتصف عام 2009.

لكن بالنسبة للكثير من العراقيين خاصة العرب السنة الذين يمثلون ما يصل الى 80 في المئة من المعتقلين فان هذا الموعد ليس قريبا بما فيه الكفاية.

وقال نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي وينتمي الى العرب السنة لرويترز: نطالب باغلاق جميع السجون الامريكية واطلاق سراح المعتقلين في اطار اتفاق ملائم.

وأضاف، بالتأكيد هذا ليس كافيا. عمليات الافراج اليومية لا تقلل من اجمالي أعداد المعتقلين بشكل ملحوظ. (السجون) ما زالت مكتظة.

وفي نهاية العام الحالي ينتهي الاساس القانوني لهذه المعتقلات وهو قرار من مجلس الامن الدولي يفوض القوات باحتجاز أي شخص تعتبره مصدر تهديد لاجل غير مسمى وخارج نطاق سيطرة المحاكم العراقية.

وذكر مسؤولون أمريكيون أنهم يعملون بسرعة للالتزام بهذه المهلة حتى يتماشى نظام معتقلاتهم مع القانون العراقي.

وقال كوانتوك إنه في ما مضى لم يكن يحاكم امام محكمة عراقية سوى نحو ربع المعتقلين. وعلى مدار الشهر المنصرم رفعت القوات الامريكية هذا المعدل ليصل الى نحو النصف وستضمن القوات محاكمة جميع الذين يسجنون مستقبلا بعد الاول من يناير كانون الثاني.

والخطة هي خفض الاعداد الى نحو سبعة الاف واغلاق بوكا بحلول منتصف عام 2009 ونقل المعتقلين المتبقين الى معسكر اخر في قاعدة جوية قرب بغداد.

وقال كوانتوك: لا نستطيع أن نفتح البوابات ببساطة. معظم معتقلينا تتراوح اعمارهم بين 18 و26 عاما. لا نريد أن نأخذ 15 الف معتقل ونلقيهم في ساحة المعركة.

وربما يكون بوكا احسن كثيرا من أبو غريب لكنه كان له نصيبه من المشاكل. ويقول كوانتوك انه في منتصف العام الماضي شهد المعسكر اعمال شغب هائلة حيث قام مئات النزلاء بقذف الحجارة واحراق الخيام.

وفي 14 مايو ايار هذا العام احتجز حراس ثمانية معتقلين في زنزانة من الصلب جرى رشها برذاذ الفلفل الاسود وأغلقوا نظام التهوية الخاص بها. ووجهت البحرية اتهامات لستة بحارة بارتكاب انتهاكات بشأن هذه الواقعة وعاقبت سبعة آخرين إداريا.

وقالت الكوماندور جين كامبل المتحدثة باسم البحرية في أغسطس آب حين تم اعلان الاتهامات: كانت هناك بعض المشاكل بين المعتقلين والحراس (في ذاك اليوم) تراوحت من البصق الى القاء مخلفات من مخلفات الجسم على بعض الحراس.

وعاد كوانتوك الذي أرسل الى العراق أول مرة عام 2004 في أعقاب فضيحة ابو غريب لادارة نظام الاعتقال بعد أن وضع دليلا جيدا للاعتقالات يؤكد على اعادة التأهيل.

ويصف قادة الاعتقال الان بأنه جزء من استراتيجية اوسع نطاقا لمكافحة التمرد تهدف الى كسب القلوب والعقول.

ويقسم السجناء بعناية الى مجموعات تبعا لمدى خطورتهم بحسب ما يعتقده الامريكيون وهو نظام صمم ليس لتقليل التهديد فحسب بل وأيضا لمكافأة السلوك الجيد.

وهناك نحو ستة الاف "معتدل" في أقل الظروف حدة حيث يعيشون في مخيمات مفتوحة ضخمة اشبه بالقرى وتوجد بها ساحات للانشطة الترفيهية وملاعب لكرة القدم وخيام ضخمة مكيفة الهواء يتم استخدامها جماعيا.

ويحتجز السجناء المتطرفون البالغ عددهم نحو الفين 22 ساعة في اليوم في حاويات شحن من الصلب بها مرحاض وجهاز تكييف هواء ويمكن ان يعيش بها ما يصل الى عشرة رجال.

ويقدم مدرسون يجري الفصل عادة بينهم وبين تلاميذهم بسلك من الصلب دورات مدتها ستة أسابيع لمحو أمية اللغة العربية فضلا عن دورات في الانجليزية والرياضيات.

ويبلغ المعتقلون باستمرار أن الدورات يمكن أن تساعدهم في العودة الى ديارهم. وتظهر علامة مرسومة يدويا بالانجليزية والعربية الفصول على أنها محطات على طريق يزداد اتساعا وينتهي "بالحافلة السعيدة" الى خارج بوكا.

وتخضع ملفات السجناء لعدة مراجعات قبل أن تصل الى المعسكر لكن المعتقلين لا تتاح لهم فرصة للرد على الاتهامات الموجهة اليهم شخصيا الى أن تنعقد أول لجنة مراجعة للقوات المتعددة الجنسيات وتعقد في المتوسط بعد أربعة اشهر من اعتقالهم.

وتفرج لجان المراجعة التي تتألف الواحدة منها من ثلاثة أعضاء عن اكثر من 40 في المئة من المعتقلين الذين يمثلون أمامهم لكنها لا تستطيع مراجعة اكثر من 120 قضية يوميا. وعلى من يفشل في اقناع اللجنة باطلاق سراحه الانتظار لما يصل الى ستة اشهر لتعقد جلسة تحقيق ثانية.

وأثناء زيارة قامت بها رويترز مثل سجين يخضع لحراسة مشددة وجرى تعريفه بثلاثة ارقام من رقمه المسلسل المكون من ستة أرقام امام اللجنة مرتدياً قميصاً قطنياً ابيض وسروال بيجامة أصفر اللون وكانت يداه مكبلتان بالاصفاد.

وهو محتجز منذ ثلاث سنوات حيث اعتُقل في بغداد وعثر على بندقية قناصة في منزله فضلا عن اثار مادة تي ان تي المتفجرة على يديه.

وسألت اللجنة ان كان قد انضم الى أي صف من الصفوف. فقال لم انظم. ولدى سؤاله ان كانت لديه أقوال أخرى قال: أريد منكم أن تنظروا الي والى وضع عائلتي وتضعوا هذا نصب أعينكم فحسب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/تشرين الأول/2008 - 25/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م